1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : المجتمع و قضاياه : آداب عامة :

العزلة الاجتماعية

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الحياة في ظل الأخلاق

الجزء والصفحة:  ص103ــ109

23-6-2022

1700

أثر العزلة والرهبانية في تأخير الفرد والمجتمع

يعتقد الباحثون الاجتماعيون بأن العزلة الاجتماعية بأنواعها، تترك آثار سلبية جداً في روح الفرد وجسمه، وفي المجتمع.

وتم اختبار هذا الموضوع في الأفراد الذين يعيشون بصورة منفردة ومنعزلة، وفي القبائل والشعوب، وبصورة عامة في المجاميع التي تعيش منفصلة عن بعضها لأسباب اجتماعية أو سياسية أو جغرافية خاصة.

يقول (روس) وهو من العلماء الاجتماعيين في كتابه أسس معرفة المجتمع: أنه قام بدراسة آثار العزلة الاجتماعية على مجموعة كبيرة من السجناء الذين كانوا في سجون انفرادية، وأن 10% منهم - بعد أن قضوا سنة واحدة من محكومياتهم - كان مصيرهم إما الموت أو الانتحار أو الجنون، والبقية الباقية أصيبوا بالكآبة.

وأضاف قائلاً: «إن مقاومة روحهم الاجتماعية للموت أو الاندثار تبعث على التأثر؛ إذ يمكن أن يؤدي تقديم وردة واحدة أو نبتة صغيرة لأحدهم إلى إطفاء عطش قلبه الظمآن إلى المخالطة الاجتماعية وإحيائه».

وقد قال بخصوص الرهبان الذين يعيشون في الصوامع: «إن للعزلة أثرها السيء في نفوس هؤلاء الأفراد إذ تولد فيهم الخمول واليأس والوهم وتؤدي إلى إيجاد الاختلال النفسي لديهم».

ويمكن لمس آثار العزلة الاجتماعية في القبائل البدوية المتنقلة، التي تعيش حالة من العزلة الدائمة، بصورة واضحة؛ لأن تخلفهم في المجالات الفكرية والاجتماعية بارز ويتناسب حجمه مع كيفية عزلتهم.

وهكذا الدول المنعزلة عن المجتمع الدولي لأسباب سياسية خاصة فإنها تواجه حالة من التخلف في نواحي مختلفة إذا لم ترتبط بالعالم الخارجي فكرياً عن طريق وسائل الإعلام.

ويتضح السبب الأساسي في هذا الموضوع إذا أخذنا البحوث السابقة بنظر الاعتبار، وكون جميع التطورات مدينة لاتحاد الأفكار وتراكم تجارب وابتكارات الشعوب والأفراد. لذا يجب التسليم بأن العزلة الاجتماعية أكبر آفة تقضي على تكامل المجتمعات ورقي البشرية في جميع المجالات، وتسبب الكثير من الانحرافات أيضاً.

* الإسلام والرهبانية:

- رأي الإسلام في هذه المسألة:

لقد استنكر الإسلام العزلة الاجتماعية بكل مظاهرها بما فيها الرهبانية، والحديث الشهير «لا رهبانية في الإسلام» منقول في الكثير من مصادر الحديث، والرهبانية لغة (بضم الراء أو فتحها) من رُهبان ورَهبان، وكلاهما بمعنى واحد من كلمة «رهب» أي الخوف والوحشة والخشية، وتطلق - عرفاً - على المنقطعين والمنفردين عن الناس لأجل الخوف من الله والتفرغ للعبادة.

* تاريخها:

كان هذا المسلك رائجاً لدى الهندوس منذ قديم الأزمنة، ثم شاع في الأوساط المسيحية. واعتقد البعض بأن سبب شيوعه عند المسيحيين أو اليهود هو الانكسارات المتلاحقة التي عانوها من أحد جبابرة سلاطينهم آنداك، فصمموا على التفرق في الشعاب والانشغال بالعبادة لحين ظهور النبي الموعود لينقذهم من الذل والضياع(1).

* أسبابها النفسية:

من المعلوم أن ردود الفعل النفسية لمختلف الأفراد والأقوام إزاء الانكسارات وحالات الفشل، متباينة، فالبعض يميلون إلى العزلة والتأقلم ويغيرون مسيرة أفكارهم الاجتماعية، والبعض الآخر الأقل عدداً تزيدهم هذه المسائل صلابة ووعياً وينتقلون من النضال السطحي إلى النضال الجذري العقائدي.

والرهبانية في الواقع هي ردود فعل أفراد وشعوب المجموعة الأولى المتخاذلة.

وبعد أن عرفنا الجذور التاريخية والنفسية للرهبانية واتضح لنا بأنها مخالفة للفطرة الإنسانية السليمة، يكفي الحديث التالي في توضيح رأي الإسلام فيها بصورة جيدة:

«توفي ابن لعثمان بن مظعون، رضي الله عنه، فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجداً يتعبد فيه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: «يا عثمان إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله»(2).

وسئل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (هل يصلح للرجل المسلم أن يسيح في الأرض أو يرهب في بيت لا مخرج منه؟ قال لا)(3).

والمقصود بالسياحة في هذا الحديث نوع من الرهبانية، وهي أن يسيح الرجل في الأرض بلا زاد، للابتعاد عن المدن والمجتمعات أو للهروب من البيت والأسرة، كما قال المرحوم الطريحي في (مجمع البحرين) بعد نقله لحديث (لا سياحة في الإسلام) : «أراد به مفارقة الأمصار وسكن البراري وترك الجمعة والجماعات». وقال في تفسير كلمة (سائحات) الواردة في الآية الخامسة من سورة التحريم : «إنها بمعنى (صائمات) والسياحة في هذه الآية الصوم، وكان السائح لما كان يسيح ولا زاد له شبه بالصائم»(4).

وعلى أية حال نستنتج من الحديث أعلاه أن الرهبانية ممقوتة في الإسلام بأي شكل كانت، سواء بترك الدنيا والجلوس في بيت مقفل، أم بالسياحة بلا زاد للهروب من البيت أو الأسرة أو المجتمع؛ لأنها تتنافى مع روح القوانين الإسلامية.

وعلاوة على جميع ذلك نجد القرآن الكريم قد ذم رهبانية النصارى وعبر عنها بالبدعة: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].

وكل هذه الأدلة التي ذكرناها توضح رأي الإسلام في الرهبانية بصورة كاملة، ولكن تبقى هنا مسألة واحدة وهي:

هل كانت الرهبانية موجودة في باقي الأديان؟

يستفاد من المصادر الإسلامية وجود نوع من الرهبانية في الدين المسيحي تختلف اختلافا شاسعا عما هي عليه اليوم.

فالمفهوم من ظاهر الآية: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} هو أنه تعالى كان قد فرض عليهم نوعاً من الرهبانية ابتغاء رضوانه عز وجل فما رعوها حق رعايتها، بل ابتدعوا رهبانية أخرى (حسب تعبير القرآن الكريم).

هذا ما يفهم من ظاهر الآية (٢٧) من سورة الحديد (بلا حذف أو تأويل) ، لكن بعض المفسرين لم يرتضوا هذا التفسير واعتقدوا بأن الرهبانية بأنواعها يجب أن تكون ممنوعة في كل زمان ومكان دون استثناء، لذا فسروا الآية على وجه من الحذف والتأويل، بشكل آخر، فقال بعضهم بوجود كلمة (ما كتبنا) المحذوفة بعد كلمة عليهم، أي تصير الآية كالتالي: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}.

وقال البعض الآخر بوجود عبارة (إنهم ابتدعوها) بعد كلمة إلا أي تصير الآية: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}.

ومن البديهي أن هذه التفسيرات والتأويلات على خلاف المعنى الظاهر للآية الشريفة، ولا تنسجم مع المستثنى المذكور في الآية من عبارة (ما كتبناها عليهم) ؛ لأن ظاهر الاستثناء من نفي الإثبات مما يدل على فرض نوع من الرهبانية عليهم.

والروايات الواردة في تفسير هذه الآية، التي فسرتها بصلاة الليل، تؤيد هذه الحقيقة أيضا (ذُكرت روايتان في تفسير البرهان في ذيل الآية الشريفة تدلان على هذا المضمون).

وتنبغي الآن معرفة المقصود من هذه الرهبانية المشروعة:

فمما لا ريب فيه وفقاً للأدلة التاريخية والدينية المعتبرة (الأناجيل نفسها) أن الدين المسيحي الأصيل الذي نزل على عيسى عليه السلام كان خالياً من العزوف عن مطلق الزواج، ومن العزلة الاجتماعية بالابتعاد عن المجتمع وسكنى الأديرة والصوامع كما هو في رهبانية الوقت الحاضر.

وقد ورد في التاريخ أن جماعة من حواريي عيسى عليه السلام قد تزوجوا وخالطوا الناس.

لذا يمكن أن يكون المراد من الرهبانية المشروعة معناها اللغوي أي الخوف من الله مع شيء من الزهد وعدم الانخداع بزخارف الدنيا وزينتها والبساطة في الحياة الاجتماعية، كما كان شأن عيسى عليه السلام إلى معنيين هما:

الأول: أنهم لم يراعوا حدود الرهبانية المشروعة ومسخوها ودسوا فيها البدع وفسروها بمعنى سكنى الأديرة وترك الحياة الدنيوية المألوفة والامتناع عن الزواج بصورة مطلقة.

الثاني: أنهم لم يراعوا حتى الرهبانية التي ابتدعوها، كما سيأتي ذكره فيما بعد، فإنهم بدلاً من الزهد والعفاف وترك اللذائذ الدنيوية مارسوا الزنا في صوامعهم، وعبدوا الدنيا، وزاولوا الترف وشرب الخمور والفجور في بعض تلك المراكز التي أسست باسم الرهبانية.

* ابتداع الرهبانية في الأوساط المسيحية:

تشير مصادر التاريخ المسيحية إلى عدم وجود الرهبانية الحالية في القرون المسيحية الأولى، وأنها ظهرت بعد القرن الثالث الميلادي في عهد الإمبراطور الرومي (ديسيوس) عندما حارب المسيحيين، وبعد أن انكسروا أمام هذا الامبراطور وأخرجوا من ديارهم، لجأوا إلى البراري والشعاب(5).

والجدير بالالتفات إليه هنا هو وجود هذا المضمون في الأحاديث النبوية الشريفة، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لابن مسعود (خلاصة معنى الرواية): هل تعلم يا ابن مسعود من أين نشأت الرهبانية؟ قال: الله ورسوله اعلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «حكم جماعة من جبابرة السلاطين بعد عيسى عليه السلام، فحاربهم المؤمنون ثلاث مرات، لكنهم هزموا، فتفرقوا في الشعاب يتعبدون وينتظرون النبي الذي بشر به عيسى عليه السلام من بعده»(6).

وللمؤرخ المسيحي الشهير «ويل ديورانت» بحث مفصل عن الرهبان في المجلد الحادي والثلاثين من تاريخه.

فهو يعتقد بأن بداية التحاق الراهبات (التاركات للدنيا) بالرهبان كان في القرن الرابع الميلادي، واتسعت الرهبانية يوماً بعد آخر حتى وصلت أوجها في القرن العاشر الميلادي.

وله شرح مفصل لوضع الأديرة وعادات ترك الزواج ومحاولات الرهبان لإحياء الأراضي المتروكة وزرعها، والصناعات اليدوية وأعمال الحياكة وغيرها من مشاغل الراهبات.

وكان الشرط الأساسي في الرهبانية هو ترك الزواج بصورة تامة، يقول «فريد وجدي» في «دائرة المعارف»:- اعتقد بعض الرهبان بأن الالتفات إلى الجنس الأنثوي عمل شيطاني لدرجة أنهم امتنعوا عن إدخال إناث الحيوانات إلى منازلهم لئلا تضعف روحانيتهم!

ومع هذا فالتاريخ ينقل فضائح كثيرة من الأديرة لدرجة أن «انيوسان الثالث» وصف أحدها (بدار الدعارة)(7)، كما أضحى بعضها مراكز لاجتماع عبدة البطون ومريدي الدنيا والمترفين ليتناولوا فيها أنواع المسكرات المفضلة لديهم!

____________________________________

(١) راجع قصة الحضارة، تأليف ويل ديورانت.

(٢) بحار الأنوار، ج٥ ، ص ٢٥، باب الأخلاق.

(٣) بحار الأنوار، ج١٥ ، الباب الثاني، ص ٥٣.

(4) وفسرها البعض بمعنى المهاجرات.

(5) راجع دائرة معارف القرن العشرين - معنى (رهب). 

(6) راجع تفسير سورة الحديد في مجمع البيان وج٥ ١ من بحار الأنوار، باب النهي عن الرهبانية.

(7) ويل ديورانت، ج13، 443.