المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

Xenon-135 Response to Reactor Shutdown
21-4-2017
مـفـهـوم تـكاليـف الإنـتـاج Production Costs
2023-12-10
اسم الله الأعظم
25-09-2014
RP and its lesser forms
2024-03-11
سيدا شباب اهل الجنة / اسوة الشباب من اهل البيت
14-8-2022
البعوض الناقل للامراض
20-1-2016


الرقابة القضائية في الظروف الاستثنائية والقرارات بقوانين (decrets-Lois )  
  
12791   11:05 صباحاً   التاريخ: 12-4-2017
المؤلف : فارس عبد الرحيم حاتم
الكتاب أو المصدر : حدود رقابة القضاء الاداري على القرارات التي لها قوة القانون
الجزء والصفحة : ص130-141
القسم : القانون / القانون العام / القانون الاداري و القضاء الاداري / القضاء الاداري /

إقراراً للواقع العملي الذي حتمته ظروف الحربين العالميتين وما نتج عنهما من أوضاع اقتصادية واجتماعية ، فقد تبنى مجلس الدولة الفرنسي نظرية الضرورة والتي ظهرت في ألمانيا . لكنه قام بصياغتها ضمن إطار مبدأ المشروعية . كما أن مجلس الدولة قام بإخضاع القرارات بقوانين الصادرة بناء على تفويض من البرلمان إلى رقابته بعد أن كان يعتبرها أعمال تشريعية لا يختص بنظر الطعون التي ترفع ضدها . وسنقوم في هذا الموضوع بدراسة ما تقدم ذكره وذلك في فرعين .

الفرع الأول : نظرية الظروف الاستثنائية (1) .

ظهر الاهتمام بنظرية الضرورة في العصر الحديث على يد الفقه الألماني. وكان الفقيه هيكل هو أول من نادى بهذه النظرية التي تقوم على مبادئ جوهرية منها أن الدولة هي التي أوجدت القانون وذلك لتحقيق مصالحها فإذا كان الخضوع للقانون يضر بهذه المصالح فهي في حل منه ، فالقانون هو وسيلة لتحقيق غاية وهي حماية الجماعة فإذا اصبح القانون لا يؤدي هذه الغاية فانه لا يجب الخضوع له وعلى الحكومة أن تضحي به في سبيل الجماعة . لذا فان تحليل انتفاء مسؤولية الدولة عن الأضرار تقوم على أساس قانوني .  وقد وجدت أفكار هيكل قبولاً لدى العديد من الفقهاء الألمان التي تسوّغ مشروعية القرارات والإجراءات المتخذة طبقاً لهذه النظرية ولا يحق للأفراد المطالبة بالتعويض عما يلحقهم من ضرر جراء ذلك (2).

وقد تبنت دساتير الولايات الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر نظرية الضرورة وساعد في ذلك الحكم الاستبدادي للأمراء في تلك الولايات وضعف الحس الديمقراطي (3) . لقد انتقد الفقه الفرنسي هذه النظرية (4) ذلك لأنها تعد خروجاً عن مبدأ المشروعية فهي تؤدي إلى وضع القانون جانباً عند اللجوء أليها . إلا انه إزاء الواقع العملي فقد تبنى جانب من الفقه الفرنسي هذه النظرية مع الاختلاف تجاه الفكر الألماني ، فقد أقامها على أساس النظرة الواقعية السياسية . وأول من نادى بها هو الفقيه الفرنسي دوكي الذي يرى أنّ للسلطة التنفيذية إصدار قرارات لها تعديل، أو تعطيل القوانين المعمول بها متى ما توافرت الشروط الآتية :

1ـ حدوث حرب، أو ثورة، أو إضراب عام .

2ـ تعذر اجتماع البرلمان، أو على الأقل لم يتسع الوقت لجمعه .

3ـ أن تكون الحكومة عازمة على عرض الأمر على البرلمان في أول اجتماع له لأخذ موافقته (5) .

