x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
عادات الأبوين وأثرها على الأبناء / بعض العادات الحسنة
المؤلف: السيد علي عاشور العاملي
المصدر: تربية الجنين في رحم أمه
الجزء والصفحة: ص140ــ163
2024-11-22
171
إن كل عادة تتعود عليها الأم أو الأب فإنها ستوجد في الأبناء، سواء كان ذلك في مرحلة الحمل أم بعده وسوف نتعرض الى بعض هذه العادات ضمن عناوين:
بين العادات الإسلامية وغير الإسلامية
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
بعث سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل (عليهم السلام) من أجل إحياء النفوس والأمم، فما أتى به الأنبياء (عليهم السلام) كان مرتبطاً بعامة الناس، فجاء ما ينظم علاقة الإنسان بمجتمعه ويبين له حسن الارتباط مع أخيه وزوجته، ويفرض أهمية بر والديه وغير ذلك من القوانين الشرعية والاجتماعية.
فكانت الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية والفضائل الحسنة من أجل إحياء ضمير الإنسان وكيانه من أجل حياة أفضل في الدارين، دار الدنيا وهي دار العمل، ودار الآخرة وهي دار الجزاء والثواب.
ولم يترك الإسلام أي حكم أو أدب يتعلّق بالإنسان وحياته وشؤونه إلا وأتى به بأفضل أسلوب وأدق طرح وأعظم فائدة لهذا الإنسان سواء على نفسه أم عياله أم
مجتمعه.
أتى القرآن الكريم والنبي (صلى الله عليه وآله) وترك لنا أهل البيت (عليهم السلام) ثقافة غنية وعادات تحيي نفوسنا وتجعل لنا نوراً نمشي به بين الناس ما على الموالي إلا اتباعها والمداومة عليها.
لكن أعداء الإنسانية وطواغيت كلّ عصر زرعوا ثقافات معادية وعادات سيئة وأتوا بها إلى البلاد الإسلامية لتكون عوضاً عن ثقافة وعادات القرآن الكريم والنبي وأهل
بيته (عليهم السلام).
وتماشى كثير من الناس مع ذلك بل أصبحوا أداة لتنفيذ هذه المعصية العظيمة:
فبتنا عندما نرى شيئاً جميلاً أو خارقاً نقول: (آتونا بالخشب لندق عليه) وتخلّينا عن ثقافة الإسلام القائلة أن نصلي على محمدٍ وآل محمد، أو أن نقول: ما شاء الله، سبحانه الله، الله أكبر.
فرض الإسلام ثقافة بين الناس وهي التعاطف والتراحم والتعامل بالحسنى والتزاور وإلقاء السلام فيما بيننا، لكن بدأ الناس بالتخلّي عن ذلك والتمسك بالعادات الغربية المنحرفة القاضية بافتعال المشاكل والفتن بين الناس وظلمهم واستعمال الكلام البذيء والقطيعة بين الناس والأرحام وترك السلام أو عدم المبالاة به، أو السلام بغير تحية الإسلام (السلام عليكم و....).
أصبحنا نرى ونسمع عن خلاف بين الأب وابنه والأخ وأخته والعم وابن أخيه، بل
قد يستمر هذا الخلاف لسنواتٍ ويموت بعضهم وهو لا يكلّم الآخر ولا يراه.
كل ذلك أثّر على نفوسنا ومجتمعنا وأخلاقنا، فتراجعنا من كل النواحي وأثمنا بكلّ الأفعال وحرمنا من كثير النعم التي وعد الله تعالى المطيعين بها والمتأدبين بالآداب الحسنة والأخلاق الفاضلة.
نحن أيُّها الإنسانيون مدعوون لإحياء إنسانية الإنسان بإحيائنا للآداب المحمدية والفضائل الإسلامية والتي بها نحيي أنفسنا وأهلينا.
نحن مدعوون للتخلّي عن العادات السيئة والقبيحة لدى الغرب وعن ثقافته ولباسه وشكله، لأن التمثل بهم وبلباسهم وأشكالهم من الأمور التي يمقتها الله تعالى.
بل التعامل معهم وشراء بضائعهم الداعمة للاستعمار والاستكبار مشكل شرعاً لما فيه من تضعيف للإسلام والمسلمين وثقافتهم ومنتوجاتهم.
أيُّها المسلمون الإسلام يعلى ولا يُعلى عليه والمسلم عزيز مكرم عند الله تعالى، فلماذا ننبهر بالكفّار المستكبرين وعاداتهم وثقافتهم بل ومنتوجاتهم وقد أذلهم الله تعالى لما في قلوبهم من الحقد والبغض للإنسانية، وما في أيديهم من ضرر لشعوب العالم.
قال إمامنا الصادق (عليه السلام): ((أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: قُل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي))(1).
بعض العادات الحسنة
1- حُسن العشرة والصحبة:
قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يكره اللعان السباب الطعان على المؤمنين المتفحّش السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف))(2).
وقال الصادق (عليه السلام): ((اتقوا الله ولا تحملوا الناس على أكتافكم إن الله يقول: {وقولوا للناس حُسناً} عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلوا معهم في مساجدهم))(3).
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): ((وأما حق أهل [ملتك] عامة فإضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك، فإنّ إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كفّ عنكَ أذاه، وكفاك مؤنته وحبس عنك نفسه، فعمّهم جميعاً بدعوتك وانصرهم جميعاً بنصرتك، وأنزلهم جميعاً منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحـمـة، وصـل أخـاك بـما يجب للأخ على أخيه))(4).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنّوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم))(5).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ((إنّه لا بد لكم من الناس، إن أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بد لبعضهم من بعض))(6).
هذه الأحاديث تعطي برنامجاً متكاملاً للإنسان في معاشرته للناس وكيفيته، سواءً ما تعلّق منها باللسان وكون ما يخرج منه حسناً جميلاً مقرّباً، فنشكر بهذا اللسان كل صاحب معروف ومنعم، وشكر المنعم واجب عقلاً، وندعو الله عزّ وجلّ ونتضرع إليه لكل محتاج وصاحب بلاء وفاقة بل وصاحب سلامة ونعمة أن يديمها الله تعالى عليه، فنبعد بذلك هذا اللسان عن الفحش والسباب وقول الزور وما يفرّق بين الناس ويفتعل الفتن بين المؤمنين.
وكذلك ما تعلّق بالأفعال، فأن يزور الإنسان المرضى والجرحى في وطنه وبلده ويشهد جنائزهم ويعزّيهم ويتواصل معهم ويتألفهم، وينصرهم إن احتاجوا إلى نصرته، وأن يتعامل معهم بالرحمة واللطف حتى إذا غاب عنهم حنوا إليه ولا زالوا يذكرونه بالخير والسلامة، وإذا فقد من بينهم بكوا عليه لفقدهم نعمة وحسنة جارية من بلدهم.
يعتبر كل كبير بمنزلة والده فيحترمه ويجلّه ويقدّمه ويستشيره ويبرزه في المهمات والملمات، ويطيعه كطاعته والده عند استصواب رأيه.
وينزل كل أم بمنزلة أُمّه، فيحن عليها ويحترمها ويجلّها، وكذلك كلّ ولد بمثابة ولده يعطف عليه ويرحمه ويحسن إليه ويربّيه ويبعده عن المخاطر والمهالك وينبهه من المفاسد.
ويعتقد أنّ كلّ أخ في الدين هو أخوه في الرحم وربَّ أخ لم تلده أمك - فيصله ويبره
ويخدمه ويصحبه.
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: إن عليا (عليه السلام) صاحب رجلاً ذمياً فقال له الذمي: أين تريد يا عبد الله؟
قال: أُريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمّي عدل معه علي (عليه السلام)، فقال له الذمي: أليس زعمت تريد الكوفة؟
قال: بلى.
فقال الذمي: فقد تركت الطريق.
فقال له: قد علمت.
فقال الذمي: فلما عدلت معي وقد علمت ذلك؟
فقال له علي (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنية إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبينا.
فقال له: هكذا قال.
قال (عليه السلام): نعم.
فقال له الذمي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة وأنا أشهد أنّي على دينك. فرجع مع عليّ فلما عرفه أسلم [على يديه](7).
هذه أخلاق الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) تمام الاحترام والتقدير لصحبة الطريق، مع کلام لين وجميل يخرج من القلب ويدخل في القلب.
فمن أراد أن يصحب شخصاً فعليه تقديره وإجلاله مهما كان دينه وأخلاقه ومنطقه، فإنّ كلّ إناء بما فيه ينضح، وعليه السؤال عن أحواله وعياله وأرحامه، وعن مشاكله أو حاجته وأن يعرض عليه المساعدة والمشورة.
ومن آداب المصاحبة في الطريق والسفر عدم الاستقلال بالرأي بل يستأذن صاحبه ويستشيره حتى في الانصراف، وإذا كانوا ثلاثة فلا ينفرد اثنان، فإنّ في ذلك أذيّة واحتقاراً للثالث.
وينبغي للمصاحب أن ينصح صاحبه ولا يغشه، وينبه على المساوئ والمخاطر ويمنعه عن المحرّمات والمنكرات ويهديه إلى سواء السبيل.
قال صادق أهل البيت (عليهم السلام): ((ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه، ومخالفة من خالقه))(8).
2- التحية وافشاء السلام والمصافحة:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((كان سلمان رحمه الله يقول: افشوا سلام الله فإنّ سلام الله لا ينال الظالمين))(9).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((افشوا السلام بينكم تحابوا)).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ((من قال: السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة))(10).
وقال (عليه السلام): ((إن من تمام التحيّة للمقيم المصافحة وتمام التسليم على المسافر المعانقة))(11).
وقال (عليه السلام): ((يسلّم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقـلـيـل عـلـى الكثير))(12).
* من المستحبّات الأكيدة والمهمة في المجتمعات إلقاء السلام، بل هي مدخل حلّ المشاكل والنزاعات، خاصة تحيّة الإسلام، فإنّ بداية التباغض ترك السلام وبعده تبدأ المشاكل والفتن أو البعد والجفاء.
فركز النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الكرام على السلام والتحية، بل على إفشائه وانتشاره ليشمل الصغير والكبير الرجل والمرأة الحرّ والعبد، في السفر والحضر في المنزل أو الشارع أو المدرسة أو الجامعة أو المستشفى أو غيرهم.
عندما يصبح السلام متفشياً في المجتمع فهو دليل على وعي أبنائه وتراحمهم وتعاطفهم ووعيهم، بل تعاونهم على البر والتقوى.
فلا ينبغي للمؤمن أن يخجل من إلقاء السلام أو الردّ، كما لا ينبغي له أن يترك التحية نتيجة خلافات عائليّة أو قبليّة أو شخصية، بل حتى الخلافات السياسية وتعدّد الآراء والأطر لا يعني ترك السلام والتحيّة، إذ الخلاف في وجهة النظر لا يعني المخاصمة والعداوة، ولو كان لوجب إزالته من بين المسلمين والمؤمنين.
ويعتبر السلام كباب للتعاون والتآلف والتزاور، فكل فوائد التزاور والتعارف والتآلف متوقفة على انتشار السلام بين الناس، لذا ورد أنّه يحبب الناس بعضهم إلى بعض.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): ((إن المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فــلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر والله ينظر إليهما حتى يفترقا))(13).
وهي من العادات الإسلامية والمستحبّات الأكيدة ينبغي المواظبة عليها حتى تنتقل الى الأطفال، بل على الزوجين تكرار إلزام الأطفال بذلك ليتعودوا عليه.
3ـ طلاقة الوجه وحسن اللقاء:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر))(14).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((الق أخاك بوجهٍ منبسط))(15).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((حسن البشر يذهب بالسخيمة [الحقد]))(16).
وقال أمير المؤمنين: (البشاشة حبالة المودة))(17).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): ((صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ويدخلان الجنّة، والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار))(18).
هذه خصلة الكرام وعلامة الإيمان، فضيلة عمليّة لا تُتعب صاحبها ولا تكلّفه جهداً، سوى العمل طبق فطرته وراحة باله ونفسه، من لا يحب أن يلقى الناس والبسمة على وجهه تفتح نفس الذي نلقاه وتجعله يطمئن ويأنس باللقاء، فتتولّد المحبة والمودة ويذهب الحقد والغل من القلوب وجزاء ذلك جنة الخلد التي وعد بها المتقون أصحاب الفضائل الكريمة والأخلاق الحسنة.
وبهذه الفضيلة ترفع كثير من الخلافات بين الناس، لأنّ طلاقة الوجه وحسن اللقاء مفتاح السلام والتحية والتحية مفتاح التواصل والتعاون والتزاور، والتزاور تمام المحبة والألفة بين الناس.
فينبغي للإنسان المؤمن أن يغيّر من عاداته بعد قراءته لثواب طلاقة الوجه وأثره، وليتعامل مع بني جنسه باللين والعطف والرحمة والتواضع، فليس العبوس من يصنع الهيبة في الإنسان ويعطيه الوجاهه والقدرة، ولنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة حيث خاطبه الجليل قائلاً: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، فمع تواضعه وحسن منطقه وطلاقة وجهه، كانت الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام) يهابونه هيبة النبوة والأنبياء.
ويتأكد هذا عند الزوجين لأنهما قدوة لأولادهم وهم يقلدونهما في كل شيء، مضافاً إلى أثر هذه العادات على الجنين كما ذكرنا سابقاً.
