الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
حُسن الخاتمة
المؤلف:
إبن أبي الإصبع
المصدر:
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر
الجزء والصفحة:
ص138-140
26-09-2015
3782
يجب
على الشاعر والناثر أن يختما كلامهما بأحسن خاتمة، فإنها آخر ما يبقى في الأسماع،
ولأنها ربما حفظت من دون سائر الكلام في غالب الأحوال فيجب أن يجتهد في رشاقتها
ونضجها وحلاوتها وجزالتها، وقد رأيت القاضي الفاضل عبد الرحيم رحمه الله تعالى
كثيراً ما كان يحترز في ذلك ويتوخاه، فيأتي منه بكل نكتة ترقص لها القلوب، وتغنى
عن النسيب في المحبوب، فمن ذلك خاتمة كتاب أجاب به القاضي السعيد بن سناء الملك
رحمه الله حيث قال: وهذا القاضي مسؤول في أن يتخولنا ببدائعه ويؤمننا دثور الفكر
بروائعه، ولا يضن علينا بما هو سهل عليه من منافعه وإلا دخل فيمن منع الماعون،
وخرج من الذين هم لأمانات الفضيلة وعهدها راعون.
وقوله
في خاتمة رسالة كتبها للملك الناصر صلاح الدين رحمه الله تعالى في حق أولاد ابن
أبي اليسر، وقد قصدوه بعد موت أبيهم، فخلع عليهم، فأعلموا الفاضل بذلك، وسألوه
كتاباً إليه على يدهم بالوصية عليهم، والإذن لهم في تقبيل يده، فقال في آخره، وإن
يبسط لهم وجهه الكريم عند مثولهم وسلامهم، لينزع بشره حداد الحزن عن قلوبهم كما
نزع بره حداد المآتم عن أجسامهم؟ لا زال مولانا عاقلة الدهران جنى على أوليائه
وداهم ولا عدموه منعماً إن سألوه أعطاهم، وإن لم يسألوه بدأهم، والمتقدم في جميع
فنون البلاغة، وخصوصاً هذا النوع منها على بلغاء البدو والحضر، بل على جميع فصحاء
البشر، حاشا رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم، ابن عمه علي بن أبي طالب عليه
السلام، فمن خواتم كلامه قوله في آخر جواب أجاب به معاوية: ثم ذكرت أن ليس لي
ولأصحابي عندك إلا السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بني عبد المطلب من
الأعداء ناكلين، وبالسيوف مخوفين، لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل فسيطلبك من تطلب،
ويقرب منك ما تستبعد، وإني مرقل نحوك بجحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم
بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء
ربهم، قد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، عرفت مواقع نضالها في أخيك وخالك وجدك،
{ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] .
وأما
حسن الخاتمة في الشعر فقليل في أشعار المتقدمين، وأكثر ما عني بذلك المحدثون، فمن
المجيدين في ذلك أبو نواس، حيث قال في خاتمة قصيدة مدح بها الأمين [كامل]:
فبقيت
للعلم الذي تهدى به ... وتقاعست عن يومك الأيام
وكقوله
في خاتمة قصيدة مدح بها الخصيب عامل مصر [كامل]:
أنت
الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر
لا
تعقدا بي عن مدى أملي ... شيئاً فما لكما به عذر
ويحق
لي إذ صرت بينكما ... ألا يحل بساحتي فقر
وكقوله
فيه [طويل]:
وإني
جدير إذ بلغتك بالغنى ... وأنت بما أملت منك جدير
فإن
تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور
وكقوله
للعباس بن الفضل بن الربيع [طويل]:
إليك
غدت بي حاجة لم أبح بها ... أخاف عليها شامتاً فأدراي
فأرخ
عليها ستر معروفك الذي ... سترت به قدماً عليَّ
عواري
وكقول
أبي تمام في خاتمة القصيدة التي ذكر فيها فتح عمورية [بسيط]:
إن
