النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الإمام الكاظم "ع" والمهدي العباسي
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص103-134
2025-08-03
11
أخبر الإمام ( عليه السلام ) عن قرب موت المنصور
كان موكب الخليفة المنصور في طريقه إلى الحج سنة 158 ، فأخبر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بأنه سيموت قبل أن يصل إلى مكة ، وقال : لا والله لا يرى بيت الله أبداً !
قال أبو حمزة الثمالي : « فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن ( عليه السلام ) فوجدته في المحراب ، قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه إليَّ فقال : أخرج فانظر ما يقول الناس ! فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر ، فرجعت فأخبرته فقال : الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبداً » ! ( قرب الإسناد / 337 ) .
وبايعوا ابنه المهدي بعده : « والمهدي إذ ذاك ببغداد ، فأقام بعد قدوم منارة ( غلامه ) يومين لم يظهر الخبر ، ثم خطب الناس يوم الخميس ونعى لهم المنصور وبويع بيعة العامة ، وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائة » . ( تاريخ بغداد : 3 / 9 ) .
فروقات شخصية المهدي عن أبيه المنصور
كان المنصور مخضرماً بين الفقر والغنى ، فقد عاش في بادية الأردن حيث يسكن أبوه مبعداً عن دمشق من الخليفة الأموي ، وكان يأتي إلى المدينة فيخدم الحسنيين ، ويأخذ بركاب محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية !
وتوسط الحسنيون له عند عامل الأهواز فوظفه عاملاً على خراج قرية أمه ( إيذه ) ، فسكن المنصور فيها ، ثم كسر الخراج كما تقدم فسجنوه ، وهرب من السجن ، واشتغل فترة في طلب العلم والفقه . . الخ .
أما ابنه المهدي فكان مترفاً ، فقد ولد في إيذه أو إيذج ، ونشأ عند أخواله في جو فارسي ، وكان يتجاهر بشرب الخمر ومجالس الغناء بعكس أبيه !
وقد اعترف الذهبي وهو المتعصب لبني أمية والعباس بأن المهدي العباسي كغيره من خلفائهم منهمكٌ في شهواته !
قال في تاريخه ( 10 / 444 ) : « والمهدي كغيره من عموم الخلائف والملوك ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، كان منهمكاً في اللذات واللهو والعبيد » .
وتدل وفاته على ترفه ، فقد ذهب للصيد إلى منطقة ماسبذان الجبلية في إيران ، ومعه موكبه من الصيادين والندماء والمغنين والجواري ، فطارد غزالاً فدخل في خربة والكلاب وراءه ، ودخل فرسه وراء الغزال فضرب رأسه بعتبة باب الخربة فمات على الفور ! ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 400 ، والطبري : 6 / 392 ) .
وتقع ماسبذان وقرية الرذ قرب إيلام بين بغداد وهمدان : « ومات المهدي بالرذ من ماسبذان لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة . . . وكان عمره ثلاثاً وأربعين سنة ، وخلافته عشر سنين وشهر وخمسة أيام » . ( تاريخ بغداد : 3 / 18 ) .
لم يكن المهدي مقتنعاً بسياسة أبيه المنصور في تعظيم أبي بكر وعمر والترضي عنهما في صلاة الجمعة ، ففي أخبار السيد الحميري / 176 ، والأغاني : 7 / 263 ، ( وطبعة : 2 / 290 ) : « جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلاتٍ لهم وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش ، فجاء السيد ( الحميري ) فرفع إلى الربيع رقعة مختومة ، وقال إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه ، فأوصلها فإذا فيها :
قُل لابن عَبّاسٍ سَمِيِّ محمدٍ * لا تُعْطِينّ بني عَدِيّ درهَما
إِحْرِمْ بني تَيْم بن مُرّةَ إنهم * شرُّ البريّة آخراً ومُقَدَّما
إن تُعْطِهمْ لا يشكروا لك نعمةً * ويكافئوك بأن تُذَمّ وتُشْتما
وإنِ ائتمنتهمُ أو استعملتَهم * خانوك واتّخذوا خَراجك مَغْنما
ولئن منعتَهمُ لقد بدأوكمُ * بالمَنْع إذ ملكوا وكانوا أظلما
منعوا تُراثَ محمدٍ أعمامَه * وابنَيْهِ وابنتَه عَدِيلةَ مَرْيما
وتأمّروا من غير أن يُسْتَخْلَفوا * وكفى بما فعلوا هنالك مَأْثَما
لم يشكروا لمحمد إنعامَه * أفيشكرون لغيره إن أنْعما
واللهُ منّ عليهمُ بمحمد * وهداهمُ وَكَسا الجُنوبَ وأطْعما
ثم انبَروْا لوصيِّه ووليّه * بالمُنْكَرات فجرَّعوه العَلْقَما
وهي قصيدة طويلة ، حذف باقيها لقبح ما فيه . قال : فرمى بها إلى أبي عبيد الله ثم قال اقطع العطاء فقطعه ! وانصرف الناس ودخل السيد إليه فلما رآه ضحك وقال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل ! ولم يعطهم شيئاً » !
وكان يخالف أتباع أبي بكر وعمر ويوافق أهل البت ( عليهم السلام ) فيجهر بالبسملة !
« صلى بنا المهدي صلاة المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قال فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا ؟ فقال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس أن رسول الله ( ص ) جهر ببسم الله الرحمن الرحيم » ! ( تاريخ دمشق : 53 / 412 ) .
كان لعلي بن يقطين ( رحمه الله ) تأثير كبير على المهدي العباسي ، فقد وضعه المنصور في حجر يقطين : « فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً من أمره ، إلى أن توفي الهادي » ( ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 ) .
« وكان علي بن يقطين والحسن بن راشد يغلبان على أموره » ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 400 ) .
وكان علي بن يقطين شخصية كفوءة ، وشيعياً جلداً ، أما الحسن بن راشد فيظهر أنه معاونه ، وأنه أكبر منه سناً لأنه يروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كثيراً ، ويروي عنه حفيده يحيى بن القاسم . ويأتي ذكره في ترتيب الخيزران خدماً لقبر الحسين ( عليه السلام ) . راجع : فهرست الشيخ الطوسي / 106 ، ورجال ابن الغضائري / 49 ، ومعجم السيد الخوئي : 5 / 312 ، وأعيان الشيعة : 5 / 71 .
خالف المهدي أباه في سياسته المالية ، فقد كان المنصور بخيلاً طماعاً جمَّاعاً للمال حتى سموه أبا الدوانق ! فلما تولى المهدي أخرج خزائن أبيه وقناطير ذهبه وأنفقها ! « لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور ، أخذ في رد المظالم ، وأخرج ما في الخزائن ففرقه حتى أكثر من ذلك ، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به ، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مائة درهم ، لكل رجل ستة آلاف درهم في السنة ، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة ألف درهم ، وزاد بعضهم » .
« جمع من الأموال ما لا يعبر عنه ، وكان مسيكاً ( بخيلاً ) » ( الذهبي في تاريخه : 10 / 438 ) خفض المهدي قليلاً قرار أبيه بإبادة العلويين ، وتقدم أنه تقزز من وصية أبيه له بالغرفة المخروطية التي جمع فيها رؤوس العلويين ، وأمر بدفنها . ولكنه ظل يبغضهم ويعتبرهم أخطر أعداء العباسيين !
ويدل على ذلك تعامله مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، كما سترى .
ويدل عليه موقفه من وصية القاسم بن مجاشع التميمي وكان من نقباء بني العباس وكبار ولاتهم ( الطبري : 6 / 35 ) فلما توفي : « أوصى إلى المهدي فكتب : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إن الدين عند الله الإسلام إلى آخر الآية . . ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ويشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله ووارث الإمامة بعده . قال : فعرضت الوصية على المهدي فلما بلغ هذا الموضع رمى بها ولم ينظر فيها » ! ( تاريخ الطبري : 6 / 397 ) .
ويدل عليه : تعامله مع شريك النخعي ، وكان من كبار الفقهاء ، فقد دعاه المهدي ليكون قاضي قضاة الخلافة فقال : « لا أصلُحُ لذلك . قال : ولَم ذلك ؟
قال : لأني نسَّاءٌ . قال : عليك بمضغِ اللُّبان . قال : إني حَدِيدٌ ( عصبي ) قال : قد فرض لك أمير المؤمنين فالُوذَجةَ توقرك ( تهدئ أعصابك ) . قال : إني امرُؤ أقضي على الوارد والصادرِ ( بدون تمييز ) ! قال : إقضِ عليَّ وعلى والدي ! قال : فاكفِني حاشِيتَك . قال : قد فعلتُ .
فكانت أول رُقْعة وردت عليه من خالصة جاريةُ المهدي ، فجاءت لتتقدَّم الخصْم فقال : وراءَك مع خصْمِك ، مِراراً فأبَتْ . فقال : وراءكِ يالخَنْاءُ !
قالت : يا شيخُ أنت أحمقُ ! قال : قد أخْبرتُ مولاك فأبى عَلي ! فجاءت إلى المهدي تشكو إليه ، فقال لها : إلْزميِ بيتَكِ ولا تعْرضي له » !
وفي العقد الفريد : 1 / 147 : « كان بين شريك القاضي والربيع حاجب المهدي معارضة ، فكان الربيع يحمل عليه المهدي ( يحركه عليه ) فلا يلتفت إليه ، حتى رأى المهدي في منامه شريكاً القاضي مصروفاً وجهه عنه ، فلما استيقظ من نومه دعا الربيع وقص عليه رؤياه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن شريكاً مخالف لك وإنه فاطمي محض ! قال المهدي : عليَّ به فلما دخل عليه قال له : يا شريك بلغني أنك فاطمي ! قال له شريك : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى !
قال : ولكني أعني فاطمة بنت محمد ( ص ) . قال : أفتلعنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : معاذ الله . قال : فماذا تقول فيما يلعنها ؟ قال : عليه لعنة الله ، قال : فالعن هذا يعني الربيع ، فإنه يلعنها فعليه لعنة الله ! قال الربيع : لا والله يا أمير المؤمنين ما ألعنها ! قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين ، في مجالس الرجال ؟ ! قال المهدي : دعني من هذا ، فإني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك إليَّ ، وما ذلك إلا بخلافك علي ! ورأيت في منامي كأني أقتل زنديقاً ! قال شريك : إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق صلوات الله على محمد وعليه ، وإن الدماء لا تستحل بالأحلام ، وإن علامة الزندقة بينة ! قال : وما هي قال : شرب الخمر والرشا في الحكم ومهر البغي . قال : صدقت والله أبا عبد الله . أنت والله خير من الذي حملني عليك » !
« ودخل على المهدي فقال له : يا شريكُ بلغني أنَّك فاطميُّ ! فقال : أتحبُّ فاطمةَ ، أعثرَ الله من لا يحبُّ فاطمةَ ! فقال المهدي : آمين . فلما خرج شريكٌ قال المهديُّ لمن عنده : لَعنهُ الله ما أظنُّهُ إلا عَنَاني !
وقال له يوماً : أيُّنا أشرفُ ، نحن أم ولدُ عليَّ ؟ فقال شريك : أمك مثلُ فاطمة حتى تُساويُهم في الشَّرف ؟ ! » . ( نثر الدر للآبي : 2 / 386 ) .
« ذُكر معاوية بن أبي سفيان عنده ووُصف بالحلم فقال شريك : ليس بحليم من سفه الحق ، وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه » . ( وفيات الأعيان : 2 / 465 ) .
وفي تاريخ دمشق : 53 / 422 : « قال أبو يوسف القاضي للمهدي : يا أمير المؤمنين إن شريكاً لا يرى الصلاة خلفك ! فأرسل إليه المهدي فأحضره ، قال فقال له : ما تقول في أبي يوسف ؟ قال : من أبو يوسف يا أمير المؤمنين ؟ قال : يعقوب . قال : ومن يعقوب يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا . قال : تسأل عنه فإن كان عدلاً جازت شهادته . قال فقال له المهدي : ما تقول أنت فيه ؟ قال : أعرفه وأعرف أباه ، وكان أبوه غلاماً عندنا بالكوفة ينتمي إلى العرب ، وليس من العرب !
قال فغضب المهدي قال فقال : يا بن الفاعلة بالزنا ! قال فقال له شريك : مه مه فما علمتها إلا صوامة قوامة ! قال فقال له المهدي : يا زنديق والله لأقتلنك !
قال فجعل شريك يضحك ويقول ها ها ! قال : وكان شريك جهوري الصوت وقال : يا أمير المؤمنين إن للزنادقة علامات : شربهم النبيذ ، واتخاذهم القينات ووقوفهم عن الجماعات . قال : فأطرق المهدي وقام شريك فانصرف » . وفي تاريخ بغداد : 9 / 294 : « إن للزنادقة علامات ، تركهم الجماعات ، وشربهم القهوات وتخلفهم عن الجماعات ! فقال المهدي يا أبا عبد الله لم نعنك بهذا » !
« قال : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : ما قال فيه جدك العباس وعبد الله . قال : وما قالا فيه ؟ قال : أما العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل ، وما احتاج إلى أحد حتى لحق بالله . وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين ، وكان في حروبه رأساً متبعاً وقائداً مطاعاً ، فلو كانت إمامة علي جوراً لكان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه بدين الله ، وفقهه في أحكام الله ! فسكت المهدي وأطرق ، ولم يمض بعد هذا المجلس إلا قليل حتى عزل شريكاً » ! ( وفيات الأعيان : 2 / 462 ) .
لم يهتم المهدي العباسي بمشروع أبيه فيه وزعمه أنه المهدي الموعود على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وقد ألقى المنصور بثقله لإنجاح هذا المشروع فبنى له قصر الرصافة وأقام فيه احتفالاً تاريخياً ومجلساً شرعياً ، وأحضر الفقهاء والقضاة فبايعوه بولاية العهد ، وشهدوا بأنه هو المهدي المنتظر !
ففي الأغاني : 13 / 313 : « عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك ، فأمر بإحضار الناس فحضروا ، وقامت الخطباء فتكلموا ، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله وفيهم مطيع بن إياس ، فلما فرغ من كلامه الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور : يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك !
ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك الله هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافةً من المنصور ! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي !
قال : ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به ، قال : أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله حتى استشهدني على كذبه ، فشهدت له خوفاً ، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب !
وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر ، وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته ! قال وكان جعفر ماجناً فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج ( . . . آلته ) ثم قال : إن كان أخي محمد هو المهدي ، فهذا القائم من آل محمد » ! راجع : الطبري : 6 / 269 ، واليعقوبي : 2 / 395 ، والمعارف / 379 ، والنهاية : 10 / 111 ، وشذرات الذهب : 1 / 219 ، وعبر الذهبي : 1 / 207 ، وتاريخ دمشق : 48 / 9 .
وقد اعترف هارون بكذبة جده المنصور ! قال سليمان بن إسحاق العباسي : « كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك ، فقال الرشيد :
أحسبكم تحسبون أبي المهدي ! حدثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي ( ص ) قال له : يا عم ، يملك من ولدي إثنا عشر خليفة ، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثم يخرج الدجال » . ( إعلام الورى / 365 وطبعة : 2 / 165 ، وقصص الأنبياء / 369 ، ومناقب ابن شهرآشوب : 1 / 292 ، والعدد القوية / 89 ، وفرائد السمطين : 2 / 329 ) .
ومن العجيب في الموضوع موقف المهدي العباسي نفسه ، حيث لم يكترث بادعاء أبيه له ! ولم نجد عنه كلمة يزعم فيها أنه المهدي أو يؤيد ادعاء أبيه !
رووا هم أن المهدي العباسي ليس بمهدي !
روى الطبراني بسند موثق ( المعجم الأوسط : 6 / 297 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عمه العباس بملك أولاده ، وقال له : « يا عباس إنه لا يكون نبوة إلا كانت بعدها خلافة . وسيلي من ولدك في آخر الزمان سبع عشرة ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي وليس بمهدي ، ومنهم الجموح ، ومنهم العاقب ، ومنهم الواهن ، وويل لأمتي منه كيف يعقرها ويهلكها . . . » ومجمع الزوائد : 5 / 187 .
وكان المنصور يعلم أنه كاذب في ادعائه أن ابنه المهدي ! لأنه كان يروي أن المهدي من ولد أبي طالب ! قال سيف بن عميرة ( الكافي : 8 / 209 ) : « كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداءً من نفسه : يا سيف بن عميرة : لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي بيده لسمعتْ أذني منه يقول : لا بد من مناد ينادي باسم رجل قلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ! فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا ! قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة ( عليها السلام ) . ثم قال : يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي » ! ومثله الإرشاد / 358 ، وغيبة الطوسي / 265 ، والخرائج : 3 / 1157 ، وإثبات الهداة : 3 / 725 .
وسبب يقين المنصور بكلام الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، أنه رأى صدق ما أخبره به عن المستقبل ، وأنه سوف يحكم !
ومهما يكن ، فإن الواقع كذب أن ابن المنصور هو المهدي ، فلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولا بيته ! بل زاد الأرض ظلماً وجوراً ! ولم يعط المال للناس حثياً بدون عد ، بل صادر أموالهم وزادهم فقراً !
ثم كان خماراً مغرماً بمجالس الرقص والغناء ، فأنجب للمسلمين بنتاً مغنية ضرابة عود هي عُلَيِّة العباسية ، وأنجب أخاها المغني إبراهيم بن المهدي « قال ابن الفضل بن الربيع : ما اجتمع أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهدي وأخته علية » . ( سير الذهبي : 10 / 561 ) .
« وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاماً خادماً اسمه طل ، فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكره في شعرها ، فاطلع الرشيد يوماً عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة : فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين » ! ( المستطرف : 1 / 100 ) .
لكن الذهبي قال فيها : « رخيمة الصوت ذات عفة وتقوى ومناقب » ! ( سيره : 10 / 187 ) .
كما أنجب المهدي عباسة عشيقة جعفر البرمكي ، وكان أخوها هارون : « لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة وكان يحضرهما مجلس الشراب فيقوم هو فقال : أزوجكها على أن لا تمسها ! قال : فكانا يثملان ويذهب الرشيد ويثب جعفر عليها فولدت منه غلاماً » ! ( الطبري : 4 / 660 ، وسير الذهبي : 9 / 66 ) .
وقال أعرابي للمهدي : « إني هجين ! قال : ليس يضرك ذاك ، فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن » ! و ( تاريخ الذهبي : 10 / 442 ) .
« وكان المهدي يحب الحمام ويشتهيها ، فأدخل عليه غياث بن إبراهيم فقيل له حدث أمير المؤمنين ، فحدثه بحديث أبي هريرة : لا سبق إلا في حافر أو نصل وزاد فيه : ( أو جناح ) فأمر له المهدي بعشرة آلاف !
قال : فلما قام قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله ( ص ) ، وإنما استجلبت ذاك أنا » . ( تاريخ بغداد : 12 / 320 وميزان الإعتدال : 3 / 337 ، ولسان الميزان : 4 / 422 ) .
كان المهدي يخاف من زوجته الخيزران !
تتوقف معرفة شخصية المهدي وولديه موسى الهادي وهارون الرشيد ، على معرفة شخصية زوجته الخيزران ! وهي امرأة يمانية من مدينة جرش في اليمن قرب نجران ، من قبيلة حِمْيَر ، وليست من جرش في الأردن قرب عمان ( معجم البلدان : 2 / 126 ) واسمها أروى بنت منصور . ( الطبري : 6 / 341 )
قال في المنتظم : 8 / 346 : « لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها : والله يا جارية إنك لعلى غاية التمني ، ولكنك حمشة الساقين ! فقالت : يا مولانا أحوج ما تكون إليهما لا تراهما ! فقال : إشتروها ، فحظيت عنده فأولدها موسى وهارون » !
وقال الجاحظ في المحاسن والأضداد / 70 : « كانت الخيزران لرجل من ثقيف ، فقالت لمولاها الثقفي : إني رأيت رؤيا . قال : وما هي ؟ قالت : رأيت كأن القمر خرج من قُبلي وكأن الشمس خرجت من دبري ! قال لها : لست من جواري مثلي أنت تلدين خليفتين ! فقدم بها مكة فباعها في الرقيق فاشتريت ، وعرضت على المنصور فقال : من أين أنت ؟ قالت : المولد مكة والمنشأ بجرش . قال : فلك أحد ؟ قالت : ما لي أحد إلا الله ، وما ولدت أمي غيري ! قال : يا غلام إذهب بها إلى المهدي وقل له : تصلح للولد ، فأتى بها المهدي فوقعت منه كل موقع ، فلما ولدت موسى وهارون قالت : إن لي أهل بيت بجرش ، قال : ومن لك ؟ قالت : لي أختان اسمهما أسماء وسلسل ولي أم وأخوان . فكتب فأتى بهم ، فتزوج جعفر بن المنصور سلسل فولدت منه زبيدة واسمها سكينة تزوجها الرشيد . وبقيت أسماء بكراً فقال المهدي للخيزوان : قد ولدت رجلين وقد بايعت لهما ، وما أحب أن تبقيْ أمة ، وأحب أن أعتقك وتخرجين إلى مكة ، وتقدمين فأتزوجك .
قالت : الصواب رأيت ، فأعتقها وخرجت إلى مكة ، فتزوج المهدي أختها أسماء ومهرها ألف ألف درهم ! فلما أحس بقدوم الخيزران استقبلها ، فقالت : ما خبر أسماء وكم وهبت لها ؟ قال : من أسماء ؟ قالت : امرأتك . قال : أما إذا علمت فقد مهرتها ألف ألف درهم ، ووهبت لها ألف ألف درهم ، ثم تزوج الخيزران » .
وذكر اليعقوبي ( 2 / 399 ) أن المنصور ولى يزيد بن منصور خال المهدي على اليمن ، وأن المهدي ولاه مع ابنه الهادي على بغداد سنة مئة ستين ( ابن خلدون : 3 / 209 )
وذكر الطبري ( 6 / 379 ) أن يزيداً هذا توفي فولى ابنه منصوراً مكانه .
وكانت الخيزران قوية على زوجها المهدي ، ففي تاريخ بغداد : 14 / 431 : « عن الواقدي قال : دخلت يوماً إلى المهدي فدعا بمحبرته ودفتره ، وكتب عني أشياء حدثته بها ثم نهض وقال : كن مكانك حتى أعود إليك ودخل إلى دار الحرم ، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً ! فلما جلس قلت : يا أمير المؤمنين خرجت على خلاف الحال التي دخلت عليها ؟ فقال : نعم ! دخلت على الخيزران فوثبت عليَّ ومدت يدها إليَّ وخرقت ثوبي ، وقالت : يا قشاش وأي خير رأيت منك ؟ وإنما اشتريتها من نخاس ، ورأت مني ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد ! ويحك فأنا قشاش ؟ قال فقلت : يا أمير المؤمنين قال رسول الله ( ص ) إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ! وقال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي . وقال : خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته . وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني ، فسكن غضبه وأسفر وجهه ، وأمر لي بألفي دينار ، وقال : أصلح بهذه من حالك وانصرفت . فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران فقال : تقرأ عليك ستي السلام وتقول لك : يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين فأحسن الله جزاءك ، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير ، بعثت بها إليك لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ، ووجهت إليَّ بأثواب » ! وتاريخ دمشق : 53 / 425 .
وقال الذهبي في تاريخه : 10 / 40 : « هلك الخليفة موسى الهادي من قرحة أصابته في جوفه ، وقيل سمته أمه الخيزران لما أجمع على قتل أخيه الرشيد . وكانت أيضاً حاكمة مستبدة بالأمور الكبار فمنعها ، وقد كانت المواكب تغدو إلى بابها ، فردهم عن ذلك وكلمها بكلام فج ، وقال : إن وقف بدارك أمير لأضر بن عنقه ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة ؟ !
فقامت ما تعقل من الغضب ، فقيل إنه بعث إليها بطعام مسموم ! فأطعمت منه كلباً فانتثر ! فعملت على قتله لما وُعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه ، وكان يريد إهلاك الرشيد ليولي العهد ولده وهو صغير له عشر سنين . . وكانت خلافته سنة وربع ، وعاش ستاً وعشرين سنة » .
وروى الطبري في تاريخه : 6 / 421 ، تفاصيل كثيرة في الصراع على السلطة بين موسى الهادي وأخيه الرشيد وأمهما خيزران ، وفيها أن موسى اتهم الخيزران بعبد الله بن مالك وأراد قتلها ، وعندما قتلته قالت ليحيى ين خالد : « إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك ولا تقصر » أي رتب الأمر للرشيد ، فرتبه وكان هو رئيس وزرائه ! وكان ذلك في سنة 170 ، وعاشت خيزران إلى سنة 173 . ( تاريخ الذهبي : 11 / 109 ) .
لم تكن الخيزران ناصبية كزوجها وولديها !
يدل على ذلك أنها وظفت مسؤولاً يخدم قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) وزواره ! وأن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أرسل لها رسالة يعزيها بموت موسى ويهنيها بتولي هارون !
فقد منع المنصور بعد ثورة الحسنيين زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، وأمر والي الكوفة عيسى بن موسى أن يخرب القبر : « كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها » ! لكن الشيعة واصلوا زيارته . ( أمالي الطوسي / 321 ) .
وتجاوبت معهم الخيزران فرتبت بدون علم زوجها قيِّماً وخدماً لقبر الحسين ( عليه السلام ) ، وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد أن يجري عليهم راتباً شهرياً !
فقد روى الطبري في تاريخه : 6 / 536 ، وفي طبعة : 5 / 21 ، عن : « القاسم بن يحيى قال : بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير ( أي كربلاء ) قال فأتيَ بهم ، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال : ما لك ؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضرني ، ولست آمنه على نفسي ! قال له : فإذا دخلت عليه فسألك فقل له : الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع ! فلما دخل عليه قال هذا القول ، قال : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحضروه ! قال فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير ؟ قال : رحم الله من صيره في الحير ، أمرتني أم موسى ( الخيزران ) أن أصيره فيه وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً ! فقال : ردوه إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى » !
والحسن بن راشد معاون علي بن يقطين . ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 401 ) .
كتب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) رسالة إلى الخيزان
في قرب الإسناد للحميري القمي / 306 : « محمد بن عيسى ، عن بعض من ذكره ، أنه كتب أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) إلى الخيزران يعزيها بموسى ابنها ويهنؤها بهارون ابنها : بسم الله الرحمن الرحيم . للخيزران أم أمير المؤمنين من موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، أما بعد : أصلحك الله وأمتع بك ، وأكرمك وحفظك ، وأتم النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته . ثم إن الأمور أطال الله بقاءك كلها بيد الله عز وجل يمضيها ويقدرها بقدرته فيها والسلطان عليها ، توكل بحفظ ماضيها وتمام باقيها ، فلا مقدم لما أخر منها ولا مؤخر لما قدم ، استأثر بالبقاء وخلق خلقه للفناء ، وأسكنهم دنيا سريع زوالها قليل بقاؤها ، وجعل لهم مرجعاً إلى دار لا زوال لها ولا فناء ، وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم أسوة فيه ، عدلاً منه عليهم عزيزاً ، وقدرة منه عليهم ، لا مدفع لأحد منه ولا محيص له عنه ، حتى يجمع الله تبارك وتعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون .
بلغنا أطال الله بقاءك ما كان من قضاء الله الغالب ، في وفاة أمير المؤمنين موسى وإنا لله وإنا إليه راجعون ، إعظاماً لمصيبته وإجلالاً لرزئه وفقده ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبراً لأمر الله عز وجل وتسليماً لقضائه . . . ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك من المصيبة أفضل ما وعد الصابرين . . . وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به . . . وأن يمتعك وإيانا خاصة والمسلمين عامة بأمير المؤمنين ، حتى نبلغ به أفضل الأمل فيه . . .
إن رأيت أطال الله بقاءك أن تكتبي إلي بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة وسلوتك عنها ، فعلت ، فإني بذلك مهتمٌّ إلى ما جاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمه ، واصطنع عندك من كرامته ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة » .
أقول : مات موسى الهادي في نصف ربيع الأول ( الطبري : 6 / 428 ) فتكون رسالة الإمام ( عليه السلام ) لخيزران بعد موته بثلاثة أسابيع . ومع أن الحميري ( رحمه الله ) تفرد بالرسالة وروايته مرسلة ، إلا أنها ممكنة الصحة ، فقد كانت الخيزران مركز القوة في الخلافة العباسية ، فخاطبها الإمام ( عليه السلام ) بليونة كما يخاطب الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) جبابرة عصورهم !
ويبدو أن إنفاقها على قيِّم وخدام قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان واحداً من سياستها الإيجابية مع الإمام ( عليه السلام ) وشيعته ، وقد تكون لها إيجابيات أخرى ، وتكون أرسلت إليه مبعوثين ورسائل .
وقد علق المجلسي ( رحمه الله ) في البحار ( 48 / 135 ) على هذه الرسالة بقوله : « أنظر إلى شدة التقية في زمانه ( عليه السلام ) حتى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، فهذا يفتح لك من التقية كل باب » !
كانت علاقة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) حسنة مع المهدي
روى في الكافي ( 1 / 358 ) قصة موسى بن عبد الله بن الحسن المعروف بموسى الجون ، وأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) نصحه أن لا يخرج مع أخيه محمد الذي ادعى المهدية ، وأخبرهم بأنه سيهزم معهم ويتشرد ، ونصحه بأن يطلب الأمان من العباسيين . وكيف طلب الأمان من المهدي العباسي فعفا عنه وأعطاه جائزة ، وأعطى للإمام الكاظم لأنه كأبيه الصادق ( عليهما السلام ) لا يريان الثورة على العباسيين !
فقد حكى موسى الجون مجيئه مع أبيه عبد الله بن الحسن إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) ومحاولته أن يأخذ منه البيعة لولده محمد على أنه هو المهدي الموعود ! فقال له الإمام ( عليه السلام ) : « فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ، والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ، والله لكأني به صريعاً مسلوباً بزته بين رجليه لبنة ! ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع ! قال موسى بن عبد الله : يعنيني ، وليخرجن معه فيهزم ويقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج معه راية أخرى ، فيقتل كبشها ويتفرق جيشها ، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس ، حتى يأتيه إليه بالفرج » .
قال موسى : « فلما ضاقت علي الأرض واشتد بي الخوف ، ذكرت ما قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) فجئت إلى المهدي وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر فقلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي . فقال : نعم ، ما هي ؟ قلت : أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن ! فقال لي : نعم لك الأمان ، فقلت له : أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهوداً ومواثيق ووثقت لنفسي ، ثم قلت : أنا موسى بن عبد الله ، فقال لي : إذاً تُكرم وتحبى ! فقلت له : أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك ، فقال لي : أنظر إلى من أردت ، فقلت : عمك العباس بن محمد ، فقال العباس : لا حاجة لي فيك ، فقلت : ولكن لي فيك الحاجة ، أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي : من يعرفك ، وحوله أصحابنا أو أكثرهم ؟ فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن بن عبد الله بن العباس يعرفني ! فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ! ثم قلت للمهدي : يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل وأشرت إلى موسى بن جعفر ! قال موسى بن عبد الله : وكذبت على جعفر كذبة فقلت له : وأمرني أن أقرئك السلام وقال إنه إمام عدل وسخاء !
قال : فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي منها موسى بألفي دينار ، ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي .
فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا صلى الله عليه وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله بأطيب ذلك ، وجزى موسى بن جعفر عني خيراً ، فأنا والله مولاهم بعد الله » !
كما أن علاقة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كانت حسنة مع والي المدينة ، فقد روى الزيات في طب الأئمة / 92 ، أن والي المدينة شكى إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « تواتر الوجع على ابنه ، قال : تكتب له هذه العوذة في رق ، وتصيرها في قصبة فضة وتعلق على الصبي ، يدفع الله عنه بها بكل علة » .
وكان المهدي يحترم مقام الإمام الكاظم ( عليه السلام )
1 - في السنة الثانية لتوليه الخلافة وهي سنة ستين ومائة حج المهدي : « وأمر بتوسعة المسجد الحرام ، وكشط كسوة الكعبة ، وكساها » . ( المحبر / 36 ) .
« لما بنى المهدي المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد ، فطلبها من أربابها فامتنعوا ، فسأل عن ذلك الفقهاء فكل قال له إنه لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد الحرام غصباً ، فقال له علي بن يقطين : يا أمير المؤمنين لو كتبت إلى موسى بن جعفر لأخبرك بوجه الأمر في ذلك . فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال أبو الحسن : ولا بد من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لا بد منه ، فقال له : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها ، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها . فلما أتى الكتاب إلى المهدي أخذ الكتاب فقبله ، ثم أمر بهدم الدار ! فأتى أهل الدار أبا الحسن فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتاباً في ثمن دارهم ، فكتب إليه أن ارضخ لهم شيئاً فأرضاهم » . ( تفسير العياشي : 1 / 185 ) .
2 - « عن علي بن يقطين أنه قال : أمر أبو جعفر الدوانيقي يقطين أن يحفر له بئراً بقصر العبادي ، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ولم يستنبط منها الماء ، وأخبر المهدي بذلك فقال له : إحفر أبداً حتى يستنبط الماء ، ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال ! قال : فوجه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها ، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقباً في أسفل الأرض ، فخرجت منه الريح قال فهالهم ذلك ! فأخبروا به أبا موسى فقال : أنزلوني ! قال : فأنزل وكان رأس البئر أربعين ذراعاً في أربعين ذراع ، فأجلس في شق محمل ودلي في البئر ، فلما صار في قعرها نظر إلى هول ، وسمع دوي الريح في أسفل ذلك ، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ، ثم دلى فيه رجلاً في شق محمل فقال : إيتوني بخبر هذا ما هو ؟ قال : فنزلا في شق محمل فمكثا ملياً ، ثم حركا الحبل فأصعدا فقال لهما : ما رأيتما ؟ قالا : أمراً عظيماً ! رجالا ! ونساءً وبيوتاً وآنيةً ومتاعاً ، كله ممسوخ من حجارة ! فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشا شبه الهباء ومنازل قائمة !
قال : فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي ، فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) يسأله أن يقدم عليه فقدم عليه ، فأخبره فبكى بكاءً شديداً وقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد ، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف ! قال : فقال له المهدي : يا أبا الحسن وما الأحقاف ؟ قال : الرمل » . ( الإحتجاج : 2 / 159 ، وبعضه اليعقوبي : 2 / 402 ، وتاريخ الطبري : 6 / 378 ) .
وفي معجم البلدان : 4 / 304 : « قبر العبادي : منزل في طريق مكة من القادسية إلى العذيب ، ثم المغيثة ، ثم القرعاء ، ثم واقصة ، ثم العقبة ، ثم القاع ، ثم زبالة ، ثم شقوق ، ثم قبر العبادي ، ثم الثعلبية ، وهي ثلث الطريق » .
وفي الخرائج : 2 / 655 : « ومنها : أن المهدي أمر بحفر بئر بقرب قبر العبادي لعطش الحاج هناك ، فحفرت أكثر من مائة قامة ، فبينا هم كذلك يحفرون إذ خرقوا خرقاً فإذا تحته هواء لا يدرى ما قعره ، فإذا هو مظلم وللريح فيه دوي ! فأدلوا رجلين إلى مستقره فلما خرجا تغيرت ألوانهما وقالا : رأينا دوي هواء واسعاً ورأينا بيوتاً قائمة ورجالاً ونساء ، وإبلاً وبقراً وغنماً كلما مسسنا شيئاً منها رأيناه هباءً . فسئل الفقهاء عن ذلك ، فلم يدر أحد ما هو . فقدم أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) على المهدي فسأله عنه فقال : أولئك أصحاب الأحقاف ، هم بقية من عاد ساخت بهم منازلهم . وذكر على مثل ما قال الرجلان » .
وفي تفسير القمي : 2 / 298 : « فلما وليَ المتوكل أمر أن يحفر ذلك البئر أبداً حتى يبلغ الماء ! فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا إلى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرج منها ريح باردة فمات من كان بقربها . فأخبروا المتوكل بذلك فلم يعلم بذلك ما ذاك ! فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلك وهو أبو الحسن علي بن محمد ( عليهما السلام ) فكتب إليه يسأل عن ذلك ، فقال أبو الحسن : تلك بلاد الأحقاف ، وهم قوم عاد الذين أهلكهم الله بالريح الصرصر » .
ويبدو أن المقصود ثمود بقايا قوم عاد ، لأن مساكن عاد الأولى في حضرموت والربع الخالي ، ففي كنز الفوائد / 179 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سأل رجلاً من حضرموت : « أعالمٌ أنت بحضرموت ؟ فقال الرجل : إن جهلتها لم أعلم شيئاَ ! قال : أفتعرف موضع الأحقاف . . . الخ . » .
ومع ذلك أراد المهدي العباسي قتل الإمام ( عليه السلام ) !
قال في تاريخ بغداد : 13 / 29 : « أقدمه المهدي بغداد ، ثم رده إلى المدينة وأقام بها إلى أيام الرشيد » .
وفي الكافي : 1 / 477 ، وقرب الإسناد / 330 : « عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) زبالة ، ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، أمرني بشراء حوائج له ونظر إلي وأنا مغموم فقال : يا با خالد مالي أراك مغموماً ؟ قلت : جعلت فداك هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنه عليك ! فقال : يا با خالد ليس علي منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا وشهر كذا وكذا فانتظرني في أول الميل ، فإني أوافيك إن شاء الله . قال : فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل انتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحداً فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الميل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته فوافاني أبو الحسن ( عليه السلام ) أمام القطار على بغلة له فقال : إيهٍ يا با خالد ! قلت : لبيك جعلت فداك قال : لا تشكن ، ود والله الشيطان أنك شككت ! قلت : قد كان والله ذلك جعلت فداك ! قال : فسررت بتخليصه وقلت : الحمد الله الذي خلصك من الطاغية . فقال : يا با خالد إن إن لي إليهم عودة لا أتخلص منهم » ! والخرائج : 1 / 315 والمناقب : 3 / 413 .
ورواه في دلائل الإمامة / 335 ، وفيه : « فنزل في هاتين القبتين في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، لا يقدر على عود يستوقد به تلك السنة ، وأنا يومئذ أرى رأي الزيدية أدين الله بذلك فقال لي : يا أبا خالد إئتنا بحطب نستوقد . قلت : والله ما أعرف في المنزل عوداً واحداً ، فقال : كلا ، خذ في هذا الفج فإنك تلقى أعرابياً معه حملين فاشترهما منه ولا تماكسه ، فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملين حطب فاشتريتهما منه وأتيته فاستوقدوا منه يومهم . وأتيته بظرف مما عندنا يطعم منه ، ثم قال : يا أبا خالد أنظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا .
قال أبو خالد : وكتبت تاريخ اليوم وليس همي غير هذه الأيام ، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري وسرت أميالاً ونزلت فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي ، وأقول : والله إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي ، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه لا يسع الناس جهله ! فقعدت حتى أمسيت ، وأردت الانصراف فإذا أنا براكب مقبل فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم فرددت ( عليه السلام ) فقلت : وراءك أحد ؟ قال : نعم ، قطار فيه نحو من عشرين يشبهون أهل المدينة .
قال : فما لبثت أن ارتفع القطار فركبت حماري وتوجهت نحو القطار فإذا هو يهتف بي : يا أبا خالد هل وفينا لك بما وعدناك ؟ قلت : قد والله كنت أيست من قدومك حتى أخبرني راكب ، فحمدت الله على ذلك وعلمت أنك هو .
قال : ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا فيهما ؟ قلت : جعلت فداك تذهب إليهما ؟ وانطلقت معه حتى نزل القبتين فأتيناه بغذاء فتغذى وقال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : أصلحتها فأتيته بها فسر بذلك ، فقال : يا أبا خالد ، زودنا من هذه الفسقارات التي بالمدينة ، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها عندكم . قال : فلم يبق شئ إلا زودته منه ، ففرح وقال : سلني حاجتك ، وكان معه محمد أخوه . قلت : جعلت فداك أخبرك بما كنت فيه وأدين الله به ، إلى أن وقعت عليك وقدمت علي فسألتني الحطب ، فأخبرتك بما أخبرتك ، فأخبرتني بالأعرابي ، ثم قلت لي إني موافيك يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، فكان كما قلت ، لم ينقص ولم يزد يوماً واحداً ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته لا يسع الناس جهلك ، فحمدت الله لذلك . فقال : يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام » .
ولم أجد كلمة ( الفسقارات ) ولا بد أنها سلعة تتوفر في محطة زبالة ، دون المدينة .
ويظهر أن المهدي بعث جماعة أو سرية ، ليُحضروا الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ليقتله ، وقد ناظره أولاً ، ثم حبسه وعزم على قتله ، فرأى ذلك المنام المرعب فأطلقه ، وعاد الإمام ( عليه السلام ) إلى المدينة في الوقت الذي حدده لأبي خالد الزبالي ( رحمه الله ) !
ويبدو أن الإمام ( عليه السلام ) أخذ عائلته معه في تلك السفرة ، ففي الكافي : 3 / 202 : « لما رجع أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) من بغداد ومضى إلى المدينة ، ماتت له ابنة بفيد ، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر » . وتقع فيد ، بين الحجاز والعراق ، جنوب حائل . ( معجم البلدان : 4 / 282 ) .
وسيأتي أن المهدي حبس الإمام ( عليه السلام ) فرأى مناماً مرعباً فأطلقه .
وأخبر ( عليه السلام ) بأن المهدي لا يقتله ولا الذي بعده !
« عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعليٌّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليَّ فقال : يا محمد أما إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ! قال قلت : وما يكون جعلت فداك ؟ فقد أقلقني ما ذكرت ! فقال : أصير إلى الطاغية ، أما إنه لا يبدأني منه سوء ، ومن الذي يكون بعده . قال قلت : وما يكون جعلت فداك ؟ قال : يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ! قال قلت : وما ذاك جعلت فداك ؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي ، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقه وجحده إمامته بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! قال قلت : والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته . قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده . قال قلت : ومن ذاك ؟ قال محمد ابنه ! قال قلت : له الرضا والتسليم » . ( الكافي : 1 / 319 ) .
قال الإمام ( عليه السلام ) للخليفة : ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ !
في الكافي : 1 / 543 : « عن علي بن أسباط قال : لما ورد أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) على المهدي رآه يرد المظالم فقال : يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ، فلم يدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل ، وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة ( عليها السلام ) ، فدعاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لها : يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدكاً ، فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك ! فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاء ها ، فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها : إئتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك ، فجاءت بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأم أيمن ، فشهدا لها فكتب لها بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال : ما هذا معك يا بنت محمد ؟
قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة ، قال أرينيه فأبت ، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه ، فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب ، فضعي الحبال في رقابنا !
فقال له المهدي : يا أبا الحسن حُدَّهَا لي ، فقال : حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل !
فقال له : كل هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين هذا كله ، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخيل ولا ركاب ! فقال : كثيرٌ ، وأنظر فيه » !
أقول : يشمل هذا التحديد قسماً من الجزيرة وبلاد الشام إلى العريش ، وهو أول حدود مصر ( معجم البلدان : 3 / 312 ) وقسمٌ من هذه البلاد فتح عنوة ، فلا بد أن يكون استحقاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأرضها بسبب أنها لم تفتح بإذن الإمام بعده ( عليه السلام ) ، ولا ينافي ذلك أن الإمام شارك في فتحها ، وخطط لمعاركها عسكرياً .
وقد روي أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) حدد فدكاً للرشيد بتحديد آخر ، يشمل كل الدولة الإسلامية ، ليقول له بذلك إن فدكاً رمز لظلامتنا في الخلافة !
ففي مناقب آل أبي طالب : 3 / 435 : « في كتاب أخبار الخلفاء : أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكاً حتى أردها إليك فيأبى حتى ألح عليه فقال ( عليه السلام ) لا آخذها إلا بحدودها ! قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردها ؟ قال : بحق جدك إلا فعلت ، قال أما الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال : إيهاً ، قال : والحد الثاني سمرقند . فاربد وجهه ! والحد الثالث : إفريقية ، فاسود وجهه وقال : هيه ! قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ! قال الرشيد : فلم يبق لنا شئ ، فتحول إلى مجلسي ! قال موسى : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها ! فعند ذلك عزم على قتله !
وفي رواية ابن أسباط أنه قال : أما الحد الأول فعريش مصر ، والثاني دومة الجندل ، والثالث أحد ، والرابع سيف البحر . فقال : هذا كله هذه الدنيا ! فقال : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة ( عليها السلام ) » .
ويظهر أن المهدي العباسي أرجع فدكاً للإمام ( عليه السلام ) ، لكن بالحدود التي رآها !
ففي الطرائف / 252 : « ذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الأوائل أن أول من رد فدكاً على ورثة فاطمة ( عليها السلام ) عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية ، وجعلها بينهم أثلاثاً ، ثم قبضت من ورثة فاطمة ( عليها السلام ) فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدي ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه .
ومن غير كتاب أبي هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ، ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي » !
وفي تاريخ الذهبي : 9 / 31 : « وحدث أيوب بن عمر قال : لقي جعفر بن محمد أبا جعفر المنصور فقال : يا أمير المؤمنين رد علي قطيعتي عين أبي زياد آكل منها ، قال : إياي تكلم هذا الكلام ، والله لأزهقن نفسك ! قال : فلا تعجل عليَّ فقد بلغت ثلاثاً وستين سنة وفيها مات أبي وجدي وعلي بن أبي طالب ، فرق له ، فلما مات المنصور رد المهدي على أولاد أبي جعفر عين أبي زياد » .
المهدي العباسي يختبر علم الإمام الكاظم ( عليه السلام )
في الكافي : 6 / 406 : « عن علي بن يقطين قال : سأل المهدي أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل ، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ؟ فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين ، فقال له : في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أبا الحسن ؟ فقال : قول الله عز وجل : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالآثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ . فأما قوله : ما ظهر منها ، يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية . وأما قوله عز وجل : وما بطن ، يعني ما نكح من الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها ، تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه . فحرم الله عز وجل ذلك . وأما الإثم فإنها الخمرة بعينها ، وقد قال الله عز وجل في موضع آخر : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ . فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر ، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى .
قال فقال المهدي : يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية . قال قلت له : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال : فوالله ما صبر المهدي أن قال لي : صدقت يا رافضي » .
وفي الإحتجاج : 2 / 346 : « فقال لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : إني أريد أن أسألك عن شئ ، قال : هات . فقال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح ، قال : فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه ؟ قال : نعم . قال : فما فرق بين هذا وذلك ؟ قال أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) : ما تقول في الطامث تقضي الصلاة ؟ قال : لا ، قال : تقضي الصوم ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : إن هذا كذا جاء . قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : وكذلك هذا ! قال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً ! قال : يا أمير المؤمنين رماني بحجة » . ومناقب آل أبي طالب : 3 / 429 .
الإمام ( عليه السلام ) يأمر تلاميذه بإيقاف المناظرة في زمن المهدي
في رجال الطوسي : 2 / 542 : « عن يونس قال : قلت لهشام إنهم يزعمون أن أبا الحسن ( عليه السلام ) بعث إليك عبد الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم ، فأبيت أن تقبل رسالته ! فأخبرني كيف كان سبب هذا ، وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام أولا ، وهل تكلمت بعد نهيه إياك ؟
فقال هشام : إنه لما كان أيام المهدي شدد على أصحاب الأهواء ، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفاً صنفاً ، ثم قرأ الكتاب على الناس فقال يونس : قد سمعت هذا الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرة أخرى بمدينة الوضاح ، فقال إن ابن المقعد صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة ، حتى قال في كتابه : وفرقة منهم يقال لهم الزرارية ، وفرقة منهم يقال لهم العَمَّارية أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لها اليعفورية ، ومنهم فرقة أصحاب سليمان الأقطع ، وفرقة يقال لها الجواليقية . قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا أصحابه ، فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن ( عليه السلام ) بعث إليه فقال له : كفَّ هذه الأيام عن الكلام فإن الأمر شديد قال هشام : فكففت عن الكلام حتى مات المهدي وسكن الأمر ، فهذا الذي كان من أمره ، وانتهائي إلى قوله » .
وفي / 547 ، عن هشام : « أتاني عبد الرحمن بن الحجاج ، وقال لي يقول لك أبو الحسن : أمسك عن الكلام هذه الأيام ، وكان المهدي قد صنف له مقالات الناس وفيه مقالة الجواليقية هشام بن سالم ، وقرأ ذلك الكتاب في الشرقية ، ولم يذكر كلام هشام ، وزعم يونس أن هشام بن الحكم قال له : فأمسكت عن الكلام أصلاً حتى مات المهدي ، وإنما قال لي هذه الأيام » .
قرر المهدي أن يقتل الإمام ( عليه السلام ) فرأى مناماً مرعباً !
في مناقب آل أبي طالب : 3 / 418 : « لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال : إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف ، فقال : أفديك بالمال والنفس ، فقال : هذا لسائر الناس ، قال : أفديك بالروح والمال والأهل والولد ، فلم يجبه المهدي فقال : أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين ! فقال : لله درك ، فعاهده على ذلك ، وأمره بقتل الكاظم ( عليه السلام ) في السحر بغتة ، فنام فرأى في منامه علياً ( عليه السلام ) يشير إليه ويقرأ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ؟ فانتبه مذعوراً ، ونهى حميداً عما أمره ، وأكرم الكاظم ( عليه السلام ) ووصله » .
وقد روت عامة مصادر السنة عزم المهدي على قتل الإمام ( عليه السلام ) ومنام المهدي العباسي المتقدم ، كتاريخ بغداد : 13 / 32 ، وتهذيب الكمال : 29 / 49 ، وسير الذهبي : 6 / 272 ، وتاريخه : 12 / 418 ، وصفة الصفوة : 2 / 184 ، والمستطرف : 2 / 157 ، والفصول المهمة : 2 / 937 .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
