النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
المنصور مهندس الخلافة ومهندس المذاهب !
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص69-83
2025-07-29
74
بعد عشر سنوات من خلافته ، كان المنصور مشغولاً ببناء بغداد ، فواجه ثورة الحسنيين الخطيرة ، فانشغل بها عن كل شئ ، حيث أيد الحسنيين كبار فقهاء الحجاز والعراق مثل مالك بن أنس وأبي حنيفة وسفيان الثوري ، وأفتوا بوجوب الثورة معهم على المنصور ! وسماه أبو حنيفة : « لص الخلافة » !
وسيطر الحسنيون على الحجاز والبصرة والأهواز وواسط ، وهزم جيشهم الكثيف جيش المنصور ووصل إلى مشارف الكوفة ، وتهيأ المنصور للهرب لولا أن قائد الحسنيين إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى ، أصابه سهم طائش فقتله ، فاستعاد المنصور النصر عليهم !
وبعد انتصاره رابط في الكوفة ، واشتغل بترتيب أوضاع الحجاز والعراق ، بل بترتيب مستقبل الدولة العباسية ، واتخذ في ذلك قرارات تاريخية هامة ، سياسية وعقائدية وفقهية ، كانت وما زالت هي الحاكمة على حياة المسلمين وثقافتهم !
وبذلك صار المنصور عمر بن الخطاب الثاني ، لأن الأول كان مهندس الخلافة الإسلامية وخطوط ثقافتهم العامة ، وكان المنصور المهندس الثاني للخلافة ومذاهبها الفقهية وعقائدها وتفاصيل ثقافتها !
وأبرز مراسيمه وقراراته ستة :
الأول : تأسيس مذاهب مقابل مرجعية الإمام الصادق ( عليه السلام )
يعترف أئمة المذاهب بأن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أبُ المذاهب الفقهية ، وأستاذ أئمتها ، ويروون تعظيمهم له ( عليه السلام ) علمياً وفقهياً وتقوى !
لذلك قرر المنصور أن يؤسس مذاهب فقهية بإمامة تلاميذ الإمام الصادق ( عليه السلام ) ليصرف مرجعية المسلمين منه إليهم !
قال الذهبي في سيره ( 8 / 111 ) وابن خلدون في مقدمته / 18 ، إن المنصور أحضر مالك بن أنس وقال له بدهائه : « لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك ! وإني قد شغلتني الخلافة ، فضع أنت للناس كتاباً ينتفعون به ، تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر ووطئه للناس توطئة . قال مالك : فوالله لقد علمني التصنيف يومئذ » !
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك / 124 : « قال مالك : فقلت له : إن أهل العراق لا يرضون علمنا ( لأنهم شيعة أو متأثرون بهم ) !
قال : يُضربُ عليه عامَّتُهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط » !
وشرط عليه المنصور أن لا يروي عن علي ( عليه السلام ) ! ولذلك لا تجد في الموطأ أي رواية عن علي ( عليه السلام ) ! ( مستدرك الوسائل : 1 / 20 ) .
وقد أسس مالك المذهب المالكي ، مع أنه يقول : « ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد ، فضلاً وعلماً وورعاً ، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إما صائماً وإما قائماً وإما ذاكراً . وكان من عظماء البلاد ، وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم ، وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد ، فإذا قال : قال رسول الله اخْضَرَّ مرةً واصْفَرَّ أخرى حتى لينكره من لا يعرفه » . ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 396 ) .
وقال مالك أيضاً : « اختلفتُ إلى جعفر بن محمد زماناً ، وما كنت أراه إلا على ثلاث خصال : إما مصل ، وإما صائم ، وإما يقرأ القرآن ، وما رأيته يحدِّث عن رسول الله ( ص ) إلا على طهارة . وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله .
ولقد حججت معه سنة ، فلما أتى الشجرة أحرم ، فكلما أراد أن يُهِلَّ كاد يغشى عليه فقلت له : لا بد لك من ذلك ، وكان يكرمني وينبسط إلي ، فقال : يا أبن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك ، فيقول : لا لبيك ولا سعديك !
ولقد أحرم جده علي بن حسين ، فلما أراد أن يقول اللهم لبيك أو قالها ، غُشِيَ عليه وسقط عن ناقته » ( التمهيد لابن عبد البر : 2 / 67 ، وبعضه تهذيب التهذيب : 2 / 88 ) .
ولو سألت مالكاً : ما دامت هذه عقيدتك في أستاذك ، فلماذا أسست مذهباً ضده ولماذا لم ترو عنه في كتابك الموطأ إلا خمسة أحاديث ؟ !
فجوابه : إن المنصور العباسي أمره بذلك ، والمأمور معذور !
وكذلك حال أبي حنيفة ، فقد سئل : « من أفقه من رأيت ؟ قال : جعفر بن محمد ، لمَّا أقْدَمَهُ المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد ، فهئِّ له مسائلك الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت عليه فأومأ إليَّ فجلست ، ثم التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة . فقال : نعم أعرفه . ثم التفت إليَّ فقال : ألق على أبي عبد الله من مسائلك ، فجعلت ألقي عليه ويجيبني ، فيقول : أنتم تقولون وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشئ ! ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس » ! ( المناقب : 3 / 378 ، وتهذيب الكمال : 5 / 79 ، وسير الذهبي : 6 / 258 . . وغيره ) .
ولو سألت أبا حنيفة : ما دامت هذه عقيدتك في أستاذك ، فلماذا أسست مذهباً ضده ، وخالفت فقهه ؟ فجوابه : هكذا أمرني أبو جعفر المنصور ، والمأمور معذور !
وقال الذهبي في سيره : 6 / 257 : « عن عمرو بن أبي المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين ! قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني ! وعن صالح بن أبي الأسود : سمعت جعفر بن محمد يقول سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي » !
وقال ابن حجر في الصواعق / 201 : « ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان . روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ، ومالك ، والسفيانين ، وأبي حنيفة ، وشعبة ، وأيوب السجستاني » .
وقال الشيخ محمد أبو زهرة : « لا نستطيع في هذه العجالة أن نخوض في فقه الإمام جعفر ، فإنّ أُستاذ مالك وأبي حنيفة وسفيان بن عيينة ، لا يمكن أن يدرس فقهه في مثل هذه الإلمامة » .
وقال ابن أبي الحديد : « أما أصحاب أبي حنيفة فأخذوا عن أبي حنيفة ، وأما الشافعي فهو تلميذ تلميذ أبي حنيفة ، وأما ابن حنبل فهو تلميذ الشافعي . وأبو حنيفة قرأ على جعفر الصادق ، وعلمه ينتهي إلى علم جده علي ( عليه السلام ) » .
وقال الإيجي في المواقف : 3 / 638 : « كان أبو يزيد ( البسطامي ) مع علو طبقته سَقَّاءً في دار جعفر الصادق رضي الله عنه ، وكان معروف الكرخي بواب دار علي بن موسى الرضا ، هذا مما لا شبهة في صحته ، فإن معروفاً كان صبياً نصرانياً فأسلم على يد علي بن موسى وكان يخدمه . وأما أبو يزيد فلم يدرك جعفراً بل هو متأخر عن معروف ، ولكنه كان يستفيض من روحانية جعفر » . والطرائف / 520 .
وترجم الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء : 3 / 192 ، للإمام الصادق ( عليه السلام ) بتفصيل ، ومما قاله : « الإمام الناطق ذو الزمام السابق ، أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، ونهى عن الرئاسة والجموع . .
أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي قال : وقع الذباب على المنصور فذبه عنه ، فعاد فذبه حتى أضجره ، فدخل جعفر بن محمد عليه فقال له المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليُذَلَّ به الجبابرة !
وأقبل على أبي حنيفة فقال : يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله ( ص ) قال : أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله تعالى له : أسجد لآدم ، فقال : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس ، لأنه اتبعه بالقياس !
ثم قال جعفر : أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا ؟ قال قتل النفس . قال : فإن الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ! ثم قال : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فكيف ويحك يقوم لك قياسك ! إتق الله ولا تقس الدين برأيك » .
الثاني : إبادة العلويين حتى أطفالهم !
اتخذ المنصور قراراً بإبادة العلويين جميعاً حتى لو لم يقوموا بعمل ضد حكمه !
قال المفيد ( رحمه الله ) في الإرشاد : 1 / 311 : « ومن آيات الله تعالى فيه ( أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ) أنه لم يُمْنَ أحد في ولده وذريته بما مني ( عليه السلام ) في ذريته ، وذلك أنه لم يعرف خوف شمل جماعة من ولد نبي ولا إمام ولا ملك زمان ولا بر ولا فاجر ، كالخوف الذي شمل ذرية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولا لحق أحداً من القتل والطرد عن الديار والأوطان والإخافة والإرهاب ما لحق ذرية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وولده !
ولم يجر على طائفة من الناس من ضروب النكال ما جرى عليهم من ذلك ، فقتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال ، وبني على كثير منهم وهم أحياء البنيان ، وعذبوا بالجوع والعطش حتى ذهبت أنفسهم على الهلاك ، وأحوجهم ذلك إلى التمزق في البلاد ومفارقة الديار والأهل والأوطان ، وكتمان نسبهم عن أكثر الناس ! وبلغ بهم الخوف إلى الإستخفاء من أحبائهم فضلاً عن الأعداء ، وبلغ هربهم من أوطانهم إلى أقصى الشرق والغرب والمواضع النائية في العمران ، وزهد في معرفتهم أكثر الناس ، ورغبوا عن تقريبهم والاختلاط بهم ، مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان » ! !
وقال الحاكم الأنماطي النيسابوري كما في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 102 : « لما بني المنصور الأبنية ببغداد ، جعل يطلب العلوية طلباً شديداً ، ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر ! فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه ، عليه شعر أسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، فسلمه إلى البناء الذي كان يبني له وأمره أن يجعله في جوف أسطوانة ويبني عليه ووكل عليه من ثقاته من يراعي ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده ! فجعله البناء في جوف أسطوانة فدخلته رقه عليه ورحمه له ، فترك الأسطوانة فرجه يدخل منها الروْح ، فقال للغلام : لا باس عليك فاصبر فإني سأخرجك من جوف هذه الأسطوانة إذا جن الليل ، فلما جن الليل جاء البناء في ظلمه فأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الأسطوانة وقال له : إتق الله في دمى ودم الفعلة الذين معي وغيب شخصك فإني إنما أخرجتك ظلمة هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة لأني خفت إن تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل ، ثم أخذ شعره بآلات الجصاصين كما أمكن وقال : غيب شخصك وانج بنفسك ، ولا ترجع إلى أمك . فقال الغلام :
فإن كان هذا هكذا فعرِّف أمي أني قد نجوت وهربت ، لتطيب نفسها ويقل جزعها وبكاؤها وإن لم يكن لعودي إليها وجه ! فهرب الغلام ولا يدرى أين قصد من وجه أرض الله تعالى ولا إلى أي بلد وقع ؟ ! قال ذلك البنَّاء : وقد كان الغلام عرفني مكان أمه وأعطاني العلامة ، فأنهيت إليها في الموضع الذي دلني عليه فسمعت دوياً كدوي النحل من البكاء ، فعلمت أنها أمه فدنوت منها وعرفتها خبر ابنها وأعطيتها شعره وانصرفت » .
وقد تقدم قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) كما في مقاتل الطالبيين / 233 : « لما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى ، حُسرنا عن المدينة ولم يُترك فيها منا محتلم ، حتى قدمنا الكوفة ، فمكثنا فيها شهراً ، نتوقع فيها القتل . . الخ . » !
وقال الصدوق ( رحمه الله ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 100 : « باب ذكر من قتله الرشيد من أولاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد قتله لموسى بن جعفر ( عليهما السلام ) بالسم في ليله واحدة ، سوى قتل منهم في سائر الأيام والليالي !
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن البزاز . . . حدثني عبيد الله البزاز النيسابوري وكان مسناً قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت إليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعليَّ ثياب السفر لم أغيرها ، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر ، فلما دخلت عليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه وجلست ، فأتيَ بطشت وإبريق فغسل يديه ، ثم أمرني فغسلت يدي وأحضرت المائدة ، وذهب عني أني صائم وأني في شهر رمضان ، ثم ذكرت فأمسكت يدي ، فقال لي حميد : ما لك لا تأكل ؟ فقلت : أيها الأمير هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي علةٌ توجب الإفطار ، ولعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الإفطار ! فقال : ما بي علةٌ توجب الإفطار وإني لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى ! فقلت له بعد ما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيها الأمير ؟ فقال : أنفذ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب ، فلما دخلت عليه رأيته بين يديه شمعة تتقد وسيفاً أخضر مسلولاً ، وبين يديه خادم واقف . فلما قمت يديه رفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال ! فأطرق ثم أذن لي في الانصراف ، فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليَّ وقال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت في نفسي : إنا لله ، أخاف يكون قد عزم على قتلي وإنه لما رآني استحيا مني ! وقعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد ! فتبسم ضاحكاً ، ثم أذن لي في الانصراف ، فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد إليَّ الرسول فقال : أجب أمير المؤمنين ، فحضرت بين يديه وهو على حاله ، فرفع رأسه إليَّ وقال لي : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين ! فضحك ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم !
قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه ، فإذا فيه بئر في وسطه وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشعور والذوائب ، شيوخ وكهول وشبان ، مقيدون .
فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء وكانوا كلهم علوية من ولد علي وفاطمة ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ، حتى أتيت على آخرهم ! ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .
ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلوية من ولد علي وفاطمة ، مقيدون فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمى به في تلك البئر ، حتى أتيت على آخرهم !
ثم فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة مقيدون عليهم الشعور والذوائب ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضاً ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمى به في تلك البئر حتى أتيت على تسعه عشر نفساً منهم ، وبقى شيخٌ منهم عليه شعر فقال لي : تباً لك يا ميشوم ! أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت عليه جدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً قد ولدهم عليٌّ وفاطمة ؟ ! فارتعشت يدي وارتعدت فرايصي فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني ! فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمى به في تلك البئر !
فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فما ينفعني صومي وصلاتي ! وأنا لا أشك أني مخلد في النار !
قال مصنف هذا الكتاب : للمنصور مثل هذه الفعلة في ذريه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » !
أقول : ولم يكتف المنصور بذلك حتى أوصى ابنه بمواصلة سياسته في إبادة أبناء علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ، وابتكر لوصيته أسلوباً خاصاً لتكون مؤثرة في ابنه !
قال الطبري في تاريخه : 6 / 343 : « لما عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي ، وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر ، فأوصاها بما أراد وعهد إليها ودفع إليها مفاتيح الخزائن ، وتقدم إليها وأحلفها ووكد الأَيمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن ، ولا تطلع عليها أحداً إلا المهدي ولا هي إلا أن يصح عندها موته فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدى وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة ! فلما قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته عن المنصور أنه تقدم إليها فيه ألا يفتحه ولا يطلع عليه أحداً حتى يصح عندها موته ، فلما انتهى إلى المهدى موت المنصور وولي الخلافة ، فتح الباب ومعه ريطة فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم ! وإذا فيهم أطفال ورجال شباب ومشايخ ، عدة كثيرة ! فلما رأى ذلك ارتاع لما رأى ، وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها ، وعمل عليهم دكاناً » . أي بنى عليهم بناء ، والأزج غرفة مخروطية داخل تلك الغرفة فيها جماجم القتلى العلويين رحمهم الله . ( لسان العرب : 2 / 208 ، والصحاح : 1 / 298 ) .
ويقصد المنصور من كتابة نسب كل واحد منهم في رقعة أن يقول لابنه لا تخف من النسب وكونهم أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذريته من فاطمة وعلي ( عليهما السلام ) !
الثالث : أحيا المنصور حملة الأمويين ضد علي ( عليه السلام ) !
فقد شدد في النهي عن رواية فضائل علي ( عليه السلام ) وعاقب من يرويها ، كما أصدر مرسوماً أمر فيه بتعظيم أبي بكر وعمر على المنابر ، لأنهم خصوم علي ( عليه السلام ) .
روى الحافظ ابن المغازلي في فضائل علي ( عليه السلام ) / 226 ، والحافظ ابن حسنويه الحنفي ، بسنده عن سلمان بن الأعمش عن أبيه قال : « وجّه إليَّ المنصورُ فقلت للرسول : لما يريدني أمير المؤمنين ؟ قال : لا أعلم ، فقلت : أبلغه أني آتيه ، ثمّ تفكرتُ في نفسي فقلت : ما دعاني في هذا الوقت لخير ، ولكن عسى أن يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإن أخبرته قتلني !
قال : فتطهرتُ ولَبستُ أكفاني وتحنَّطتُ ثم كتبت وصيتي ، ثمّ صرت إليه فوجدت عنده عمرو بن عُبيد ، فحمدت الله تعالى على ذلك وقلت : وجدت عنده عون صدق من أهل النصرة . فقال لي : أدن يا سليمان فدنوت ، فلمّا قرُبتُ منه أقبلتُ على عمرو بن عُبيد أُسائله وفاح مِنّي ريح الحُنوط . فقال : يا سليمان ما هذه الرائحة ؟ والله لتصْدُقني وإلاّ قتلتُك . فقلت : يا أمير المؤمنين أتاني رسولك في جَوف الليل فقلت في نفسي : ما بعث إليّ أمير المؤمنين في هذه السّاعة إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ فان أخبرته قتلني ، فكتبتُ وصيّتي ولبستُ كفَني وتحنَّطَتُ . فاستوى جالساً وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم . ثم قال : أتدري يا سلمان ما اسمي ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين دعنا الساعة من هذا . فقال : ما اسمي ؟ فقلت : عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب . قال : صدقت فأخبرني بالله وقرابتي من رسول الله كم رويت من حديث علي بن أبي طالب وكم من فضيلة من جميع الفقهاء ؟ قلت : شئ يسير يا أمير المؤمنين . قال : كم ؟ قلت : مقدار عشرة آلاف حديث وما يزداد . قال : يا سلمان ألا أحدثك بحديث في فضائل علي يأكل كل حديث رويته عن جميع الفقهاء ، فإن حلفت لا ترويها لأحد من الشيعة حدثتك بها ! قال : لا أحلف ولا أحدث بها . قال : إسمع . كنت هارباً من بني مروان وكنت أدور البلدان أتقرب إلى الناس بحب علي وفضائله . . الخ . » .
ولم يقتل المنصور الأعمش يومها ، لكن من الطبيعي أن يكون قتله بعدها بالسم !
الرابع : أمر بتعظيم أبي بكر وعمر لأنهما خصوم علي ( عليه السلام )
قال البياضي في الصراط المستقيم : 3 / 204 : « لمَّا وقع بينه وبين العلوية خلاف قال : والله لأرغمن أنفي وأنوفهم ، ولأرفعن عليهم بني تيم وعدي ، وذكر الصحابة في خطبته ، واستمرت البدعة إلى الآن » !
وقال العلامة الحلي ( رحمه الله ) في منهاج الكرامة / 69 : « ابتدعوا أشياء اعترفوا بأنها بدعة ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فإن مصيرها إلى النار . وقال : من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردٌّ عليه ! ولو رُدُّوا عنها كرهته نفوسهم ونفرت قلوبهم ، كذكر الخلفاء في خطبتهم ، مع أنه بالإجماع لم يكن في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين ، ولا في زمن بني أمية ولا في صدر ولاية العباسيين ، بل هو شئ أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية فقال : والله لأرغمن أنفي وأنوفهم ، وأرفعن عليهم بني تيم وعدي ، وذكر الصحابة في خطبته ، واستمرت هذه البدعة إلى هذا الزمان » ! انتهى .
فالهدف الأهم عنده أن يواجه ثورات العلويين ، لذلك رأى أن يعيد الاعتبار لأبي بكر وعمر ، حتى لو ناقض بذلك نفسه ونقض مذهب بني العباس ! فقوله : لأرغمن أنفي وأنوف بني علي ، معناه : عليَّ وعلى أعدائي يا رب ! فأصدر أمرهً إلى خطباء الجمعة في أنحاء الدولة بأن يترضوا على أبي بكر وعمر ، وأمر الفقهاء أن يفتوا به : « قال مالك : قال لي المنصور : من أفضل الناس بعد رسول الله ؟ فقلت : أبو بكر وعمر . فقال : أصبت ! وذلك رأي أمير المؤمنين » . ( النهاية لابن كثير : 10 / 130 ) .
وقد بحثنا مرسومه في الترضي عن الشيخين في كتاب : كيف رد الشيعة غزو المغول .
الخامس : تعظيم جده العباس وحصر الخلافة بأولاد ه
فقد وضع المنصور وأولاده أحاديث في مناقب العباس وأنه الوارث الوحيد للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه عمه ، وأنه أولى به من ابن عمه علي ( عليه السلام ) وولديه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وبعد العباس يأتي مقام أبي بكر وعمر ، رغم أنهم أخذا الخلافة وهي حقٌّ للعباس وأولاده ! لكن رضي الله عنهما ، فهما خير من علي وأبناء علي !
ثم زعم المنصور أنه رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في منامه فعقد له لواءً وأوصاه بأمته « وعممه بعمامة من 23 دوراً ، وقال له : خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة » !
قال « ينبغي لكم أن تثبتوها في ألواح الذهب وتعلقوها في أعناق الصبيان » ! ( تاريخ بغداد : 1 / 85 ، وتاريخ دمشق : 32 / 301 ، وابن كثير : 10 / 129 ، وحكم بصحة المنام ) !
وكان المنصور وأولاده لا يقبلون أن يقال إن جدهم العباس قال لعلي عند وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « أبسط يدك أبايعك فيقال : عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ، فلا يختلف عليك اثنان . فقال له علي : ومن يطلب هذا الأمر غيرنا » ! ( الإمامة والسياسة : 1 / 12 ، والاقتصاد / 214 ، والنزاع والتخاصم / 78 ) .
أو يقال إن الحسنين أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقوله تعالى : فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ . .
ولا أن يذكر مذهب جدهم عبد الله بن عباس وأحاديثه ، لأنه كان تلميذاً مطيعاً لعلي ( عليه السلام ) ناطقاً بفضائله ووصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) له بالخلافة !
وكلها تنقض ما يريده المنصور من تمجيد جده العباس وحصر الخلافة به هو !
قال أحمد بن حنبل في العلل : 2 / 312 : « قدم بن جريج على أبي جعفر ( المنصور ) فقال له : إني قد جمعت حديث جدك عبد الله بن عباس ، وما جمعه أحد جمعي أو نحو ذا ، قال : فلم يعطه شيئاً ! فضمه إلى سليمان بن مجالد . . . فأحسن إلى ابن جريج يعني أعطاه وأكرمه ، فقال له بن جريج : ما أدري ما أجزيك به ، ولكن خذ كتبي هذه فانسخوها ، فبعضها سماع وبعضها عرض » .
واسمع ما يقوله ابن جريح وهو ربيعة الرأي وأستاذ مالك بن أنس !
« أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن ، فكنا نستزيده حديث ربيعة ، فقال لنا ذات يوم : ما تصنعون بربيعة هو نائم في ذاك الطاق ! فأتينا ربيعة فأنبهناه ، فقلنا له : أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ؟ قال : بلى ، قلنا : ربيعة بن فروخ ؟ قال بلى ، قلنا ربيعة الرأي ؟ قال بلى . قلنا هذا الذي يحدث عنك مالك بن أنس ؟ قال بلى ، قلنا له : كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟ قال : أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حِمْل علم » ! ( تاريخ بغداد : 8 / 423 ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
