أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2016
3577
التاريخ: 26-1-2017
1806
التاريخ: 2024-08-14
417
التاريخ: 14-1-2017
1944
|
لم يكن للبدو قانون منظم مكتوب، بل كانت لهم تقاليد بسيطة واضحة يتمسكون بها اشد التمسك، ومفعولها يقتصر على العشيرة ولا يتعداه الى العشائر الأخرى، وهي تقاليد على بساطتها صلبة جامدة ويصعب تغييرها، اذ ان العربي بطبيعته محافظ على سنن آبائه لا يميل لتغييرها. وقد لقي الرسول (صلى الله عليه وآله) مقاومات شديدة عندما كان يريد تغيير سنتهم، وتجد صدق ذلك في القرآن الكريم حيث يذكر في آيات كثيرة بمعرض الذم والسخرية :
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) } [الزخرف: 22]
ولما لم تكن هناك سلطة تنفيذية تقتص للفرد او تنزل العقاب بالجاني، فقد كان يترك للمجني عليه ان يقتص لنفسه، وقد تعاونه العشيرة في ذلك. الا ان الجرم كان يعتبر دائما حقا خاصا وليس هناك حق عام. فاذا اعفى المجني عليه لم يكن على الجاني أي عقاب.
والفكرة الأساسية في القانون الجنائي هو القصاص والمقابلة بالمثل. فاذا جرح شخص شخصا اخر كان للمجني عليه ان يطلب جرح الجاني او قطع عضو منه، جريا على مبدأ العين بالعين والسن بالسن؛ او قد يطلب تعويضا عن الجرح يتناسب مع الجرح، او القطع، وأثره؛ ذلك ان أساس العقاب هو التعويض عن الخسارة التي ألحقت بالمجني عليه. وقد اتبع هذا المبدأ بالجنايات والجراحات في الإسلام. اما في حالة القتل، فانه اذا قتل شخص شخصا اخر من عشيرته، فان القبيلة تخلعه وتقصيه عنها، فيغادرها ويصبح خليعا او طريداً(1)، ويضطر الى ان يصير صعلوكا(2) سارقا قاطع طريق، او قد يلجأ الى الأماكن المقدسة ليعيش في امن حرمها، او الى قبيلة يحالف رجالا فيها. والواقع ان عددا غير قليل من الحلفاء كانوا من هؤلاء الخلعاء.
واذا قتل رجل رجلا من غير قبيلته، فان قبيلة المقتول ترى من واجبها ان تثأر له، وتقتص من القاتل دون تمييز بين القتل العمد او غير العمد. ولكن قبيلة القاتل عادة لا تسلمه بل تحميه، الأمر الذي قد يسبب توتر العلاقات، بل اشتعال الحرب بين القبيلتين. ولكن قد ينتهي الأمر بالسلم، فيدفع مبلغا من المال دية لعشيرة المقتول. وتختلف الدية باختلاف مكانة القاتل او المقتول، وحدها الاقصى الف بعير، وهي التي تدعى دية الملوك. ولما لم يكن هناك تدقيق واضح في مقدار الدية، فانه قد يحدث خلاف، اذ قد تغالي عشيرة المقتول بقتل القاتل، او من يعدله مكانة، الأمر الذي لا يحسم. فعندما قتل جساس كليبا أرسل التغلبيون رجالا منهم الى بني شيبان فاتوا مرة بن شيبان وهو في نادي قومه (فقالوا له انكم اتيتم عظيما بقتلكم كليبا وقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة؛ وانا نعرض عليك خلالا اربعا لكم فيها مخرج ولنا فيها مقنع. اما ان تحيي لنا كليبا او تدفع الينا قاتله جساسا فنقتله به، او هماما، فانه كفء له، او تمكننا من نفسك، فان فيك وفاء لدمه. فقال لهم اما احيائي كليبا فلست قادر عليه؛ واما دفعي جساسا اليكم، فانه غلام طعن على عجل وركب فرسه فلا أدري أي بلاد قصد؛ واما همام، فانه أبو عشرة واخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان فلن يسلموه بجريرة غيره؛ واما انا، فما هو الا ان تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل فما اتعجل الموت، ولكن لكم عندي خصلتان، احداهما : فهؤلاء ابنائي الباقون، فخذوا ايهم شئتم فاقتلوه بصاحبكم؛ واما الأخرى فاني ادفع اليكم الف ناقة سود الحدق حمر الوبر، فغضب القوم وقالوا قد أسأت ببذل هؤلاء وتسومنا اللبن من دم كليب)(3).
وكثيرا ما يلجأ في مثل هذه الحالات من الخلاف الى الحكم او العارف(4) ممن عرفوا بالاتزان واصالة الراي والتمييز. وقد يلجأون الى الكهان، وليس من الضروري ان يكونوا شيوخ عشائر، او ذوي مراكز سامية؛ ولكنهم يصدرون قراراتهم بعد دراسة الوضع، ورأيهم استشاري، فليست لهم سلطات او قوة تلزم الفريقين بطاعته وتنفيذه، اذا لم يريدا من تلقاء انفسهما الرضوخ. فهؤلاء الحكام اذا ليسوا قضاة بالمعنى المفهوم الان.
عدل الإسلام من هذه النظم فقنن الدية وجعلها ثابتة معينة يستوي في مقدارها الجميع، لا فرق بين فرد وآخر. كما جعل تنفيذها بيد السلطة العليا، أي بيد الدولة، فلا يجوز للفرد ان يقتص بنفسه، وقد أبقى الإسلام المسؤولية المشتركة، فأوجب ان تشترك القبيلة في دفع دية القتل غير العمد (5)؛ وبذلك منع الثأر، وما يجره من مشاكل وويلات.
اما في حالة السرقة، فان على من سرق منه شيء ان يفتش عن المسروق. والعادة ان البدوي لا يرى في السرقة ما يناقض المروءة؛ لذا قلما يظهر ما سرقه؛ ولكن الرجل المسروق يستطيع ان يعلن اللعنة على السارق، اذ ان البدوي يخشى اللعان ويخاف شرها، والغالب انه يعيد الشيء المسروق.
اما الوراثة، فان العادة ان الرجال وحدها ترث. اما البنات، فلا يرثن. ويقتسم الارث بين البنين بالتساوي، وللرجل حق الوصية والهبة. وقد قرر الإسلام انه {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} [النساء: 7]؛ وان للذكر مثل حظ الانثيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاغاني : ج13 ص2؛ العقد الفريد : ج2 ص72. وقد يخلع الفرد لسوء سلوكه انظر البخاري : التاريخ الكبير ج1 قسم2 ص87؛ ابن قتيبة : المعاني الكبير ج1 ص208؛ الاغاني : ج8 ص52 – 53؛ ج19 ص75؛ الجاحظ : الحيوان ج1 ص76؛ البكري : ص531.
(2) الاغاني : ج13 ص2؛ وانظر أيضاً احمد امين : الصعلكة والفتوة عند العرب.
(3) ابن الاثير : الكامل في التاريخ ج1 ص218. ويروي ابن هشام عن رجل من بني الديل انه (كان بنو الأسود بن رزن يؤدون في الجاهلية ديتين، وتؤدى دية دية لفضلهم فينا)، ابن هشام : سيرة النبي ج4 ص4.
(4) انظر ص101.
(5) انظر كتابي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ص35.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|