وعلى وفق النظرة السياسية لنظرية الضرورة فان ما تتخذه السلطة التنفيذية من إجراءات بموجب هذه النظرية والتي تكون مخالفة للقوانين والدساتير غير مشروعة وتبقى الحكومة مسؤولة عنها حتى يقوم البرلمان بإعفائها من المسؤولية بقوانين التضمينات أو بتشريع قوانين تتضمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة(6). أن النظرة السياسية لنظرية الضرورة لا تختلف من حيث النتائج عن النظرية الألمانية إذ أن كليهما يؤدي إلى وضع القانون جانباً واتخاذ إجراءات بعيداً عنه . إن مجلس الدولة الفرنسي كان له اتجاه آخر في هذا الشان ، وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى (1914 ـ1918 ) رفض البرلمان تفويض سلطات كاملة للحكومة لمواجهة ظروف الحرب وإزاء الضرورة الملحة التي أملتها هذه الحرب قامت الحكومة بإصدار قرارات لها قوة القانون خالفت بها نصوصاً قانونية قائمة ، وعند الطعن بهذه القرارات فان مجلس الدولة قد أضفى على هذه القرارات صفة المشروعية منشئ بذلك نظرية الظروف الاستثنائية . ويعد حكم قضية Hegries  في 28/6/1918 بداية هذه النظرية ، وان كان هذا الحكم ليس الأول بشأنها(7) ، والذي قضى بصحة المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 10/9/1914 والمتضمن إيقاف العمل بالمادة (65) من قانون 22/4/ 1905 حتى نهاية الحرب والتي تعطي لأي موظف الحق في الاطلاع على ملف خدمته قبل توقيع أي جزاء تأديبي عليه . وقد قام هيريس وهو أحد الموظفين المفصولين بموجب هذا المرسوم بالطعن فيه(8). وقد سوّغ مجلس الدولة حكمه هذا على أساس المادة (3) من القانون الدستوري الصادر بتاريخ 25/2/1875 والتي نصت على ما يأتي(رئيس الجمهورية يصدر القوانين، ويشرف على تنفيذها، ويولي، ويعزل الموظفين العسكريين والمدنيين )(9) . وفسر مجلس الدولة هذا النص بأنه على رئيس الجمهورية تنفيذ القوانين ولاسيّما المتعلقة بسير المرافق العامة وان له في الظروف الاستثنائية عندما تكون القوانين الأخيرة مهددة بعدم التنفيذ أن يوقف تنفيذ قوانين أخرى حتى يضمن سير المرافق العامة باطراد واستمرار . لقد أثار اتجاه مجلس الدولة جدلاً فقهياً قائماً على انه لا يوجد أساس دستوري للامتناع عن تنفيذ بعض القوانين في سبيل ضمان تنفيذ البعض الآخر.(10) إلاّ أن قضاء مجلس الدولة قد تبنى مبدأ جديداً قائماً على أساس حالة الحرب التي هي صوره من صور نظرية الظروف الاستثنائية وذلك في حكمه الصادر بتاريخ 28/2/1919 والذي جاء فيه ( أن حدود السلطة العامة للبوليس التي تملكها الحكومة للمحافظة على الأمن العام لا يمكن أن تكون في حالة السلم هي نفسها في حالة الحرب ، حيث يتطلب صالح الدفاع القومي التوسع في هذه السلطة ، ويحتم اتخاذ وسائل اشد لحفظ الأمن العام ) (11) . وبعد الحرب العالمية الأولى قام مجلس الدولة بإنضاج نظرية الظروف الاستثنائية وعمل على صياغتها بقالب قانوني(12)، أي أقامها على أساس قانوني ولكن ليس كالمفهوم الألماني، إذ أن نظرية مجلس الدولة لا تضع القانون جانباً عند تطبيقها وإنما تبقى قواعد المشروعية مطبقة ولكن ليس كالقواعد المعمول بها في الظروف العادية ، إذ أن المشروعية هنا تخضع للتفسير الواسع، فما كان غير مشروع في الظروف العادية يمكن أن يكون مشروعاً في الظروف الاستثنائية إذا تطلب الأمر ذلك ، لكن هذا لا يعني أن ما تطلبته تلك الظروف لا يخضع للرقابة ويكون في حل من أي مسؤولية بل أن مجلس الدولة يخضع جميع التصرفات التي تم اتخاذها أثناء تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية إلى رقابته . ومجلس الدولة هنا يطبق قواعد المشروعية الاستثنائية . يتمثل أساس نظرية الظروف الاستثنائية في أن الإدارة يقع عليها واجب الحفاظ على حسن سير المرافق العامة وكذلك النظام العام وإن تغيرت الظروف المحيطة بها ، فعليها في هذه الحالة أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بأداء واجبها(13) .وقد عمل مجلس الدولة عند تطبيقه للنظرية تحقيق مبدأ الموازنة بين قواعد المشروعية ومتطلبات الظروف الاستثنائية ، بمعنى أخر عدم التفريط بالحقوق الفردية إلا بما يتناسب مع طبيعة المخاطر المهددة للنظام العام . يترتب على ما تقدم أن مجلس الدولة اخضع الإجراءات التي يتم اتخاذها عند تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية لرقابته ، كما اخضع اللجوء إلى هذه النظرية(14) لرقابته أيضاً . وقد اشترط الفقه والقضاء لتطبيق النظرية المذكورة ما يأتي : (15)

  1. وجود خطر جسيم وحالّ موجه ضد الدولة : وهذا الخطر الجسيم وغير الاعتيادي قد يكون مصدره خارجياً كالحرب ، أو داخلياً كالفيضانات أو الزلازل أو الاضطرابات والفتن والتمرد . إلى غير ذلك من الأخطار التي تهدد كيان الدولة الداخلي والخارجي . وبطبيعة الحال يجب أن يكون هذا الخطر حالاًّ، أي انه قائم فعلاً، أو على وشك الوقوع وليس محتمل الوقوع. عدم إمكانية الإدارة مواجهة الظروف الاستثنائية بالإجراءات الاعتيادية المتيسرة لها : فإذا كان استخدام الإدارة للإجراءات الاعتيادية المتوفرة لديها سوف لا يمكنها من قيامها بواجبها في حفظ النظام العام وضمان سير المرافق العامة ، فانه يتوجب عليها عندئذ اللجوء إلى الإجراءات الاستثنائية لقيامها بواجبها . إن القرارات والإجراءات المتخذة بموجب هذه النظرية تخضع في مشروعيتها إلى مبدأين أساسين هما :
  1. يجب أن تكون هذه الإجراءات متناسبة مع طبيعة أو جسامة المخاطر التي تواجهها الإدارة . أي أن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها . وينتج عن هذا الشرط المهم أن الإدارة لا يجوز لها إهدار الحريات العامة والتفريط بالحقوق الفردية إلا بالقدر الذي يمكنها تحقيق هدفها وهو الحفاظ على النظام العام خلال فترة وجود المخاطر واستمرارها فقط ، وضمان سير المرافق العامة .
  2. إن القرارات المتخذة بموجب نظرية الظروف الاستثنائية لها قوة القانون فمن الطبيعي أنها لا تتمكن من مخالفة القواعد الدستورية واّلا كان القرار محلاً للطعن به أمام القضاء الإداري ويجب أن لا تتناول هذه القرارات مسائل أوجب الدستور تنظيمها بقانون .

لقد تبنى جانب من الفقه الفرنسي وعلى رأسه الفقيه (هوريو) النظرة القانونية لنظرية الضرورة (16) حسب مفهوم مجلس الدولة، الملائم للدولة القانونية التي يسود فيها القانون على الحكام والمحكومين دائماً وتحت أي ظرف كان. أن نظرية الظروف الاستثنائية هي نظرية قضائية من صنع مجلس الدولة الفرنسي ، وبالرغم من وجود النصوص القانونية التي تمنح الإدارة في ظل الدولة القانونية قدرة اللجوء إلى وسائل استثنائية غير مشروعة في الظرف العادي . إلا أن الأمر يبقى مسالة وقائع يخضع تقديرها وأهميتها للقضاء . وذلك بهدف تمكين الإدارة من القيام بواجبها في ظل الظروف الاستثنائية مع تقييد نشاطها هذا وإخضاعه للرقابة ، حمايةً لحقوق وحريات الأفراد المهددة ولاسيّما في هذه الظروف .

الفرع الثاني : الرقابة على القرارات بقوانين decrets-Lois  .

لقد أشرنا إلى انه على الرغم من عدم وجود نص دستوري ينظم هذا النمط من القرارات إلا أن النظام القانوني الفرنسي تميز بالإفراط في إصدار المراسيم بقوانين بموجب قوانين التفويض الصادرة من البرلمان وذلك حتى صدور دستور 1958. وقد ثار جدل فقهي حول مدى دستورية قوانين التفويض وما يترتب على ذلك من طبيعة القرارات بقوانين الصادرة بموجبها.

لقد ظهر في الفقه الفرنسي اتجاهان في هذا الشأن : (17)

  1. نظرية التفويض التشريعي : بموجب هذه النظرية وهي الأقدم تاريخياً ، فان قوانين التفويض الصادرة عن البرلمان هي تفويض للسلطة التنفيذية وعلية تكون القرارات الصادرة بموجب هذه القوانين لها قوة وطبيعة القانون، الأمر الذي يؤدي إلى تحصين هذه القرارات من رقابة القضاء الإداري (18).

وقد تبنى مجلس الدولة الفرنسي هذه النظرية في أول الأمر مما نتج عنه امتناع المجلس عن رقابة القرارات التي لها قوة القانون (19) .

لقد تعرضت هذه النظرية لانتقادات شديدة نظراً لما ترتب عليها من حصانة القرارات بقوانين من الطعن فيها أمام القضاء الإداري إضافة إلى انه البرلمان لا يملك سلطه تفويض اختصاص له من دون سند دستوري ، إذ أن التشريع هو وظيفة للبرلمان وليس حق له يتصرف فيه كيف يشاء .

  1. نظرية توسيع اختصاص القرارات التنظيمية للسلطة التنفيذية :

نتيجة للعيوب والنقص الذي أظهرته نظرية التفويض التشريعي فقد هجرها معظم الفقه الفرنسي واتجهت الأنظار إلى نظريه أخرى لعلها تضفي المشروعية على قوانين التفويض وهذه النظرية هي نظرية توسيع اختصاص القرارات التنظيمية للسلطة التنفيذية .

بموجب هذه النظرية فان قوانين التفويض ليست تفويضاً تشريعياً وإنما هي توسيع لمجال القرارات التنظيمية . وحجة أنصار هذه النظرية هي أن الدستور لم يحدد نطاقاً معيناً للقوانين ونطاقاً آخر للقرارات التنظيمية وذلك حسب العلاقة التقليدية بين القانون والقرار التنظيمي الذي كان معمولاً به قبل دستور الجمهورية الخامسة ، ماعدا بعض المسائل التي جاء بشأنها نص يحددها في مجال القانون أو القرار التنظيمي وفيما عدا ذلك فان للقانون أن يحدد المواضيع التي تدخل في مجال القرارات التنظيمية .

لقد وقع أنصار هذه النظرية في مغالطة هددت نظريتهم بالانهيار . إذ كيف تفسر قدرة القرارات التفويضية على تعديل وإلغاء القوانين إذا كانت لهذه القرارات قوة القرارات الإدارية العادية ؟

حاول أصحاب هذا الاتجاه تسويغ حججهم بعدة فرضيات وهي :

  1. وقف مبدأ خضوع القرار التنظيمي للقانون : بموجب هذه الفرضية فان قانون التفويض يؤدي إلى إيقاف العمل بمبدأ خضوع القرارات التنظيمية للقوانين وقد انتقد هذا الرأي لعدم دستورية هذا الوقف .
  2. التصديق أو الاعتماد السابق : وبموجب هذه الفرضية فان قانون التفويض هو بمثابة اعتماد سابق للقرارات التفويضية التي ستصدر عن السلطة التنفيذية والتي تمس القوانين القائمة بالتعديل أو الإلغاء . وقد انتقد هذا الرأي لان اكثر قوانين التفويض تشترط عرض القرارات التفويضية على البرلمان بعد إصدارها للتصديق عليها ، والأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى التعارض مع هذا الشرط .

ج . فرضية تجريد القوانين من قوتها القانونية : وبمقتضاها فان قانون التفويض سوف يجرد القوانين التي ستتناولها القرارات التفويضية من قوتها القانونية وتنزل إلى قوة القرارات الإدارية العادية حتى يمكن إلغاء القرارات التفويضية أو تعديلها .وقد انتقد هذا الرأي، لان السلطة التشريعية لا تملك تنزيل قوة القانون إلى قوة القرارات الإدارية من دون سند دستوري ،كما أن العمل بذلك يوجب تعيين القوانين التي ستفقد قوتها القانونية على وجه التحديد بوساطة قانون التفويض وهذا خلاف ما جرى عليه العمل، كما أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى حدوث ازدواج بالنسبة للقوانين التي تتناولها القرارات التفويضية فستكون لها قوة القانون أمام الأفراد والقضاء ولها في الوقت نفسه قوة القرارات الإدارية الاعتيادية أمام الحكومة .

د . فرضية تجريد القوانين من قوتها القانونية تجريداً معلقاً على شرط :

   بموجب هذه الفرضية ولتلافي العيوب في الرأي السابق فان تجريد القانون من قوته القانونية بواسطة قانون التفويض يكون معلقاً على شرط تدخل القرارات التفويضية وتعديلها أو إلغاءها للقانون . وقد انتقد ذلك بنفس ما أنتقد به الرأي السابق ،إذ أن تنزيل قوة القانون سوف يبقى فاقداً سنده الدستوري ، كما أن الأمر يتطلب هنا تحديد القانون الذي سوف يفقد قوته القانونية على وجه الدقة . 

تبين مما تقدم أن نظرية توسيع اختصاص القرارات التنظيمية لم تفلح في إضفاء الدستورية على قوانين التفويض وكذلك تحديد طبيعة هذه القوانين وبالتالي تحديد طبيعة القرارات الصادرة بموجبها ، ونذهب إلى ما ذهب أليه جانب من الفقه بتأييد نظرية التفويض التشريعي ، ولكن ليس على أساس العرف الدستوري كما ذهب إلى ذلك أنصار هذه النظرية ولكن على أساس حالة الضرورة (20) . وقد أيد مجلس الدولة الفرنسي الذي كان يأخذ بنظرية التفويض التشريعي بمفهومها القديم هذا الاتجاه ، وذلك ابتداء من الحكم الصادر بتاريخ 6/12/1907 الذي رفض فيه مجلس الدولة ( حجة وزير الأشغال في التمسك بنتائج نظرية التفويض واعتبار لائحة الإدارة العامة الصادرة في 1/3/1901 تستند مباشرة إلى قانون التفويض ولا يجوز الطعن فيها أمام المجلس . وقد تبنى المجلس ماراه مفوض الحكومة  مسيوتارديو " من أن القانون الذي يرخص لرئيس الجمهورية حق إصدار لائحة إدارة عامة لا يؤدي إلى تغيير الطبيعة القانونية لأعمال الرئيس ويحول اللائحة إلى قانون " .وقضى المجلس بأنه " إذا كانت لائحة الإدارة العامة قد صدرت بمقتضى تفويض السلطة التشريعية فانه يمكن الطعن فيها أمام المجلس بسبب تجاوز السلطة لصدورها من سلطه إدارية " )(21) . على أننا لا نتفق مع ما جاء في نظرية التفويض التشريعي حول طبيعة القرارات بقوانين ( decrets-Lois ) الصادرة بناء على قوانين التفويض . ويذهب إلى هذا الرأي مجلس الدولة واغلب الفقه ، وقد تبنى هؤلاء رأي الفقيه (بونار) (22) الذي يتلخص في إن القرارات بقوانين أو القرارات التفويضية تمر بمرحلتين . المرحلة الأولى تقع بين إصدار القرارات التفويضية وبين إقرار البرلمان لها بعد عرضها عليه وتكون للقرارات التفويضية في هذه المرحلة قوة القانون والتي تستمد من قانون التفويض ، إلا انه طبقاً للمعيار الشكلي في تمييز أعمال السلطات العامة فان لهذه القرارات طبيعة القرارات الإدارية وذلك لصدورها من السلطة التنفيذية ، وعليه فأنها تكون خاضعة لرقابة مجلس الدولة. أما المرحلة الثانية فتقع بعد إقرار البرلمان للقرارات التفويضية عند عرضها عليه ، وهذه القرارات تتحول في هذه المرحلة إلى قوانين من حيث طبيعتها وقوتها . فتكون بذلك خارج اختصاص مجلس الدولة وتتحصن هذه القرارات في فرنسا لأنه لا توجد هنا رقابه على دستورية القوانين ، ماعدا رقابة المجلس الدستوري التي تكون سابقة على إصدار القوانين . هناك رأي في الفقه يعارض ـ بحق ـ الرأي المتقدم حول تغيير طبيعة القرارات الإدارية التفويضية عند إقرار البرلمان لها (23) . إذ أن البرلمان هنا يمارس وظيفة الرقابة على السلطة التنفيذية وهذه الوظيفة لا تؤدي إلى تغيير طبيعة العمل ، فطبقاً للمعيار الشكلي في تمييز أعمال السلطات العامة والذي يتبناه التشريع والفقه والقضاء يبقى العمل إدارياً لأنه صادر من السلطة التنفيذية وتصديق البرلمان لا يغير هذه الحقيقة ، إذ لا يمكن القول عندئذ انه صادر عن السلطة التشريعية .إلا انه إذا أصدر البرلمان قانوناً وضمنه ما جاء في القرارات التفويضية عند ذلك يمكن القول إن ما تضمنته هذه القرارات اصبح قانوناً لا يمكن الطعن فيه أمام القضاء الإداري .يذكر الرأي المتقدم أن سبب اتجاه الفقه والقضاء هذا يرجع إلى عدم وجود رقابه قضائية على دستورية القوانين وتحصين القوانين بمجرد صدورها . ونقول كان الأجدر بمجلس الدولة بما عرف عنه من الحرص على حماية حقوق وحريات الأفراد ورفض تحصين القرارات الإدارية، ألاّ يأخذ بهذا النهج ويحصن القرارات بقوانين بعد تصديق البرلمان من رقابته . بقي أن نذكر أن مجلس الدولة اهتم بالتزام القرارات التفويضية المبادئ العامة للقانون، لان المجلس وهو يراقب هذه القرارات فانه يستند إلى قوانين التفويض التي تصدر بموجبها هذه القرارات ومع عدم وجود رقابة على دستورية القوانين في فرنسا فان على المجلس الأخذ بهذه القوانين حتى وان شابها عيب . وما دامت العبارات الواردة في هذه القوانين عامه وغامضة على الأغلب فان ذلك يؤدي إلى أضعاف رقابة مجلس الدولة . وعليه فلتفعيل هذه الرقابة لجأ المجلس إلى المبادئ العامة للقانون واخذ يستند عليها في رقابته إلى جانب قوانين التفويض(24) . فقضى في أحد أحكامه على انه لا يمكن للقرارات التفويضية أن تلغي أحد المبادئ القانونية العامة إلا إذا نص القانون التفويض على ذلك صراحةً (25) . وغني عن القول بان لهذه المبادئ قوة الدستور مادامت القرارات التفويضية التي لها قوة القانون لا تستطيع إلغاءها . 

________________

1- لقد أطلق مجلس الدولة الفرنسي على هذه النظرية تسميات مختلفة. فهو مره يسميها ( نظرية سلطات الحرب ) واحياناً يسميها (نظرية سلطات فترة ألازمه ) وتارة أخرى يطلق عليها تسمية ( نظرية الظروف الطارئة ) وفي أحيان أخرى يسميها (نظرية الضرورة ). د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ( دراسة مقارنة ) الناشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، بلا سنة طبع. ص72. ونرى أن التسمية الأنسب هي ( نظرية الظروف الاستثنائية ) وذلك لانها تختص بالظروف الاستثنائية فقط .  

2- يُنظر في نظرية الضرورة الألمانية . د. السيد صبري ، اللوائح التشريعية ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1944.ص5 ـ7 .

3- د. طعيمة الجرف ،مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الإداره العامة للقانون ، الطبعة الثالثة ، ملتزم الطبع والنشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1976. 140 .

4- يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص20 .

5- د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية …… ، مصدر سابق . ص142 .

6- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص17 ـ18 .

المقصود بقوانين التضمينات هي تلك القوانين التي تمنع القضاء من النظر في الإجراءات التي تمت عند حدوث ظروف استثنائية .

7- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة مصدر سابق . ص27 . لقد كان الحكم الأول الذي طبق فيه مجلس الدولة الفرنسي نظرية الظروف الاستثنائية هو في قضية الجنرال ( Verrier  ) بتاريخ 30/7/1915 والذي رفض فيه طلب الجنرال المذكور في إلغاء القرار الصادر بإحالته إلى الاستيداع والذي خالف الإجراءات المقررة في شان إحالة ضباط القوات المسلحة إلى الاستيداع . وقد أسس مجلس الدولة حكمه هذا على أن ظروف الحرب جعلت من المستحيل استيفاء إجراءات إحالة ضباط القوات المسلحة فضلاً عما توجبه هذه الظروف من ضرورة التخلص من الضباط الذين تقرر الحكومة عدم صلاحيتهم لمقتضيات الدفاع القومي . يُنظر د. طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية ……. ، مصدر سابق . ص159 . 

8-  ينظر د. السيد صبري ، اللوائح التشريعية ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1944. ص12 .

9-  د. طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية ……… ، مصدر سابق . ص161 .

10- يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص28 . د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الأولى ، ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي ، 1980. ص235ـ240 .

11- د. السيد صبري ، المصدر السابق . ص14 .

12-  المصدر السابق . ص16 .

13-  يُنظر في ذلك د. سليمان محمد الطماوي ، مبادئ القانون الإداري ( دراسة مقارنة ) ، الكتاب الثالث ، بلا مطبعة ، 1979 . ص118 . د. طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية ……. ، مصدر سابق . ص158 . د. ماجد راغب الحلو ، القضاء الإداري ، دار المطبوعات الجامعية ، 1985. ص55ـ56 .

14-د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص34 .

15- يُنظر في شروط اللجوء لنظرية الظروف الاستثنائية وشروط التطبيق . د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص23ـ26 . ويُنظر في شروط النظرية بصوره عامة د. سعاد الشرقاوي ، الوجيز في القضاء الإاري ، الجزء الأول ، دار النهضة العربية. ص103 . د. طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية …….. ، مصدر سابق .ص162ـ164. عاشور سليمان صالح شوايل ، مسؤولية الإدارة عن اعمال وقرارات الضبط الإداري ، منشورات جامعة قاريونس ، بنغازي ، 1997. ص273ـ277 . د. ماجد راغب الحلو ، القضاء الإداري ، دار المطبوعات الجامعية ، 1985 ،ص57ـ58 .  

16- د. طعيمه الجرف ، مبدأ المشروعية ……… ، مصدر سابق . ص144 .

17- يُنظر في ذلك د. محمود محمد حافظ ، القرار الإداري ( دراسة مقارنة ) ، الجزء الأول ، الناشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، بلا سنة طبع . ص282ـ289 . د. عمر حلمي فهمي ، مصدر سابق . ص246-264 .

18- Bonnard . Roger .op . cit . p . 116

19- مثال ذلك حكم مجلس الدولة في 20/12/1872 والذي قرر فيه ( أن قرار 25/2/1868 قد صدر بمقتضى تفويض السلطة التشريعية وان عملاً بهذه الطبيعة لا يختص مجلس الدولة بنظر الطعون التي توجه ضده ) . ذكره د. عمر حلمي فهمي ، مصدر سابق . ص248 الهامش .

20- من هذا الرأي د. احمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص88 . د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص245 . د. عمر حلمي فهمي ، مصدر سابق . ص266 . د. محمود محمد حافظ ، القرار الإداري ، مصدر سابق . ص289 .

21- د.عمر حلمي فهمي ، مصدر سابق . ص250 الهامش .

 وفي حكم لمجلس الدولة صادر بتاريخ 7/5/1920 في قضية Gautier رفض قيه إلغاء المرسوم بقانون الصادر بتاريخ 27/9/1914 الذي يقضي بإلغاء عمليات البورصة الآجله وذلك بموجب القانون الصادر في 5/8/1914 الذي فوض الحكومة في أتخاذ الأجراءات اللازمة لتسهيل تنفيذ أو إلغاء الإلتزامات التجارية . وقد أستند المجلس في حكمه هذا على أن القانون التفويضي المذكور قد صدر بناء على الظروف الإستثنائية القائمة في ذلك الوقت .

 د. أحمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص88 . وكما نعلم أن الظروف الإستثنائية هي أحدى حالات الضرورة . 

22- Bonnard  _ OP . cit . p . 116 .

  ويُنظر في ذلك د.سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص282 .

23- يُنظر في هذا الرأي د.سامي جمال الدين ، الرقابة على أعمال الإدارة ، مصدر سابق . ص141ـ145.

24- انظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص303ـ304 .

25- مثال ذلك حكم المجلس بتاريخ 16/3/1956 في قضية (Garrigou ) . ومع ذلك فان هناك أحكام شكلت استثناء على نهج المجلس ، إذ سمحت للوائح التفويضية المساس بالمبادئ العامة للقانون مثال ذلك حكم بتاريخ 7/2/1958 بقضية (Forets ) . يُنظر ص304 .

 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .