أنواع القضاء والقدر
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 182 - 183
2025-07-19
277
اعلم أنهما يستعملان تارة ويراد منهما القضاء والقدر العلميان، بمعنى أنه تعالى قدر الأشياء قبل خلقتها، وأنجز أمرها وقضاها، والقضاء والقدر بهذا المعنى هو مساوق لعلمه الذاتي، ومن المعلوم أن القضاء والقدر بالمعنى المذكور من صفاته الذاتية، فضرورة الوجود لكل موجود وتقديره، ينتهي إلى علمه الذاتي، ولعل إليه يؤول ما روي عن علي - عليه السلام - في القدر حيث قال: " سابق في علم الله " (1).
وأخرى يستعملان ويراد منهما العلمي في مرحلة الفعل، لا في مرحلة الذات، بأن يطلق التقدير ويراد منه لوح المحو والاثبات، ويطلق القضاء ويراد منه اللوح المحفوظ، ومن المعلوم أنهما معنى كانا، فعلان من أفعاله تعالى.
وأخرى يستعملان ويراد منهما القضاء والقدر الفعليان، ومن المعلوم أنهما بهذا المعنى والمعنى السابق من صفاته الفعلية، لأنهما منتزعان عن مقام الفعل، لأن كل فعل مقدر بالمقادير، ومستند إلى علته التامة الموجبة له، ولعل قوله تعالى: " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " (2) يشير إلى الأخير.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: " لا ريب أن قانون العلية والمعلولية ثابت، وأن الموجود الممكن معلول له سبحانه، إما بلا واسطة أو معها، وأن المعلول إذا نسب إلى علته التامة كان له منها الضرورة والوجوب، إذ ما لم يجب لم يوجد، وإذا لم ينسب إليها كان له الامكان، سواء اخذ في نفسه ولم ينسب إلى شئ، كالماهية الممكنة في ذاتها، أو نسب إلى بعض أجزاء علته التامة، فإنه لو أوجب ضرورته ووجوبه كان علة له تامة، والمفروض خلافه.
ولما كانت الضرورة هي تعين أحد الطرفين، وخروج الشئ عن الابهام، كانت الضرورة المنبسطة على سلسلة الممكنات، من حيث انتسابها إلى الواجب تعالى الموجب لكل منها في ظرفه الذي يخصه، قضاء عاما منه تعالى، كما أن الضرورة الخاصة بكل واحد منها، قضاء خاص به منه، إذا لا نعني بالقضاء إلا فصل الأمر، وتعينه عن الابهام والتردد، ومن هنا يظهر أن القضاء من صفاته الفعلية وهو منتزع من الفعل، من جهة نسبته إلى علته التامة الموجبة له " (3) فالشئ قبل وقوعه له تقديرات مختلفة، ثم يتعين منها واحد ووقع عليه وقضى أمره لو لم يمنع عنه مانع، فكل شئ واقع في الخارج مقدر وقضاء إلهي، فمثل النطفة تقديرها أن تتكامل إلى الإنسانية أو أن تتساقط قبل تكاملها إن حدث مانع وعائق، فكل واحد من التقديرات إذا تعين، وقع عليه وقضى أمره، وهكذا.
ثم المستفاد من ذكر القضاء والقدر هنا أنه عند المصنف من الصفات الفعلية، ومن ذلك ما روي عن جميل عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال:
" سألته عن القضاء والقدر، فقال: هما خلقان من خلق الله والله يزيد في الخلق ما يشاء " (4) ومن المعلوم أن ما يقبل الزيادة هو الفعل لا العلم الذاتي كما لا يخفى.
_____________
(1) بحار الأنوار: ج 5 ص 97.
(2) آل عمران: 47.
(3) الميزان: ج 13 ص 76.
(4) بحار الأنوار: ج 5 ص 120.
الاكثر قراءة في القضاء و القدر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة