أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2017
324
التاريخ: 23-8-2017
369
التاريخ: 23-8-2017
454
التاريخ: 23-8-2017
379
|
تركز النظرية السلوكية Behavioral theory (1) على ما يستلزمه استعمال اللغة (في الاتصال) ، وتعطي اهتمامها للجانب الممكن ملاحظته علانية . وهي بهذا تخالف النظرية التصورية التي تركز على الفكرة أو التصور (2) .
وقد سيطرت السلوكية على حقل السيكولوجي الأمريكي لفترة طويلة ، وتركت بصماتها ونفوذها على تشكيل بعض الاتجاهات الأساسية في السيمانتيك ، ليس فقط عن طريق السيكولوجين ، وإنما عن طريق بعض اللغويين والفلاسفة كذلك . ولكنها صارت اليوم أقل قبولاً مما كانت عليه منذ عشر سنوات أو نحو ذلك .
والسلوكية بوجه عام تقوم على جملة أسس منها :
1- التشكك في كل المصطلحات الذهنية ، مثل العقل والتصور والفكرة ، ورفض الاستبطان كوسيلة للحصول على مادة ذات قيمة في علم النفس . ويجب على عالم النفس أن يقصر نفسه على ما يمكن ملاحظته مباشرة ، وذلك بأن يعنى بالسلوك الظاهر ، وليس بالحالات والعمليات الداخلية .
ص59
وتطبيق ذلك على اللغة يعني التركيز على الأحداث الممكن ملاحظتها وتسجيلها ، وعلى علاقتها بالموقف بالمباشر الذي يتم إنتاجها فيه . ومن هنا أطلق بعضهم على اللغة مصطلح السلوك النطقي verbal behavior ، أو السلوك اللغوي Language behavior . كما يعني معالجة الفكرة كسلوك، والتخلي عن مفاهيم مثل الإدراك والإحساس والشعور .
2- اتجاهها الى تقليص دور الغرائز والدوافع والقدرات الفطرية الأخرى ، وتأكيدها على الدور الذي يلعبه التعلم في اكتساب النماذج السلوكية ، وتركيزها على التربية أكثر من الطبيعة ، ونسبة الشيء الكثير للبيئة ، والشيء القليل للوراثة .
3- اتجاهها الآلي أو الحتمي الذي يرى ان كل شيء في العالم محكوم بقوانين الطبيعة .
4- أنه يمكن وصف السلوك عند السلوكيين على أنه نوع من الاستجابات responses لمثيرات ما stimuli تقدمها البيئة أو المحيط environment . والشكل الذي يستعمل عادة لتمثيل العلاقة بين المثير والاستجابة هو :
م س
(م = مثير ، و س = استجابة)
والسهم هنا يمثل علاقة عرضية . والمثير سبب ، والاستجابة أثره . ونموذج السلوك يعد سلسلة من المثيرات - الاستجابات هكذا :
(م1 س 1) (م2 س2) (م2 س2) ... فالكلمة الأولى للحدث الكلامي تنتج كاستجابة (س1) لبعض المثيرات الداخلية (م1) . وإنتاج (س1) يخدم كمثير فيصبح (م2) ، ويكون مثيراً للكلمة الثانية (س2) ... وهكذا.
وعلى الرغم من أن Bloomfield سُبق بصياغات مبكرة للتصور السلوكي في
ص60
آراء Watson (3) ثم Weiss ، فقد لاقى رأي Bloomfield اهتماماً أكبر ؛ لأن Bloomfield يعد واحداً من أكثر اللغويين تأثيراً في تطوراً الدراسة العلمية للغة في النصف الأول من هذا القرن . وهو - أكثر من غيره - المسؤول عن تقديم المذهب السلوكي الى علم اللغة .
وجد عند Bloomfield في أعماله المبكرة ميل الى الاتجاه العقلي . Mentalistic Approach ولكن بمجيء عام 1926 هجر بلومفيلد هذا الاتجاه ، ومال نحو مبادئ Weiss السلوكية . ونتيجة لهذا أقر بلومفيلد الاتجاه أن المعنى يتألف من ملامح الإثارة ورد الفعل القابلة للملاحظة والموجودة في المنطوقات .
وعرف معنى الصيغة اللغوية بأنه (الموقف الذي ينطقها المتكلم فيه ، والاستجابة التي تستدعيها من السامع) . فعن طريق نطق صيغة لغوية يحث المتكلم سامعه على الاستجابة لموقف . هذا الموقف ، وتلك الاستجابة هما المعنى اللغوي للصيغة (4) .
وقد قبل بلومفيلد اتجاهين عامين في مذهبه السلوكي :
1- عدم الثقة في العقلية .
2- إيمان بالحتمية التي كثيراً ما أشير إليها بالوضعية positivism والفيزيقية physicalism
والمثال الذي ضربه بلومفيلد للحدث الكلامي speech-event كان كما يأتي :
ص61
جاك وجيل سائران في الطريق - ترى جيل تفاحة على شجرة - وبما أنها جائعة تسأل جاك أن يحضرها لها - يتسلق جاك الشجرة ويعطيها التفاحة - تأكل جيل التفاحة .
في هذا المثال جوع جيل ورؤيتها التفاحة يشكلان المثير ( م ) . وبدلا من استجابتها المباشرة ( س ) يتسلق الشجرة ، والحصول على التفاحة بنفسها ، عملت استجابة بديلة ( س ) في شكل منطوق معين . وهذا المنطوق قام بدور المثير البديل ( م ) لجاك مسبباً له استجابة ( س ) تماثل ما كان سيفعله لو شعر هو نفسه بالجوع ، ورأى التفاحة .
وهناك جملة اعتراضات وجهت إلى هذا التفسير السلوكي منها :
أ- اذا كان جوع جيل يمكن أن يترجم الى تقلص لعضلاتها ، وافراز لمعدتها ، ورؤيتها للتفاحة يمكن أن يحلل على أساس من موجات الضوء ، التي انعكست من التفاحة إلى عينيها ، والتفاحة نفسها يمكن أن تعطي تصنيفا نباتياً . . . فإنه بالنسبة للأغلبية العظمى من الكلمات لا يمكن القيام بمثل هذا التحليل العلمي . فالحب والكراهية ليست طيعة للتعرف عليها على أساس فيزيقي بخلاف الجوع . كذلك يصعب - بنفس الطريق - تحديد معالم كلمات مثل : حسن - قبيح . . .
ان هذا المنهج يملك جدارة محاولة دراسة المعنى على أسس قابلة للملاحظة . ويمكن أن نعترف بأن بعض الجوانب الهامة لكلمات مثل : كرسي - كتاب . . . يمكن أن تحضر داخل مجال المثير والاستجابة عن طريق بيان كيف أنهما جاءا ليرتبطا مع طبقات معينة من الأشياء القابلة للملاحظة في البيئة ، وأن معنى الكلمات ذات الخصائص القابلة للملاحظة مثل شكلها ولونها ووزنها ... يمكن أن تعالج - بكفاية - بهذا الطريق . ولكن كلمات كثيرة لا تدل على أشياء أو خصائص قابلة للملاحظة . ولذا لا تملك السلوكية شيئاً مفيداً لتقوله عنها .
ص62
ولذا فإن زعم السلوكيين أنهم وضعوا العلاقات بين الكلمات والأشياء (داخل حدود مناهج العلوم الطبيعية) لا يسلم لهم ، وهو شيء يُدعى تحقيقه قبل الأوان .
ب- كذلك إذا افترضنا أن رد الفعل عند جاك كان قوله : لا يمكن أن تكوني جائعة ، فقد فرغنا تواً من تناول غدائنا ، أو قوله : هل أنت متأكدة أنك تريدين التفاحة ؟ أنت تعلمين أنها تسبب لك عسر هضم !! فهل نقول إن الموقف الذي أدى الى منطوق جيل ورد فعل جاك يجب أن يكون مختلفاً في الحالات الثلاثة على أساس أن رد فعل جاك جاء مختلفاً ؟ وهل نقول إن منطوق جيل يملك معاني مختلفة في الحالات الثلاثة ؟ لأن معنى المنطوق قد عرف - كما يجب أن نتذكر - على أساس من رد الفعل الذي يثيره ، بالإضافة الى المثير الذي حرّك الفعل (5) ؟
ولهذا يقول Alston : لكي تستخدم هذه النظرية لابد أن يكون هناك ملامح مشتركة وخاصة بكل المواقف التي ينطق فيها حدث معين بمعنى معين . ولا بد أن يكون هناك ملامح مشتركة ، وخاصة بكل الاستجابات التي تترتب على نطق أي تعبير معين بمعنى معين . وهذا يبدو أنه ليس هو الوضع . فمثلاً بالنسبة لكلمة (قميص) لا يوجد شيء عام مشترك بين كل المواقف التي تنطق فيها الاحداث الآتية ، وبين كل الاستجابات التي تترتب عليها :
1- أحضر لي قميصاً .
2- هذا القميص بال .
3- أحتاج الى قميص جديد .
4- القمصان كانت نادراً ما تلبس قبل القرن الرابع عشر .
5- ما أجمله من قميص .
6- هل تلبس قميصاً قياس خمسة عشر ؟
وحتى في تناولنا للجمل ككل لم تكن النتائج مشجعة :
ص64
1- أحضر لي فنجاناً آخر من القهوة .
2- قميصي قد انقطع .
3- ما أفخمها من عصا .
فالجملة الاولى مثلاً تعني :
أ- أن المتكلم قد شرب مؤخراً فنجاناً من القهوة .
ب- أن المخاطب في وضع يسمح بإحضار فنجان آخر .
ولكن هذه الملامح للموقف تصلح ملامح لجملة أخرى مثل :
لا أريد مزيداً من القهوة .
والجملة الثانية تعني ان المتكلم يملك قميصاً ، وانه يلفت النظر نحو واحد من أقمصته . ولكن هذه الملامح قد تتوافق مع جملة أخرى مثل :
أحضر قميصي المقطوع
كذلك من الصعب أن نجد ملامح مشتركة عامة للاستجابة الصريحة لنطق جملة . وأوضح مثال بذلك الجمل الأمرية لأنها تدعو الى استجابة معينة من السامع . ولكن نسبة تحقق الاستجابة المطلوبة ؟
فكر في الاستجابة التي يمكن أن تترتب على قول أحد الوالدين :
تعال الآن
فقد تكون الاستجابة :
1. غير موجودة على الاطلاق ، كما لو ان الحدث لم ينطق (تجاهل الحدث) .
2. رفضاً واضحاً للامتثال .
3. طلب قبول العذر .
4. لوم المتكلم لإصدار هذا الأمر .
ص64
5. السير في اتجاه عكسي .
6. الإذعان والامتثال (6) .
حـ - أن هذه النظرية قامت على أساس تجارب أجريت على تعلم السلوك في الحيوانات الدنيا ، ثم نقلت النتائج الى الحيوان البشري في استعماله للرموز النطقية . وهذا من أكبر الخطأ ، إذ أن ما ينطق على الحيوانات الدنيا قد لا ينطق على الإنسان (7) .
وهناك اتجاه سلوكي آخر نحو المعنى قدّمه الفيلسوف الأمريكي Charles Morris وقد لاقى رواجاً كبيراً في الأربعينات والخمسينات . هذا الاتجاه اخرج - من معنى الصيغة - الاستجابة أورد الفعل ، واكتفى بمجرد الميل أو الرغبة . وقد ذكر أنصاره في تعليل ذلك أن الدلالة على معنى معين لا يمكن ببساطة أن تربط دائماً بإثارة استجابة واضحة معينة لأنه :
أ- من الممكن - حين توجد الاستجابات الواضحة - أن تتنوع هذه الاستجابات دون أن يوجد تنوع في المنطوق .
ولهذا قيل ان الارتباط بين المثير والاستجابة أمر يعتمد على الميل أو الرغبة أو المزاج ، حيث إننا لا نتخذ بالضرورة ردود افعال معينة في حضور مثيرات معينة .
ولكن إذا وجد الارتباط فنحن نميل الى أن نستجيب على حسبه . وهذا الميل سوف يظهر في استجابة صريحة .
فإذا قلنا إن شخصاً يملك ميلاً للقيام باستجابة معينة ، فمعناه قولك إن هناك اشتراطاً تحته سوف يحقق الشخص هذه الاستجابة . ويمكن التعبير عن ذلك بقولك :
(إذا كانت ط (8) حينئذٍ تكون س) .
ص65
ولكن لم يسلم هذا التفسير كذلك من الاعتراض :
1- فمن الممكن أن توجد جملة مثل : (ابنك مريض) ميلاً أو نزعة عند السامع للذهاب الى ابنه حيث يوجد . ولكن جملاً أخرى تخرج عن دائرة الاهتمامات العملية الفورية لا تستطيع أن توجد هذا الميل .
2- وحتى جملة : (ابنك مريض) لن تخلق الميل أو النزعة نحو الذهاب إليه إلا إذا كان الشخص يولي ابنه اهتماماً ، وإلا اذا اعتقد بصدق المتكلم ، وإلا ذا كان الخبر جديداً بالنسبة له . وحتى مع تحقق هذه الشروط قد لا يحدث الميل بالضرورة . إذ قد يكون السامع في سجن ، أو يكون في لحظة حرجة تؤثر على مستقبله السياسي أو الاقتصادي ، أو في يوم معين (وبخاصة أن الخبر لم يكن : ابنك مريض جداً) . وغير ذلك من الأسباب التي لا تنتهي . ومن غير المعقول أن نقول إن عبارة : ابنك مريض سوف تخلق نزعة لدى السامع في الذهاب إذا كان ابنه محل الاهتمام الكبير ، وكان السامع يعتقد في صدق المتكلم ، وكان الخبر جديداً على السامع ، واذا لم يكن هناك مانع جسدي أو ديني من الذهاب ... واذا لم يكن .. واذا لم يكن .. وما أظن أننا يمكننا حصر القائمة .
3- كذلك إذا كنا سنسمح لأي نزعة تنتج أن تكون مرتبطة بمعنى الجملة فإننا سنغرق في أشياء لا علاقة بالمعنى . افترض أن شخصاً قال : (الشمس تبعد عن الأرض بمقدار 97 مليون ميل) ، فأثارت هذه العبارة نزعة عند شخص ليفتح فمه في تعجب ، فمن الواضح أن هذه النزعة ، وهذا التعجب لا علاقة لهما بمعنى الجملة . وتقرير ما اذا كانت (الاستجابة) وثيقة الصلة بالجملة أو لا نقطة ضعف في النظرية السلوكية بعامة ، وفي تفسير Morris بخاصة .
4- وأخيراً فإن (نظرية الميل) فشلت في أن تثبت أنه يوجد ميل معين مرتبط بمعظم الكلمات والمنطوقات يحكم سلوكنا اللغوي اليومي . ولم تستطع أن تقدم لنا ملامح سواء من المواقف أو الميول أو الاستجابات موزعة بالشكل الذي تقتضيه
النظرية . فالمعنى لا يتنوع بصورة مباشرة مع أنواع العوامل التي سلط عليها الضوء في هذه النظرية بتقسيماتها المختلفة (9) .
ص66
_________________
(1) تسمى كذلك النظرية النفسية Psychological theory (انظر Foundations ص175) .
(2) Theories of Meaning ص 36 .
(3) يقول Watson : تتضح وظيفة الكلمات في دعوة الاستجابات ، تماماً تفعل الاشياء التي تقوم الكلمات مقامها (Lyons: Sematics ص125) .
(4) انظر فيما سبق : Coseriu فيLinguistics and Semantics ص109 ، و Yamaguchi في : Essays Towards English Semantics ص21 ، وWells في : Meaning and Use ص123، و Fowler في A Note ص413 ، و Theories of Meaning ص36 ، و Lyons في : Semantics 1/120 وما بعدها ، و Leech في Semantics ص72 .
(5) Semantics: Lyons 1/127-134 .
(6) Theories of Meaning ص37-39 .
(7) Foundations ص175 .
(8) ط = اشتراط .
(9) Semantics: Lyons 1/134 وما بعدها ؛ و Semantics: Leech ص74 ؛ وTheories of: Alston Meaning ص39 وما بعدها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بالفيديو: لتعريفهم بالاجراءات الخاصة بتحقيق وترميم المخطوطات.. مركز الإمام الحسين (ع) يستقبل مجموعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة بابل
|
|
|