أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-1-2023
1501
التاريخ: 2024-10-04
170
التاريخ: 2023-04-05
1302
التاريخ: 7-3-2022
4352
|
تقوم القدوة على غريزة التقليد والمحاكاة، وهي من أقوى الغرائز المتربطة بطبيعة الطفل وتكوينه النفسي والعقلي، وتكمن أهمية القدوة في أنها تغني عن فصاحة اللسان، وقوة البيان، وفن القول، لأنها ترسخ المضمون أو الفكرة المستهدفة او السلوك المطلوب في عقول الاطفال ونفوسهم من خلال صياغة الرسالة الإعلامية الموجهة إليهم صياغة عملية، مدعومة بالأفعال، ولا تعتمد على الأقوال وحدها.
ويزخر التاريخ الإسلامي بشخصيات فذة ونماذج متفردة شكلت منعطفا في الفكر والعلم والخلق والدين، وهي شخصيات تبهر الصغار وتستلفت اهتمامهم، وتستطيع أجهزة الإعلام أن تقدم هذه الشخصيات الرائعة للأطفال في صورة مثالية تحفز الأطفال على الاقتراب منها، والعمل على تقليدها والسير على منوالها، بشرط ان نربط كل ذلك بالواقع المعاصر، فلا تبقى مجرد رموز يصعب الاقتداء بها عملا بمقولة (ليس في الإمكان أبدع مما كان). فلا تجد هذه الشخصيات مكانا لها على أرض الواقع الذي نعيش فيه.
وقد كان سيد الدعاة (صلى الله عليه واله) نموذجا متميزا في هذا الصدد، وفي هذا يقول المستشرق الإنكليز الشهير هاملتون جيب Hamilton Gibb (1).
إنه ليس من قبيل المبالغة ان قوة تأثير شخصية الرسول صلوات الله وسلامه عليه على مواقف المسلمين هي عبارة عن شعور تلقائي وطبيعي لا يمكن تحاشيه، سواء أكان ذلك في حياته او بعد وفاته لقد كان ذلك أكثر من مجرد إعجاب ويكفي ان نذكر ان علاقة الحب التي غرسها الرسول في قلوب آل بيته (عليهم السلام) قد انبعث أثرها ومداها عبر القرون، ويتم إثارتها في قلب كل جيل.
وقد نهج آل بتيه الطيبين الطاهرين (عليهم السلام) نهجه، فكانوا قدوة حسنة نجم عنها توسيع نطاق المعتنقين للإسلام، وفي ضوء ذلك نستطيع ان نقرر ان القدوة تعتبر واحدة من أهم الوسائل الهامة في إعلام الطفل المسلم، وأن أخلاق وسلوكيات الإعلاميين الذي يخاطبون الأطفال تأتي في مقدمة العوامل اللازمة لتحقيق أهدافهم. ومن ثم فإن الإعلامي المسلم الذي يعمل في حقل الطفولة يجب ان يقدم النموذج المطلوب لهؤلاء الأطفال في مجال العقيدة والعبادة والمعاملة، وان يكون صادقا في مشاعره، مستغفرا لمن لا يستجيب له، متخلقا بأخلاق الرسول، وقد حقق هذا الاسلوب إنجازات كبيرة في مجال الدعوة الإسلامية، وأبرز الأمثلة على ذلك أن انتشار الإسلام في الشرق الآسيوي بهذه القوة وبهذه الصورة من جزر الفلبين شرقا حتى الشاطئ الهندي غربا، لم يتم بهذه الصورة إلا من خلال التجار ورجال الأعمال المسلمين الذين سبقت أفعالهم أقوالهم, وكانوا نماذج متميزة عكست أخلاقيات هذا الدين، وترجمت معطياته في الصدق والأمانة والتسامح والإيمان والصلاح.
وتستطيع وسائل الإعلام المعاصرة بما تملكه من إمكانات كبيرة، وتقنيات عالية ان تقدم نماذج رائعة لأبنائنا في مختلف مجالات الحياة، دون الاعتماد على أسلوب الرد والتلقين والتكرار والمبالغة. فقد ينصرف الصغار على هذا الأسلوب الذي جرد البعض على تقديمه لهم، ويجب استبدال هذا الاسلوب بالطرق الحديثة والمشوقة والمؤثرة.
ومن هنا يصبح على كل من يتصدى للعمل في حقل الإعلام بصفة عامة وإعلام الطفولة بصفة خاصة ان يدرك ان عدم انسجام القول مع العمل يعد من أخطر معاول الهدم التي يمكن ان تترك انعكاساتها السلبية على أخلاق الأطفال وتصرفاتهم.
وفي الحقيقة إن فقدان المصداقية في النشاط الإعلامي الموجه الى أطفال المسلمين وغياب الحرية أضعف من قدرة هذا النشاط على التأثير في الناشئة. فدور الرقابة والمنع الآن أصبح دورا سلبيا يأتي بنتائج عكسية؛ لأنه أطفال المسلمين إذا حصلوا على الحرية الكاملة فإنهم لن يستطيعوا استخدامها لأنهم لن يحسنوا التعامل معها، ويرجع ذلك الى أنهم لم يتعلموها في تربية أولادهم وتلقفتهم أجهزة الإعلام الأجنبية وأصبحوا يأخذون عنها القدوة والمثل.
وهذا يفرض على الإعلاميين المسلمين الالتزام الكامل بالأخلاقيات الإسلامية فكرا وقولا وسلوكا، تلك الأخلاقيات التي تنص على الأمانة والصدق والموضوعية، ذلك أنه مهما تكن عظمة الفكرة او قدسيتها فإن هؤلاء الإعلاميين لهم الاهمية الكبرى في توصيلها والإقناع بها.
ومن ثم فإن اختيار الإعلاميين العاملين في حقل الطفولة يجب ألا يتم قبل اجتيازهم عدة اختبارات عملية وعلمية، لأن مكونات شخصياتهم تنعكس على الفكرة التي يدعون إليها، والجهة التي يمثلونها، حتى لا تؤدي جهودهم الى خسارة معنوية ومادية كبيرة، ينتج عنها فقدان هذه الفكرة لفاعليتها، بعد ان يكون قد تم اتفاق الوقت والجهد والمال لإعدادها وصياغتها ووضعها موضع التطبيق العملي.
وبعبارة موجزة فإن الإعلامي المسلم يجب ان يتسلح بصفات علمية وعملية وأخلاقية تسبغ عليه المهابة والثقة والاحترام في نفوس هؤلاء الأطفال، وأن يكون قلبه مفعما بالحب وتمني الهداية لهم، ولا يبني أحكامه على التوجس والشك بدون دليل، وان يعالج قضاياه في هدوء واتزان وروية، وألا يدعو الى القنوط واليأس، وان تتوافر لديه القدرة على توصيل المعلومات الى هذه الشريحة العمرية، وتفسير دلالاتها، ومعرفة الآثار الناجمة عنها، وهؤلاء الإعلاميون يستطيعون أن يقيموا جسرا تنتقل عبره آمال الأطفال ورغباتهم ومشكلاتهم في مختلف شؤون الحياة.
إن الإعلاميين المسلمين يستطيعون أن يكسبوا بأفعالهم أكثر مما يكسبون بأساليب الوعظ والتلقين التي تقدمها والكلمات المعسولة، لأن الأطفال ينظرون الى هؤلاء باعتبارهم أكثر مما يتأثرون بكلماتهم الحلوة، وبرامجهم المثيرة، ومقالاتهم الأخاذة، لهذا يجب ان يكونوا أمثلة عليا للاستقامة والصلاح والتقوى، وأن يتوافر لديهم القدرة على الصبر على الأذى، كما يجب ان يقدموا الأمثلة العملية من التواضع، وخفض الجناح، والتودد والزهد في مطالب الدنيا وان يبتعدوا عن العنف والقسوة في خطابهم الى الطفل امتثالا لقول الله تعالى على لسان نبيه (صلى الله عليه واله): {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: 159].
_______________
1ـ موسوعة المستشرقين.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|