ما المقصود من علامات المؤمن في هذا الحديث [أي: حديث "علامات المؤمن خمس"]؟ ولماذا ذكر الإمام (عليه السلام) [أي: الإمام الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ] هذه العلامات دون غيرها؟

بقلم/ الشيخ فوزي آل سيف
لم يذكر الإمام (عليه السلام) في هذا الحديث أصول العقائد: كالتوحيد، النبوة، المعاد، الإيمان بالأئمّة والعصمة.
ولم يذكر (عليه السّلام) أيضًا العبادات الواجبة: كالحج، الصوم، الزكاة، الخمس وغير ذلك.
لكنّه (عليه السلام) ذكر فريضة الصلاة، وهي من العبادات الواجبة، كما ذكر معها النوافل.
يُعتقد أن الإمام العسكري (عليه السلام) أراد أن يُشير في هذا الحديث إلى العلامات التي تميّز مجتمع المذهب الشيعي عن غيره من مجتمعات المذاهب الإسلاميّة الأخرى؛ باعتبار أنّ المجتمعات في الدول الإسلاميّة: كالحجاز، العراق، وإيران، هي مجتمعات تحتوي على مذاهب إسلاميّة مختلفة.
وحيث إنّ التوحيد النبوة والمعاد هي أصول دينيّة مشتركة بين جميع المذاهب الإسلاميّة.
وكذلك الصوم الزكاة والحج إنّما هي عبادات مشتركة بين جميع المذاهب الإسلاميّة.
لذلك لم يذكر الإمام (عليه السلام) في هذا الحديث عبادة الصوم أو الحج أو التوحيد كعلامة من علامات المؤمن الشيعيّ.
فأورد (عليه السلام) مجموعة من العلامات في العبادات وفي الهيئة الشخصيّة وفي الحركة الاجتماعيّة تخصّ هذا المجتمع التابع لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
العلامات التي تُميّز المجتمع الشيعيّ:
علامات في العبادات:
صلاة إحدى وخمسين:
ذُكر في بعض الروايات لفظ صلاة الخمسين؛ وذلك لعدم التركيز على ركعة الوتيرة بعد صلاة العشاء، ولكن المقصود هو صلاة إحدى وخمسين.
عدد ركعات الفرائض اليوميّة عند مذهب شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هو سبعة عشر ركعة، وهو نفس عدد ركعات الفرائض اليوميّة عند كلّ المسلمين.
لكن الاختلاف هو في عدد ركعات النوافل؛ فعدد ركعات النوافل حسب مذهب شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هو أربعة وثلاثون ركعة؛ حيث إنّ عددها يكون ضعف عدد ركعات الفرائض اليوميّة، بالتالي فإنّ مجموع الفرائض مع النوافل اليوميّة يساوي واحد وخمسون.
كما يوجد هناك اختلافٌ كبير بين سائر المذاهب الإسلاميّة الأخرى فيما يتعلّق بعدد ركعات النوافل؛ هناك من يعتقد بأنّ عددها عشر ركعات، آخرون يعتقدون بأنّ عددها أربعة عشر، آخرون يعتقدون بأنّ عددها ستّة عشر، وآخرون ثمانية عشر، وهناك أيضا من يعتقد بأنّ عددها أقلّ أو أكثر من ذلك.
وهذه دعوة غير مباشرة من الإمام (عليه السلام) للإنسان المؤمن، بأن يلتزم بأداء النوافل اليوميّة إن استطاع أو ببعضها على الأقل.
النوافل اليوميّة
• نافلة الفجر:
وقتها: قبل أداء صلاة الفجر.
عدد ركعاتها: ركعتين
من الجيد أن يستغلّ الإنسان قيامهُ لصلاة الفجر ويصلي نافلتها، فهي لا تحتاج في أدائها إلى وقت الكثير وأيضاً تكسب المصلّي نشاطاً وإقبالاً قلبيّاً لأداء صلاة الفريضة.
• نافلة الظهر: وقتها: قبل أداء صلاة الظهر
عددها: ثمان ركعات (ضعف عدد ركعات الفريضة)
• نافلة العصر: وقتها: قبل أداء صلاة العصر
عددها: ثمان ركعات (ضعف عدد ركعات الفريضة)
ربّما لا يتمكّن أصحاب الأعمال وما شابه ذلك من أداء النوافل اليوميّة، لكن حبّذا لو استطاع الإنسان ألّا يضيّع على نفسه ثواب نافلة صلاتيّ المغرب والعشاء.
• صلاة الليل: إذا أراد الإنسان أن يشرق وجهه نوراً فعليه بصلاة الليل.
إذا لم يستطع أداء إحدى عشر ركعة، يمكنه الاقتصار على أداء ثلاث ركعات وهي ركعتَي الشفع وركعة الوتر.
لو تعوّد الإنسان على أداء هذه الثلاث ركعات، سوف يجد فراغاً روحيّاً عندما ينساها أو يتغافل عنها.
الجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}:
• أهميّة البسملة في القرآن الكريم
لا يوجد في القرآن الكريم تكرار لفظي إلّا نادراً إلا أنّ البسملة قد تكرّرت في القرآن الكريم مائة وأربعة عشر مرّة.
قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كنّا نعرف نهاية السورة وبداية سورة أخرى إلّا ببسم الله الرحمن الرحيم.
لا يمكن ترك قراءة البسملة، وهي جزء من كل سور القرآن الكريم على المشهور، لا سيّما سورة الفاتحة.
تُقرأ البسملة قراءة جهرية مُعلنة، وهذا يدلّ على أهميتها.
• أهمية البسملة في حياة المسلم
كلّ أمر لم يُبدأ ببسم الله فهو أبتر.
*أبتر: مقطوع، من غير بركة
• معنى البسملة
أن يبدأ الإنسان يومه، عمله، حياته، رزقه، علمه وكلّ شيء بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}، لا باسم الشيطان أو الطاغوت أو الشهوات.
• البسملة في الصلاة
أكّد أهل البيت (عليهم السلام) على استحباب قراءة البسملة جهراً حتّى في الصلاة الإخفاتيّة؛ كصلاة الظهرين.
• البسملة في المذاهب الإسلاميّة الأخرى
بعض المذاهب الإسلاميّة لا يقرأون البسملة في الصلاة، وبعضهم الآخر يقرأون البسملة بصورة إخفاتيّة ويجهرون في قراءة السور.
تعفير الجبين:
المُراد بتعفير الجبين هو السجود على عَفْر التراب، تواضعاً لله (عزّ وجلّ) وخضوعاً له.
لا يجوز السجود على القماش أو السجّاد أو غير ذلك عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا أيضًا ما كان عليه سيّد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله).
كان المسجد في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مفروشاً بالرمل والحصباء (حصَد صغيرة)، وكان جوّ المدينة المنوّرة في أيام الصيف حار وجاف في وقت النّهار، فشكى بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه أنّ حرارة التراب تؤذي جباههم، فسألوه أن يضعوا أطراف ردائهم على التراب للسجود، فنهاهم النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك وأمرهم بالسجود على التراب وتعفير الجبين لله (عزّ وجلّ).
السجود على التراب سلوك عبادي موجود إلى اليوم عند أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، لا سيّما السجود على التربة الحسينيّة، حيث إنّها تُعتبَر جزء من التراوح بها يتحقّق تعفير الجبين.
علامات في الهيئة الشخصيّة:
التختّم باليمين:
اليمين هو من اليُمن.
والتيامن هو من الأمور المهمّة في كلّ حياة الإنسان المسلم وتحرّكاته.
ورد مدح أصحاب اليمين في القرآن الكريم.
ورد في الشريعة الإسلامية استحباب التيامُن في أمور كثيرة ومن تلك الأمور: التختّم.
يستطيع الإنسان أن يضع الخاتم في اليد اليسرى أو اليمنى، لكن ما جاء عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وخلّص أصحابه هو التختّم في اليد اليمنى.
يشترك جميع المسلمين في صفات الهيئة الشخصيّة، لكن ما يميّز شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عن غيرهم من سائر المذاهب الإسلاميّة الأخرى هو وضع الخاتم في اليد اليمنى.
يذكر بعض أتباع المذاهب الإسلاميّة الأخرى في المصادر المعتبرة بأنّ التختّم باليمين هو من السنّة النبويّة. لكن عندما أصبح التختّم باليمين شعارًا لأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، أفتوا باستحباب العدول عن ذلك ولبس الخاتم في اليد اليسرى.
علامات في الحركة الاجتماعيّة:
زيارة الأربعين:
زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين من شهادته، والذي يصادف العشرين من شهر صفر.
بلّغنا الله وإيّاكم زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين القادم وفي سائر الأيام حضوراً. وإن كنّا نزوره (عليه السلام) عن بعد ونعتقد بأنّه يُثاب الإنسان أيضاً على هذه الزيارة، حيثُ لا يستطيع الوصول إلى ذلك المكان.
فالهدف من الزيارة هو إعلان الولاء والانتماء والقبول بإمامة هذا الإمام العظيم، والحزن على ما أصابه، وتجديد العهد والذكرى به.
تُطرَح تساؤلات كثيرة فيما يخص عدد الروايات الأخرى المعتبرة الواردة في زيارة الأربعين.
تعرّضنا في أحاديث سابقة إلى هذا الموضوع، ونعتقد أنّه ينبغي ألّا يتوجّه الإنسان المؤمن المقلِّد إلى طرح مثل هذه الشبهات. لماذا؟ لأنّ الإنسان المُقلِّد للعالم المجتهد ينبغي أن يعمل بالفتوى فقط ولا يسأل عن الدليل، ولا ينبغي منه أن يناقش المرجع في صحّة سند الحديث مثلا أو حتى المسلك الذي يسلكه هذا المرجع. فالتقليد في الاصطلاح الفقهيّ: اتّباع المُقلَّد من غير مطالبته بالدليل، ولذلك سُمِّي بالتقليد.
مثال ذلك فتوى المقلَّد في أحكام الصلاة؛ الشك في عدد الركعات: إذا شكّ المصلي بين الثلاث والأربع، بنى على الأربع ثم يأتي بركعةِ احتياط ثم يسجد سجدتيّ السهو. الإنسان المقلِّد هنا ينبغي ألّا يسأل عن الدليل على هذه الفتوى.
يمكن لطالب العلم الدينيّ، إذا كان مشترك في درسٍ مع مرجعه، وكان في مقام البحث والمناقشة العلميّة، يستطيع عندئذ المطالبة بالدليل الشرعيّ الذي استدلّ به المرجع.
جميع عامّة النّاس هم مقلِّدين، لا لعجزٍ منهم. فلو التحقوا بالحوزات العلميّة أيضًا يمكنهم المناقشة العلميّة مع المراجع، لكن ستتعطّل أمور حياتهم المعيشيّة وسائر قضاياهم الاجتماعيّة.
بناءً على ذلك، عند الحديث عن حكم زيارة الأربعين، فهي مستحبّة بإجماع مراجعنا الأفاضل، سواء بعنوانها الخاص، أو بعنوانها العام أو بعنوانها المركب.
معنى العنوان الخاص: استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من شهر صفر؛ لأنّه قد ثبت عند أحد الفقهاء - بناءً على مسلكه - أنّ حديث زيارة الأربعين هو حديث تامّ.
معنى العنوان العام: استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كلّ يوم وفي كلّ وقت، سواء ثبت عند أحد الفقهاء صحّة حديث زيارة الأربعين (العنوان الخاص) أم لم يثبت.
إحياء مناسبة يوم الأربعين:
ما ورد في حديث (أحيوا أمرنا) من استحباب إحياء مصائب أهل البيت (عليهم السلام) في كل يوم، ولم يُخصّص أيّام لذلك.
فإنّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يحيون يوم العشرين من صفر باعتبار أنّه يوم حزن على ما أصاب الإمام الحسين وأهل بيته، فهو يوم رجوع السبايا مع الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى كربلاء، وفي ذلك تجديد للعهد بإمامة الحسين (عليه السلام) وإحياء لمصيبته.
تطرّقنا في كتابنا (أنا الحسين بن علي) لحادثة خروج ركب السبايا من كربلاء وعودتهم إليها في بحث طويل، مع الاستدلال والبرهان على الشبهة المطروحة؛ كيف يمكن أن يذهب السبايا للشام ويرجعوا لكربلاء خلال أربعين يوم؟ - الحديث هناك مفصّل. فزيارة الأربعين هي من مميّزات مجتمع شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث إنّه لا يمارسها غيرهم حتّى من فرق الشيعة الآخرين كالزيديّة والإسماعيليّة.
1