كان بين ليالي الدهر من رحم ... موصولة وذمام غير منقضب
فبين
أيامك اللاتي نصرت بها ... وبين أيام بدر أقرب النسب
أبقت
بني الأصفر الممراض كاسمهم ... صفر الوجوه وجلت أوجه
العرب
وكقوله
في خاتمة قصيدة اعتذر بها إلى ابن الهيثم [كامل]:
أأقنع
المعروف وهو كأنه ... قمر الدجى إني إذا للئيم
مثر
من المال الذي ملكتني ... أعناقه ومن الوفاء عديم
فأروح
في بردين لم يلبسهما ... قبلي فتى وهما الغنى واللوم
وكقوله
في قصيدة استعطف بها ابن الزيات [طويل]:
أكابرنا
عطفاً علينا فإننا ... بنا ظمأ برح وأنتم مناهل
وكقوله
في خاتمة قصدية اعتذر فيها إلى موسى بن إبراهيم الرافقي [طويل]:
فإن
يك ذنب عنَّ أوتك هفوة ... على خطأ مني فعذري على
عمد
وكقوله
في خاتمة قصيدة مخاطباً مالك بن طوق [بسيط]:
لا
توقظوا الشر عن قوم فقد غنيت ... دياركم وهي تدعي زهرة
النعم
هذا
ابن خالكم يهدي نصيحته ... من يتهم فهو فيكم غير
متهم
وكقول
أبي الطيب المتنبي في خاتمة قصيدة من السيفيات [وافر]:
فلا
حطت لك الهيجاء سرجاً ... ولا ذاقت لك الدنيا فراقا
وكقوله
في خاتمة أخرى من السيفيات [بسيط]
لا
زلت تضرب من عاداك عن عرض ... يعاجل النصر في مستأخر الأجل
وكقوله
أيضاً لسيف الدولة وقد ذكر الخيل [بسيط]
فلا
هممت بها إلا على ظفر ... ولا وصلت بها إلا إلى أمل
وكقوله
فيه أيضاً [طويل]:
أخذت
على الأرواح كل ثنية ... من العيش تعطي من تشاء وتحرم
فلا
موت إلا من سنانك يتقى ... ولا رزق إلا من يمينك
يقسم
وكقوله
في خاتمة القصيدة التي هنأ بها أبا وائل بخلاصه من الأسر [متقارب]:
فذي
الدار أغدر من مومس ... وأخدع من كفة الحابل
تفانى
الرجال على حبها ... ولا يحصلون على طائل
وقوله
في خاتمة قصيدة ودع بها ابن العميد [طويل]:
فجد
لي بقلب إن رحلت فإنني ... أخلف قلبي عند من فضله عندي
فلو
فارقت جسمي إليك حياته ... لقلت أصابت
غير مذمومة العهد
وجميع
خواتم السور الفرقانية في غاية الحسن ونهاية الكمال، لأنها بين أدعية ووصايا
وفرائض، وتحميد وتهليل، إلى غير ذلك من الخواتم التي لا يبقى في النفوس بعدها تطلع
ولا تشوف إلى ما يقال، كالدعاء الذي ختمت به سورة البقرة، والوصايا التي ختمت بها
آل عمران، والفرائض التي ختمت بها النساء، والتبجيل والتعظيم الذي ختمت بهما
المائدة، والوعد والوعيد الذي ختمت بهما، الأنعام، والتحريض على العبادة بوصف حال
الملائكة التي ختمت به الأعراف، والحض على الجهاد وصلة الأرحام اللذين ختمت بهما
الأنفال، ووصف الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم ومدحه والاعتداد على الأمم به،
ووسيلته ووصيته، والتهليل، الذي ختمت به براءة وتسليته عليه السلام التي ختمت بها
سورة يونس، ومثلها خاتمة هود، ووصف القرآن ومدحه الذي ختمت بها سورة يونس، ومثلها
خاتمة هود، ووصف القرآن ومدحه الذي ختمت به يوسف، والرد على من كذب الرسول صلى
الله عليه [وآله]وسلم الذي ختمت به الرعد، ومدح القرآن وذكر فائدته والعلة في
إنزاله الذي ختمت به إبراهيم، ووصية الرسول التي ختمت بها الحجر، وتسلية الرسول
عليه السلام وطمأنينته ووعد الله سبحانه الذي ختمت به النحل، والتحميد الذي ختمت
به سبحان وتحضيض الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم على الإبلاغ والإقرار بالبشرية
والأمر بالتوحيد الذي ختمت به الكهف، وقد أتيت على نصف القرآن ليكون مثالاً لمن
نظر في بقيته ولم أطل بالبقية لكثرة سور النصف الأخير والله أعلم.