أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2019
2627
التاريخ: 18-7-2019
1929
التاريخ: 16-11-2018
1636
التاريخ: 20-5-2021
2427
|
غزوة بني النضير:
لما دخل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) المدينة صالحه بنو النضير كبقيّة اليهود على أن لا يقاتلوه، ولا يقاتلوا معه، فقبل ذلك منهم.
فلما غزا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بدراً وظهر على المشركين قالوا: واللّه انه للنبيّ الذي وجدنا نعته في التوراة لا تردّ له راية، فلما غزا اُحد وانهزم المسلمون ارتابوا ونقضوا العهد وأتوا قريشاً وحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد (صلى الله عليه وآله)، فنزل جبرئيل وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بالخبر.
ولكي يظهر النبي (صلى الله عليه وآله) نوايا بني النضير العدوانية التي أضمروها للمسلمين، ويكشف واقعهم السيّء للرأي العام، خرج (صلى الله عليه وآله) إليهم يوم السبت في شهر ربيع الأول وصلى في مسجد قبا ومعه نفر من أصحابه دون العشرة، ثم أتاهم فكلّمهم أن يقرضوه في دية بعض القتلى ـ وكان الاستقراض جارياً بينهم ـ فقالوا: نقرضك ما أحببت.
ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال. وكان (صلى الله عليه وآله) إلى جنب جدار من بيوتهم.
فقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه؟
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش، فقال: أنا لذلك.
فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا، واللّه ليخبرنّ بما هممتم به، وانه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
فجاء جبرئيل وأخبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الخبر، فخرج راجعاً إلى المدينة، وذلك بعد أن أوصى علياً (عليه السلام) بأن لا يبرح من مكانه، وأن يخبر من سأله عنه من أصحابه بتوجّهه إلى المدينة، ففعل ذلك، ثم لحقوا به فقالوا: قمت يا رسول اللّه ولم نشعر.
فقال: همّت اليهود بالغدر فأخبرني اللّه بذلك فقمت.
ثم أرسل (صلى الله عليه وآله) إليهم من يأمرهم بالجلاء من منازلهم، وكانت منازلهم بناحية الفرع وما والاها بقرية يقال لها: زهرة، وأمهلهم عشرة أيام.
فوصل الخبر إلى ابن اُبي فأرسل إليهم من ينهاهم عن الخروج ويعدهم نصرة قومه لهم، وامداد قريظة وحلفاءهم من غطفان، فطمعوا في ذلك.
فخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فصلّى العصر بفناء بني النضير وعلي (عليه السلام) يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن اُمّ مكتوم.
فلما رأوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة، فاعتزلتهم قريظة، وخفرهم ابن اُبيّ، فحاصرهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إحدى وعشرين ليلة، وقذف اللّه الرعب في قلوبهم فعزموا على الخروج من المدينة من دون قتال.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): اُخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة وهي السلاح.
فخرجوا بالنساء والصبيان يزمّرون ويضربون بالدفوف، وتحمّلوا على ستمائة بعير حتى ان الرجل منهم يقلع باب بيته ويضعه على بعيره، ثم يخربون بيوتهم بأيديهم ويخرجون، فمنهم من صار إلى خيبر، ومنهم من صار إلى الشام، ومنهم من صار إلى الحيرة.
أموال بني النضير:
وقبض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) السلاح والأموال صافية له، لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وانما قذف اللّه في قلوبهم الرعب، فسلّموا بدون قتال ولا اراقة دماء، فكان ممّا أفاءه اللّه على رسوله.
فدعى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حينئذ الأنصار كلها الأوس والخزرج، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وانزالهم إيّاهم في منازلهم، واثرتهم على أنفسهم، ثم قال (صلى الله عليه وآله): ان أحببتم قسّمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء اللّه عليّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم.
فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول اللّه بل تقسّمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا.
ونادت الأنصار: رضينا وسلّمنا يا رسول اللّه.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): (اللّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار) وقسّم ما أفاء اللّه عليه بين المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين من الأنصار كانا محتاجين، ووسّع (صلى الله عليه وآله) في الناس في أموال بني النضير، وأنزل اللّه تعالى في قصة بني النضير سورة الحشر، ومدح الأنصار ـ على رواية ـ بقوله: (ويؤثرون على أنفسهم)(1).
وفي مجمع البيان عن أبي هريرة: ان الآية نزلت في شأن علي (عليه السلام) وفاطمة(عليها السلام) في ضيافة كانت لهما قد آثرا ضيفهما على أنفسهما.
وفي هذه الغزوة أبلى علي (عليه السلام) بلاءاً حسناً حيث قتل اليهود العشرة بقيادة رئيسهم عازورا الذين خرجوا من الحصن في ظلام الليل لعمليات تخريبية واغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) وكفى اللّه المؤمنين به شرهم، وفيه يقول حسّان بن ثابت:
اللّه أيّ كريهة أبليتها ببني نضير والنفوس تطلّع
أردى رئيسهم وآب بتسعة طوراً يشلّهم وطوراً يدفع
من أسلم من بني النضير:
ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير، وهو ابن عم عمرو بن جحاش الذي انتدب لإلقاء الصخرة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وأبو سعد بن وهب.
أسلما على أموالهما، واحرازها، وحسن اسلامهما، حتى أن يامين على ما قيل: جعل لرجل جعلاً على أن يقتل له ابن عمه عمرو بن جحاش على ما أراده من اغتيال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ففعل الرجل ذلك.
غزوة بني لحيان:
ثم كانت بعد غزوة بني النضير غزوة بني لحيان، فقد خرج اليهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يطلب بأصحاب الرجيع الذين غدر بهم بنو لحيان وقتلوهم عن آخرهم.
وأظهر (صلى الله عليه وآله) عند خروجه إليهم انه يريد الشام ليصيب من القوم غرة يفاجئهم بها فيستسلموا من دون حرب فيقل القتل وسفك الدماء، ولذلك خرج (صلى الله عليه وآله) وأخذ في السير حتى نزل على منازل بني لحيان بين أمَج وعسفان، فوجدهم قد حذروا وتمنّعوا في رؤوس الجبال، فتركهم.
عندها قال المسلمون: لو انا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة انا قد جئنا مكة، فسار (صلى الله عليه وآله) وهو في مائتي راكب حتى نزل عسفان تخويفاً لمشركي مكة، وجاز على قبر اُمه فزارها، وأرسل فارسين من الصحابة حتى بلغا كراع الغميم، ثم عادَ ولم يلق حرباً.
غزوة ذات الرقاع:
وبعد مضي شهرين من غزوة بني النضير(2) كانت غزوة ذات الرقاع، وسمّيت ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم.
وقيل: لأنهم كانوا بقرب جبل فيه بقعُ بياض وسواد وحمرة.
وقيل: لأن أقدامهم نقبت فيها، فكانوا يلفّون على أقدامهم الخِرق.
وقيل: لوقوع صلاة الخوف فيها وصلاة الخوف ترقيع للصلاة.
وكان سببها: ان قادماً قدم المدينة بمتاع له، فأخبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأن انماراً وثعلبة قد جمّعوا له الجموع يريدون اجتياح المدينة.
فخرج (صلى الله عليه وآله) اليهم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة رجل، وقيل: في سبعمائة، وقيل: في ثمانمائة من أصحابه، فسار حتى نزل في محالّهم بذات الرقاع وهي جبل، فلقي المشركين ولم يقع بينهم حرب، ولكن خاف المسلمون أن يُغير المشركون عليهم، فنزلت صلاة الخوف، فصلّى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه صلاة الخوف، وكان أول ما صلاّها.
كرم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وحلمه:
ونزل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل من المشركين، فقال لقومه: أنا أقتل محمداً فجاء وشدّ على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالسيف وقال: من ينجيك منّي؟
فقال (صلى الله عليه وآله) : ربّي وربّك، فنسفه جبرئيل عن فرسه فسقط، فقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأخذ السيف وجلس على صدره وقال: من ينجيك منّي؟
قال: جودك وكرمك، فتركه (صلى الله عليه وآله)، وقام الرجل فجاء إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس، فأسلم بسببه جماعة.
وفي رواية : انه عندما جلس (صلى الله عليه وآله) على صدره قال له: تشهد أن لا إله إلا اللّه واني رسول اللّه؟ فقال الرجل: اعاهدك أن لا اُقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى (صلى الله عليه وآله) سبيله، فجاء الرجل إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس...
ثبات وصمود:
ثم انصرف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه راجعاً إلى المدينة، وذلك بعد أن أصابوا بعض الغنائم، وفي الطريق باتوا في فم شعب، فانتدب عباد بن بشير وعمار بن ياسر للحراسة يتناوبانها بينهما.
فنام عمّار وقام عباد للحراسة واشتغل بالصلاة، وفي الأثناء جاء رجل من الأعداء وهو يريد اصابة شيء أو اراقة دم، فلما رأى طليعتهم عباد أخذ يرميه بالسهم تلو الآخر وعباد صامد لا يتحرك حتى إذا غلبه الدم ركع وسجد وأتمّ صلاته ثم أيقظ صاحبه وأخبره الخبر.
فقال له عمار: ألا أخبرتني أول ما رماك!
قال : كنت في سورة أقرؤها فلم اُحب أن أقطعها، وأيم اللّه لولا خوفي أن اُضيّع ثغراً أمرني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها.
تفقّد الرسول (صلى الله عليه وآله) أصحابه:
وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يسير في مؤخّر القوم ليسعف الضعيف منهم، ويحمل معه من قعد به مركبه وعجز به عن حمله، وفي هذه المرّة وفي طريق العودة من ذات الرقاع التقى بجابر بن عبداللّه الأنصاري وقد تخلّف عن القوم فقال له:
ما لك يا جابر؟
قال جابر وهو يشير إلى جمله: أبطأ بي هذا.
فدنى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى الجمل، ومسح يده عليه فقوى الجمل وأخذ يواهق ناقته مواقهة، ثم قال لجابر: يا جابر أتبيعني جملك هذا؟
قال: بل أهبه لك يا رسول اللّه.
قال (صلى الله عليه وآله) : لا، ولكن بعنيه.
قال : اذن فساوِمني عليه يا رسول اللّه.
قال (صلى الله عليه وآله): قد أخذته بدرهم.
قال: إذن تغبنني يا رسول اللّه.
قال (صلى الله عليه وآله): فبدرهمين.
قال جابر: لا.
فلم يزل يرفع له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في ثمنه حتى بلغ الأوقية. فقال (صلى الله عليه وآله): أرضيت يا جابر؟
قال جابر: نعم رضيت يا رسول اللّه فهو لك.
قال (صلى الله عليه وآله): قد أخذته ولك ظهره إلى المدينة.
ثم قال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): هل تزوّجت يا جابر؟
قال: نعم يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
قال (صلى الله عليه وآله): ثيّباً أم بكراً؟
قال: بل ثيّباً، فابتسم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: أفلا جارية؟
قال جابر وقد تنفّس الصعداء: يا رسول اللّه إنّ أبي اُصيب يوم اُحد وترك سبع بنات فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن وتقوم عليهنّ.
وهنا تأثّر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر على قسمات وجهه الشريف آثاره وقال مستحسناً عمل جابر: أحسنت وأصبت يا جابر.
ثم سأله عن دَين أبيه فأخبره. فقال (صلى الله عليه وآله) له: إذا دخلت المدينة وأردت أن تجذّ نخلك وتأخذ تمرها فأخبرني.
قال جابر: فدخلت المدينة وحدثت زوجتي الحديث وما قال لي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). فقالت مستبشرة: فدونك، سمع وطاعة.
قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل حتى أنخته على باب المسجد، ثم جلست في المسجد قريباً منه، فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد فرأى الجمل فقال: ما هذا؟
قالوا: يا رسول اللّه هذا جمل جابر.
قال (صلى الله عليه وآله): وأين جابر هو؟ فدُعي له، فلما مثل بين يديه قال (صلى الله عليه وآله) له: ياابن أخي خذ برأس جملك فهو لك، ثم دعا بلالاً وقال له: اذهب بجابر فأعطيه اوقية.
قال جابر : فذهبت معه فأعطاني اوقية وزادني.
اللّه أرحم بكم:
ومما يذكر وقوعه في غزوة ذات الرقاع : انّ رجلاً جاء وفي يده فرخ طائر حتى إذا وصل إليهم رأوا انّ أبوي هذا الفرخ يرفرفان فوق رأسه، فلما استقرّ الرجل بينهم طرحا أنفسهما على فرخهما ولم يعبئا بالخطر شفقة ورحمة بفرخهما، فتعجّب الناس من ذلك.
فالتفت إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: أتعجبون من هذا الطائر، أخذتم فرخه، فطرح نفسه رحمة بفرخه؟ واللّه لربّكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه. ثم التفت (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك إلى الرجل وأمره بإطلاقه.
غزوة بدر الأخيرة:
ولما قدم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من غزوة ذات الرقاع إلى المدينة أقام بها جمادى الاُولى إلى آخر رجب، ثم خرج في شعبان وقيل: أقام بها إلى آخر شوّال، ثم خرج في هلال ذي القعدة في السنة الرابعة من الهجرة النبوية المباركة إلى بدر لميعاد أبي سفيان.
وذلك انّ أبا سفيان قال يوم اُحد عند انصرافه منهزماً إلى مكة: الموعد بيننا وبينكم بدر العام القابل.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قل: نعم، هو بيننا وبينكم موعد.
فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وحمل لوائه علي (عليه السلام) وسار معه ألف وخمسمائة من أصحابه، والخيل عشرة أفراس، وذلك بعد أن استعمل على المدينة عبداللّه بن رواحة.
فلما وصلوا إلى بدر الصغرى ـ وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام ـ أقاموا عليها ينتظرون أبا سفيان.
وخرج أبو سفيان من مكّة ومعه ألفان وخمسون فرساً حتى نزل مجنّة من ناحية مرّ الظهران ثم بدا له الرجوع، فبعث من يثبّط المسلمين عن الخروج إليهم ووعده على ذلك عشرة من الإبل يضعها له على يدي سهيل بن عمرو إن هو فعل ذلك.
ثم التفت أبو سفيان إلى مَن معه وقال: يا معشر قريش انه لا يصلحكم إلا عام خصب، وإن عامكم هذا عام جدب، واني راجع فارجعوا، فرجع ورجع من كان معه.
فسمّاهم أهل مكة: جيش السويق يقولون: انما خرجتم تشربون السويق.
وأقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأصحابه ببدر ثمانية أيام لم يلقوا فيها أحداً من المشركين، ووافقوا السوق وكانت لهم تجارات فباعوها وأصابوا الدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
مع أشجع وبني ضمرة:
وفي الطريق مرّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ومعه أصحابه قريباً من بلاد أشجع وبني ضمرة، وكان قد هادن بني ضمرة ووادعهم من قبل.
فقال أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): يا رسول اللّه هذه بنو ضمرة قريباً منّا، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة، أو يعينوا علينا قريشاً، فلو بدأنا بهم؟
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): كلا انهم أبرّ العرب بالوالدين، وأوصلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد.
وكانت (أشجع) بلادهم قريباً من بلاد بني ضمرة وهم بطن من كنانة، وكان بين أشجع وبني ضمرة حلف في المراعاة والأمان، فاُجدبت بلاد أشجع، واُخصبت بلاد بني ضمرة، فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة، فكان محالّها البيضاء والجبل والمستباح، وبذلك كانوا قد قربوا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فهابوا لقربهم منه وخطرهم عليه، أن يبعث إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من يغزوهم.
كما انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) خافهم بسبب قربهم أن يصيبوا من أطرافه شيئاً، فهمّ بالمسير إليهم، فبينا هو على ذلك، إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رخيلة وهم سبعمائة فنزلوا شعب سلع، عندها دعى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) اُسيد بن حضير وقال له: اذهب أنت ونفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع؟
فخرج اسيد ومعه ثلاثة من أصحابه، فوقف عليهم وقال: ما أقدمكم؟
فقام إليه رئيس أشجع مسعود بن رخيلة فسلّم على اسيد وعلى أصحابه وقال: جئنا لنوادع محمداً، فرجع اسيد إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأخبره بالخبر.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم، ثم بعث إليهم بعشرة أحمال تمر فقدّمها أمامه ثم قال: (نعم الشيء الهدية أمام الحاجة) ثم أتاهم (صلى الله عليه وآله) فقال: يا معشر أشجع ما أقدمكم؟
قالوا : قربت دارنا منك، وليس في قومنا أقلّ عدداً منّا، فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومنا لقلّتنا فيهم، فجئنا لنوادعك.
فقبل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك منهم ووادعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم، وفيهم نزلت هذه الآية: { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ } [النساء: 90] (3).
غزوة دومة الجندل:
و(دومة الجندل) مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال، وبعدها من المدينة خمس عشرة ليلة أو ست عشرة.
وكان سببها أنه بلغه (صلى الله عليه وآله) أن بها جمعاً كثيراً يظلمون من مرّ بهم، من المسافرين والتجّار، وانهم يريدون الإغارة على المدينة، فخرج لخمس ليال بقين من ربيع سنة خمس للهجرة النبوية المباركة، وذلك في ألف من أصحابه، فكان يسير الليل ويكمن النهار، حتى إذا دنا من دومة الجندل بلغ أهلها خبره فتفرّقوا من فورهم.
فنزل (صلى الله عليه وآله) بساحتهم فلم يلق بها أحداً، فأقام بها أياماً، وبث السرايا وفرقها، فرجعوا بعد يوم ولم يصادفوا منهم أحداً.
ثم عاد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ولم يلق كيداً. وكان ذلك تمهيداً لما حدث بعد ذلك من فتح الشام.
________
1 ـ الحشر : 9.
2 ـ وقيل : بعد فتح بني قريضة.
3 ـ النساء : 90.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|