4- إجلال واحترام الكبير ورحمة الصغير:
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): في رسالة الحقوق: ((وأما حق الكبير فإنّ حقه توقير سنّه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه، وترك مقابلته عند الخصام، لا تسبقه إلى طريق ولا تؤمّه في طريق ولا تستجهله، وإن جهل عليك تحمّلت وأكرمته بحق إسلامه مع سنّه، فإنّما حق السنّ بقدر الإسلام
ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته، فإنّه سبب للتوبة والمداراة له وترك مماحكته، فإنّ ذلك أدنى لرشده))(19).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم))(20).
وقال الصادق (عليه السلام): ((ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويــرحــم صـغيرنا، عظموا كباركم... ))(21).
وقال (عليه السلام): ((مَن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته))(22).
وقال (عليه السلام): ((ثلاثة لا يجهل حقهم إلا منافق معروف النفاق: ذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن والإمام العادل))(23).
وقال رسول البشرية محمد (صلى الله عليه وآله): ((مَن عرف فضل كبيرٍ لسنّه فوقّره آمنه الله من فزع يوم القيامة))(24).
من المستحبّات الأكيدة والفضائل الحميدة إعطاء كل ذي حق حقه، فكبير السن والشيخ الجليل حقه الاحترام والتقدير، وحتى التزم المجتمع بهذه الأخلاق أصبح في عافية وتقدّم، متى أصبح الحدث يجلّ الشيخ ويقدّمه في المشورة والمجالس ولا ينازعه ولا يسبقه في الطريق ولا يجهل رأيه، وإذا أخطأ تناسينا خطأه وجهله، أو أوهمناه أنّنا لم نسمعه أو لم نفهم عليه لكي لا يقع في الإحراج.
الخبرة التي يكتسبها المرء في حياته وكذا التجربة لها ثمنها وقيمتها في المجتمع لذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستشير صاحب الرأي والخبرة من الكبار وكان يقول: رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام(25).
فمع حاجتنا لقوة وجلادة الغلام وتوقف النصر عليه وبناء المجتمعات، إلا أن رأي الشيخ صاحب التجربة والخبرة أفضل وأحب لما فيه من مصلحة لبناء المجتمع ومتانته.
نعم على الكبار والمشايخ وأصحاب الشيبة الرحمة بالصغار وتعليمهم وتثقيفهم، لأنهم المستقبل المنتظر، وهم سوف يكونون كباراً في المستقبل القريب.
وعلى الكبار أيضاً العفو عند المقدرة عن الصغار، ومداراتهم وعدم مناقشتهم نقاشاً لا فائدة فيه، لكي لا يتعودوا على تضييع أوقاتهم بما لا فائدة منه.
فلابد من التوازن بين ذي الشيبة والغلام، لأنّ المجتمع مؤلّف منهما، فإذا استفاد المجتمع من رأي الشيخ الكبير وجلادة الغلام الصغير صلح وقوي وازدهر.
هذا ما حثّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين لسعادة الإنسان ونجاته يوم القيامة من المقت.
وهذا إضافة الى زرعنا في عقول أبنائنا وقلوب أطفال هذه العادات الإسلامية.
5- التودد إلى الناس ومداراتهم:
قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل التحبب إلى الناس))(26).
وقال لأعرابي: تحبّب إلى الناس يحبوك(27).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ((مجاملة الناس ثلث العقل))(28).
وبلفظ عن رسول الله (عليه السلام): ((التودد إلى الناس نصف العقل))(29).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((مَن عرض لأخيه المسلم المتكلم في حديثه فكأنما خدش في وجهه))(30).
أمر سبحانه وتعالى بالتحلّي بالعفو والصفح عن الناس بقدر الإمكان وأن يتعامل مع الناس بما تعوّدوا عليه من الأعراف ما لم يكن محرّماً أو مضراً أو منافياً للمروءة، أو كان كلاماً للجاهلين.
ومن خلال هذا الأسلوب يستطيع الإنسان الرسالي أن يتقرب من الناس ويتعرّف عليهم أكثر فأكثر فيزداد الحبّ بينهم نتيجة العشرة والمداراة والتودّد.
ووصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) التحبب أو التودد إلى الناس أنه رأس العقل أو نصفه، للإشارة إلى أنّ الذي يعادي الناس ويبتعد عنهم فإنّه إما جاهل وإما عقله ناقص، إذ إنّه لو كان من طلاب الآخرة لتودّد الى البشر جميعاً، وإن كان من طلاب الدنيا فمعاداة الناس تنافيه، والأعراف ترفضه.
فالإنسان لا بد أن يجامل الناس ويداريهم - مجاملة لا تؤدّي إلى التهاون في الحقوق أو ارتكاب ما ينافي الشرع والمروءة - ويعامل كلّاً حسب عقله ومنطقه وتفكيره، فكلّ إنسان في هذه الحياة له مفتاح، فبعضهم الكلمة الحسنة تجذبه وتصلحه أو تستصلحه، وبعضهم بالتودد إليه وزيارته، وبعضهم بمساعدته أو الوقوف إلى جانبه الشدائد وبعضهم بمعاملته معاملة صادقة أمينة، وبعضهم بإلقاء السلام عليه واحترامه وتقديره وبعضهم بإبرازه وإعطائه وجاهة ومنصباً اجتماعياً هو أهل له.
وهكذا على اختلاف الطاقات والقدرات وأشكال الناس وتنوعهم.
فلا يوجد أسلوب واحد للتعامل مع الناس والمهم التعامل معهم عن طريق التعقل والمداراة كلّ بما يتناسب مع وضعه.
ثم من آداب الحديث مع الناس أن يصغي الإنسان لكل حديث مهما كان وممن كان، من صغير أم كبير رجل أم امرأة، حديث سياسة أم اقتصاد أم منام أم هموم أم سذاجة وبساطة، يصغي إليه ويظهر على وجهه الارتياح وطلاقة الوجه ثم يبدأ بالكلام والتفنيد أو الموعظة، وإذا أراد الردّ على ما قال، فليكن عن تعقل ومداراة وتبسيط للأمور.
وليكن الردّ على مراحل، فمن الخطأ أن يصدم صاحب الرأي - حتى لو كان خطأ - من أول كلمة أو جلسة إذ الهدف إقناع الخصم بما أعتقده وهذا لا يعني أن أُقنعه في يوم واحد أو جلسة واحدة.
ومن سوء الأدب أن أقطع كلام المتكلّم وقد شبهه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه كالخدش والجرح في الوجه، فكيف أن الإنسان يتألّم له ويتحسّس لحصوله فكذلك إذا قاطعنا المتكلّم قبل إنهاء كلامه أو مقصوده.
وينبغي أن لا تواجه الشتيمة بالشتيمة، بل برحابة الصدر والحلم واستيعاب المشكلة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22].
فكلّ أُسلوب إذا كان هادئاً وبكلامٍ حسن، فإنّه يؤثر عـلـى حــل مــجـمـل المـشـاكـل
الواقعة بين الناس.
هكذا أرادنا أهل البيت (عليهم السلام) أن نربي أبناءنا على ذلك ليزدادوا قرباً من الله تعالى.
6ـ صدق الحديث وأداء الأمانة:
قال تعالى في صفة المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصـومهم وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم بالليل ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة))(31).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((الأمانة تجلب الغنى والخيانة تجلب الفقر))(32).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((لا تزال أُمتي بخير ما تحابوا وتهادوا وأدوا الأمانة واجتنبوا الحرام، وقرّوا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين))(33).
وورد عنهم (عليهم السلام): ((أدِّ الأمانة يسلم لك دنياك وآخرتك وكن أميناً تكن غنياً))(34).
شدّدت الشريعة السمحاء على العلاقة الاجتماعية بين الناس وحثّت على الالتزام بما يقوّيها ويحصّنها، وأهم ما يشدّ هذه العلاقة صدق الحديث مع الناس وأداء أمانتهم، بل اعتبرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) علامة الإسلام والإيمان، فلا عبرة بصلاة وصوم ومعروف الإنسان إنّما العبرة بأداء الأمانة وصدق الحديث، فهما اللذان يكشفان عن إيمان وورع المرء، إذ لعلّ الصلاة والصوم والمعروف أُمور اعتاد عليها أو يستحيي من تركها نتيجة ظروف اجتماعية، أما أداء الأمانة والصدق، فهي أُمور تكشف عن إيمان وورع بداخل الإنسان.
والأمة التي تلتزم بالأمانة والصدق أُمّة خير ويرجى منها كلّ صلاح ومعروف، فتسلم لها الدنيا والآخرة، أمّا الأُمّة التي يخون بعضها البعض وتكذب على بعضها، فهي أُمّة فاسدة تكثر فيها المشاكل والنزاعات، ويقل رزقها، وأي رزق يبقى مع الخيانة والكذب، وكيف يطمئن الإنسان ليعمل في مجتمع بني على النفاق والخديعة والغش.
إن السبيل الوحيد لصلاح لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) ونيل سعادة الدارين التمسك بالثقلين وتعاليمهما، وأهمها أن نتقارب إلى بعضنا البعض ونتحابب بالصدق والأمانة والمعروف.
7- التعود على البسملة:
قال الإمام الصادق (عليه السلام) ولربما ترك - في افتتاح أمر ـ بعض شيعتنا (بسم الله الرحمن الرحيم) فيمتحنه الله بمكروه لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه، ويمحو فيه عنه وَصْمَة تقصيره عند تركه قول بسم الله.
[وقال عليه السلام]: دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين يديه كرسي فأمره بالجلوس عليه فجلس عليه فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه، وسال الدم.
فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بماء فغسل عنه ذلك الدم، ثم قال: ادن منّي، فوضع يده على موضحته، وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه، ومسح يده عليها وتفل فيها، فما إن فعل ذلك حتى اندمل، فصار كأنه لم يصبه شيء قط.
ثم قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -: يا عبد الله الحمد لله الذي جعل تمحيص
ذنوب شيعتنا في الدنيا بمِحنهم، لتسلم لهم طاعتهم، ويستحقوا عليها ثوابها.
فقال عبد الله بن يحيى يا أمير المؤمنين! وإنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا؟
قال: نعم، أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))؟
إن الله يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم به من المحن، وبما يغفره لهم، فإنّ الله يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، حتى إذا أُوردوا القيامة توفّرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم.
وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها، لأنه لا إخلاص معها - إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم، وبغضهم لمحمد وآله وخيار أصحابه فقذفوا في النار.
ولقد سمعت محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ((إنّه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع لله مؤمن والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه وكـلّ واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض، فمرض الكافر واشتهى سمكة فـي غير أوانها لأنّ ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج، بحيث لا يقدر عليه فآيسته الأطباء من نفسه، وقالوا له: استخلف على ملكك من يقوم به فلست بأخلد من أصحاب القبور، فإنّ شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها ولا سبيل إليها.
فبعث الله ملكاً وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها، فأخذت له تلك السمكة فأكلها وبرى من مرضه، وبقي في ملكه سنين بعدها.
ثمّ إنّ ذلك الملك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، فاشتهى تلك السمكة ووصفها له الأطباء وقالوا: طب نفساً فهذا أوانه تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ.
فبعث الله ذلك الملك وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليها، فلم يوجد حتى مات المؤمن من شهوته وبعد دوائه.
فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد في الأرض حتى كادوا يفتنون، لأنّ الله تعالى سهّل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسّر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلاً.
فأوحى الله إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الأرض، إنِّي أنا الله الكريم المتفضّل القادر، لا يضرني ما أعطي ولا ينقصني ما أمنع، ولا أظلم أحداً مثقال ذرة.
فأما الكافر فإنّما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها إذ كان حقاً عليّ ألّا أبطل لأحد حسنة، حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره، ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة وإعدام ذلك الدواء، وليأتيني ولا ذنب عليه فيدخل الجنة.
فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فإن أردت أن تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، حتى لا أعود الى مثله.
قال: تركك حين جلست أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم فعجل ذلك لسهوك عمّا ندبت إليه تمحيصاً بما أصابك، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني عن الله عزّ وجلّ:
كل أمر ذي بالٍ لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر.
فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها.
قال: إذاً تحظى بذلك وتُسعد))(35).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((مَن حزنه أمر تعاطاه فقال: بسم الله الرحمن الرحيم وهو يخلص الله، ويقبل عليه بقلبه إليه، لم ينفكَ عن إحدى اثنتين إما بلوغ حاجته الدنياوية، وإما ما يعدله ويدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين))(36).
* وروي أنه من كتب لفظة (بسم الله) على باب داره أمن من الهلاك وإن كان كافراً(37).
وقيل: إن الله لم يهلك فرعون سريعاً لأنه كتب على باب داره: بسم الله، وأوحى الله إلى موسى (عليه السلام) لما سأله هلاك فرعون سريعاً: أنت تنظر الى كفره وأنا أنظر الى ما كتبه على بابه(38).
أيها الأزواج الكرام واظبوا على البسملة عند كل عمل خاصة قبل الحمل، وعودوا
أطفالكم عليها ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
8- التعود على الصدقة:
قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((إن أفضل ما توسّل به المتوسلون إلى الله الإيمان به وصدقة السر، فإنّها تكفّر الخطيئة))(39).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى))(40).
وعن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مرّ يهودي بالنبي (صلى الله عليه وآله) فقال: السّام عليك.
فقال (صلى الله عليه وآله): وعليك.
فقال أصحابه: إنّما سلّم عليك بالموت، فقال: الموت عليك.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): وكذلك رددت، ثمّ قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله.
قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ضعه، فوضع الحطب، فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود. فقال: يا يهودي أيّ شيءٍ عملت اليوم؟
قال: ما عملت عملاً إلا حطبي هذا احتملته وجئت به فكـان مــعـي كعكتان فأكلت
واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بها دفع الله عنك.
فقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان(41).
وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الله (عليه السلام): إن الصدقة لتدفع سبعين بلية من بلايا الدنيا مع ميتة السوء، إنّ صاحبها لا يموت ميتة السوء أبداً مع ما يدخر لصاحبها من الأجر في الآخرة(42).
وعن معلى بن خنيس قال: خرج أبو عبد الله (عليه السلام) في ليلةٍ قد رشّت وهو يريد ظلة بني ساعدة، فاتبعته فإذا قد سقط منه شيء فقال: (بسم الله اللهم ردّ علينا)، قال: فأتيته فسلمت عليه فقال (عليه السلام): معلّى؟
قلت: نعم، جُعلتُ فداك.
فقال لي: (التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ)، فإذا أنا بخبز منتشر كثير فجعلت أدفع عليه ما وجدت فإذا أنا بجراب أعجز عن حمله من خبز.
فقلت: جعلت فداك أحمله على رأسي(43)؟
فقال: لا، أنا أولى به منك ولكن امض معي.
قال: فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقومٍ نيام، فجعل يدس الرغيف والرغيفين
حتى أتى على آخرهم ثم انصرفنا.
فقلت: جُعلتُ فداك يعرف هؤلاء الحق؟
فقال: لو عرفوه لواسيناهم بالدقة(44)، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق شيئاً إلا وله خازن يخزنه إلّا الصدقة، فإنّ الرب يليها بنفسه وكان أبي (عليه السلام) إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثمّ ارتدّ منه فقبّله وشمه ثمّ ردّه في يد السائل.
إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب وتمحو الذنب العظيم وتهوّن الحساب، وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في العمر.
إن عيسى ابن مريم (عليه السلام) لما مرّ على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين يا روح الله وكلمته لِم فعلت هذا وإنما هو من قوتك؟
قال (عليه السلام): فعلت هذا الدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم(45).
كما وعلينا بصدقة العلانية التي تدفع ميتة السوء كما تقدم، كالغرق والحرق والهدم ونحوها.
ويدل عليه روايات أُخر مثل ما رواه ثقة الإسلام الكليني ـ عــطـر الله مضجعه ـ، بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ((إنّ الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعاً من أنواع البلاء وتفك عن الحي سبعين شيطاناً كلّهم يأمره أن لا يفعل)).
وعن أبي ولّاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ((بكّروا بالصدقة وارغبوا فيها، فما من مؤمن يتصدق بصدقة يريد بها ما عند الله ليدفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم إلا وقاه الله شرّ ما ينزل في ذلك اليوم))(46).
وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِنَّ الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون، وعدّ (عليه السلام) سبعين باباً من السوء))(47).
هذه أهمية الصدقة فينبغي تعويد الأطفال أيضاً عليها ليستفيدوا من آثارها.
9- المواظبة على غسل الجمعة:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((يا عليّ على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جُمعة ولو أنك تشتري الماء بقوت يومك وتطويه، فإنّه ليس شيء من التطوع أعظم منه))(48).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ((من اغتسل يوم الجمعة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين كان له طهراً من الجمعة إلى الجمعة))(49).
وقال (عليه السلام): ((لا يترك غسل يوم الجمعة إلا فاسق [ومن فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت]))(50).
وقال (عليه السلام): ((غسل الرأس بالخطمي(51) يوم الجمعة من السنة يدر الرزق ويصرف(52) الفقر ويحسّن الشعر والبشرة وهو أمان من الصداع))(53).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (من اغتسل يوم الجمعة محيت ذنوبه وخطاياه))(54).
فعلى الأم تعويد أبنائها على ذلك ليزدادوا إيماناً وجمالاً.
10- الإكثار من الوضوء:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((مَن توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده وكان الوضوء إلى الوضوء كفّارة لما بينهما من الذنوب، ومن لم يسمّ لم يطهر من جسده إلّا ما أصابه الماء))(55).
وقال (عليه السلام): ((من بات على وضوء [طهر] فكأنما أحيا الليل كلّه))(56).
وقال: ((مَن بات على وضوء بات وفراشه مسجده))(57).
قال موسى: ((إلهي فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك؟
قال: أبعثه يوم القيامة وله نور يتلألأ بين عينيه))(58).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر [وعاش ما عاش في سعةٍ] وبعده ينفي الهم ويصحح البصر))(59).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات))(60).
ـ أثر وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: بينا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - ذات يوم جالس مع ابن الحنفية إذ قال: يا محمد، ائتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة.
فأتاه محمد بالماء، فأكفأ بيده اليمنى على يده اليسرى، ثمّ قال: بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً.
قال: ثم استنجى، فقال: اللهم حصن فرجي واعفه، واستر عورتي، وحرمني على النار.
قال: ثم تمضمض، فقال: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك.
ثم استنشق، فقال: اللهم لا تحرّم علي ريح الجنّة، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها.
قال: ثم غسل وجهه، فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، ولا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه.
ثم غسل يده اليمنى فقال: اللهم اعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري، وحاسبني حساباً يسيراً.
ثمّ غسل يده اليسرى، فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولةً إلى عنقي، وأعوذُ بك من مقطعات النيران.
ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك.
ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عنّي.
ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال: يا محمد، من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي، خلق الله عزّ وجلّ من كلّ قطرةٍ ملكاً يقدسه ويسبحه ويكبره، ويكتب الله عزّ وجلّ له ثواب ذلك إلى يوم القيامة(61).
هذه جملة من العادات والآداب الحسنة المروية عن رسول الله وآل الطاهرين الطيبين (عليهم السلام) ينبغي على المؤمن التعود عليها وتعويد أولاده أيضاً عليها ليستفيدوا من فوائدها وآثارها، سواء الدنيوية كسعة الرزق وحسن الأخلاق وتحسين الخَلق، أم الأخروية: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].
_______________________________
(1) مفاتيح الجنان: 836.
(2) البحار: 74/ 161، ح19.
(3) البحار: 74/ 161، ح20.
(4) بحار الأنوار: 74/ 21، ح2.
(5) البحار: 74/ 163، ح26.
(6) الكافي: 2/ 635، ح1.
(7) البحار: 74/ 157، والكافي: 2/ 670.
(8) ميزان الحكمة: 6/ 318، 12677.
(9) الكافي: 2/ 644، ح4.
(10) الكافي: 2/ 645، ح 9.
(11) الكافي: 2/ 646، ح 14.
(12) الكافي: 2/ 646، ح 1.
(13) الكافي: 2/ 179.
(14) الكافي: 2/ 103، ح1.
(15) الكافي: 2/ 103، ح1.
(16) الكافي: 2/ 104، ح6.
(17) البحار: 74/ 167، ح35.
(18) الكافي: 2/ 103، ح5.
(19) البحار: 74/ 19.
(20) الكافي: 2/ 165، ح1.
(21) الكافي: 2/ 165، ح2ــ3.
(22) الوسائل: 8/ 468، ح15747.
(23) الوسائل: 8/ 467، ح15748.
(24) الوسائل: 8/ 467، ح15752.
(25) نهج البلاغة [محمد عبده] 4/ 19، رقم86.
(26) البحار: 74/ 158، ح6.
(27) الكافي: 2/ 642، ح1.
(28) الكافي: 2/ 643، ح2.
(29) الوسائل: 8/ 434، ح15626.
(30) ميزان الحكمة: 6/ 321، ح12709.
(31) البحار: 75/ 114، ح5.
(32) البحار: 75/ 114، ح6.
(33) البحار: 75/ 115، ح7.
(34) البحار: 75/ 117، ح18.
(35) بحار الأنوار: 89/ 241ــ242.
(36) بحار الأنوار: 89/ 245.
(37) مفاتيح الجنان: 837.
(38) المصدر السابق.
(39) نهج البلاغة (محمد عبده) 1/ 216، خطبه 110.
(40) الكافي: 4/ 7، ح1.
(41) الكافي: 4/ 5، ح 3.
(42) الوسائل: 9/ 387، ح12303.
(43) (عاتقي) في نسخة.
(44) الدقّة: الملح.
(45) الطاعون داء في الجوف.
(46) الكافي: 9/ 40، وتهذيب الأحكام: 4/ 105.
(47) الكافي: 4/ 5، ح1، ووسائل الشيعة: 9/ 384، ح12295.
(48) جمال الأسبوع: 228.
(49) جمال الأسبوع: 229.
(50) مستدرك الوسائل: 2/ 506، ح2574، والبحار: 78/ 129.
(51) هو ورق يغسّل به الرأس.
(52) في المخطوط: ولا يضرّ، وما أثبتناه من بعض المصادر.
(53) البحار: 86/ 356.
(54) البحار: 86/ 357.
(55) علل الشرائع: 1/ 289.
(56) أمالي الصدوق: 86.
(57) المحاسن للبرقي: 1/ 47، ح48.
(58) فضائل الأشهر الثلاثة: 89.
(59) مكارم الأخلاق: 139 ــ 140.
(60) مكارم الأخلاق: 467.
(61) أمالي الصدوق: 649.