النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الإمام الحسن العسكري "ع" والخلفاء العباسيين
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص9-31
2025-08-12
44
إصرارهم على قتل الإمام العسكري ( عليه السلام )
ذكرت مصادر الأديان والتاريخ أن المنجمين أخبروا نمروداً بأن مولوداً سيولد في تلك السنة في عاصمته ، وأنه يُخشى منه على ملكه ، فمنع الناس من الإنجاب ، وأمر بقتل كل مولود ذكر !
وكذلك أخبروا فرعون ، فكان يقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل .
ففي تفسير القمي ( 1 / 207 ) : ( وكل نمرود بكل امرأة حامل ، فكان يذبح كل ولد ذكر ، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، وكان يشب إبراهيم في الغار يوماً كما يشب غيره في الشهر ، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة ، فلما كان بعد ذلك زارته أمه ، فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني ، فقالت له يا بني إن المَلِك إنْ علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ) .
وفي كمال الدين ( 1 / 21 ) : ( كان إبراهيم ( عليه السلام ) في سلطان نمرود مستتراً غير مظهر نفسه ، ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه ، إلى أن دلهم إبراهيم ( عليه السلام ) على نفسه ، وأظهر لهم أمره ، بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره ، للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه ) .
وروى الحاكم ( 2 / 574 ) : ( ولما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله ، وذلك شئ أسرها الله به ، لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران ، بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن وفتش النساء تفتيشاً لم يفتشهن قبل ذلك ، وحملت أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها ، ولم يتغير لونها ، ولم يفسد لبنها ، ولكن القوابل لا تعرض لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابل ، ولم يطلع عليها أحد إلا أختها مريم . وأوحى الله إليها : أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين ، قال : فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه وعليها ، عملت له تابوتاً مطبقاً ومهدت له فيه ، ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها الله ! وعملت التابوت على عمل سفن البحر خمسة أشبار في خمسة أشبار ولم يُقَيَّر ، فأقبل التابوت يطفو على الماء فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل ، فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل ، فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه : إئتوني بهذا التابوت فأتوه به ، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى ، قال فلما نظر إليه فرعون قال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح ، وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولوداً يولد !
قال وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء المعدودات ومن بنات الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وكانت أماً للمسلمين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها ، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة ، فدعه يكون قرة عين لي ولك ، لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) . انتهى .
وفي كمال الدين ( 1 / 21 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن لله رسلاً مُستعلنين ورسلاً مُستخفين ، فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين . وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى : وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا . فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم إلى وقت ظهور إبراهيم ( عليهم السلام ) ، أوصياء مستعلنين ومستخفين ، فلما كان وقت كون إبراهيم ( عليه السلام ) ستر الله شخصه وأخفى ولادته ، لأن الإمكان في ظهور الحجة كان متعذراً في زمانه ، وكان إبراهيم ( عليه السلام ) في سلطان نمرود مستتراً لأمره غير مظهر نفسه ، ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه ، إلى أن دلهم إبراهيم ( عليه السلام ) على نفسه وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ، ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله ، في إثبات حجته وإكمال دينه . فلما كان وقت وفاة إبراهيم ( عليه السلام ) كان له أوصياء حججاً لله عز وجل في أرضه يتوارثون الوصية ، كذلك مستعلنين ومستخفين ، إلى وقت كون موسى ( عليه السلام ) ، فكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسى ( عليه السلام ) الذي قد شاع من ذكره وخبر كونه ، فستر الله ولادته ، ثم قذفت به أمه في اليم ، كما أخبر الله عز وجل في كتابه : فالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْن . وكان موسى في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه ، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه ) .
فقد عرف نمرود وفرعون أن زوال ملكهم على يد مولود يولد في سنة كذا ، فأخذوا يقتلون مواليد تلك السنة .
أما العباسيون فعرفوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الصادق الأمين أن التاسع من ذرية ولده الحسين ( عليه السلام ) سيملأ الأرض عدلاً ، وينهي دولة الجبارين ، فرأوا أن لا ينتظروا حتى يولد ، بل يقتلوا جده ، أو أباه ، قبل ولادته !
روى الحر العاملي في إثبات الهداة ( 3 / 570 ) عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) قال : ( وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : إحداهما أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادعائنا إياها وتستقر في مركزها . وثانيهما : أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا ، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإبارة نسله ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله ، وَيَأْبَى اللَّه إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) .
وعندما ولد ابنه المهدي ( عليهما السلام ) قال : ( زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ) . ( مهج الدعوات / 276 ) .
الخليفة كراكب الأسد !
وصف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحاكم بقوله : ( صاحب السلطان كراكب الأسد ، يُغبط بموقعه ، وهوأعلم بموضعه ) . ( نهج البلاغة : 4 / 63 ) .
وهذا يوم كانت الخلافة أسداً ، أما بعد أن تسلط عليها الجنود الأتراك في سامراء وبغداد فصارت ذئباً ، لأنهم كانوا يأتون بعباسي فيُركِّبُونَهُ على ظهر الذئب ، فيكون آمراً في الظاهر ويظل يتلفت حواليه وفوقه وتحته ، متى يَجُرُّونَهُ عن ظهر الذئب العزيز ، ويقتلونه شر قتلة !
وكان الخليفة مضافاً إلى خوفه من غضب القادة الأتراك ، يخاف من ثورات العلويين في مناطق الدولة الواسعة ، ويخاف من ثورات غير العلويين كالزنج العبيد في البصرة ، وابن الصفار في إيران !
لكن الخوف الأكبر للخليفة كان من ولادة الثاني عشر من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لأنه المهدي الموعود ، الذي يزيل دولة بني العباس ، ويقيم دولة العدل ، فهو خطرٌ يفوق في رأيه كل الأخطار !
كل الحكام يخافون من المهدي الموعود !
كان الحكام القرشيون يعرفون حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن المهدي الموعود ويسألون عن تفاصيله ، ويرجون أن لا يكون في عصرهم !
قال عمر بن الخطاب لعلي ( عليه السلام ) : ( يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ قال أما اسمه فلا ، إن حبيبي وخليلي عَهِدَ إليَّ أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله عز وجل ، وهو مما استودع الله عز وجل رسوله ( صلى الله عليه وآله ) في علمه ) . ( كمال الدين / 648 ) .
فقد أراد عُمر أن يعرف وقت المهدي ، وهل سيكون في عصره ، فأبقاه علي ( عليه السلام ) في شك ، ولم يخبره عن الوقت الذي قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وقال معاوية لابن عباس : ( وقد زعمتم أن لكم مُلكاً هاشمياً ، ومهدياً قائماً ، والمهدي عيسى بن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه ) !
رواه في الملاحم والفتن / 115 ، عن الطبري المؤرخ المعروف في كتابه : عيون أخبار بني هاشم ، الذي صنفه للوزير علي بن عيسى بن الجراح .
وكان الناس بعد معاوية يسألون أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عنه فلا يخبرونهم .
قال أبو خالد الكابلي : ( لما مضى علي بن الحسين دخلت على محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك ، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده ، قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قلت : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه ، فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة ( عليها السلام ) عرفوه ، حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة ) . ( غيبة النعماني / 288 ) .
يقصد أنه يوجد من أولاد فاطمة ( عليه السلام ) حسادٌ ، ومتعاونون مع السلطة .
وقد ثار عبد الرحمن بن الأشعث ، وادعى أنه اليماني وزيرالمهدي الموعود ( عليه السلام ) . قال البلاذري في التنبيه والأشراف / 272 : ( خَلَعَ عبد الملك وذلك بإصطخر فارس ، وخلعه الناس جميعاً ، وسمى نفسه ناصر المؤمنين ، وذكر له أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية ) .
( جعل عبد الملك بن مروان لا ينام الليل من الفكر والغم ، وربما هجع ثم يستيقظ كالفزع المرعوب ، وهو يقول : لقد تركني ابن الأشعث في هجوع . . وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية فدعاه ، وكان خالد بن يزيد علَّامة بأيام الناس عارفاً بكتب الفتن ، فقال له : ويحك يا أبا هاشم ، هل تتخوف علينا من الرايات السود شيئاً ، فإنا نجد في الكتب أن ذهاب ملكنا على أيديهم ؟ قال له خالد : وما اسم بلد هذا الرجل الذي خرج عليك يا أمير المؤمنين ؟ قال : سجستان ، قال خالد : الله أكبر ، لا تخف يا أمير المؤمنين ما لم يأتك الأمر من قعر مرو ) ! ( الفتوح لابن الأعثم : 7 / 85 ) .
وعندما ضعفت دولة بني أمية حاول الثوار عليها من حسنيين وعباسيين استغلال روايات المهدي الموعود ( عليه السلام ) ، ليجعلوها تنطبق عليهم ! فقال لهم كبير الهاشميين عبد الله بن الحسن المثنى : ( قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه . وقال أبو جعفر المنصور : لأي شئ تخدعون أنفسكم ، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ، يريد محمد بن عبد الله ! قالوا : قد والله صدقت ، إن هذا لهو الذي نعلم ، فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده !
قالوا : وجاء جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه ، فقال جعفر : لا تفعلوا فإن هذا الأمرلم يأت بعد ! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله ، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك . فغضب عبد الله وقال : علمتَ خلاف ما تقول ! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني ! فقال ( عليه السلام ) : والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم ، وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال : إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإن ابنيك لمقتولان ) ! ( مقاتل الطالبيين / 171 ) .
وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 239 ، عن عمير بن الفضل الخثعمي قال : ( رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه ، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود ، وأبو جعفر ينتظره ، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب ، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد ، فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداً : من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ ! قلت : لا . قال : هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، مهدينا أهل البيت ) !
ثم جرت الأيام والمقاديركما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقَتَل المنصور سيده مهدي الحسنيين ، الذي كان يمسك له بركابه ، وادعى المهدية لابنه وسماه المهدي ، وبنى له قصر الرصافة ونصبه ولي عهده .
ولم يكتف حتى أشهد الناس زوراً بأنه المهدي الذي بشر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى أبو الفرج في الأغاني ( 13 / 313 ) عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك فأمر بإحضار الناس فحضروا ، وقامت الخطباء فتكلموا ، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله ، وفيهم مطيع بن أياس ، فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء ، قال للمنصور : يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : المهدي منا ، محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ! وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك ! ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك الله هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافةً من المنصور ! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي . قال : ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال : أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله ، حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفاً ، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب ) !
ملاحظات
1 . هذه النصوص وغيرها أضعافها ، تدل على أن البشارة النبوية بالمهدي ( عليه السلام ) كانت معروفة عند الحكام القرشيين ، يؤمنون بها ، ويحاول بعضهم مصادرتها وتطبيقها عليه !
2 . لكنهم مع ذلك ، كانوا يعتقدون أن المهدي من وُلد علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ، وليس من ولد العباس ! وقد اعترف بذلك هارون الرشيد ، فقال إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس ( إعلام الورى : 2 / 165 ) : ( كنت يوماً عند الرشيد فذكر المهدي وما ذكر من عدله ، فأطنب في ذلك ، فقال الرشيد : أحسبكم تحسبونه أبي المهدي ! حدثني عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبد المطلب ، أن النبي قال له : يا عم ، يملك من ولدك إثنا عشر خليفة ، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثم يخرج الدجال ) .
ورقم الاثني عشر في الرواية لا يصح ، لأن الأئمة من ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر ، أما ملوك بني العباس فأكثر . والذي يهمنا من النص اعتراف الرشيد بأن المهدي ليس من ولد العباس ، بل من ولد فاطمة ( عليها السلام ) كما ورد في الحديث .
قال السيوطي في الدر المنثور ( 7 / 484 ) : ( وأخرج أبو داود ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم ، عن أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة ( عليها السلام ) ) .
وفي الكافي ( 8 / 210 ) : ( عن سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداءً من نفسه : يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي بيده لسمعت أذني منه يقول : لا بد من مناد ينادي باسم رجل .
قلت : يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ، فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا . قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة ، ثم قال : يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي ) !
3 . ثم تفاقم خوف الخلفاء العباسيين عندما بلغ أئمة العترة ( عليهم السلام ) أحد عشر ، لأن المهدي هو الثاني عشر منهم ، فاستنفروا .
وهذا هو السر فيما تراه من عملهم الحثيث لقتل الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، قبل أن يُنجب ولده الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) !
4 . إصرار أربعة خلفاء على قتل الإمام العسكري ( عليه السلام )
قصرت أعمار الخلفاء العباسيين بعد المتوكل ، لأنه قَتَلَ قائدَ الأتراك العام إيتاخ ، الذي ربَّى المتوكل في بيته فكان يناديه : يا أبي ! فأخذ الأتراك ثأرهم من المتوكل وقتلوه ، وأمسكوا بالخلافة ، فكانوا ينصبون الخليفة ويعزلونه ، حتى قتلوا أربعة خلفاء في سبع سنين : المنتصر « 247 - 248 » والمستعين « 248 - 252 » والمعتز « 252 - 255 » والمهتدي « 255 - 256 » .
ثم جاؤوا بالمعتمد ، فحكمَ طويلاً « 256 - 279 » .
قال اليعقوبي في البلدان « 1 / 16 » يصف حكم خمسة خلفاء في بضع سنوات : « مات المنتصر بسرَّ من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين . ووليَ المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ، فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر ، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين ، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي .
ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز ، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين . وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتن ، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قُتل .
وولي أحمد المعتمد بن المتوكل فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة ، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى ، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ، ثم إلى المدائن » .
أقول : في هذه المرحلة غضب الله على العباسيين فاضطرب نظام الخلافة ! فقُتل المتوكل وقصرت أعمار الخلفاء ، ووقع بينهم الصراع ، وبينهم وبين قادة جيشهم الأتراك ، وبين الأتراك أنفسهم .
وفي هذه الصراعات كانوا يقتلون الخليفة الذي لا يعجبهم ، ويختارون عباسياً غيره . وكانت الطريقة المفضلة لقتل الخليفة أن يعصروا خصيتيه حتى يموت !
والعجيب أن هؤلاء ( الخلفاء ) الأذلاء أمام الأتراك ، نشطوا لقتل الإمام الهادي وابنه ( عليهما السلام ) ، خوفاً من أن ينجب المهدي الموعود ( عليه السلام ) !
فقد كانوا يرون أن الترك ملزمون باختيار خليفة عباسي ، أما العلويون فينتظرون إمامهم الموعود الذي سيطهر الأرض من الجبابرة . لذلك كانت عداوتهم للعلويين أشد ، وكان حرصهم على قتل الإمام ( عليه السلام ) قبل أن ينجب !
5 . كيف تعامل العباسيون واليهود مع المغيبات !
إذا أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمر غيبي وأنه سيقع حتماً ، فلا يمكن لأحد أن يمنع وقوعه ، لأنه أمرٌ قدره الله وقضاه وأمضاه ، ولا رادَّ لقضاء الله عز وجل ، ولا يمكن عمل شئ مقابله .
ففي كتاب سُلَيْم بن قيس / 363 ، أن علياً ( عليه السلام ) قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يبكي : « بأبي أنت وأمي يا نبي الله أتُقتل ؟ قال : نعم أهلكُ شهيداً بالسم ! وتُقتل أنت بالسيف وتُخضب لحيتك من دم رأسك . ويُقتل ابني الحسن بالسم . ويُقتل ابني الحسين بالسيف ، يقتله طاغٍ ابن طاغ ، دعيُّ ابن دعي » !
وفي الخرائج ( 1 / 241 ) أن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قال : ( إني أموت بالسم كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقالوا : ومن يفعل ذلك ؟ قال : امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس ، فإن معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك . قالوا :
أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك ! قال : كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً ، ولو أخرجتها ما قتلني غيرها ، وكان لها عذرٌ عند الناس » !
هكذا تعامل أهل البيت ( عليهم السلام ) مع إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالمغيبات ، لأن العمل على تغييرها قلة إيمان وقلة عقل ! لكن اليهود رغم اعتقادهم بإخبار الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فهم لغلبة هواهم على عقلهم يحاولون تغيير مقادير الله تعالى !
وأمثلة ذلك في تاريخهم كثيرة ، ومنها في عصرنا اعتقادهم بأن زوال دولتهم سيكون على يد القائد البابلي الآتي من العراق ، لكنهم يعملون حتى لا يظهر ! وقد صرح وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد ، بعد احتلالهم العراق بأيام ، بأنهم فعلوا ذلك خدمةً لمصلحة إسرائيل ! وكتب حاخام كتاباً باسم : الدخول الثاني إلى بابل ! فهم يفهمون مقادير الله ، لكن هواهم غالب على عقلهم !
وخلفاء بني العباس كاليهود في هذا الأمر ، فهم يؤمنون ببشارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالمهدي وأنه من ذرية علي وفاطمة ( عليهما السلام ) والثاني عشرمن أئمة العترة ، ومع ذلك عملوا لتغيير مقادير الله تعالى ، وقتل أبيه حتى لا يولد !
كان المتوكل يعرف أن الإمام الهادي ( عليه السلام ) هو الإمام العاشر ، وفرض عليه الإقامة في سامراء وعمل لقتله وقتل أولاده ، لكن الله قتله قبل ذلك !
وكان للإمام الهادي ( عليه السلام ) أربعة أولاد وبنت ، هم : عَلَيَّة ، ومحمد ، ثم الحسن ، وأخوه حسين ، وجعفر . « مناقب آل أبي طالب : 3 / 505 » وكان العباسيون يقدرون أن ابنه الكبير محمداً هو الحادي عشر ، وأن المهدي سيكون ابنه .
لذلك لا نستبعد أن يكون المستعين قتل محمداً بن الإمام الهادي ( عليه السلام ) بعد خروجه من سامراء ، وهو في طريق رجوعه إلى المدينة .
قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « 10 / 5 » : « أبو جعفرمحمد بن الإمام علي أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) توفي في حدود سنة 252 جليل القدر عظيم الشأن ، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه ( عليه السلام ) ، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي ( عليه السلام ) . وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتيَ به إلى العراق ثم قدم عليه في سامراء ، ثم أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها ، ومشهده هناك معروف . ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامَهُ على ذلك : قد شقَّ موسى على أخيه هارون » .
والمرجح أن يكون قَتْلُه ( رحمه الله ) سنة خمسين أو إحدى وخمسين ، لأن المستعين حاول قتل أخيه الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) أيضاً ، وقد قتل الله المستعين سنة 252 ، أي قبل شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) بنحو سنتين !
فقد روى الكليني ( قدس سره ) « 1 / 507 » أن المستعين أحضر الإمام العسكري في حياة أبيه ( عليهما السلام ) وطلب منه أن يركب بغلاً شموساً ، ليقتله ويتخلص منه !
قالت الرواية : ( حدثني أحمد بن الحارث القزويني قال : كنت مع أبي بسرَّ من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد ، قال : وكان عند المستعين بغلٌ لم يُرَ مثله حسناً وكبراً ، وكان يمنع ظهره واللجام والسرج وقد كان جمع عليه الرَّاضَةُ ( المدربين ) فلم يمكن لهم حيلةٌ في ركوبه ، قال فقال له بعض ندمائه : يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن الرضا حتى يجيئ ، فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه ، قال : فبعث إلى أبي محمد ومضى معه أبي . فقال أبي : لما دخل أبو محمد الدار كنت معه فنظر أبو محمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار ، فعدل إليه فَوَشَعَ بيده على كِفْلِهِ قال فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه !
ثم صار إلى المستعين ، فسلم عليه فرحَّبَ به وقَرَّب ، فقال : يا أبا محمد ألجم هذا البغل ، فقال أبو محمد لأبي : ألجمه يا غلام ، فقال المستعين : ألجمه أنت ، فوضع طيلسانه ثم قام فألجمه ، ثم رجع إلى مجلسه وقعد .
فقال له : يا أبا محمد أسرجه ، فقال لأبي : يا غلام أسرجه ، فقال : أسرجه أنت ! فقام ثانية فأسرجه ورجع ، فقال له : ترى أن تركبه ؟ فقال : نعم ، فركبه من غير أن يمتنع عليه ، ثم ركَّضَهُ في الدار ، ثم حمله على الهملجة ( شبيه الهرولة ) فمشى أحسن مشيٍ يكون ، ثم رجع ونزل ، فقال له المستعين : يا أبا محمد كيف رأيته ؟ قال : يا أمير المؤمنين ما رأيت مثله حسناً وفراهةً ، وما يصلح أن يكون مثله إلا لأمير المؤمنين .
قال فقال : يا أبا محمد فإن أمير المؤمنين قد حملك عليه ، فقال أبو محمد لأبي : يا غلام خذه ، فأخذه أبي فقاده ) .
وبذلك أفشل الله مكيدة الخليفة وحفظ وليه ( عليه السلام ) ، وينبغي أن يكون ذلك سنة إحدى وخمسين أو قبلها ، لأن المستعين ذهب فيها إلى بغداد ولم يعد حتى قُتل .
وكان عُمْرُ الإمام العسكري ( عليه السلام ) يومها نحو عشرين سنة ، ونلاحظ أن المستعين كَنَّاهُ بأبي محمد وهو تجليلٌ لا يفعله الخليفة إلا مع كبار الشخصيات .
وهو يدل أيضاً على أن كنية أبي محمد كانت للإمام العسكري ( عليه السلام ) من صغره !
صورة عامة لمحاولاتهم قتل الإمام ( عليه السلام ) !
قال الإمام العسكري ( عليه السلام ) عندما ولد ابنه ( عليهما السلام ) : ( زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ) . ( مهج الدعوات / 276 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل وقد كذب الله عز وجل قولهم والحمد لله ) . ( لما حملت جارية أبي محمد ( عليه السلام ) قال : ستحملين ذكراً واسمه محمد ، وهو القائم من بعدي ) . ( كمال الدين / 407 ) .
وقال السيد ابن طاووس في مهج الدعوات / 273 : ( فمن الخلفاء الذين أرادوا قتله المسمى بالمستعين من بني العباس ، رويناه من كتاب الأوصياء وذكر الوصايا ، تأليف السعيد علي محمد بن زياد الصيمري ، من نسخه عتيقة عندنا الآن ، فيها تاريخ بعد ولادة المهدي صلوات الله عليه بإحدى وسبعين سنة ، ووجد هذا الكتاب في خزانة مصنفه بعد وفاته سنة ثمانين ومائتين ، وكان رضي الله عنه قد لحق مولانا علي بن محمد الهادي ، ومولانا الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما ، وخدمهما وكاتباه ووقعا إليه توقيعات كثيرة . فقال في هذا الكتاب ما هذا لفظه : ولما هَمَّ المستعين في أمر أبي محمد ( عليه السلام ) بما هم ، وأمر سعيد الحاجب بحمله إلى الكوفة وأن يحدث عليه في الطريق حادثة ، انتشر الخبر بذلك في الشيعة فأقلقهم وكان بعد مضي أبي الحسن ( عليه السلام ) بأقل من خمس سنين ، فكتب إليه محمد بن عبد الله والهيثم بن سبابة : بلغنا جعلنا الله فداك خبر أقلقنا وغمنا وبلغ منا . فوقَّع : بعد ثلاث يأتيكم الفرج . قال : فخلع المستعين في اليوم الثالث وقعد المعتز ، وكان كما قال ( عليه السلام ) .
وروى أيضاً الصيمري في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : وحدث محمد بن عمر المكاتب عن علي بن محمد بن زياد الصيمري ، صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنته أم أحمد ، وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدماً في الكتابة والأدب والعلم والمعرفة ، قال : دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، وبين يديه رقعة أبي محمد ( عليه السلام ) فيها : إني نازلت الله عز وجل في هذا الطاغي يعني المستعين وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان في اليوم الثالث خلع ، وكان من أمره ما رواه الناس في إحداره إلى واسط وقتله . أقول : فهذا من أخبار مولانا الحسن العسكري ( عليه السلام ) مع المستعين ، ولم يذكر لفظ الدعاء الذي دعا به ( عليه السلام ) .
* وأما تعرض المسمى بالمعتز الخليفة من بني عباس لمولانا الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، فقد رواه الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في كتابه الغيبة من نسخة عندنا الآن ، تاريخ كتابتها سنة إحدى وسبعين وأربع مائة ، عند ذكر معجزات مولانا الحسن العسكري ( عليه السلام ) فقال ما هذا لفظه : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسين ، عن عمر بن زيد قال قال : أخبرني أبو الهيثم بن سبابة أنه كتب إليه لما أمر المعتز بدفعه إلى سعيد الحاجب عند مضيه إلى الكوفة ، وأن يحدث ما تحدث به الناس بقصر بن هبيرة : جعلني الله فداك بلغنا خبر قد أقلقنا وبلغ منا ، فكتب إليه ( عليه السلام ) : بعد ثلاثة يأتيكم الفرج ، فخلع المعتز يوم الثالث .
أقول : لم أقف إلى الآن على ما دعا به ( عليه السلام ) .
* وأما تعرض المسمى بالمهتدي من خلفاء بني العباس لمولانا الحسن العسكري صلوات الله عليه ، فرويناه عن جماعة منهم علي بن محمد الصيمري في كتابه الذي أشرنا إليه ، فقال ما هذا لفظه : سعد ، عن أبي هاشم قال : كنت محبوساً عند أبي محمد ( عليه السلام ) في حبس المهتدي فقال لي : يا أبا هاشم إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بالله عز وجل في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله الله للمتولي بعده ، وليس لي ولد وسيرزقني الله ولداً بلطفه . فلما أصبحنا سعت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له .
وكان المهتدي قد صحح العزم على قتل أبي محمد ( عليه السلام ) ، فشغله الله بنفسه حتى قتل ، ومضى إلى أليم عذاب الله .
وروى الصيمري رضي الله عنه أيضاً في كتابه المذكور وجماعة غيره حديثاً في حُكم مولانا الحسن العسكري صلوات الله عليه وتعريفه بقتل المسمى بالمهتدي من بني العباس ، قبل وقوع القتل ، فقال ما هذا لفظه : عن محمد بن الحسن بن شمون عمن حدثه قال : كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) حين أخذه المهتدي : يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنا ، فقد بلغني أنه يتهدد شيعتك ويقول والله لأجلينهم عن جديد الأرض ! فوقع بخطه : ذلك أقصر لعمره ، عُدَّ من يومك هذا خمسة أيام ، فإنه يقتل في اليوم السادس ، بعد هوانٍ واستخفافٍ وذُلٍّ يلحقه ! فكان كما قال ( عليه السلام ) .
أقول : وربما يقال إن بعض هذه الأحاديث لم يُذكر فيها أن مولانا العسكري صلوات الله عليه دعا على من حبسه أو تعرض به ، فإن لسان الحال يشهد أنه ( عليه السلام ) قدم الدعاء والابتهال .
* وأما تعرض المعتمد من خلفاء بني العباس لمولانا الحسن العسكري صلوات الله عليه ، فرواه جماعة ، فنذكر ما رواه علي بن محمد الصيمري رضوان الله عليه في الكتاب الذي أشرنا إليه ، فقال ما هذا لفظه : الحميري ، عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن محمد بن أبي الزعفران ، عن أم أبي محمد ( عليه السلام ) قالت : قال لي يوماً من الأيام : تصيبي في سنة ستين ومائتين حزازةٌ ، أخاف أن أنكب منها نكبة . قالت : فأظهرت الجزع وأخذني البكاء ، فقال : لا بد من وقوع أمر الله ، لا تجزعي .
فلما كان في صفر سنة ستين أخذها المقيم والمقعد ، وجعلت تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة ، وتَجَسَّسُ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جَرِين ، وحبس جعفراً أخاه معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كل وقت فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً عن الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : إمض الساعة إليه وأقرئه مني السلام وقل له : انصرف إلى منزلك مصاحباً علي جَرِين ، فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرجاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفه وطيلسانه وشاشه ، فلما رآني نهض ، فأديت إليه الرسالة ، فركب فلما استوى على الحمار وقف ، فقلت له : ما وقوفك يا سيدي ؟ فقال لي : حتى يجئ جعفر ، فقلت : إنما أمرني بإطلاقك دونه ، فقال لي ترجع إليه فتقول له خرجنا من دارة واحدة جميعاً فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك مالاخفاء به عليك فمضى وعاد فقال : يقول لك قد أطلقت جعفراً لك ، لأني حبسته بجنايته على نفسه وعليك ، وما يتكلم به ، وخلى سبيله فصار معه إلى داره .
وذكر الصيمري أيضاً في كتابه المشار إليه خروج مولانا الحسن العسكري ( عليه السلام ) من حبس المعتمد ، وما قال له ( عليه السلام ) ما هذا لفظه :
عن المحمودي قال : رأيت خط أبي محمد ( عليه السلام ) لما خرج من حبس المعتمد : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ الله بِأَفْواهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .
أقول : وقد ذكرنا في كتاب الاصطفاء كيف اضطربت بلاد هؤلاء الخلفاء حتى تمت ولادة المهدي صلوات الله عليه . وهو مشروح في الجزء الثالث من كتاب المذاكرة للتنوخي في حديث الفتن التي تجددت أيام المعتمد . ومشروح أيضاً في الجزء الثالث من أخبار الوزراء تأليف محمد بن عبدوس الجهشياري في أخبار وزراء المعتمد . ومشروح أيضاً في كتاب الوزراء تأليف فناخسرو بن رستم بن هرمز ، عند ذكر عبد الله بن يحيى بن خاقان . وقد ذكرنا هذه الروايات في كتاب الاصطفاء في أخبار الملوك والخلفاء . وذكر نصر بن علي الجهضمي ، وهو من ثقات رجال المخالفين وقد مدحه الخطيب في تاريخه والخطيب من المتظاهرين بعداوة أهل البيت ، فيما صنفه نصر بن علي الجهضمي المذكور ، في مواليد الأئمة : فقال عند ذكر الحسن بن علي العسكري : ومن الدلائل ما جاء عن الحسن بن علي العسكري عند ولادة محمد بن الحسن : زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ! وسماه المؤمل ) .
ملاحظات
1 . كان قتل الإمام العسكري ( عليه السلام ) هدفاً مشتركاً عند الخلفاء العباسية ، وضرورةً برأيهم ، رغم صراعهم مع الأتراك وصراعهم فيما بينهم ، فكان المستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد ، يعملون لقتله بأي شكل .
2 . كان المتوكل إذا سلم شخصاً إلى سعيد الحاجب ، أو بعث سعيداً إلى أحد فهو يعني القتل . وقد بعثه ليتلقى إيتاخ قائد الترك الذي ربى المتوكل وكان يناديه : يا أبي ، فتلقاه في عودته من الحج ، وقتله .
وبعث سعيداً الحاجب لمداهمة بيت الإمام الهادي ( عليه السلام ) ليلاً فأحضره إلى المتوكل ، وكانت له معه قصة معروفة ، فوعظ المتوكل وأبكاه .
وبعثه ليقتل جعفر بن إسحاق بن موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، وموسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى . ( مقاتل الطالبيين : 1 / 530 ) .
وجاء سعيد من المدينة بيحيى بن الحسن بن جعفر العلوي ومعه ابنه وابن أخيه : ( فلما كان بزبالة دس إليه سماً فقتله ، وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة ست وخمسين ومائتين ) . ( مقاتل الطالبيين : 1 / 530 ) .
وقتل سعيد الحاجب الخليفة المستعين : ( وسعيد هذا هو الذي تولى قتل المستعين ، بعدما استتب الأمر للمعتز ) . ( تاريخ دمشق : 21 / 339 ) .
فسعيد هذا جلادٌ فاتك ، لكنه قائدٌ فاشل ، فقد بعثوه لقتال صاحب الزنج في البصرة : ( فالتقوا فانهزم سعيد ، واسْتَحَرَّ القتل بأصحابه ، ثم دخلت الزنج البصرة ، وخربوا الجامع ) . ( العبر للذهبي : 1 / 368 ) .
وجاء ذكر سعيد الحاجب في سيرة الإمام الهادي ( عليه السلام ) وأن المتوكل سلمه اليه ليقتله . وجاء ذكره مرات في سيرة الإمام العسكري ( عليه السلام ) في محاولات المستعين والمعتز ، والمهتدي ، والمعتمد ، أن يقتلوه ( عليه السلام ) !
3 . علي بن جَرِين أحد غلمان العباسية ، ولعله لفظ غير عربي ، لكن معنى الجَرِين بالعربية : البيدر والمَسْطَح والمِرْبد ، وجمعه جُرُن وأجران .
ويظهر أنه كان مسؤولاً عن السجن في سامراء ، حيث حبس المعتمد الإمام العسكري ( عليه السلام ) عنده في سنة 260 ، لمدة قصيرة ، لأنهم سجنوه في صفر كما في خبر والدته ، ثم أطلقوه وأرسلوا معه إلى بيته حرساً ومراقبين وأطباء ! حتى استشهد ( عليه السلام ) في شهر ربيع من تلك السنة ، فكتبوا محضراً بأن موته طبيعي ، فلا بد أنهم سَمُّوه في السجن !
4 . امتدت محاولاتهم لقتل الإمام العسكري ( عليه السلام ) نحو عشر سنين ، وفي هذه المدة رزقه الله بالمهدي الموعود ( عليه السلام ) ، فأخفاه ، لكنه كان يتحداهم ويريه لخاصة شيعته الساكنين في سامراء ، أو القاصدين اليه من البلاد .
5 . في راوية ابن طاووس ( رحمه الله ) عن الصيمري خطأ في اسم الخليفة في قوله : ( ولما هَمَّ المستعين في أمر أبي محمد ( عليه السلام ) بما هم ، وأمر سعيد الحاجب بحمله إلى الكوفة . . وكان بعد مضي أبي الحسن بأقل من خمس سنين ) .
وسبب الخطأ أن المستعين هلك قبل شهادة الإمام الهادي ( صلى الله عليه وآله ) بسنتين ، وتقدم أنه حاول قتل الإمام العسكري ( عليه السلام ) بواسطة بغل شموس ، ثم جاء المعتز وقتل الإمام الهادي ( عليه السلام ) وأراد قتل الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
وتابع بعده المهتدي والمعتمد محاولاتهما ، حتى قتله المعتمد في السنة الخامسة من ملكه . على أنه يمكن أن يعمل المستعين وهو ولي عهد على قتل الإمام العسكري ( عليه السلام ) في حياة أبيه الهادي ( عليهما السلام ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
