1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : معلومات عامة :

الإسلام ورغبات الإنسان

المؤلف:  الأستاذ مظاهري

المصدر:  الأخلاق البيتية

الجزء والصفحة:  ص27ــ33

2024-05-11

756

إن شرعة الإسلام الحقة توجب علينا إرضاء غرائزنا ورغباتنا، وتحرّم الانتحار، وهذا ما تحدثت عنه الأخبار والروايات الكثيرة والمتواترة.

فالإنسان لا يحق له بتاتاً قتل رغباته، وسحق غرائزه بعيداً عن إرضائها وإقناعها، وهذا ما صوّبه القرآن المجيد في بعض آياته حيث حبب للبشر العمل من أجل الحظوة بالآخرة من دون نسيان النصيب الدنيوي الذي يشتمل على إرضاء الغرائز والرغبات والميول.

{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].

أيها الإنسان إن ما لديك من ثروات وقدرات، وإمكانات عقلية وأمنية أعطيت لك من أجل أن تستفيد منها في كسب الآخرة، أما ينبغي لك أن تكون على حذرٍ من نسيان دنياك التي تعيش فيها الآن.

إنك لا تستطيع أن تحيا لبُعدٍ واحد، وأن الغور في أسبار الدنيا الدنية إلى حد الانحطاط خطاً فاحش؛ لذا يجب القول بأنك لن تستطيع صرف كل عمرك وعقلك وسلامتك ومالك 100 % من أجل الآخرة، ولا أن تصرف ذلك 100 % من أجل الدنيا، بل يجب عليك ابتغاء ما آتاك الله للآخرة دون نسيان نصيبك من هذه الدنيا التي تعيش وتحيا فيها.

ففي صدر الإسلام، وكذا في زمان الأئمة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت هذه الأفكار المنحرفة تُطرق في بعض الأحيان هنا وهناك؛ أي كان البعض يعتقد بأنه يجب عليه أن يعمل ليلاً نهاراً من أجل الآخرة، فتراه يترك الدنيا، ويتفكر لرغباته وغرائزه بل ويحاول قتل تلك الرغبات والغرائز بشتى الوسائل.

وعندما تصل هذه الأفكار المنحرفة إلى سماع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار من أهل بيته الشريف تراهم يردّون بشكل يشوبه الردع والتنديد لأولئك الأفراد ولما يصدر عنهم من أعمال لا تمت بصلة إلى ما جاء به الإسلام العظيم.

نَقَل لنا المرحوم صاحب الوسائل رواية جاء فيها :

جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة نساء لتقول أولاهن: يا رسول الله، لقد عاهد بعلي نفسه بأن لا يعاشر امرأة بعد اليوم؛ وقالت الثانية: يا رسول الله، لقد صمم بعلي على أن لا يطعم لحماً. بعد اليوم؛ وقالت الثالثة: يا رسول الله، إن بعلي أخبرني بأنه سوف لن يستعمل عِطراً بعد الآن.

تقول الرواية: بانَ الغضبُ الشديد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه رأى بأن الفكر المنحرف بـدأ يتفشى بين أفراد المجتمع الإسلامي، وحينها دخل إلى المسجد على غيـر مـوعـد - وتقول الرواية بأن السرعة التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد لم تكن طبيعية، حيث كانت عباءته تخط التراب من بعده كونها كانت معلّقة في أحد كتفيه الشريفين - وأمر بجمع الناس في ذلك المسجد، فترك القوم أعمالهم ليتوجهوا إلى باحة المسجد! ما الذي حدث؟.

صعد الرسول (صلى الله عليه وآله) المنبر الشريف ليقف على أول سلالمه، وليخبر الناس بأنه سمع ما يمكن أن يعد بمثابة شيوع للفكر المنحرف بـ أصحابه.

ما هو هذا الفكر المنحرف الذي شاع بين القوم؟ بعد ذلك صرّح الرسول (صلى الله عليه وآله) باستطعامه للحم، وتناوله للغذاء اللذيذ، وارتداءه للملابس الجيدة، وتعطره بالعطر ومعاشرته للنساء، ومباشرته لهن.

ثم قال: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)(1).

وقال أيضاً: (... أما إنّي أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني)(2).

لقد تطرق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى ردّ الأفكار المنحرفة في أكثر من ((10)) موارد، وقد نقل لنا المرحوم فيض في كتاب «الصافي» رواية تدلّ على أن مثل هذه المسألة قد تكررت في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) في كل مرة يردّ على تلك الأفكار المنحرفة، بل وينزل الله فيها آيات تنذر بالعذاب الأليم.

والجدير بالذكر أنه كلما نزلت آية قرآنية تتطرق إلى عدم الانشغال بالدنيا وزخارفها، خاف نفر من المسلمين، وقبضوا أيديهم عن كل ما يمت بصلةٍ للحياة الدنيا، بل واستداروا 180 درجة إلى جهة أخرى.

نقل لنا المرحوم فيض في كتابه الموسوم (الصافي) رواية جاء فيها: أن امرأة جاءت إلى عائشة في مسألة خاصة - وكانت ذات بعل - فسألتها عائشة: هل مات بعلك (لعدم تزيّنها بزينة المتزوجات) فأجابت: كلا، ولكنه ذهب اثنين من أصحابه إلى الصحراء للتهجد والتعبد بعد نزول إحدى الآيات التي تتحدث عن عذاب الآخرة، لذلك أن لا يعاشرني بعد نزول تلك الآية، وأن صاحبه الأول قرر أن لا يطعم طعاماً لذيذاً، والثاني صمم على ترك معاشرة الناس.

أخبرت عائشة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالأمر، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضباً شديداً ودخل إلى المسجد على غير موعد حتى أنه من عجالته، كان طرف عباءته يجثو التراب خلفه، فأمر الناس بالاجتماع إليه، وما إن اجتمعوا حتى وقف على أول سلالم منبره ليخبرهم بأنه سمع ما يسيء إلى سمعة الإسلام العزيز وأن البعض قد تركوا نساءهم ومعاشرة الناس، واستطعام اللذيذ من الطعام وذهبوا إلى الصحاري والجبال للتعبد بعدها قال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني».

هكذا كان نهج وطريقة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وكذا كانت طريقة ونهج الأئمة الأطهار من أهل بيته المبارك.

إن التاريخ الإسلامي يخبرنا كثيراً عن زهد أمير المؤمنين «عليه السلام»، وهذا ما يعرفه العدو والصديق عنه، ولكنه كان ملتزماً بالزهد الذي حببه الإسلام إلى نفوس العالمين، لا الزهد الذي يمجّه.

عندما دخل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) للمرة الأولى إلى الكوفة، ورد مسجدها ليرى عدّة من الرجال مشغولين بالتعبد والصلاة - وكان الوقت على ما يبدو ضحى - فسأل عنهم؟ - كونهم انشغلوا بالتبتل على غير وقته ـ فقيل له: إنهم رجال الحق؟ إنهم رجال تركوا الدنيا وراء ظهورهم، واتخذوا من المسجد محلاً لعبادتهم، فإن أصابهم شيء من الطعام تناولوه، وإلا فهم صابرون.

غضب الإمام علي (عليه السلام)، وبان عليه الغضب ـ وبناءً على ما جاء في «أسد الغابة» - حمل الإمام علي (عليه السلام) سوطاً عليهم، وقال: إن عملكم هذا ليس من الإسلام في شيء، إنها البِدعة، وإن مثلكم كمثل الكلب إن أعطي ما يطعمه، وإلا صبر؛ وخلاصة القول: طردهم أمير المؤمنين (عليه السلام) من المسجد خوفاً من شيوع البِدع في شرعة الله الحقة.

تعرّض الجزء الثاني عشر من وسائل الشيعة إلى الكثير من الروايات التي تمتدح العمل وتذم الركون إلى الراحة والدِعة، وقد وردت تلك الروايات عن أئمة أهل البيت النبوي الشريف تواتراً.

دخل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى أحد بيوتات أشراف البصرة واعترض على ذلك الرجل لما رأى منه ترفاً وإسرافاً، ومن أجل الفرار من الجواب قـال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين لي أخ انزوى قبل مدة في داره بعد أن فضل الزهد والابتعاد عن الناس، فترك الدنيا وزينتها واهتم بالعبادة وحلاوتها.

وهنا ترك أمير المؤمنين الإصرار على اكتساب جواب إسراف ذلك الرجل، وبدأ بالتفكير بأخيه الذي انحرف عن الصواب وانزوى في داره، لأنه رأى أن الاهتمام بالثاني أوجب من متابعة الأول.

وبناءً على ذلك طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) من الرجل استدعاء أخيه، ولما حضر سأله عما هو فيه من وضع، وسأله عن سبب تركه للدنيا؟.

فقال: يا أمير المؤمنين إنني أتأسى بك! فقال الإمام علي (عليه السلام) ما مضمونه أن خليفة المسلمين ينبغي له أن يعيش معيشة أضعفهم، أما أنت فلك الحدّ الوسط.

جاء أحدهم إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فسأله الإمام «عليه السلام» عن أحواله فأجاب: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلغت من العمر آخره، فتركت العمل وشرعت بالتبتل إلى الله في إحدى زوايا المسجد.

قالها الرجل وكان يظن أن الإمام (عليه السلام) سيثني عليه، وسيبارك له عمله ذاك؛ لكن الذي حدث غير ذلك، فقد ردّد الإمام الصادق «عليه السلام» عبارة «هذا من عمل الشيطان ثلاث مرات، وعندئذ أسقط في يده ليقول: ماذا افعل إذن يا بن رسول الله.

وقتها نصحه الإمام (عليه السلام) بالعمل ما دام حيًّا، فإن لم يكن محتاجاً فعليه أن يعين زوجه، أو ابنه، أو جاره أو من يستطيع أن يحميهم من الفقر والفاقة، بدون أن تُفدى الآخرة في سبيل الدنيا الدنية، وبدون أن يهتم بالعمل أثناء أوقات الصلاة، أو أوقات العبادة بشكل إجمالي؛ ففي وقت العبادة ينبغي للإنسان أن يعبد، ووقت العمل ينبغي أ له أن يعمل.

يحضرني أن أتعرض إلى جملةٍ هنا قيلت بحق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يمكن أن تكمل موضوعنا هذا الذي بدأناه، ويمكن أن يستفيد منها الشباب في مجمل حياتهم وهي: (كان أسداً في النهار، وراهباً في الليل) أي أنه كان في الليل كأحد العباد الملتزمين بالعبادة، أما في النهار فقد استطاع الإمام علي (عليه السلام) وعلى مدى ((25)) سنة من عمره الشريف أن يقدم للمجتمع الإسلامي ذاك ((26)) بستاناً ومزرعةً يستفيد منها الضعفاء والفقراء والمساكين المعوزين.

وعليه نقول: لا يجدر بالشباب أن ينتحروا، أو يقتلوا غرائزهم كبتاً، أو ينزووا عن المجتمع الذي يعيشون فيه لأن قتل الغرائز والميول ومحاربتها ليس من النهج الإسلامي في شيء، وإن نهج الإسلام هو: إرضاء الغرائز، وهكذا قال العلم أيضاً بعد أن أكد على سموّ القانون الإسلامي الذي يصلح لكل زمان ومكان.

إن جميع علماء النفس قالوا، وجميعكم تعلمون بذلك وهو ما أثبتته التجارب بأن الأفراد المنزوين والتاركين للدنيا، كأن يكون شابا يستطيع الزواج ولا يتزوج فتاةً تتمكن من قبول المتقدم إليها ولا تفعل ذلك فإن رغباتهم وميولهم تتحوّل من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور لتتبدل بعقدة نفسية، وإن حصل ذلك، واتفق أن يكون ذلك المعقد أو تلك المعقدة على رأس سلطة أو مسؤولية أو قدرة لأضحى ذلك الرجل أو تلك البنت كالكلب المسعور الذي ينهش كل شيء يصبح أمام عينيه.

وإذا لم يتمكنوا من بلوغ المناصب والمقامات، كانوا أشبه باليائسين والبائسين والمنكسرين روحياً مما يجعلهم غير قادرين على إنجاز أتفه الأعمال وأقلها عناء وتعباً، ويمكن القول إنهم أقرب للموتى منهم إلى الأحياء، لذا تراهم ملفوظين ومطرودين من قبل مجتمعاتهم.

وبناء على ما تقدم نفهم أن مثل هؤلاء الأفراد لا يتأتى لهم أن يتحملوا الحياة الزوجية أو يستطيعوا تربية الأولاد الذين ينبغي أن يقدموا إلى المجتمع الإسلامي بدون عُقد نفسية، فإن كان المعقد يحمل نفسه على الزواج في بعض أحيانه إنما يحاول صنع مشكلة معقدة لـه عـلامـة على عقدته التي يحملها في خفايا نفسه وإن فضل الدعة والراحة في أحيانه الأخرى إنما يكون ذلك إكراه له على تلك الدعة والراحة وإلا فهو كالكلب العقور إن تمكن مادياً أو معنوياً.

إن القرآن المجيد يتعرض لهكذا أفراد في بعض آياته، ولكنه لا يتعرض إلى عقدهم أو أسمائهم.

فالفرد الذي قتل غريزته، وأصرّ على معصيته مع مرور الأيام، سيضحى قسيّ القلب، مجرداً من العواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، وسيكون مصداقاً للآية المباركة.

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22].

إن الإنسان الذي يمتلك فكراً ولا يستفيد منه أو يستخدمه في التفكير، أضل من الحيوانات وأكثر ضحالة من الكلاب المسعورة، فالذي ماتت فطرته قتل في بعض الأحيان غريزته الدينية، بسبب قتله لغريزته الجنسية قبل ذلك، ولهذا برزت فيه عقدة الحقارة التي ساهمت في قتل فطرته الدينية؛ ومن فعل ذلك دخل ضمن دائرة المشمولين بالآية المباركة.

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].

فقتل الفطرة الدينية معصية كبرى وعدم الاهتمام بالغرائز الجنسية، والرغبات النفسية، والميل إلى الغذاء وباقي الغرائز الاجتماعية يُخرج الإنسان من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور فيصاب الإنسان عندها بعقدة نفسية حادة لا يمكن الخروج عليها، وإن استطاع الخروج عليها لم يكن ذلك بالأمر الهين عليه.

___________________________________

(1) وسائل الشيعة / ج 14، ص 74.

(2) الكافي ج 2، ص 85. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي