أقرأ أيضاً
سلطة القضاء الإداري في توجيه الأوامر للإدارة وفرض الغرامات التهديدية بموجب القانون رقم 125 لسنة 1995
التاريخ: 2024-04-19
805
التاريخ: 17-1-2019
2462
التاريخ: 12-6-2016
5925
التاريخ: 12-6-2016
5787
|
أن عقد استئجار الإدارة لخدمات الأشخاص أو عقد إجارة الأشخاص يعد من الوسائل الهامة التي تستخدمها الإدارة لتسيير مرافقها في الوقت الحاضر وقد تلجأ الإدارة في سبيل تسيير مرافقها إلى إبرام عقود مدنية تخضع لما تخضع لها عقود الأفراد من أحكام ، وعندما ترى الإدارة أن العقد الذي يرتبط بتسيير المرفق العام لا تصلح معه قواعد القانون الخاص فإنها تخضعه لقواعد القانون العام ويصبح العقد إدارياً يخضع لنظام قانوني مستقل ويكون متضمناً لمظاهر السلطة العامة التي تضع الإدارة في مركز متميز عن المتعاقدين معها بقصد ضمان تنفيذ العقد لتحقيق حسن سير المرفق العام وتقديم افضل الخدمات . ... عليه... ارتأينا أن نبحث في هذا (الموضوع) وبفرعين معايير هذا التحديد ، نخصص الفرع الأول منه لدراسة فكرة المرفق العام كمعيار لتحديد هذا العقد ، ونبحث في الفرع الثاني فكرة الشرط الاستثنائي (السلطة العامة ) كمعيار للتحديد .
الفرع الأول : فكرة المرفق العام كمعيار للتحديد .
يقصد بالمرفق العام بمعناه العضوي : المنظمة أو الهيئة التي تقوم بأداء خدمات وإشباع الحاجات العامة ، ويقصد به بالمعنى الموضوعي الخدمة أو النشاط الذي تقوم به الهيئة أو المنظمة لإشباع الحاجات العامة لعموم المجتمع . وأن هذين المدلولين أو المعنيين يعتد بهما الفقه في تعريف المرفق العام .إن عقد استئجار خدمات الأشخاص من قبل الإدارة يبرم بين شخص ومرفق عام مستهدفاً تحقيق مصلحة عامة أو إشباع حاجات جماعية ولمعاونة الإدارة في تسيير هذا المرفق ، ولما كانت الإدارة طرفاً فيه واتصل بنشاط هذا المرفق وقد استخدمت فيه الإدارة سلطات أو امتيازات تتصف بالسلطة العامة فإن العقد يخضع لقواعد القانون العام .أي أن هذا العقد يخضع لقواعد المرفق العام المتمثل بالإدارة والمرفق العام في هذه الحالة يعني نظاماً قانونياً خارجاً على القانون الخاص (1). وقد اخذ القضاء الفرنسي بالمعنى العضوي للمرفق العام ثم تطورت أحكامه وأخذ بعد ذلك بالمعيارين العضوي والموضوعي في تعريف المرفق العام واستقر أخيراً على المعنى الموضوعي الذي يمثل طبيعة النشاط والهدف الذي يبتغيه او يريد تحقيقه بغض النظر عن الهيئة أو المؤسسة التي تمارس هذا النشاط ، ولما كان الهدف هو المصلحة العامة لذلك اختلطت فكرة المرفق العام بفكرة المصلحة العامة (2). وبعد رسوخ نظرية العقود الإدارية التي استخلصها الفقه مستنداً في ذلك إلى أحكام القضاء الفرنسي في قضية ترييه ( Terrier ) وقضية شركة جرانيت فوج والتي أقامها على معيار المرفق العام والشروط الاستثنائية حاول الفقه أن يستبعد فكرة الشروط الاستثنائية في تحديد معيار العقد الإداري حيث حاول الفقه الاعتماد على فكرة المرفق العام كمعيار للتحديد واخذ الفقه بعدة نظريات في مجال المرفق العام ، مثل نظرية الهدف المباشر ، ونظرية الاشتراك المباشر ، وفكرة استعمال المرفق العام ، ونظرية ( مهمة تنفيذ المرفق العام ذاته ) حيث تم الاعتماد على الأخيرة كأساس لفكرة المرفق العام كمعيار منفرد للعقد الإداري (3). كما ذهب أكثر الفقهاء المصريين إلى أن إضفاء الصفة الإدارية على العقد يقضي اتصاله بمرفق عام (4). إن العقد المبرم بين شخص معنوي عام وبين أحد الأشخاص سواء كان طبيعياً أو معنوياً لا يستلزم اعتبار العقد إدارياً ، بل إن المعيار الذي يميز هذا العقد عن عقود القانون الخاص هو موضوع العقد واتصاله بمرفق عام من حيث تنظيمه أو تسييره أو المعاونة أو المساهمة فيه (5). فمناط عقد استئجار الإدارة لخدمات الأشخاص كأحد العقود الإدارية وتمييزه عن عقود القانون الخاص هو احتياج المرفق العام الذي يستهدف هذا العقد وتسييره ، ولكن إذا انقطعت الصلة بين هذا العقد وبين المرفق الذي استهدف العقد تسييره فإن العقد يفقد صفته الإدارية ويصبح عقداً من عقود القانون الخاص (6). كما أن القضاء المصري أخذ بأغلب النظريات السابقة وخاصة نظرية الاشتراك المباشر للمتعاقد في تسير المرفق العام حيث قررت محكمة القضاء الإداري المصري : ( انه في تمييز العقود الإدارية توجد طائفتان : الأولى : هي المتعلقة بالمرفق العام وهي من اختصاص القضاء الإداري لأن قاعدة ضرورة اطراد سير المرفق العام يتطلب أن تطبق على الأشخاص الذين يشاركون في تسيير المرفق قواعد معينة خاصة فيما إذا كان المرفق ذا أهمية ، أو كان اشتراك الفرد المتعاقد مع الإدارة على درجة كبيرة فإن معيار العقد في هذه الحالة يكون معياراً يعتمد على المرفق العام أو أساسه المرفق العام .
أما الطائفة الثانية : فهي عقود الإدارة الأخرى التي يكون معيار تمييزها الشروط الاستثنائية التي تتضمنها هذه العقود والتي تدخل في اختصــاص القضاء الإداري (7) . وقد أخذت المحكمة في هذا الحكم بمعيار المشاركة في تيسير المرفق العام ذاته . عليه أن فكرة المرفق العام أو اتصال العقد بمرفق عام وأن كانت شرطاً ضرورياً حتى يصبح هذا العقد إداريا إلا انه غير كاف كمعيار لتحديد إداريـة العقد ، ذلك إن معيار المرفق العام وان كان شرطاً ضرورياً وقرينة في هذه الحالة إلا أن هذا الشرط او القرينة ليست قاطعة لا يرد عليها استثناء (8) .كذلك ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر بتاريخ 2 نيسان 1957 في مدى أهمية المرفق العام (( إن العقود الإدارية تتميز عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة فبينما تكون مصالح الطرفين في العقود المدنية متوازية ومتساوية إذ هي في العقود الإدارية غير متكافئة اذ يجب ان يعلو الصالح العام على المصلحة الفردية الخاصة وهذه الفكرة هي التي تحكم الروابط الناشئة عن العقد الإداري )) (9) . ولكن فكرة المرافق العام بدأت تضمحل كأساس أو معيار لتحديد إدارية العقد بسبب ازدياد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وظهور المرافق الاقتصادية والاجتماعية والمهنية المختلفة أدى ذلك في النهاية لأن تخضع المرافق لقواعد متنوعة تحكمهــا وفقاً لطبيعتها الذاتية (10). أما موقف القضاء العراقي من معيار المرفق العام أو فكرة المرفق العام كمعيار لتحديد العقد هل هو من عقود القانون العام ام الخاص فقد كان القضاء المذكور مسايراً للمنهج الذي سلكه القضاء في كل من فرنسا ومصر ، ولكنه لم يستقر على معيار واحد فقد جاءت أحكامه تارة تأخذ بفكرة المرفق العام كمعيار للتحديد وتارة أخرى تأخذ بفكرة الشروط الاستثنائية معياراً لتحديد طبيعة العقد إن كان عاماً أو خاصاً ، وقد تمثلت هذه المواقف للقضاء العراقي في أحكام عديدة لمحكمة التمييز تشير فيها بوضوح لفكرة المرفق العام كمعيار لتحديد العقد ، حيث أخذت المحكمة المذكورة بمعيار المرفق العام في حكم صدر في 11/4/1965 حيث تقــــول : (( لأن العقود الإدارية تقوم على أساس فكرة المرافق العامة سيتحقق الضرر منها بمجرد التأخير لحرمان المواطنين من الفوائد المتوخاة من المشروع ولا لزوم لإثبات الضرر )) (11). وفي حكم آخر صدر في 14/8/1974 تقول فيه : (( لما كان العقد المبرم بين الطرفين هو عقد إداري لتعلقه بمرفق عام وبما استهدفه من تحقيق مصالح كبرى تعلو على المصالح الخاصة لهذا فان الضرر يعتبر واقعاً لتعلقه بمصالح طائفة من أفراد الشعب هما المرضى من الناس ولا عبرة بقول الشركة المميزة بأنه لم يحدث ضرر لأن الضرر في هذه الحالة مفترض )) (12).
الفرع الثاني : فكرة الشرط الاستثنائي ( السلطة العامة ) كمعيار للتحديد .
لقد ساد الفقه والقضاء الفرنسي فكرة المعيار المزدوج والتي تقول بأن العقد الذي تبرمه الإدارة لكي يتصف بالصفة الإدارية يجب أن يتصل بنشاط المرفق العام وان تأخذ الإدارة في العقد بأسلوب القانون العام وما ينطوي عليه من شروط استثنائية أو غير مألوفة في عقود القانون الخاص (13). ظهرت بعد فكرة المعيار المزدوج في فرنسا فكرة الشرط الاستثنائي كمعيار كاف لإضفاء الصفة الإدارية على العقد ، ( ولكي ينطبع العقد بالطابع الإداري يلزم أن تكون الإدارة قد اتبعت أساليب القانون العام ، أو وسائل الإدارة العامة في إبرامه بتضمينه شروطاً استثنائية أو غير مألوفة في عقود القانون الخاص ، وإلا فأن العقد الذي تبرمه الإدارة يكون عقداً مدنيا) (14). ومنذ صدور حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية ترييه ( Terrier ) عام 1903 والذي قرر فيه أن كل ما يتعلق بتنظيم المرفق العام سواء كان قومياً أو محلياً ، وسواء كانت وسيلة الإدارة عملاً من أعمال السلطة العامة أو تصرفاً قانونياً يعتبر عملاً إداريا يختص القضاء الإداري في حسم منازعاته (15). ( كما قررت المحاكم المدنية أنه لا يكفي لكي ينطبع العقد الذي تبرمه الإدارة بالطابع الإداري أن يكون موضوع إشباع حاجات جماعية بل يجب علاوة على ذلك أن تكون الإدارة قد تصرفت باعتبارها سلطة عامة بمقتضى الامتيازات الخارجة على القانون الخاص التي تنتمي إليها وحدها ) (16) . ولكي نحيط بفكرة الشروط الاستثنائية يجب أن ندرس طبيعة هذه الشروط ، وأنواعها :ـ
أولاً : طبيعة الشروط الاستثنائية .
اختلف الفقهاء في فرنسا في تحديد الشروط الاستثنائية وما هي طبيعتها ، فقسم من الفقهاء يرى بأن الشرط الاستثنائي هو الشرط الذي لا يستطيع الأفراد تضمينه لعقودهم حيث أن إدراجه في العقود المذكورة يعتبر غير مشروع يؤدي إلى بطلان العقد لمخالفته للنظام العام ، ويرى القسم الآخر انها الشروط التي تحمل صفة السلطة العامة والتي لا يمكن إدراجها في عقود الأفراد ، وكذلك تشمل الشروط غير المألوفة في عقود القانون الخاص . حيث يرى الأستاذ فالين أن الشرط الاستثنائي هو الشرط الذي يعتبر باطلاً في عقود القانون الخاص لمخالفته للنظام العام (17).ويرى الأستاذ روفيير ( Roviere ) ( أن الشرط الاستثنائي هو الشرط الذي لا يستطيع الأفراد إدراجه في عقودهم لأنه من أعمال السلطة العامة ويستوجب أن تلعب هذه السلطة دوراً في العقد ) (18) . عليه فأن الصفة الإدارية للعقد يمكن أن تستمد من فكرة السلطة العامة التي تنعكس في الشرط الاستثنائي .كما يرى العميد فيدل ( Videl ) أن الشروط الاستثنائية هي نصوص تمنح المتعاقدين حقوقاً أو تحملهم التزامات تختلف عن الحقوق والالتزامات بين المتعاقدين في ظل القانون الخاص ، أي ان العقد يعتبر إدارياً عندما يمنح الإدارة حقوقاً أكثر من المتعاقد ويفرض عليها التزامات اقل من المتعاقد معها وتظهر فيه امتيازات استثنائية مقررة للإدارة . أما الفقه المصري فنجد فيه اكثر من رأي لتحديد طبيعة الشرط الاستثنائي وأثره في تحديد طبيعة العقد ، حيث يرى الدكتور ثروت بدوي أن الشرط الاستثنائي هو ذلك الشرط الذي يتسم بطابع السلطة العامة وانه يستمد كيانه من وجود السلطة العامة طرفاً في العقد ، وأنه يرى أن الشروط الاستثنائية التي تظهر فيها السلطة تحدد بصورة مباشرة الطبيعة الإدارية للعقد ، أما الشروط غير المألوفة فأنها تحدد الطبيعة الإدارية للعقد بصورة غير مباشرة لأنها لا تفصح عن نية المتعاقدين في اتباع أساليب القانون العام (19). وينظم إلى الرأي السابق في الفقه المصري الدكتور ( أحمد عثمان عياد ) فيرى أن الشروط الاستثنائية أما أن تكون مظهراً من مظاهر السلطة العامة ، وتظهر بشكل امتياز منصوص عليه في العقد مثل حق الإدارة في التنفيذ المباشر ، أو حق التعديل أو فرض الجزاءات وهذه الحقوق هي التي يستمد منها العقد صفته الإدارية ، أو ان تكون هذه الشروط تعبيراً عن نية الإدارة في إخضاع العقد لقواعد القانون العام ونيتها في اعمال السلطة العامة .أما العميد الدكتور ( سليمان الطماوي ) فيرى أن تضمين العقد شروطاً استثنائية هو الشرط الحاسم لإسباغ العقد بالصفة الإدارية (20). ويرى الدكتور ( كامل ليلة ) أن الشرط الاستثنائي هو عنوان السلطة العامة وتعبيرها في مجال العقود هو معيار التحديد لتمييز العقد الإداري (21) .أما الدكتور ( علي الفحام ) فيرى أن ضرورة توافر شروطٍ
ثلاثة معاً لإمكان القول بالصفة الإدارية للعقد وهذا الرأي أتجه إليه غالبية الفقه في فرنسا ومصر على حد سواء (22). أما القضاء في كل من فرنسا ومصر سواء في مجلس الدولة أم محاكم القضاء الإداري والمحاكم الإدارية الأخرى ، فإن موقفه متذبذب وغير مستقر على معيار واحد لتمييز العقد الإداري ، فتارة يأخذ بشرط اتصال العقد بمرفق عام لغرض إضفاء الصفة الإدارية على العقد ، وتارة أخرى يأخذ بفكرة الشروط الاستثنائية او تضمين العقد شروطاً استثنائية لإضفاء الصفة الإدارية عليه ، وفي ذلك أحكام كثيرة زخر بها القضاءان ، وفي أحيان أخرى قضى بالأمرين معاً في آن واحد مما يؤدي إلى صعوبة الاعتماد على أحكام القضاء في هذا الصدد (23).
أما في العراق فيرى جانب من الفقه أنه لاعتبار العقد إدارياً يجب على الجهة الإدارية المتعاقدة أو التي تكون طرفاً في العقد أن تاخذ بأساليب القانون العام ، ويكون المعيار في ذلك من خلال تحليل نصوص العقد فإذا كان العقد يحتوي على نصوص توحي بشروط استثنائية كان العقد إدارياً وتعتبر هذه الشروط هي المعيار الأساسي لتحديد طبيعة العقد الإداري (24). أما الأستاذ ( شاب توما منصور ) فيرى بان كل عقد تبرمه الإدارة يعتبر عقداً إدارياً ما لم يثبت العكس ويقول : ( أن الأشخاص الإدارية تخضع في علاقتها مع بعضها البعض ومع الأفراد لأحكام القانون العام بصورة عامة ولأحكام القانون الإداري بصورة خاصة ، فالإدارة عندما تكون طرفاً في العقد تعمل بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها الأفراد . إن الإدارة ترمي من تعاقدها وفي جميع الحالات تحقيق مصلحة المرافق العامة وتحقيق النفع العام بصفة عامة ، وهذه المصلحة وذلك النفع يجب ان يكونا منفصلين عن المصالح الخاصة ، ولما كان القانون يرمي إلى حماية المصالح العامة لذلك وجب القول بان جميع علاقاتها تخضع لأحكام هذا القانون ) (25). ويرى الدكتور ( إبراهيم طه الفياض ) أن العقود تبرم بين أطرافها على قدم المساواة ونتيجة لذلك فأنها عقود مدنيه بالأصل سواء كان المتعاقدون هم أشخاص القانون الخاص أم القانون العام ، فلو جاز للإدارة الخروج على هذا الأصل فعليها تحديد معيار العقد الذي تبرمه باعتباره استثناء من هذا الأصل (26). وذهب الأستاذ ( محمد عبد الله الدليمي ) إلى تأييد الدكتور شاب توما منصور في رأيه السالف الذكر بأن كل عقد تبرمه الإدارة يعتبر عقداً إدارياً ما لم يثبت العكس ، واعتقد بان هذا الرأي يصلح في الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج ، أما الدول التي تأخذ بنظام القضاء الموحد مثل العراق فلا يمكن تطبيقه لأن القضاء العراقي لا يزال يطبق قواعد القانون الخاص في مجال العقود الإدارية أو في اغلب العقود التي تبرمها الإدارة مع الأطراف(27).أما موقف القضاء العراقي من معيار الشروط الاستثنائية فانه قد سار على النهج الذي سلكه مجلس الدولة الفرنسي والمصري ، حيث انه لم يستقر على معيار معين فهو تارة يأخذ بمعيار المرفق العام كمعيارٍ كافٍ لإسباغ الصفة الإدارية على العقد وتارة أخرى يأخذ بمعيار المرفق العام والشروط الاستثنائية لتحديد طبيعة هذا العقد . إن النظام القضائي في العراق قبل عام 1977م ، كان قضاءً موحداً ، ولكن بعد العام المذكور أنشأت المحــاكم الإداريـــة بالقانــون رقــــــم ( 140 لسنة 1977م ) (28). ولكن العراق رغم إنشاء هذه المحاكم لم يأخذ بنظامها كما موجود في دول القضاء المزدوج ، كذلك أكد قانون إصلاح النظام القانوني على ضرورة قيام محاكم مختصة بالنظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها (29) . والذي نص على إنشاء محاكم خاصة وهيئات تحكيم تنظر في قضايا موظفي الدولة والقطاع العام والمنظمات المهنية ، وفي الفصل في المنازعات التي تكون الوزارات أو المؤسسات العامة أو القطاع العام طرفاً فيها . لكن هذه المحاكم بقيت لم تفرق بين المنازعات الإدارية والمنازعات المدنية فهي نراها تنظر أي نزاع تكون الإدارة طرفاً فيه دون تحدبد طبيعة هذا النزاع ، ومع استحداث محكمة القضاء الإداري بالقانون رقم (106) لسنة 1989 ، فقد حسم النزاع حول النظر في المنازعات الإدارية بين المحاكم الإدارية والمدنية ، ولكن هذه المحكمة قد اختصت بالنظر في صحة القرارات والأوامر الإدارية دون النظر في منازعات العقود الإدارية مما أدى إلى بقاء الأخيرة تنظر أمام القضاء العادي أو القضاء المدني ، وقد أكدت ذلك محكمة تمييز العراق ، حيث جاء في أحد أحكامها (( لا جناح على المحاكم إذا ما طرح عليها نزاع حول هذه العقود أن تمارس في قضائها مهمة القضاء الإداري ، وان تلزم في قضائها ما جرى به الفقه والقضاء الإداريين ، وما درج عليه من حلول للتوفيق بين المصالح العامة وبين حماية الأفراد وحقوقهم لأن ولاية المحاكم تتسع لجميع المنازعات إلا ما استثني بنص خاص )) (30) . نستدل من ذلك بأن القضاء العادي أو المدني لا زال له الولاية الكاملة في نظر منازعات العقود الإدارية ، وذهبت المحكمة المذكورة في قرار آخر لها إلى أنه : ( تبين أن العقد الذي تبرمه الحكومة مع الشركة المميزة ، هو عقد إداري لأنه يستهدف إدارة مرفق عام من مرافق الدولة ويحتوي على شروط غير مألوفة وتجري فيه الحكومة على أسلوب القانون العام ... )) (31) . حيث نرى فيه إشارة واضحة على معيار الشروط الاستثنائية في تمييز هذا العقد . أن رأينا يتفق مع الاتجاه الذي يعتبر الشروط الاستثنائية هي المعيار الحقيقي الذي يُمَيِّز عقود الإدارة الإدارية ومنها : عقد إجارة خدمات الأشخاص من قبل الإدارة ـ عن العقود المدنية التي تبرمها الإدارة وأن هذا المعيار يركز على فكرة السلطة العامة التي تعتبر الشروط الاستثنائية أحد مظاهرها في مجال العقود الإدارية حيث يكفي لكي يتصف عقد إجارة خدمات الأشخاص من قبل الإدارة بالصفة الإدارية أن ينطوي العقد على شروط استثنائية .
ثانياً : ـ أنواع الشروط الاستثنائية :
1 ـ الشروط التي تتضمن امتيازات للإدارة قبل المتعاقد معها :
إن هذه الشروط تعتبر من أهم الشروط الاستثنائية لأن امتيازات السلطة العامة تظهر فيها بشكل واضح والتي تعتبر غريبة بطبيعتها عن أحكام القانون الخاص لدرجة أن جانباً من الفقه والقضاء الفرنسيين جعلها أساس فكرة الشروط الاستثنائية (32) .ومن الامتيازات التي تتمتع بها الادارة وتعتبر شروطاً استثنائية في العقد امتياز التنفيذ المباشر وامتياز القرار التنفيذي وهذه الامتيازات تستطيع الإدارة بواسطتها أن تنشئ بإرادتها المنفردة حقوقاً أو تفرض التزامات على المتعاقد معها ، كما تستطيع الإدارة تنفيذ الالتزامات التي أشترطها على المتعاقد لصالحها (33) . وتظهر هذه الامتيازات بصورة واضحة عند تنفيذ العقد ومنها : حق الإدارة في اصدار القرارات التنفيذية وحق التدخل في أعمال المتعاقد والحق في التدخل في علاقة المتعاقد مع مستخدميه . وبهذا الخصوص تقول المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 19 مايو سنة 1962 : (( وقد تضمن العقد كما يتضح من مطالعة بنوده شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص وأخرى تنبئ في جملتها عن انصراف نية الإدارة إلى اتباع أسلوب القانون العام والأخذ بأحكامه ووسائله مستخدمة في ذلك الامتيازات والحقوق المقررة لها بوصفها سلطة عامة ومعتمدة في تعاقدها على فكرة السلطة على تمتعها بقسط من سيادة الدولة وسلطانها الأمر الذي يخضع هذه الرابطة التي تتوافر فيها مميزات العقد الإداري وخصائصه لأحكام القانون الإداري )) (34). ان العقود الإدارية ومنها عقد استئجار الإدارة لخدمات الأشخاص تخضع لنظام قانوني يختلف عن النظام القانوني الذي تخضع له العقود المدنية ، هذا النظام الذي يقرر للإدارة سلطات وامتيازات في مواجهة المتعاقد معها لا مثيل لها في عقود الأفراد وذلك ضماناً لحسن سير المرافق العامة بانتظام وحماية للصالح العام ، ومن الشروط الاستثنائية التي يتضمنها العقد المتمثلة في امتيازات السلطة العامة والتي يغلب عليها طابع السلطة العامة ، اضافة لما ذكر سابقاً كحق التنفيذ المباشر ، والحق في تنظيم ساعات العمل بالنسبة للمستخدمين وحقها في تحديد الأجور المقطوعة لهم دون الرجوع الى أي جهة اخرى (35) .
2 ـ الشروط التي تخول المتعاقد سلطات قِبَلْ الغير :
تعتبر من قبيل الشروط التي تخول المتعاقد سلطات قبل الغير تلك التي تمنح للمتعاقد مباشرة بعض امتيازات السلطة العامة قبل الغير أو بحق الأشخاص المستخدمين لدى المتعاقد نيابة عن الإدارة وهذه الأمتيازات غريبة على علاقات القانون الخاص إذ إن الإدارة تتمتع بها لوحدها ، لذلك فأن هذه الشروط تعتبر استثنائية ولا تتحق في عقود الأفراد والتي تحكمها قاعدة نسبية آثار العقود (36) .
ومن أمثلة هذه الشروط في عقود إيجار الخدمات ، أو عقود استئجار الإدارة لخدمات الأشخاص الشروط التي تمنح المتعاقد سلطات تأديبية قبل المستخدمين والعمال (37) .
3 ـ الشروط المرتبطة بمبأدئ القانون العام :
وهي الشروط التي تثير او تردد قاعدة من قواعد القانون العام ، أو قواعد النظرية العامة للعقود الإدارية ، ومن أمثلتها الشروط التي تعطي للمتعاقد مع الإدارة الحق في إعادة توازن العقد إذا أختل توازنه أو تعطي المتعاقد ضمانات ضد تعسف الإدارة ومن امثلة هذه الشروط ، كذلك الشروط المرتبطة بالمصلحة العامة ، وإن العقد إذا تضمن مثل هذه الشروط فإن ذلك يدل على ان الأعتبارات التي سادت العقد هي تحقيق النفع العام (38).
_________________
Pequignot, G : Des Contrats administratifs ,op , Cit , p 17 .- 1
2 - ثروت بدوي ـ النظرية العامة في العقود الإدارية ـ القاهرة ،1963 ، ص62 .
3 - د : أحمد عثمان عياد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الادارية ـ القاهرة ، 73 19 ص28-29 .
4- د : سليمان الطماوي ـ الاسس العامة للعقود الإدارية ـ القاهرة ـ 1965 ـ 1984، ص67 .
5 - د : محمود حلمي ـ العقد الإداري ـ ط 2 ـ 1977 ، ص24 .
6 - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية بتاريخ 9 ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 870 لسنة 5 ق ، أورده : د : محمود حلمي ـ مرجع سابق ـ ص25 .
7 - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية الصادر في 27 يناير سنة 1963 ، المجموعــة ( في خمس سنوات ) رقم 84 ص 164 ، أورده د : احمد عثمان عياد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية ـ مرجع سابق ، ص 53 .
8 - د : علي الفحام ـ سلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري ـ القاهرة ، 1976م: ص 33 .
9 - د : شاب توما منصور ـ القانون الإداري ـ الكتاب الثاني ، ط1 ، 1980 ، ص427 .
10 - د : سعد العلوش ـ نظرية المؤسسة العامة وتطبيقاتها في التشريع العراقي ـ القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1968 ، ص26 .
11 - رقم القرار 2113 ـ حقوقية 1964 المنشور في مجلة قضاء محكمة تمييز العراق المجلد الثالث ، 1969 ، ص126 .
12 - رقم القرار 185 ـ مدنية أولى / 1974 / منشور في النشرة القضائية ، العدد الثالث ، السنة الخامسة ، ص 73 .
13 - د : أحمد عثمان عباد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية ـ مصدر سابق ، ص8 .
14- P eguignot Des contrats administration op.cix , p 16 .
15- د : أحمد عثمان عباد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية ـ مرجع سابق ، ص61 .
16 - د : أحمد عثمان عباد ـ نفس المرجع ـ ص67 .
17- - Waline , Droit administratif , 1957 , p – 499 .
18- د : أحمد عثمان عباد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية ـ مرجع سابق ، ص69 .
19 - د : ثروت بدوي ـ النظرية العامة في العقد الإدارية ـ مرجع سابق ، ص100-104 .
20 - العميد الدكتور : سليمان الطماوي ــ الأسس العامة في العقود الإدارية ـ مرجع سابق ، ص73 .
21 - د : كامل ليلة ـ مبادئ القانون الإداري ـ الكتاب الأول /1968 ، ص77 .
22 - د : علي الفحام ـ سلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري ـ القاهرة ـ 1976 ، ص43 .
23 - د : علي الفحام ـ مرجع سابق ـ ص40 .
24- الأستاذ عبد الرحمن العلام ـ موقف القضاء المدني إزاء العقود الإدارية ـ مجلة ديوان التدوين القانوني ، العدد الثالث ، بغداد ، 1962 ، ص8 .
25 - د : شاب توما منصور ـ القانون الإداري ـ الكتاب الثاني ، ط1 ، 1980 ، ص453 .
26 - د : إبراهيم طه الفياض – العقود الإدارية – النظرية العامة وتطبيقاتها في القانون الكويتي مع شرح قانون المناقصات الكويتي رقم 37 لسنة 1964 - ط1 ، 1981 ، مكتبة الفلاح ، الكويت ، ص61 ، هامش رقم 1 .
27- الأستاذ محمد عبد الله الدليمي ـ سلطة الإدارة في إنهاء عقودها الإدارية ـ رسالة ماجستير ، بغداد ، 1983 ، ص24 .
28- المنشور في الوقائع العراقية العدد 2619 في 7/11/1977 .
29- ينظر قانون إصلاح النظام القانوني ، ص 59 ـ 60 .
30- قرار محكمة تمييز العراق رقم 1584 / م / 1966 في 24/1/1966 . أورده الأستاذ محمد عبد الله الدليمي ـ سلطة الإدارة في إنهاء عقودها الإدارية ـ رسالة ماجستير ، بغداد ، 1983 ، ص 28 ـ 29 ، هامش رقم 1 .
31- قرار محكمة التميز برقم 158 / م / 1966 المنشور في مجلة ديوان التدوين القانوني / العدد الثاني ، لسنة 1969 ، ص 208 .
32- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 2 أبريل سنة 1952 ، مجموعة أحكام مجلس الدولة ، ص 203 . والذي قرر فيه ( أن العقد محل الدعوى لا يعتبر إدارياً لأنه لم يتضمن أي شرط يعطي للإدارة امتيازاً خارجاً على القانون الخاص ) .
33- د : أحمد عثمان عياد ـ مصدر سابق ، ص77 .
34- حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 19مايو سنة ، 1962 ، المجموعة س ، 7 : ص 890 . أورده الدكتور محمود حلمي ـ العقد الإداري ـ دار الفكر العربي ، ط2 ، 1977: ص 26 .
35- الاستاذ محمد عبد الله الدليمي ـ سلطة الادارة في إنهاء عقودها الإدارية ـ مرجع سابق : ص 21 . والأستاذ عبد الرحمن العلام ـ موقف القضاء المدني إزاء العقود الإدارية ـ مجلة ديوان التدوين القانوني ، العدد الثالث ، بغداد ، 1962: ص 11 .
36- De Laubadere : Traite theoriqueet pratique des contrats administratifs , paris , 1950 , P . 96 et 97 .
37 - حكم ( دي مسترال ) الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في 30 يوليو سنة 1925 ، أورده الدكتور احمد عثمان عياد ـ مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية ـ مرجع سابق ، ص 83 ـ هامش ( 4 ) .
38- الأستاذ : محمد عبد الله الدليمي ـ سلطة الإدارة في إنهاء عقودها الإدارية ـ مرجع سابق ، ص 23 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|