ما معنى قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}[عبس: 1 - 10] ؟

الجواب :

إن هذه السورة المباركة تهدف إلى عتاب من يقدّم الأغنياء والمترفين على الضعفاء والمساكين من المؤمنين، فيرفع أهل الدنيا ويضع أهل الآخرة...

ولقد وقع الخلاف في مورد نزولها ، ففي الروايات من طرق أهل السنة وبعض روايات الشيعة ان الآيات نزلت في عبد الله بن مكتوم الاعمى، وذلك عندما أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وابيّاً وامية ابني خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم، فقال يا رسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري انه مشتغل ومقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد انما اتباعه العُميان والعبيد، فأعرض عنه، واقبل على القوم الذين يكلمهم، فنزلت الآيات...

وفي بعض روايات الشيعة ان العابس المتولي رجل من بني أميّة كان عند النبي (صلّى الله عليه وآله) فدخل عليه ابن مكتوم فعبس الرجل وقبض وجهه فنزلت الآيات فيه.

وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه) : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه، وفيها ما يدل على ان المعني به غيره، لان العبوس ليس من صفات النبي (صلّى الله عليه وآله) مع الاعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين، ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه اخلاقه الكريمة، ويؤيد هذا القول قوله سبحانه وتعالى في وصفه (صلّى الله عليه وآله):{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]،{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159] فالظاهر ان قوله عبس وتولّى المراد به غيره(1).

______________

1ـ راجع الميزان في تفسير القرآن ج20 ص199، ومجمع البيان مجلد 6 ج30 ص36.