النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
عراقة الشيعة في بغداد
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص7-29
2025-07-27
91
مسجد براثا قبل بغداد بأكثر من قرن !
قال الحموي في معجم البلدان : 1 / 362 : « براثا : بالثاء المثلثة والقصر : محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول ، وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة » .
وفي أمالي الطوسي / 199 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس : إنها الزوراء فسيروا وجَنِّبوا عنها ، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعاً من أرضها قال : ما هذه الأرض ؟ قيل أرض بحرا ، فقال : أرض سباخ ، جنبوا ويَمِّنوا . فلما أتى يمنة السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له : يا راهب ، أنزلُ هاهنا ؟ فقال له الراهب : لا تنزل هذه الأرض بجيشك . قال : ولمَ ؟ قال : لأنه لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله ، هكذا نجد في كتبنا . فقال له أمير المؤمنين : فأنا وصي سيد الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) وسيد الأوصياء . فقال له الراهب : فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد ؟ قال له أمير المؤمنين : أنا ذلك .
فنزل الراهب إليه فقال : خذ عليَّ شرائع الإسلام ، إني وجدت في الإنجيل نعتك ، وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى ( عليه السلام ) !
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قف ولا تخبرنا بشئ ، ثم أتى موضعاً فقال : إلكزوا هذه ، فلكزه برجله ( عليه السلام ) فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم التي انبعثت لها ! ثم قال : اكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً ، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال علي ( عليه السلام ) : على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا ؟
فنصب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الصخرة وصلى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة ، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ( مسافة قريبة ) ثم قال : أرض براثا ، هذا بيت مريم ( عليها السلام ) هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء ( عليهم السلام ) » !
وفي من لا يحضره الفقيه : 1 / 232 : « وأما مسجد براثا ببغداد ، فصلى فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما رجع من قتال أهل النهروان » .
وفي تهذيب الأحكام : 3 / 264 ، أن الراهب قال : « إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا ، وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي ، وقد جئت أن أسلم ، فأسلم فخرج معنا إلى الكوفة فقال له علي ( عليه السلام ) : فمن صلى هاهنا ؟ قال : صلى عيسى بن مريم وأمه . فقال له علي ( عليه السلام ) : أفأفيدك من صلى هاهنا ؟ قال : نعم قال : الخليل ( عليه السلام ) » .
وفي مناقب آل أبي طالب : 2 / 100 : « قال أمير المؤمنين : فاجلس يا حباب ، قال : وهذه دلالة أخرى ، ثم قال : فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير مسجداً ، فبنى حباب الدير مسجداً ، ولحق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الكوفة ، فلم يزل بها مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فعاد حباب إلى مسجده ببراثا .
وفي رواية أن الراهب قال : قرأت أنه يصلي في هذا الموضع إيليا ، وصي البارقليطا محمد نبي الأميين ، الخاتم لمن سبقه من أنبياء الله ورسله ( عليهم السلام ) ، في كلام كثير ، فمن أدركه فليتبع النور الذي جاء به » .
وفي عيون المعجزات / 2 : « لما رجع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من قتال أهل النهروان أخذ على النهروانات وأعمال العراق ، ولم يكن يومئذ بنيت بغداد . . الخ . » .
وفي اليقين لابن طاووس / 421 : « فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وأين تأوي ؟ فقال : أكون في قلاية ( صومعة ) لي هاهنا . فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : بعد يومك هذا لا تسكن فيها ، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمه باسم بانيه فبناه رجل اسمه براثا ، فسمي المسجد ببراثا باسم الباني له . ثم قال : ومن أين تشرب يا حباب ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، من دجلة هاهنا . قال : فلم لا تحفر هاهنا عيناً أو بئراً ؟ فقال له : يا أمير المؤمنين ، كلما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة ! فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إحفر هاهنا بئراً فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها . فقلعها أمير المؤمنين فانقلعت عن عين أحلى من الشهد وألذ من الزبد ، فقال له : يا حباب ، يكون شربك من هذه العين . أما إنه يا حباب ستبني إلى جنب مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البلاء » .
أقول : دل هذا الحديث وغيره على أن إبراهيم ( عليه السلام ) صلى في موضع براثا ، واشترى أرض كربلاء وسماها كربلاء . وعلى أن مريم ( عليها السلام ) عاشت سنوات من تشريدها مع ابنها عيسى ( عليه السلام ) في العراق ، ويفهم من روايات سيرتها ( عليها السلام ) أن اليهود والرومان ضايقوها فاضطرت إلى الهجرة وبقيت مع ابنها في الشام ومصر والعراق نحو ثلاثين سنة ، ثم أمر الله عيسى ( عليه السلام ) فرجع إلى القدس ودعا الناس حتى حاولوا قتله فرفعه الله تعالى .
مقبرة براثا
في كامل الزيارات / 546 ، بسنده عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن إلى جانبكم مقبرة يقال لها : براثا ، يحشر منها عشرون ومائة ألف شهيد كشهداء بدر » .
وفي تاريخ بغداد : 1 / 134 : « وبنواحي الكرخ مقابر عدة ، منها مقبرة باب الكناس مما يلي براثا ، دفن فيها جماعة من كبراء أصحاب الحديث » .
3 - كان سكان الكرخ شيعة قبل تأسيس بغداد
كانت الكرخ قرية عامرة قبل تأسيس بغداد وكان فيها شيعة ، ففي بصائر الدرجات / 355 ، أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سأل إبراهيم الكرخي : « يا إبراهيم أين تنزل من الكرخ ؟ قلت : في موضع يقال له شادروان ، قال فقال لي : تعرف قَطَفْتَا ؟ قال : إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين أتى أهل النهروان نزل قطفتا ، فاجتمع إليه أهل بادرويا ، فشكوا إليه ثقل خراجهم وكلموه بالنبطية ، وأن لهم جيراناً أوسع أرضاً وأقل خراجاً ، فأجابهم بالنبطية : ( وغرزطا من عود يا ) قال فمعناه : رب رجز صغير خير من رجز كبير » . ومعنى الرجز هنا السهم من الأرض .
وتدل النصوص على أن قطفتا وبادرويا وشادروان والكرخ ، كانت قرى كبيرة عامرة ، وعبر عن بعضها بمدينة . وترجمت المصادر الرجالية لعدد من الكرخيين في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) غير إبراهيم المذكور ، وفيهم علماء مؤلفون .
وفي الكافي : 5 / 141 ، و 268 ، عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل تكون له الضيعة الكبيرة فإذا كان يوم المهرجان أو النيروز أهدوا إليه الشئ ليس هو عليهم يتقربون بذلك إليه . . . قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أشارك العلج فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ويكون على العلج القيام والسقي والعمل في الزرع حتى يصير حنطة وشعيراً وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : لا بأس بذلك » .
وذكر في الكافي : 3 / 529 ، خالد بن الحجاج الكرخي ، روى عن الصادق ( عليه السلام ) .
وقال الحموي في معجم البلدان : 4 / 448 : « والأشعار في الكرخ كثيرة جداً ، وكانت الكرخ أولاً في وسط بغداد والمحال حولها ، فأما الآن فهي محلة وحدها مفردة في وسط الخراب وحولها محال . . وأهل الكرخ كلهم شيعة إمامية ، لا يوجد فيهم سني البتة » .
معروف الكرخي ليس من كرخ بغداد
قال الحموي في معجم البلدان : 4 / 449 : « كرخ جُدَّان : بضم الجيم ، وسمعت بعضهم يفتحها والضم أشهر والدال مشددة وآخره نون . زعم بعض أهل الحديث أن كرخ باجدا وكرخ جدان واحد ، وليس بصحيح ، فأما باجدا فهو كرخ سامرا ، وأما كرخ جدان فإنه بليدة في آخر ولاية العراق يُنَاوح خانقين عن بعد ، وهو الحد بين ولاية شهرزور والعراق ، وإلى هذا الكرخ ينسب الشيخ معروف الكرخي بن الفيرزان أبو محفوظ ، وأخوه عيسى بن الفيرزان » .
وفي الأنساب للسمعاني : 5 / 50 : « هذه النسبة إلى عدة مواضع اسمها الكرخ . . . ومنها إلى كرخ باجدا ، قرية بنواحي العراق منها معروف بن الفيرزان الكرخي أبو محفوظ ، المشتهر . وأخوه عيسى بن الفيرزان الكرخي ، حكى عن أخيه معروف . . . حدثني عنه أبو العلاء الحافظ بأصبهان قال : سمعت خلفاً الكرخي المجهز يقول : نحن من كرخ باجدا ، منها معروف الكرخي ، وبيته معروف يزار إلى اليوم . . . وكان أحد المجتهدين المشهورين بالزهد والعزوف عن الدنيا ، يغشاه الصالحون ويتبرك بلقائه العارفون . وكان يوصف بأنه مجاب الدعوة ، ويحكى عنه كرامات . . ومات في سنة مائتين » .
من تاريخ مظالم الشيعة في بغداد
تكاثر الشيعة في بغداد ولم تمنعهم عداوة المنصور العباسي من ذلك ، وعمرت بغداد بسرعة وسكنها علماء وشخصيات ، وكان ثقل الشيعة في الكرخ التي اتسعت وصارت محلة كبيرة من بغداد حتى اتصلت ببراثا ، وصار مسجد براثا مركزاً علمياً وعبادياً واجتماعياً للشيعة ، ومَعْلَماً من معالم بغداد .
ولم تسلم براثا من حملات المتعصبين فكان فيها وفي الكرخ أحداث ، رواها المؤرخون .
قال السيد محمد الكثيري في كتابه : السلفية بين أهل السنة والإمامية / 619 ، ما خلاصته : « يقول ابن كثير في حوادث سنة 354 : ثم تسلطت أهل السنة ( الحنابلة ) على الروافض فكبسوا مسجدهم براثا الذي هو عش الروافض ، وقتلوا بعض من كان فيه من القومة ! وفيها أحرق الكرخ ببغداد فألقي في دورهم النار فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال ، من ذلك ثلاث مائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجداً ، وسبعة عشر ألف إنسان ! وعند ابن خلدون عشرون ألف إنسان !
أنظر لهذه الهمجية اللا إنسانية واللا دينية !
مثال آخر لإهدار الدم الشيعي المسلم : فقد ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 363 : ثارت العامة من أهل السنة ينصرون سبكتكين لأنه كان يتسنن ، فخلع عليهم وجعل لهم العرفاء والقواد ، فثاروا بالشيعة ، وحاربوهم وسفكت بينهم الدماء وأحرقت الكرخ حريقاً ثانياً ، وظهرت السنة عليهم .
ويقول ابن كثير في حوادث سنة 375 : فيها في عاشوراء عملت البدعة الشنعاء على عادة الروافض ، ووقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أهل السنة ( الحنابلة ) والرافضة ، وكلا الفريقين قليل عقل أو عديمه بعيد عن السداد . وذلك أن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة وسموها عائشة ، وتسمى بعضهم بطلحة وبعضهم بالزبير وقالوا : نقاتل أصحاب علي ! فقتل من الفريقين خلق كثير !
وفي سنة 389 : أرادت الشيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزينة يوم غدير خم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فقاتلهم جهلة آخرون من المنتسبين إلى السنة فادعوا أنه في مثل هذا اليوم حصر النبي ( ص ) وأبو بكر في الغار .
وفي هذا السياق نفسه يقول ابن كثير في حوادث سنة 389 : ولما كانت الشيعة يصنعون في يوم عاشوراء مأتماً يظهرون فيه الحزن على الحسين بن علي ، قابلتهم طائفة أخرى من جهلة السنة فادعوا إن في اليوم الثاني عشر من المحرم قتل مصعب بن الزبير ، فعملوا له مأتماً كما تعمل الشيعة للحسين !
إن النصوص التاريخية التي وصفت الفتن لا تترك مجالاً لأي قارئ أو باحث ، أن يشك في أن الحنابلة كانوا هم السابقين دائماً لإثارة الفتن والتهجم على الشيعة يراقبونهم ويتتبعون جميع تصرفاتهم وعبادتهم ! فأي فعل أو قول يخالف المذهب الحشوي يعني الابتداع والكفر ، ومن ثَم الهجوم فالقتل » ! انتهى .
ومما يؤيد كلام الكثيري أن فتنة الحنابلة المجسمة كانت مع غير الشيعة أيضاً كالطبري الفقيه المؤرخ ، فقد هاجموا داره ورجموه ، ولما مات منعوا دفنه في مقابر المسلمين ، ( معجم الأدباء : 9 / 57 ) . كما أخرجوا ابن حبان من سجستان لأنه أنكر أن يكون الله تعالى محدوداً ! قال السبكي : من أحق بالإخراج : مَن يجعل ربه محدوداً أو من ينزهه عن الجسمية ؟ ! » ( المجروحين لابن حبان ، والعقائد الإسلامية : 2 / 265 ) .
وهاجموا أئمة المذاهب في المدرسة النظامية ، قال ابن كثير في النهاية ( 12 / 143 ) : « ثم دخلت سنة سبعين وأربع مائة . . . وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية ، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام ، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً ، وجرح آخرون » !
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 59 : « سنة ثمان وأربعين وأربع مائة . أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ ، بالصلاة خير من النوم ، على رغم أنف الشيعة ! وأزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من حي على خير العمل » .
وفي تاريخ الذهبي : 30 / 9 : « سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة ، فلما كان في ربيع الآخر خطب ( وزير الخليفة ) بجامع براثا مأوى الشيعة ، وأسقط من الأذان حي على خير العمل ، ودق الخطيب المنبر بالسيف ، وذكر في خطبته العباس » .
هذا ، وقد وصف ابن كثير سيطرة السلاجقة على بغداد ، وفرضهم مذهبهم ، ومصادرتهم الحرية المذهبية التي كانت زمن الدولة البويهية الشيعية ! فقال في النهاية : 12 / 86 : « وفيها أُلْزِمَ الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، وأزيل ما كان على أبواب مساجدهم من كتابة : محمد وعلي خير البشر ، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ! وذلك أن نَوْءَ الرافضة اضمحل لأن بني بُويَهْ كانوا حكاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم ، والله المحمود أبداً على طول المدى . وأمر رئيس الرؤساء الوالي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض ، لما كان يتظاهر به من الرفض والغلو فيه ، فقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره » ! انتهى .
وهكذا يحمدون الله على توفيقهم لظلم الناس ، وإكراههم على الأذان والعبادة على مذهبهم ، ويفتخرون بقتل أحد علماء الشيعة وصلبه على باب دكانه ، واضطرار مرجع الشيعة إلى الهرب من بغداد إلى النجف ! وقد تأسفوا لأنهم لم يستطيعوا قتله ، لكنهم نهبوا داره ومكتبته !
وفي مقابل هذا القمع الحنبلي لم يسجِّل الرواة أن الشيعة أجبروا أحداً على صلاتهم ومذهبهم ، أو قتلوا علماء السنة عندما كانت لهم كلمة ، كما في دولة البويهيين ، ودولة الخليفة الناصر العباسي الشيعي ، ودولة السلاطين المغول الشيعة ، بل احترموا علماء المذاهب وعامتهم ! وبهذا صح قول ابن الصيفي :
فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا وكل إناءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ .
من العوائل الشيعية في بغداد
آل يقطين : في رجال النجاشي / 273 : « علي بن يقطين بن موسى البغدادي ، سكنها وهو كوفي الأصل ، مولى بني أسد ، أبو الحسن ، وكان أبوه يقطين بن موسى داعية ( للعباسيين ) طلبه مروان ( الحمار ) فهرب . وولد علي بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة ، وكانت أمه هربت به وبأخيه عبيد إلى المدينة حتى ظهرت الدولة رجعت . مات سنة اثنتين وثمانين ومائة في أيام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) » .
وفي فهرست ابن النديم / 279 : « وهربت أم علي به وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة فلما ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت أم على بعلي وعبيد . فلم يزل يقطين في خدمة أبي العباس وأبي جعفر ( المنصور ) ومع ذلك يرى رأى آل أبي طالب ويقول بإمامتهم ، وكذلك ولده . وكان يحمل الأموال إلى جعفر بن محمد بن علي والألطاف ، ونمَّ خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله عنهم كيدهما . وتوفي علي بن يقطين بمدينة السلام سنة اثنتين وثمانين ومائة ، وسِنُّهُ سبع وخمسون سنة ، وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد . وتوفي أبوه بعده في سنة خمس وثمانين ومائة . ولعلي بن يقطين ، كتاب ما سئل عنه الصادق من أمور الملاحم . كتاب مناظرته للشاك بحضرة جعفر » .
وفي ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 : « وكانت له وصلة بعيال جعفر بن محمد الصادق ، فأتت منزله بابنيها ، فاستدنى جعفر علياً وأقعده على حجره ومسح على رأسه . فلما ظهر بنو العباس ظهر يقطين وعادت أم علي بعلي وعبيد . . . ولما نقل المهدي إلى الرصافة صُيِّرَ في حجر يقطين ، فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه ، وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي ، فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً من أمره ، إلى أن توفي الهادي وصار الأمر إلى الرشيد فأقره شهراً ، ثم صرفه بيحيى بن خالد البرمكي » .
وقال العلامة في الخلاصة / 174 : « علي بن يقطين بن موسى البغدادي ، سكن بغداد وهو كوفي الأصل ، روى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) حديثاً واحداً ، وروى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) فأكثر ، وكان ثقة جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عظيم المكان في هذه الطائفة . قال أبو عمرو الكشي : علي بن يقطين مولى بني أسد وكان يبيع الأبزار وهي التوابل ، ومات في زمن أبي الحسن موسى وأبو الحسن ( عليه السلام ) محبوس سنة ثمانين ومائة . . . عن داود الرقي قال : دخلت على أبي الحسن ( عليه السلام ) يوم النحر فقال مبتدئاً : ما عرض في قلبي أحد وأنا في الموقف إلا علي بن يقطين ، فإنه ما زال معي وما فارقني حتى أفضت » !
وقال السيد الخوئي في المعجم : 13 / 242 ، ملخصاً : « علي بن يقطين ( رحمه الله ) ثقة جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) عظيم المكانة في الطائفة . . .
ولعلي بن يقطين رضي الله عنه كتب منها : كتاب ما سأل عنه الصادق ( عليه السلام ) من الملاحم ، وكتاب مناظرة الشاك بحضرته ( عليه السلام ) ، وله مسائل عن أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أخبرنا بكتبه ومسائله ، الشيخ المفيد ( رحمه الله ) والحسين بن عبيد الله . . .
وعده ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الكاظم ( عليه السلام ) .
سمعت مشايخ أهل بيتي يحكون أن علياً وعبيداً ابني يقطين ، أدخلا على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال : قربوا مني صاحب الذؤابتين وكان علياً ، فقرب إليه فضمه إليه ودعا له بالخير .
لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) العراق ، قال له علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه ؟ فقال : يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي !
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) لعلي بن يقطين : إضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثاً ، فقال علي : جعلت فداك ، وما الخصلة التي أضمنها لك وما الثلاث اللواتي تضمنهن لي ؟ قال : فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : الثلاث اللواتي أضمنهن لك أن لا يصيبك حر الحديد أبداً بقتل ، ولا فاقة ، ولا سقف سجن ، قال : فقال علي : وما الخصلة التي أضمنها لك ؟ قال : فقال : يا علي ، وأما الخصلة التي تضمن لي أن لا يأتيك ولي أبداً إلا أكرمته ، قال : فضمن له علي الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث .
وقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن لله مع كل طاغية وزيراً من أوليائه يدفع به عنهم » .
آل نوبخت : كان المنصور عاملاً لابن المهلب على خراج بليدة في الأهواز كما ذكر الذهبي ، فكسر الخراج أي سرقه ، فحبسه ابن المهلب ! وتعرَّف في السجن على نوبخت المنجم جد آل نوبخت البغداديين . ( تاريخ بغداد : 10 / 53 ) .
وفي تاريخ بغداد : 10 / 56 ، وتاريخ دمشق : 32 / 53 ، وسير الذهبي : 7 / 88 ، أن نوبخت أخبر المنصور بأنه سيحكم بلاد المسلمين ، فاستبشر المنصور بذلك وكتب له : « بسم الله الرحمن الرحيم ، يا نوبخت إذا فتح الله على المسلمين وكفاهم مؤونة الظالمين ورد الحق إلى أهله ، لم نغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا . وكتب أبو جعفر . قال نوبخت : فلما ولي الخلافة صرت إليه فأخرجت الكتاب ، فقال : أنا له ذاكر ولك متوقع ، فالحمد لله الذي صدق وعده وحقق الظن .
وجعله المنصور منجمه الخاص بمرتبة وزرائه ، وأقطعه محلة النوبختية ببغداد ، وهي منطقة سوق الشورجة . وكان منهم وزراء وعلماء وأطباء ومنجمون ومترجمون إلى العربية : « وفي القرنين الثالث والرابع كان لكثير من النوبختية الشيعة نفوذ كبير في الدولة العباسية ، منهم : الحسين بن علي بن العباس ، الذي كان يتولى الكتابة للأمير أبي بكر محمد بن رائق ، وكان في مرتبة الوزراء ببغداد ، مدبر الأمور حاكماً على الدولة . وقال الذهبي في علي بن عباس النوبختي : رئيس ولي وكالة المقتدر توفي 324 . ( مجلة تراثنا : 55 / 211 ) .
وفي هامش الذريعة : 1 / 69 : « آل نوبخت بيت جليل من متكلمي الإمامية ، جدهم نوبخت كان من الفرس ومن أفاضل المنجمين صاحب المنصور الدوانيقي ، وقام مقامه ولده الذي غير المنصور اسمه وسماه بأبي سهل ، وكان الفضل بن أبي سهل هذا صاحب التصانيف وخازن كتب دار الحكمة للرشيد ، وقام مقامه ولده إسحاق بن الفضل ، وله ولدان إبراهيم بن إسحاق صاحب الياقوت وعلي بن إسحاق الذي ذكر في رجال الشيخ أنه من أصحاب الرضا والجواد وبقي إلى عصر الهادي ( عليهم السلام ) .
وأما إسماعيل بن علي صاحب إبطال القياس ، فقد صنف في فنون العلوم أكثر من ثلثين كتاباً ذكرها ابن النديم . وقال النجاشي إنه شيخ المتكلمين من أصحابنا لقي العسكري ( عليه السلام ) وروى عنه وحضر وفاته سنة 260 ، وهو خال الحسن بن موسى النوبختي صاحب الفرق والمطبوع غير مرة ، وتخرج عليه جماعات كأبي الجيش المظفر بن محمد البلخي وأبي الحسن الناشي والحمدوني والسوسنجردي وغيرهم . وهو الذي أظهر كذب الحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني » .
وقد نبغ من آل نوبخت علماء كبار وأولياء ، وكان منهم ولي الله أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ( قدس سره ) السفير الثالث للإمام المهدي صلوات الله عليه ، وستأتي ترجمته . ( راجع في بني نوبخت : فهرست ابن النديم / 225 و 333 ، والشيعة وفنون الإسلام / 68 ، وتهذيب المقال : 2 / 195 ، وأعيان الشيعة : 2 / 93 ) .
آل فرات ، وهم من العوائل المعروفة البارزة في بغداد وكان منهم رئيس وزراء وكذا الباقطانيون ، وكذا آل بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة ، وكذا آل حمدان التغلبيين أمراء الموصل وحلب ، وكان بعضهم في بغداد ، ثم آل مقلة ، ومنهم الخطاط المشهور علي بن مقلة ، الذي طور الخط العربي .
وفي نشوار المحاضرة / 1066 ، دافع الوزير ابن الفرات عن إعطائه مناصب كبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم ، قال : « يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت ، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من العمال وقد قلدتهم ، لما استعملت في الدنيا إلا آل نوبخت دون غيرهم . قال أبو الحسين : وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب ، ويتعصب لآل نوبخت للمذهب » .
المراسم الدينية عند الشيعة في بغداد
تكاثر الوجود الشيعي في بغداد مع سرعة عمرانها ، فسكن فيها كثير من شيعة الكوفة والمدينة وبلاد الشام وإيران ، ولم يمض قرن من الزمان حتى صاروا مع الشيعة السابقين جمهوراً واسعاً ، وبرزت منهم شخصيات علمية وسياسية .
وكانت أهم مواسمهم الدينية زيارة الإمام موسى الكاظم والجواد ( عليهما السلام ) في بغداد وزيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء . وكانوا يقيمون مراسم عاشوراء في محلاتهم فيعطلون أسواقهم ويرفعون أعلام السواد ، ويعقدون مجالس التعزية ، ينشدون فيها الشعر ويقرؤون فيها سيرة الحسين ( عليه السلام ) ومقتله .
وكان ذلك يثير المتعصبين فيعملون لمنع إقامة المآتم والزيارة ، ويحركون الحكومة ضدهم لتمنعهم ، فكانت تمنع إقامة مراسم عاشوراء في بعض السنوات فتحدث مصادمات بين الشرطة والشيعة . وكانت أحياناً لا تستجيب للحنابلة فيتصدون هم لمنعها بالقوة ، فتحدث مصادمات بينهم وبين الشيعة !
وكان مجسمة الحنابلة يكايدون الشيعة ، فيعلنون الفرح في محلاتهم ببغداد يوم عاشوراء ! تقليداً لبني أمية الذين جعلوه عيداً واحتفلوا فيه ، وأفتوا باستحباب توزيع الحلوى والتوسعة على العيال ، وأفتوا بصيامه شكراً لله على انتصار يزيد على الحسين ( عليه السلام ) ووضعوا أحاديث باستحباب الفرح يوم عاشوراء !
قال العجلوني في كشف الخفاء : 2 / 234 : « من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عيناه ، رواه الحاكم والبيهقي في شعبه والديلمي عن ابن عباس ، رفعه . وقال الحاكم : منكر ، وقال في المقاصد : بل موضوع . وقال في اللآلئ بعد أن رواه عن ابن عباس من طريق الحاكم : حديث منكر ! والإكتحال لا يصح فيه أثر فهو بدعة ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال الحاكم أيضاً : الاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن النبي ( ص ) فيه أثر ، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه وقبحهم . نعم رواه في الجامع الصغير بلفظ : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً . . وقال ابن رجب في لطائف المعارف : كل ما روى في فضل الاكتحال والإختضاب والاغتسال فيه موضوع لم يصح » .
ونص أحد فقهاء السنة على أن الفرح بعاشوراء بدعةٌ من يزيد وابن زياد !
قال البكري الدمياطي في إعانة الطالبين : 2 / 301 : « قال العلامة الأجهوري : أما حديث الكحل فقال الحاكم إنه منكر ، وقال ابن حجر إنه موضوع ، بل قال بعض الحنفية إن الاكتحال يوم عاشوراء لما صار علامةً لبغض آل البيت وجب تركه . قال : وقال العلامة صاحب جمع التعاليق : يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ، وقيل بالإثمد ، لتقر عينهما بفعله » !
فكان حنابلة بغداد المتعصبون ومعهم بعض المسؤولين العباسيين يقلدون بني أمية في الفرح يوم عاشوراء !
ثم رأى أتباع بني أمية أن عملهم شماتة مفضوحة بآل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاخترعوا صوم يوم عاشوراء شكراً لله على نجاة بني إسرائيل ليغطوا به على عيد يزيد ! ودونوه في صحيح بخاري ومسلم : « كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ! فقال رسول الله ( ص ) : فصوموه أنتم » ( مسلم : 3 / 150 ، ونحوه بخاري : 2 / 251 ) .
والى الآن ما زلنا نرى في السعودية صوم الشكر ومظاهر الفرح بإقامة الأعراس في يوم عاشوراء ! وكل ذلك إرثٌ من بني أمية ومجسمة حنابلة بغداد !
وقد سجل المؤرخون حدوث اضطرابات سنوية في بغداد بسبب اعتداء الحنابلة أو السلطة على الشيعة لمنعهم من إقامة مراسم عاشوراء ، أو منعهم من زيارة الإمامين الكاظم والجواد ( عليهما السلام ) في بغداد ، والحسين ( عليه السلام ) في كربلاء .
قال الذهبي في تاريخه : 26 / 17 : « أحداث سنة أربع وخمسين وثلاث مائة : فيها عمل يوم عاشوراء ببغداد مأتم الحسين كالعام الماضي » .
وقال في حوادث سنة 355 : « أقيم المأتم يوم عاشوراء ببغداد على العادة » .
وقال في حوادث 382 : « فمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح ( شعارات السواد ) ، كان كذلك يعمل من نحو ثلاثين سنة » .
« في عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم ، وعلقوا عليها المسوح وناحوا ، وذلك لأن السلطان انحدر عنهم فوقع القتال بينهم وبين السنة ثم أنزل المسوح وقتل جماعة » . ( تاريخ الذهبي : 29 / 5 ) .
« تقدم إلى أهل الكرخ أن لا يعملوا مأتماً يوم عاشوراء فأخلفوا ، وجرى بين أهل السنة والشيعة ما زاد على الحد من القتل والجراحات » . ( تاريخ الذهبي : 30 / 5 ) .
« وفي يوم عاشوراء أغلق أهل الكرخ الدكاكين وعلقوا المسوح ، وأقاموا المأتم على الحسين ، وجددوا ما بطل من مدة . فقامت عليهم السنة ، وخرج مرسوم الخليفة بإبطال ذلك ، وحبس جماعة مدة أيام » . ( تاريخ الذهبي : 30 / 291 ) .
وقال في الكامل في حوادث سنة 358 : « وفيها عمل أهل باب البصرة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً ، وكذلك عملوا ثامن عشر المحرم مثل ما يعمل الشيعة في عاشوراء ، وسبب ذلك أن الشيعة بالكرخ كانوا ينصبون القباب وتعلق الثياب للزينة اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الغدير ، وكانوا يعملون يوم عاشوراء من المأتم والنوح وإظهار الحزن ما هو مشهور ، فعمل أهل باب البصرة في مقابل ذلك بعد يوم الغدير بثمانية أيام مثلهم ، وقالوا هو يوم دخل النبي ( ص ) وأبو بكر الغار ، وعملوا بعدة عاشورا بثمانية أيام مثل ما يعملون يوم عاشوراء ، وقالوا هو يوم قتل مصعب بن الزبير » .
وفي تاريخ الذهبي : 39 / 5 : « ظهر في أيام عاشوراء من الرفض ببغداد أمر عظيم حتى سبوا الصحابة ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحلاً ضربوه » .
ولم يذكر الذهبي أن المكحلين والمخضبين كانوا من مجسمة الحنابلة يأتون إلى أحياء الشيعة للتحدي ، فقد روى الصفدي في الوافي ( 11 / 300 ) قول أبي الحسين الجزار :
« ويعود عاشوراء يذكرني * رزء الحسين فليت لم يعدِ
فليتَ عيناً فيه قد كُحلتْ * بمسَرَّةٍ لم تَخْلُ من رمدِ
ويداً به لشماتةٍ خُضِبَتْ * مقطوعةً من زندها بيدي »
ثم أخذت السلطة تستدعي علماء سنيين معتدلين للخطابة في بغداد ، ليجمعوا الشيعة والسنة على حب أهل البيت ( عليهم السلام ) والترضي على أبي بكر وعمر ، وقد سجل المؤرخون خبر مجالس ابن الجوزي الكبيرة ، الذي كان يروي فيها مناقب أهل البيت ( عليهم السلام ) ويترضى عن الشيخين وعن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ويلعن يزيد ومن شاركه في قتل الحسين ( عليه السلام ) ، وقد ألف كتاباً في جواز لعن يزيد .
قال ابن الجوزي عن سنة 568 : « جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور ، فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف » ( تاريخ الذهبي : 39 / 43 ) . وقال : « تقدم إليَّ بالجلوس تحت المنظرة ، فتكلمت في ثالث المحرم والخليفة حاضر ، وكان يوماً مشهوداً . ثم تقدم إليَّ بالجلوس يوم عاشوراء فكان الزحام شديداً زائداً على الحد ، وحضر أمير المؤمنين » . ( تاريخ الذهبي : 40 / 5 ) .
ولم تعجب هذه المجالس الذهبي فقال في تاريخه ( 41 / 368 ) عن أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني ، إمام الشافعية : « قال ابن النجار : كان رئيس أصحاب الشافعي وكان إماماً في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ . . . وكان يجلس بالنظامية وبجامع القصر ويحضر مجلسه أمم . . ولما ظهر التشيع في زمان ابن الصاحب التمس العامة منه يوم عاشوراء على المنبر أن يلعن يزيد فامتنع ، ووثبوا عليه بالقتل مرات فلم يُرَعْ ولا زلَّ له لسان ولا قدم وخلص سليماً . وفي أيام مجد الدين بن الصاحب صارت بغداد كالكرخ وجماعة من الحنابلة تشيعوا ، حتى أن ابن الجوزي صار يسجع ويلغز إلا رضي الدين القزويني فإنه تصلب في دينه وتشدد »
يقصد الذهبي أن ابن الجوزي مال إلى الشيعة ، ولا يصح قوله ، بل كان ابن الجوزي يعتقد بجواز لعن يزيد ، وألف كتاباً في ذلك .
وفي النهاية لابن كثير : 12 / 33 : « وفيها ( سنة 420 ) ورد كتاب من محمود بن سبكتكين أنه أحلَّ بطائفة من أهل الري من الباطنية والروافض قتلاً ذريعاً وصلباً شنيعاً ، وأنه انتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي ، فحصل منها ما يقارب ألف ألف دينار . . وفي هذا اليوم جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب جمعه القادر بالله ، فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل البصرة ، وفيه الرد على أهل البدع ، وتفسيق من قال بخلق القرآن . . .
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضاً كلهم ، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة والرد على أهل البدع . . . وذكر فضائل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة ، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه . وعزل خطباء الشيعة وولى خطباء السنة ، ولله الحمد والمنة على ذلك وغيره . وجرت فتنة بمسجد براثا وضربوا الخطيب السني بالآجر ، حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه ، فانتصر لهم الخليفة وأهان الشيعة وأذلهم » !
وقال ابن خلدون ( 4 / 477 ) : « كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه . . . وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة ، من الخلاف في الإمامة ومذاهبها ، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم ، من تصريح الحنابلة بالتشبيه في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه ، فيقع الجدال والنكير ، ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام ، وتكرر ذلك منذ حُجِر الخلفاء .
ولم يقدر بنو بُويَهْ ولا السلجوقية على حسم ذلك منها ، لسكنى أولئك ( البويهيين ) بفارس وهؤلاء ( السلاجقة ) بأصبهان ، وبعدهم عن بغداد ، وإنما تكون ببغداد شحنة ( حامية عسكرية ) تحسم ما خف من العلل ، ما لم ينته إلى عموم الفتنة » .
منعت السلطة زيارة مشهد الكاظمين والحسين ( عليهم السلام )
شملت تعديات السلطة ومجسمة الحنابلة زوار الإمامين الكاظمين والإمام الحسين ( عليهما السلام ) ، ففي الكافي ( 1 / 525 ) : « خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحاير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه » .
ولم يكتف الخليفة بمنع الشيعة من زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) بل أراد هدمه !
ففي أمالي الشيخ الطوسي / 328 : « بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ( المتوكل ) أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائداً من قواده وضم إليه كتفاً من الجند كثيراً ليشعب قبر الحسين ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره ( عليه السلام ) . فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والإنكفاء إلى المصر ! فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين وأنه قد كثر جمعهم كذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين ، ونبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة رضي الله عنهم ، فقتل ولم يتم له ما قَدَّر » .
وفي أمالي الطوسي / 327 : « قال : حدثني أبو برزة الفضل بن محمد بن عبد الحميد قال : دخلت على إبراهيم الديزج وكنت جاره ، أعوده في مرضه الذي مات فيه فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله وكانت بيني وبينه خلطة وأنس يوجب الثقة بي والانبساط إليَّ ، فكاتمني حاله وأشار لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله فقال : أخبرك والله وأستغفر الله : إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة والروزكاريون ، ( العمال الميامون ) معهم المساحي والمرور ، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية وجعل الغلمان ينبهونني ، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان : ما شأنكم ؟ قالوا : أعجب شأن . قلت : وما ذاك ؟ قالوا : إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر ، وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا !
وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت : إرموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهمٌ منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله ! فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمى والقشعريرة ورحلت عن القبر لوقتي ! ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به !
قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيت ما تحذر من المتوكل ، قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر ، فقال لي : قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء ! قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار فما أمسى الديزج حتى مات .
قال ابن خشيش : قال أبو الفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة ( عليها السلام ) فسأل رجلاً من الناس عن ذلك فقال له : قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر » !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
