أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-4-2016
3943
التاريخ: 24-4-2017
2135
التاريخ: 21-4-2017
2912
التاريخ: 21-4-2017
1838
|
قبل البدء بتوضيح مدلولات هذه المفردة اللغوية (المثقف) علينا تعريف المثقف لكي نقف على أبعاده الدلالية . . إنه ذلك الشخص الذي يملك فن الاتقان والابداع والانماء المعرفي في مهنته وقادر على نشره و إذاعته بين الآخرين، مثل الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والإعلاميين والمفكرين والباحثين - العلميين والاجتماعيين - والنقاد وأساتذة الجامعات. هذا على صعيد المعرفة النظرية، أما على صعيد المعرفة التطبيقية فإنها تضم المهندسين وممارسي الطب (البشري والحيواني)، معنى ذلك أنه يشمل صاحب الابداع المعرفي، النظري والتطبيقي على السواء.
بعد هذا التعريف الأولي لمفهوم المثقف نذهب إلى بداية استخدامه في الأدبيات العلمية، إذ أول ما تم استخدامه كان في فرنسا إبان محكمة دريفوس عام 1891 من قبل أصحاب تيار اليمين السياسي للإشارة إلى المعارضين لإجراءات هذه المحكمة. وهناك - في الوقت ذاته - من يربط مفهوم المثقف بالمفكرين المتطرفين والنقاد اللاذعين في رؤيتهم للأحداث.
أي كل من يفكر بشكل متطرف أو يقف موقف الناقد كان يعد أو ينظر إليه على أنه مثقف. فضلاً عن ذلك، هناك من يرى المثقف بأنه لا علاقة له بالمواقف السياسية. يعني ليس بالضرورة أن يكون ملماً بالأنشطة السياسية انتماءً او تحليلاً. بعدها جاءت نظرة الناس الأخيرة للمثقف تحمل الأسلوب المتقن وابداع في مهنته التي يعمل بها ولا صلة له بالمواقف السياسية أو النقدية أو التمرد على قيم مجتمعه أو رموزه، بل فقط امتلاك روح الإبداع والإنماء المعرفي في عمله الذي يمارسه ويخدم زملاءه من المهنيين الذي يمتهنون نفس مهنته .
معنى ذلك أن مفهوم المثقف ليس له تعريف واحد ينطبق أو يتلاءم مع كل المجتمعات في كل الأوقات والأماكن والمراحل التطورية . بل وكما لاحظنا من تنوع في التحديد والتبادل مع تقلب الأحداث الاجتماعية . إذ بدأ مرتبطاً بالمعارضة ثم بالطرف بعدها بالنقد ثم بالتميز المهني الذي يستفيد منه زملاؤه المهنيون وهذا لم يحصل جزافاً أو اعتباطا أو عشوائياً بل بسبب تحول طريقة تفكير الناس حول الأحداث التي يواجهونها ويتفاعلون معها .
واستناداً إلى تحديدنا السالف الذكر فإن مفهوم المثقف أصغر حدوداً من مفهومintelligentsia (الذي يعني أهل الفكر المشكلين نخبة أو طليعة فنية أو اجتماعية أو سياسية)، وأضيق أيضاً من مفهوم الطبقة الجديدة والطبقة المعرفية المستعملة بين الناس هذه الأيام ؛ لأن مفهوم intelligentsia تم صياغته في بداية القرن التاسع عشر في وسط أوروبا للإشارة إلى المفكرين الثوريين والمتطرفين .
أما اليوم وبالذات في أوروبا فإنه يعني حملة المعرفة المتخصصة في التعليم العالي وأصحاب الكفاءات العلمية الدقيقة في العلوم الأكاديمية والمهنية والإدارية والتقنية، لكن ليس كل من يحمل هذه الكفاءات يعد مثقفاً ، إنما فقط الذين يملكون فن الإتقان والابداع والإنماء التخصصي سواء أكان في العلوم النظرية أو التطبيقية .
ومن نافلة القول أن مصطلح المثقف يتصف بضيق أكثر في معناه من مصطلح الطبقة الجديدة new classوأكثر محدودية أو أضيق حدوداً من مفهوم مصطلح الطبقة المعرفية، knowledge. ومن غرائب الأمور، أن المجتمع الأمريكي لم يتعرف على مصطلح المثقف إلا في العقد السابع من القرن العشرين من قبل كل من بازيلون وكرستول وموينهان وبودهويتز. وفي عام1979 أعجب بهذا المصطلح ألفن كولدنر فدعاه لاستخدامه ليعبر عن المشتغلين في التعليم العالي والمهني والتقني والاداري.
بشيء من الدقة، اقترن مصطلح طبقة المعرفة بشكل رئيسي مع بروز فكرة مجتمع ما بعد التصنيع من قبل دانيال بيل1973 في الولايات المتحدة الأمريكية وكان يقصد بها بالدرجة الأساس مجموعة أهل الفكر (أو النخبة أو الطليعة) بعدها حدد ممثليها أي حدد بيل من يمثل طبقة المعرفة فحصرها بأربع فئات مهنية متخصصة وهي :
1ـ الفئة العلمية .
2- الفئة التقنية .
3- الفئة الإدارية .
4- الفئة التقنية وتتضمن المشتغلين في الهندسة والاقتصاد.
ومن أجل تمحيص ما تقدم، علينا أن ننظر إلى المثقف كطليعي رائد في التميز المعرفي النظري لكونه يقوم بعمل ذهني مبدع وخلاق يتميز عما يقدمه أصحاب العلوم التطبيقية في الأعمال الإدارية والهندسية والتقنية من تطبيقات للمعرفة النظرية. وهنا يتطلب منا التمييز بين المعرفة النظرية في المجتمع ودور المثقف الحق (الصادق) وغيره عن المثقف المتطفل أو المزايد على المعرفة النظرية في المجتمع .
وعطفا على ذلك، فإننا نستطيع القول بأنه طالما هناك دور اجتماعي متميز يمارسه المثقف فإن ذلك يعني له مكانة اجتماعية مرموقة داخل النسيج الاجتماعي وله تأثير متميز وفاعل في الحياة الاجتماعية لكنه لا يمتلك قوة ونفوذاً بنفس كمية التأثير الذي يمتلكه إنما له القدرة على إقناع الآخرين بما هو واقعي ومفيد وشرعي وغير شرعي فضلاً عن تمتعه بمقدرة المشاركة بشكل واضح وجامح في تهذيب وانماء الأفكار التي تدعم الأنساق السياسية والاجتماعية. في الوقت نفسه له القدر المعقول من النفوذ في تحديد مصير وافعال العديد من الناس. بمعنى آخر، إنه يتمتع بتأثير في إقناع الآخرين إلا أنه لا يملك نفوذاً أو قوة على إلزامهم بها أو بالأخذ بما يريد إقناعهم به.
يحسن بنا أن نشير في هذا المقام إلى وجود. حالات مستثناة وبالذات تلك التي تناقض بعض العناصر الموجودة داخل ما تسمى بطبقة المعرفة وبالذات عند المدراء والمسؤولين الإداريين ممن لهم نفوذ وسطوة كبيرة منبثقة من صلاحيات ومسؤوليات مناصبهم الموجودة على سلم الجهاز البيروقراطي الحاد.
جدير بالذكر في هذا السياق هو أن المثقفين لا يشغلون دائماً مناصب مؤسسية ذات نفوذ أو سطوة عالية، واذا حصل ذلك فإنهم يتحولون إلى مدراء إداريين لا كمثقفين لأن المثقف لا يمارس نفوذا إداريا ويتمتع - في الوقت نفسه- بتميز وشهرة ذهنية - ثقافية تجذب الآخرين له دون إجبارهم أو إلزامهم. لذا لا نجد أو يكون من النادر أن يمارس المثقف المؤسس نفوذه السلطوي - الموقعي على الموظفين الذين يعملون معه أو يشرف على أعمالهم أو يخضعون لإدارته، إنما نجد مثل هذه الحالة عند المدراء الاداريين فضلاً عن ذلك فإن المثقفين يرون أن واجبات ومسؤوليات المدراء الإداريين تنحصر في مؤسساتهم فقط ويمارسون نفوذهم المؤسسي على الموظفين الصغار المستجدين في العمل.
المؤسف أن نلاحظ هذه الحالة في مجتمعنا العربي المعاصر إذ تُنصّب الحكومات العربية أصحاب الكفاءات العلمية النادرة والمتميزين في اختصاصهم ويعدون من مثقفي المجتمع بمناصب مؤسسية مثل رئيس جامعة أو عميد كلية أو مدير عام أو وزير تصوراً منها بأنها سوف تستفيد من علمهم . إلا أنها تفشل في ذلك لأنهم مكونون تكوينا أكاديميا يصلحون للتعليم أو التأليف أو البحث وليس للإدارة. هذا من جانب، وفي الجانب الآخر، أبعدتهم الحكومة عن ممارسة دورهم الثقافي. أي سوف لا يعدون من مثقفي المجتمع لأنهم يخسرون هذه الصفة الطليعية عند ممارستهم النفوذ الإداري على الموظفين، وفيها لا يستطيعون إثرا، أو تهذيب أو إنماء المؤسسة التي يعملون فيها أو التي تنصيبهم عليها، لكنهم يحصلون على نفوذ إداري يجبرون الموظفين على الإذعان لهم، في الوقت ذاته يخسرون طاقتهم الذهنية - الثقافية التي كانت تجذب الأفراد إليها والإعجاب بها وهذه خسارة مزدوجة كانت تقوم بها الحكومات العربية وما زالت تعمل بها فنقوم بالإهدار المعرفي والاخلال الإداري والفشل الإنتاجي.
نعود بعد ذلك إلى صلب موضوعنا فنقول إن هناك نفوذا فوقيا متغطرساً يمارس من قبل كبار المسؤولين في المؤسسات الرسمية على الموظفين الذين هم أدنى منهم في مناصبهم، بل أحياناً يقوم هؤلاء المتغطرسين بممارسة نفوذهم خارج مؤسساتهم قد تأخذ مجال مصادر الطاقة أو الموارد البشرية والموارد المالية التي تعتمد عليها المجتمع في تنمية موارده البشرية والاقتصادية والصناعية أي أنهم يمارسون نفوذهم خارج المؤسسات التي يعملون بها. والحالة تكون أكثر سوءا في المؤسسات الخاصة مثل الشركات والمصانع غير الحكومية التي يتغطرس فيها المدراء في نفوذهم وسلطانهم على العاملين الذين هم أدنى منهم بل وحتى على الأسواق التي يتعاملون معها إذ يمارسون ضغوطهم ونفوذهم عليها، وأحياناً يمارسون نفوذهم وتأثيرهم على سياسة الحكومة في منطقة معينة.
لكن جميع هذه الممارسات النفوذية والسلطوية والموقعية الرفيعة المستوى لا تمنحهم صفة المثقف لأن المثقف لا يميل إلى استخدام التسلط والتأثير النفوذي والاستغلال المنصبي في تعامله مع الآخرين الذين يعمل معهم فضلا عن كونه متفرغا لذلك وغير متعود عليه، وفي ضوء ذلك لا يعد هذا المسؤول الإداري مثقفا طبقا لهذه المعايير السلوكية التي لا يتصف بها المثقف أو لا يمارسها.
ولا جرم من القول بأن وضع المثقفين في خانة واحدة أو منف واحد مع مدراء الأعمال والمسؤولين الإداريين لهو أمر مضلل يشوه التميز بين التأثير المبني على المعرفة والنفوذ المبني على المتنفذين داخل المؤسسات الرسمية وفضلاً عن بلورة انطباع زائف عن المثقفين بأنهم يملكون نفوذاً كبيراً وهم في الواقع لا يملكون لأن النفوذ والثقافة لا يلتقيان والمتنفذ والمثقف لا يتواجدان في شخص واحد بسبب تنافر خصائصهما وسماتهما وعقلياتهما.
ومن أجل استجلاء، أكثر عن هذا التنافر بين المثقف والمتنفذ علينا أن نحلله اجتماعياً. المشكلة تكمن في نفوذهما إذ إن الأول (نفوذ المتنفذ) يصدر من مسؤوليات وصلاحيات الموقع أو المنصب المؤسسي المسؤول الذي يمنحه قوة ونفوذا أو سلطانا على الموظفين الأدنى منه في مناصبهم. أي أن نفوذه وتأثيره وسلطته لم تصدر عن مؤهلاته المهنية أو كفاءته الإدارية وأن الأتباع أو الموظفين التابعين ملزمون بالخضوع لنفوذه وألا يواجهوا مشاكل إدارية مع المؤسسة (على الرغم من تمتعه بمؤهلات وتحصيل دراسي وخبرة مهنية) . . .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|