إن قال قائل: ولِمَ جاز الإدغام في امَّحى الكتاب؟ وهلا بينت النون فقيل: "انمحى" كما قالوا: "شاة زَنْماء وزُنْم" وكما قالوا: "أنملة وأنمار" ونحو ذلك؟ قيل: قد كان القياس في زنماء وزنم وأنملة وأنمار ونحوها أن تدغم النون في الميم؛ لأنها ساكنة قبل الميم ولكن لم يجز ذلك لئلا يلتبس الأصول بعضها ببعض. فلو قالوا: "زَمَّاء وزُمّ" لالتبس بباب زممت الناقة، ولو قالوا: "أُمَّلَة" لالتبس بباب أملت و لو قالوا: "أمّار" لالتبس بباب أمرت كما بينوا في نحو "منية وأنْوَك وقَنْوَاء وقَنو" لئلا يلتبس مُنْيَة بباب مَيّ، وأنوك بفوْعل, أو فعْول من باب ما فاؤه همزة وعينه واو، وقنواء وقنو بباب قَوّ وقُوّة, فرُفض الإدغام في هذا ونحوه مخافة الالتباس ولم يخافوا في "امحى الكتاب" أن يلتبس بشيء؛ لأنه ليس في كلام العرب شيء على افّعل بتشديد الفاء؛ ولهذا ما قال الخليل في انفعل من وجلت: اوّجَلَ، وقالوا من "رأيتُ: ارَّأى" ومن "لَحِزَ: الَّحَزَ"؛ لأنه ليس في الكلام افَّعَل، ولم يأت في كلامهم نون
ص73
ساكنة قبل راء ولا لام نحو: "قِنْر وعِنْل"؛ لأنه إن أظهره ثقل جدا وإن ادّغمه التبس بغيره، ومن أجل ذلك امتنعوا أن يبنوا مثل عَنْسَل وعَنْبَس من شرب وعلم و ما كان مثلهما مما عينه راء أو لام؛ لأنه إن بيّن فقال: "شَنْرَب, وعنلم" ثقُل جدا، وإن ادّغم فقال: "شرّب وعلم" التبس بفَعّل.
فسألت أبا علي عن هذا، فقلت: ألا ترى أنّا لو بنينا من باع "فَيْعَلا، أو فَوْعَلا, أو فَعْوَلا، أو فَعَّلَ" لقلنا: "بَيَّعَ", فهلا لم يجز أن تبني مثل هذا لئلا يلتبس مثال بمثال كما امتنعنا أن نقول في مثل عَنْسَل من ضرب "ضَرَّبَ" مخافة الالتباس؟
فقال: إن للياء والواو من التصرف وانقلاب إحداهما إلى الأخرى ما ليس للنون، فاحتمل ذلك لذلك, والقول عندي كما ذكر.
ص74
الاكثر قراءة في القلب المكاني
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة