أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2017
780
التاريخ: 28-8-2017
862
التاريخ: 23-8-2017
376
التاريخ: 23-8-2017
399
|
إن النزعة التحققية لا يمكن ان تعالج معنى الجمل الانشائية الانجازية (من أمر واستفهام وطلب،.... الخ ). وقد اقترح أوستين (1962) نظرية تدعى نظرية الافعال اللغوية (Speech Acts Theory). ينطلق أوستين من تحديد الفعل (أي النشاط) الذي يمكن أن ننجزه بتلفظنا بهذا النوع من الجمل. ولفظ فعل هنا يقابلact وليس verb. ونعني به الحدث او النشاط الذي يُنجز – ومفاد الفكرة المركزية التي دافع عنها أوستين ان تحديد الفعل اللغوي الذي نستعمل له، بصورة معيارية، جملة معينة هو الذي يعطينا معنى تلك الجملة.
ص29
ويميز أوستين بين ثلاثة أنواع من الأفعال اللغوية :
1. الفعل القولي (locutionary act)، وهو فعل التلفظ بجملة تفيد معنى انطلاقاً من معاني ألفاظها. إنه، بعبارة أخرى، فعلٌ لقول شيء ما. (الفعل هنا قولٌ).
2. الفعل الانجازي (illocutionary act)، وهو فعل أمر او استفهام او طلب او تعجب او نداء،... الخ. إنه فعلٌ ينجز عندما نقول شيئا ما وهذا الفعل لا يكون متحققا سطحيا في الجملة. (الفعل هنا إنجاز).
3. فعل جَعْل الإنجاز (perlocutionary act)، وهو فعل إقناع شخص بشيء، أو إزعاج شخص، أو حمل شخص ما على كلامنا. إنه فعل يتجز شيء ما. (الفعل هنا إنجاز وأثر). ويجمل أوستين هذه التعاريف كالتالي :
1. القول : قال لي " اضرب زيدا "، أي انه تلفظ بتلك الجملة التي تعني إيقاع الضرب.
2. الإنجاز : أنجز المتلفظ أمرا، فقد أمرني بضرب زيد حين تلفظ بالجملة أعلاه.
3. جَعل الانجاز : أقنعني بضرب زيد (عن طريق قوله " إذا ضربته فإنه كذا وكذا).
وتسجل هنا ان جملتين تعبران عن فعل قولي بنفس الاستعمال لإنجاز فعل قولي اذا وفقط اذا كان لهما نفس المعنى. واذا عكسنا ذلك نستخلص ان جملتين يكون لهما نفس المعنى اذا كان بالإمكان استعمالهما كلتيهما لإنجاز نفس الفعل القولي. إلا أن هذا التعريف دائري ن فهو يعتبر المعنى شيئاً معطى، وليس شيئاً ناتجاً.
لننظر في " جعل الانجاز ". يقتضي هذا الفعل أشياء أخرى بجانب أحتياجه للمعنى. فمثلا، قد يخلص أحدهم الى اقناعي (عن طريق فعل لجعل الانجاز) بضرب أحدهم عن طريق تلفظه بجملة " اضربه " وقد يفعل نفس الشيء عن طريق قوله " إذا لم تضربه هاجمك "، أو قوله " ضربك إياه سيرضى الناس ". وهذه الجمل لا تعني نفس الشيء، رغم أنها ترتبط هنا بنفس الفعل (جعل الانجاز). وبعكس ذلك فقد لا يقنعني المتكلم بضرب الشخص عن طريق التلفظ بإحدى الجمل السابقة، او حتى بالتلفظ بها كلها.
قدم غرايس (1957-1968) تصنيفاً مخالفا لما دافع عنه أوستين. وحسب غرايس، فقولنا : إن المتكلم (ونسميه م) يعني شيئاً ما بتلفظه بعبارة ما (ونسميها ع)، يشبه الى حد بعيد قولنا إن م يقصد بتلفظه بـ ع أن يخلق تأثيراً لدى سامعه. وبالتالي، فما يعنيه م هو التأثير الذي يقصده. وهناك شرط أساسي، وهو أن الأثر الناتج لدى السامع يجب أن يكون موجها على الأقل جزئيا، لتمكين السامع من معرفة أن المتكلم بقصد إنتاج ذلك الأثر.
ص30
ينبغي ان ننظر الى نظرية غرايس من زاوية تجنبها لما وقعت فيه نظرية اوستين. أولاً، بعض الآثار فقط يمكن أن تتحقق لدى السامع. فالأثر المرتبط بجملة أمرية، مثلا، يتحقق عند السامع عندما يعتقد هذا الأخير أن المتكلم يعتقد أن ما يقوله صادق (ولا يدخل في هذا ما يمكن ان نسميه بالأمر المرتبط بالخسرية، أو الأمر الذي نعني به الاستجالة ). و " جعل الإنجاز " عند أوستين أقوى من حيث صيغته (أي إقناع السامع بصدق ما يقوله المتكلم). ثانياً، وهو الأهم، إن نجاح إنتاج هذه الآثار ليس شيئاً مقتضى أو إجباريا، إذ يحصر غرايس تحليله على النية أو القصد الذي يعتمده المتكلم لإنتاج الجمل.
بهذا تكون نظرية غرايس نظرية ل " متلفظ المعنى "، فهي تبين ما يفيده تلفظ معين عند المتكلم فقط. كما تساهم هذه النظرية في تحديد ما يُستعمل من ألفاظ لإصدار أمر أو نهي او ما شابههما، وبذلك فهي تخص دور المعنى في استعمال اللغة لغرض التواصل. وانطلاقاً من هذا الدور أسس غرايس نظرية مفصلة حول ما ننجح من معناه دون النجاح في تنفيذه (عكس ما يقدمه أوستين). وقد استخرج غرايس بعض مبادئ الحوار (maxims of convensation)، وهي عبارة عن مبادئ تعاون نجعل بها، وتتنبأ ان نجعل التواصل سهلا. ويعطي خرق أحد هذه المبادئ استلزاما (implicature) عند المتكلم بصدد ما يقصده. وهذا الاستلزام نحتاجه لفهم السبب في تلفظ المتكلم بهذا القول أو ذاك، أو لفهم الكيفية التي أنتج بها المتكلم قوله. ومن مبادئ غرايس مبدأ الورود (Be Relevant)، ويخرق هذا المبدأ حين يجيب شخص ما عن سؤال حول صديق له بالقول إنه لم يُسجن بعدُ. والاستلزام هنا ان سلوك الصديق المتحدث عنه سلوك اجرامي، رغم ان المتكلم لم يقل ذلك بصورة وما فعله المتكلم (كاستلزام) قد يكون صادقاً او كاذباً، ولكن الاستلزام موجود في جوابه سواء صدق ام كذب.
ان العبارات اللغوية تفيد شيئا متواضعا عليه في عشيرة لغوية ما، وإفادة هذه العبارات لا تحدد بصورة نموذجية من خلال ما يقصده متكلم معين. وما يمكن استنساخه هو ان تصوغ هذه النظرية التواضع اللغوي عن طريق التعاقد المتعارف عليه بين متكلمي اللغة بخصوص معاني العبارات. وينبغي أن نسأل عن دور القصد أو النية في جمل عادية. فالإفادة التي تحصل لدى المستمع تكون نتيجة لمعاني الألفاظ المكونة للجمل والكيفية التي ألفت بها. فما هي النوايا التي تحملني على استعمال لفظي " اضرب " و " ها " (في قولي " اضربها "، وكيف تتألف لتكون نية أو قصد إيصال رغبتي في أن تُضرب هي ؟
لننظر الآن الى الأفعال الإنجازية كما اقترحها أوستين، وذلك مثل الاستفهام والأمر والتوبيخ والتعجب،.... إلخ. من الأسئلة التي طرحها أوستين : هي ترتبط المعاني بصورة ملائمة ونموذجية بالأفعال الإنجازية ؟ إن المعاني لا ترتبط بفعل لغوي خاص، كأن نقول بصدد جملة
ص31
مثل " أشعر بالحرارة " : غنه تلفظ بها شخص يدعي محمد، في الساعة الواحدة ن في الثالث من يناير سنة كذا وكذا، مثلا. فالأفعال الإنجازية هنا عبارة عن نماذج فقط يجب أن تعتمدها النظرية. والعلاقة بين معنيي عبارتين توازي العلاقة بين نوعي الفعلين الإنجازيين اللذين يُستعملان لهاتين العبارتين بصورة معيارية.
إن تخصيص معنى جملة ما عن طريق انواع الأفعال الانجازية المرتبطة بها بصورة نموذجية عمل ناجح نسبياً. وقد حدد أوستين شروط إسناد نوع من الأفعال الإنجازية الى جملة معينة في :
أ- أن يكون الفعل مسنداً للشخص الأول (المتكلم) وفي الزمن الحاضر، مثل :
(1) أعدك بالحضور غذا.
وتفيد (1) فعل الوعد الذي تم عن طريق التلفظ به مباشرة.
ب. أن يوجد هذا الفعل في بداية الجملة لكي يُجلي قوته الإنجازية، وهذا الشرط يتحقق (1). ومثال هذه الأفعال : وعد، واستنكر، وأمر، ووبخ،.... إلخ.
إلا أن هناك جملا تفيد الوعد أو الاستنكار أو الأمر دون أ، يوجد في صدرها فعل يفيد هذا الفعل الإنجازي. فنحن نعلم أن الجملة (2) هي (3) من حيث المعنى :
(2) اضربها
(3) آمرك أن تضربها
فسواء تحقق الفعل الذي يفيد الأمر أو لم يتحقق فإنه يتحقق كفعل المجازي في الجملتين (2) و (3). إلا ان الجملتين (4) و (5) تختلفان عن سابقتيهما :
(4) أعدك بشراء هدية لزوجتك.
(5) اعتقد ان صديقك سيعدك بشراء هدية لزوجتك.
إذ تفيد (5) انجاز فعل الوعد في حين لا تستعمل (6) لانجاز فعل الوعد ولكن للتعبير عن رأي حول وعد ممكن فقط. وكما أنه يصعب توضيح التعارض الدلالي – في إطار الأفعال الإنجازية – بين الجملتين (7) و (8) :
(7) أعدك بالسفر
(8) أقنعك بالسفر (الذي سيسافر في المثالين هو الكاف).
ص32
فالسفر حاصل لدى المخاطب انطلاقاً من فعلي الإقناع والوعد، إلا أن طريقة حصوله تختلف في الحالتين. ونظرية الأفعال اللغوية لا يمكن أن ترصد هذا الاختلاف.
كما أن هذه النظرية لا تقيم فرقاً بين الجملتين (9) و (10) :
(9) أعدك بالخروج
(10) أعدك بالمكوث
فلهاتين الجملتين نفس القوة الإنجازية اذ استعملنا كلتاهما لانجاز فعل الوعد، ويكمن اختلافهما فيما وعد به.
اذن لتحديد المعنى بصورة تامة نحتاج الى طريقة تميز الأفعال الانجازية، ليس من خلال القوة الإنجازية وحدها، ولكن من خلال المحتوى القضوي للجمل (propositional contet)، أيضا. والمراد بالمحتوى لاقضوي ما ينسحب عليه الفعل الانجازي (كالخروج والمكوث في (9-10) ).
كما ان اشتراط اوستين للزمن الحاضر في الفعل اللغوي يصطدم ببعض المعطيات الدالة على الانجاز ومن ذلك افعال التعاقد في العربية. وفهذه الافعال عبارة عن انجازات غير انها ترد في الماضي نحو ط بعتك الجمل " أو " زوجتك ابنتي ". فإذا تلفظ المتكلم بجملة من هاتين الجملتين اعتبر التعاقد قائماً (البيع أو الزواج)، وعلى هذه النظرية أن تفسر لماذا يدل هذا النوع من الجمل على الحاضر، ويعبر عنه بواسطة الماضي.
ولكن ما هو انجاز فعل انجازي؟ يقول ألستون (1968) : " إنه ارتباط المنجز، بطريق أو بمقام معين تُعد وظيفية بالنسبة للقوة الانجازية الكامنة في الجملة التي يستعملها المتكلم ". وكما رأينا سابقاً، فنظرية الأفعال اللغوية تعالج هذه العلاقة، وتعالج أرتباطها بشكل الجملة وبمحتواها. فالوضعية التي يربط بها المتكلم نفسه تعبر، على ما يبدو، عن المحتوى القضوي للجملة التي يستعملها. وهنا لا تزودنا نظرية الأفعال اللغوية بأي شيء مفيد. إن نظرية المعنى التي تقيم ربطا بين معاني الجمل وهذه الأوضاع – التي يربط المتكلم بها نفسه – شيء تحتاج الى لتغطية النقص الحاصل في نظرية الأفعال اللغوية.
نستخلص أن نظرية الأفعال اللغوية تركز على مظهر دلالي مهم، وهو اعتبار تلفظاتنا وأقوالنا أفعالا وإنجازات لها نتائج وانعكاسات على باقي الأنشطة التي نقوم بها. وبهذا ينشأ المعنى عن تلك الآثار التي تحدثها الافعال اللغوية. وينبغي ان نفرق هنا بين نظرية الافعال اللغوية والنظرية السلوكية. فإذا كان المعنى هو ذلك الأثر يحدثه الفعل اللغوي، فإنه ليس
ص33
معنى هذا ان هناك استجابة بالمعنى السلوكي ناتجة عن محفز، كما رأينا في التصور السلوكي الذي يعتبر معنى العبارة ذلك الحافز الذي يدعو التلفظ بها و / أو الاستجابة التي يستدعيها عند المستمع.
ص34
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|