أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016
2370
التاريخ: 15-1-2017
1801
التاريخ: 6-2-2017
11754
التاريخ: 9-9-2018
2650
|
العرب والعبرانيين:
لم تذكر التوراة "العرب" في مواليد بني نوح: سام، وحام، ويافث. ولكنها ذكرت أسماء قبائل لا شك في أصلها العربي، وفي سكناها في جزيرة العرب. وهذا يؤيد ما ذهبت إليه من أن كلمة "العرب" لم تكن تعني قومية خاصة، ولم تكن تؤدي معنى العلمية، و إنما ترادف "الأعراب والبدو، أي سكان البادية، ولهذا لم تذكر في جدول الأنساب، وذكرت في مواضع أخرى من التوراة، لها علاقة بالبادية والتبدي والأعرابية. والا لم تسكت عن ذكر العرب بين الشعوب المصنفة في الجدول المذكور، وقد كان العرب يجاورون العبرانيين وكانوا على اتصال بهم دائم، فكان ينبغي ذكرهم في ذلك الجدل، لو كانت هذه التسمية تعني العلمية في الأصل، وتعني جميع سكان جزيرة العرب من حضر وبدو. إما وهي لم تكن تعني إلا قسماً من العرب، وهم الأعراب أي حالة خاصة من الحالات الاجتماعية، فلذلك لم تذكر، ومن ذكر في الجدول كلهم حضر مقيمون يعرفون بأسمائهم، وهم معروفون، أو قبائل أعرابية عرف العبرانيون أسماءها فذكروها، فمن طبع العبرانيين إطلاق لفظة "العرب" على الأعراب الذين لا يعرفون أسماءهم وعلى البدو عامة دون تخصيص.
والبدو هم طبقة عاشت عيشة خاصة، ولم تكن قبيلة واحدة أو قبائل معينة محدودة يمكن حصرها وإرجاعها إلى نسب واحد، على نحو ما نفهم من كنعانيين وفينيقيين، ثم إن الأعراب لم يكونوا ينتسبون إلى جدّ واحد ولا إلى أب معين، لذلك لم تدخلهم التوراة في عداد الشعوب.
وقد ذهب جماعة من المستشرقين إلى إن العبرانيين هم قوم أصلهم من جزيرة العرب، هاجروا منها وارتحلوا عنها على طريقة الأعراب والقبائل المعروفة نحو الشمال. وجزيرة العرب لذلك هي الوطن الأم الذي ولد فيه العبرانيون. ودليلهم على ذلك هو الشبه الكبير بين حياة العبرانيين وحياة الأعراب، وان ما ورد في التوراة وفي القصص الإسرائيلي عن حياة العبرانيين، ينطبق على طريقة الحياة عند العرب أيضاً، ثم إن أصول الديانة العبرانية القديمة وأسسها ترجع إلى أصول عربية قديمة. أضف إلى ذلك إن العرب والإسرائيليين ساميون، وجزيرة العرب هي مهد الجنس السامي، فالعبرانيون على رأيهم هم من جزيرة العرب، وهم جماعة من العرب إذن إن صحت هذه التسمية، بطرت على أمها وعاقتها وهربت منها إلى الشمال.
و إذا جارينا التوراة في قولها بالأنساب، نرى أن العرب والعبرانيين هم على رأيها من أصل واحد، هو سام بن نوح، ونرى أيضاً إنها تعترف ضمنا بقدم "اليقطانيين"، أي القحطانيين على الإسرائيليين. فاليقطانيون هم أبناء يقطان ابن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام. وعلى ذلك فهم أقدم عهداً من بني إسرائيل، وأعرق حضارة ومدنية منهم، ولا سيما إذا ما عرفنا أن كلمة "عبري" على رأي كثير من العلماء تعني التحول والتنقل، أي البداوة، أي انهم كانوا بدواً أعراباً "يتنقلون في البادية قبل مجيئهم إلى فلسطين واستقرارهم بها وتحضرهم، على حين كان القحطانيون متحضرين مستقرين أصحاب مدن وحضارة. كذلك جعلت التوراة الفرع العربي الآخر الذي وضعته في قائمة أبناء "كورش" أقدم عهداً من الإسرائيليين.
لقد كان العرب ، بدواً وحضراً على اتصال بالعبرانيين، فأينما عاش العبرانيون عاشوا مع العرب. ولعل هذا الاتصال هو الذي حمل نسّابيهم على عدّ العرب ذوي قربى لليهود، ومن ذوي رحمهم. وكان العرب حتى في أيام تكوين العبرانيين حكومة في فلسطين يؤثرون تأثيراً خطيراً في الوضع السياسي هناك. وقد كانوا يقطنون بكثرة في الأقسام الشرقية والجنوبية من فلسطين وفي طور سيناء وغزة. بل وكانوا يقطنون في القدس كذلك.
ومن علماء التوراة من يرى أن "أيوب"، صاحب السفر المسمى باسمه، أي "سفر أيوب" وهو من أسفار التوراة، هو رجل عربي، إذ كانت كل الدلائل الواردة في سفره تدل على إنه من العرب، فقد كان من أرض "عوص" Uz"" و "عوص" وإن اختلف العلماء في مكانها، فالراجح عندهم إنها في بلاد العرب في "نجد"، أو في بلاد الشام في "حوران"، أو في "اللجاة"، أو على حدود "ادوم" "Idumaea"، أو في العربية الغربية في شمال غربي "المدينة". ويرى بعضهم إنه كان يسكن في شرق فلسطين أو في جنوب شرقيها، أي في جزيرة العرب، أو في بادية الشام.
وسبب هذا الخلاف، هو أن التوراة لم تحدد مكان ارض "عوص"، فبينما نرى أن سفر "أيوب" يتحدث عن هجوم "أهل سبأ" على ملك "أيوب" واستياق بقر كانت له تحرث الأرض وأتن ترعى، مما يشعر أن أرض "أيوب" التي هي "عوص"، كانت على مقربة من السبئيين. نرى هذا السفر يذكر. بعد آية واحدة هجوم ثلاث فرق من الكلدانيين على ابل "أيوب"، مما يجعلنا نتصور أن أرض "عوص" كانت على مقربة من الكلدانيين، أي في البادية. القريبة من الفرات،. والرأي عندي أن "أيوب" كان رجلا غنياً يملك ابلاً وبقراً وأتناً، وأملاكاً، وربما كان سيد قبيلة، وله رعاة يتنقلون بماشيته في بادية الشام ما بين العراق وفلسطين وأعالي الحجاز، فأغار "أهل سبأ" على بقر له كانت تحرث أرضه وعلى أتن كانت ترعى في أرضه، وأخذوها من رعاته وحرّاسه.
وهؤلاء السبئيون، هم من السبئيين النازحين إلى الشمال والساكنين في أعالي الحجاز وفي الأردن. فالغارة كانت في هذه المنطقة. أما غارة الكلدانيين فكانت في العراق على مقربة من أرض الكلدان، وذلك لأن رعاة إبله كانوا قد تنقلوا إلى هناك على عادة الأعراب حتى اليوم في التنقل بإبلهم من مكان إلى مكان طلبا للماء والكلأ، فاستولى الكلدانيون عليها وأخذوها، ولا علاقة لهاتين الغارتين بموطن أيوب.
وقد ذكر في سفر "أيوب" إنه "كانت قنيته سبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف من الإبل وخمس مئة فدان بقر وخمس مئة أتان. وله عبيد كثيرون جداً، وكان ذلك الرجل أعظم أبناء المشرق جميعاً". وتدل هذه الأرقام والأوصاف المذكورة لثروته إنه كان من أعاظم الأغنياء في أيامه، وأنه كان من "أبناء الشرق"، هي ترجمة لجملة "بني قيديم" "Bene Kedem" العبرانية، وليس في التوراة تحديد لمكان "بني قيديم" "بني قديم"، ولا تعريف لهم، ولكن التسمية العبرانية هذه، تشير إلى أن المراد منها من كان يقيم في شرق العبرانيين ولا سيما في البادية الواقعة شرق فلسطين. فهم إذن في نطر لعبرانيين، الساكنون في شرقهم. ولما كان أيوب من "بني قيديم"، ومن أرض "عوص"، فيجب أن تكون أرض "عوص" في البادية في شرق فلسطين، أي في منازل "بني قديم" الممتدة إلى العراق، وهي مواطن الأعراب. وقد عرف واشتهر بعض "بني قيديم" بالحكمة عند العبرانيين.
ويستبدل من يقول بعروبة "أيوب" بالأثر العربي البارز على "سفر أيوب". ومن قدماء من قال بوجود أثر للعروبة في سفره، العالم اليهودي "ابن عزرا" "بن عزرة" "Idn Ezra" "Ben ezra" من رجال القرن الثاني عشر. وقصد تبعه في ذلك جماعة من الباحثين الذين وجدوا في الكلمات والتعابير والأسماء الواردة في ذلك السفر ما يشر إلى وجود أثر عربي عليه، حتى ذهب بعضهم إلى أن(%63) ذلك السفر هو ترجمة لأصل عربي مفقود.
وفي أثناء حديث التوراة عن أيام "داوود" وملكه، أشارت إلى رجل كان من شجعانه وأبطاله الذين تباهى بهم وافتخر، دعته "أبيل" العربي "Abiel" وكان من أهل "بيت عرابة" "بيت عربة" "Beth-Arabah" في تيه " "يهودا". ويدل لقبه هذا والموضع المذكور إنه كان من العرب، وأشارت إلى رجل آخر، ذكرت إنه كان على جمال "داوود"، دعته ب "أوبيل الإسماعيلي" "Obil"، فهو من العرب الإسماعيليين. ولا يستبعد أن يكون هذا الرجل من وجوه الأعراب، ولذلك أوكل إليه أمر إبله، وهي حرفة من صميم عمل أبناء البادية.
وقد أشر في سفر "يوئيل" إلى السبئيين، فورد فيه: "ها أنا ذا أنهضتهم من الموضع الذي بعتموهم إليه، وأرد عملكم على رؤوسكم، وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم السبئيين لأمة بعيدة، لأن الرب قد تكلم". وقد ورد هذا التهديد لأن الصوريين والصيدونيين وجميع دائرة فلسطين كانوا قد استولوا على فضة الهيكل في "أورشليم" وذهبه ونفائسه، وباعوا "بني يهوذا" و "بني أورشليم" لبني "ياوان"6 أي اليونان. فورد هذا التهديد على لسان "يهوه" إلهَ إسرائيل متوعداً أولئك الذين نهبوا الهيكل وأسروا "بني يهوذا" و "بني أورشليم"، أي سكان القدس، وباعوهم لليونان، بمصير سيئ، وبانتقام الرب منهم، وبقرب ورود يوم، يبيع فيه "أبناء يهوذا"، أي العبرانيين أبناء المذكورين إلى السبئيين.
وتدل جملة "للسبئيين، لأمة بعيدة" على إن السبئيين المذكورين كانوا يسكنون في منازل بعيدة عن العبرانيين. ويظهر إنها قصدت السبئيين أهل اليمن، فهم بعيدون عن فلسطين. وكان تجار سبأ يأتون أسواق اليهود لشراء ما فيها من بضاعة بشربة لاستخدامهم في سبأ.
%)645( وفي التوراة خبر زيارة ملكة "سبأ" لسليمان، وقصة هذه الزيارة، وان دونت فيما بعد، كتبها كتبة التوراة بعد عدة قرون، إلا إنها تستند إلى قصص قديم كان متداولاَ ولا شك بين العبرانيين، فدوّنه هؤلاء الكتاب.
وقد رأى بعض نقدة التوراة إن هذه القصة قد كتبها أولئك الكتبة لاثبات عظمة سليمان، وسعة دولته، وشهرة حكمه. غير إن هذا لم يبت به حتى الآن. ورأى آخرون إن هذه الملكة لم تكن ملكة "سبأ" في اليمن، لعدم ورود أسماء ملكات في النصوص العربية الجنوبية، بل كانت ملكة تحكم في العربية الشمالية، تحكم جماعة من السبئيين الذين كانوا قد نزحوا إلى هذه المناطق منذ عهد بعيد، وكوّنوا مستوطنات سبئية في الأردن وفي أعالي الحجاز.
وتعلل التوراة سبب زيارة ملكة سبأ. لسليمان بقولها: "وسمعت ملكة سبأ بخير سليمان لمجد الرب، فأتت لتمتحنه بمسائل، فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جداً. بجمال حاملة أطياباً وذهباً كثيراً جدا وحجارة كريمة، وأتت إلى سليمان وكلمته يكل ما كان بقلبها". فلما سألته ورأت "البيت الذي بناه وطعام مائدته ومجلس عبيده وموقف خدامه وملابسهم وسقائه ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب، لم يبق فيها روح بعد، فقالت للملك: صحيحاً كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك، ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي ". وأعطت "سليمان" " مئة وعشرين وزنة ذهب وأطياباً كثيرة جداً وحجارة كريمة لم يأت بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان".
وجاء في سفر "الملوك الأول" حكاية عن الذهب الذي وصل إلى سليمان: "وكان وزن الذهب. الذي أتى سليمان في سنة واحدة ستمئة وست وستين وزنة ذهب، ما عدا الذي ورد من عند التجار وتجارة التجار وجميع ملوك العرب وولاة الأرض ". ولا تعني جملة "وجميع ملوك العرب" و " كل ملك ها عرب" في رأيي ونظري ملوك جزيرة العرب، كما يفهم ذلك من ظاهر النص، و إنما تعني رؤساء أعراب كانوا يقيمون على مقربة من فلسطين، وفي فلسطين نفسها، دفعوا إليه هدايا وضرائب، لأنهم كانوا يتاجرون مع العبرانيين، فقدموا إليه هدايا على قاعدة ذلك اليوم. وقد رأينا إن الآشوريين كتبوا مثل ذلك عن العرب وعن غيرهم في نصومهم، إذ لا يعقل خضوع كل ملوك جزيرة العرب لسليمان. فلم يكن ملكه قد جاوز حدود العقبة، كما نجد في التوراة، وقد ذكرنا إن لفظة "ها عرب"، أي "العرب" إنما كانت تعني الأعراب والبدو في العبرانية، ولذلك فجملة "وكل ملوك العرب" تعني " وكل رؤساء الأعراب"، وهم كثيرون. فقد كانوا قبائل وعشائر، ولكل قبيلة وعشرة سيد ورئيس. وقد كان منهم عدد كبير في فلسطين وفي طور سيناء.
ووجه "سليمان" أنظاره نحو البحر، ليتجر مع البلاد الواقعة على البحار، وليستورد منها ما يحتاج العبرانيون إليه، فأنشأ أسطولاَ تجارياً في "عصيون جابر" "Ezion Geber" على خليج العقبة بجانب "أيلمة" "أيلوت" "Eloth" "ايلات" "Elath"، من أرض "أدوم". وقد عرف خليج العقبة بي "بحر سوف"، "يم - سوف" "Yam-Soph" في العبرانية. ولما كان العبرانيون لا يعرفون البحر، استعان سليمان ب "حيرام" ملك "صور" في تستير الأسطول وتدريب العبرانيين على ركوب البحر. فأمده بخبراء من صور، تولوا قيادة السفن، يخدمهم رجال سليمان. فمخروا البحر حتى وصلوا إلى "أوفير"، وأخذوا من هناك ذهباً، زنته أربع مئة وعشرون وزنة، أتوا بها إلى سليمان. ويظن إن "عصيون جيبر" "عصيون جمبر" "عصيون جابر" "Ezion Geber" كانت عند "عين الغديان" في قعر وادي العربة، على رأي بعض الباحثين، أو "تل الخليفة" على رأي بعض آخر. وقد عرفت ب "Bernice" فيما بعد، وتقع إلى الغرب من العقبة. وقد قامت بعثة أمريكية بحفريات علمية بين 1938 و1940 في هذا الموضع، وظفرت - فيما عثرت عليه من الآثار- بأدوات مصنوعة من النحاس ومن الحديد. والظاهر إن سكان هذا الموضع كانوا يحصلون على النحاس من مناجمه الغنية في "طور سيناء".
وفي جملة ما عثر عليه من آثار في "تل الخليفة" جرتان، عليهما كتابات بأحرف المسند، وقد قدر أن تاريخ صنعهما لا يقل عن القرن الثامن قبل الميلاد. وتدل أحرف المسند هذه على إن صانعيها كانوا يكتبون بهذا القلم، وقد رأى بعض الباحثين، إنها من صنع أهل مدين. و إذا صح هذا الرأي فإنه يكون دليلاً على آن المدينيين كانوا يكتبون به. ويرى "ريكمنس" "G. Ryckmans" أن لهذه الكشوف صلة بالمعينيين الذين كانوا في العلا وتبوك.
وترى طائفة من علماء التوراة أن "أوفير" التي اشتهرت بوفرة ذهبها، والتي أرسل "سليمان" إليها سفناً مع سفن "حيرام" في طلب الذهب وخشب الصندل والحجارة الكريمة، هي أرض في بلاد العرب. ونظراً إلى ورود اسمها بين "شبا" و "حويلة" في الإصحاح العاشر من التكوين، ذهب بعضا لعلماء إلى وقوعها في الأقسام الشرقية أو في الأقسام الجنوبية من جزيرة العرب. ورأى "كلاسر" إنها المنطقة الواقعة على ساحل خليج عمان والخليج العربي. وذهب نفر آخر من علماء التوراة إلى وقوع "أوفير" في إفريقية أو في الهند. ولكن الرأي الغالب إنها في العربية على ما ذكرت. وذلك، لما ورد في التوراة من أن "أوفير" ابن من أبناء "يقظان"، وقد ذكر بين "شبا" و "حويلة"، ونظراً إلى أن مواطن اليقطانيين هي ما بين "ميشا وأنت آت نحو سفار جبل المشرق". و "ميشا" وإن تباينت آراء العلماء في تعين مكانه فمنهم من ذهب أنه "ميسيني" "ميسان" "Mesene" على رأس الخليج، "خليج البصرة"، أو "ماش" "ماشو" "Mashu" الأرض المذكورة في الكتابات الآشورية، والتي تعني بادية الشام. أو أنه موضع "موزح" أ, "موسح" في نجد. إلا أنك ترى من كل آرائهم انه اسم مكان في بلاد العرب، أو اسم قبيلة عربية، وأن "سفار" وهي الحد الآخر من حدود منازل اليقطانيين هي ظفار" "Zafar" ، عاصمة مملكة حضرموت القديمة على رأي علماء التوراة. وما كانت أسماء أبناء يقطان المذكورين, والذين قد تحققنا من هويتهم كناية عن أسماء مواضع في جزيرة العرب، وجب إن تكون "أوفر" في جزيرة العرب كذلك.
ومن الباحثين من يرى إن "أوفير" هي "عسير"، ورأى آخرون إنها ارض "مدين" وقد رجح أكثرهم كونها على سواحل جزيرة العرب الغربية او الجنوبية، لأن الأماكن هي اقرب إلى الوصف الوارد في التوراة من الأماكن الأخرى.
وقد ذكر الهمداني في "معادن اليمامة" موضعاً سماه "الحفير"، قال:" ومعدن الحفير بناحية عماية ، وهو معدن ذهب غزير". وصلة وجود الذهب فيه بغزارة، تنطبق على هذا الموضع أحسن انطباق، الا إن هذا الموضع بعيد عن البحر، ولكن من يدري? فلعل كتّاب التوراة لم يكونوا يعرفون مكان "أوفير"، وإنما سمعوا بذهبه، الذي يتاجر به العرب الجنوبيون، من الموانئ الساحلية، فأرسل سليمان سفنه إلى مواضع بيعه في سواحل جزيرة العرب لشرائه ومن هنا ظن كتّاب "العهد القديم" إن "أوفير" على ساحل البحر. و "الحفير" كما ترى اسم قريب جداً من "أوفير".
وقد ضرب المثل بكثرة تبر "آوفير"، وبحسن سبائك ذهبها، فورد في سفر "أيوب" على لسان "اليفاز التيماني" مخاطباً "أيوب"، داعياً إياه إلى توجيه وجهه للّه:" فانك إن تبت إلى القدير، يعاد عمرانك وتنقي الإثم عن أخبيك، فتجعل التبر مكان التراب وسبائك أوفر مكان حصى الأودية" وأنشأ سليمان خطاً برياً آخر ينتهي بأرض اشتهرت بالذهب كذلك، سميت في التوراة "ترشيش". وقد استعان سليمان بمدربين وملاحين من "صور"، أمده بهم "حيرام" ملك "صور". وكان الأسطول مختلطاً إسرائيلياً وحيرامياً، يذهب مرة في كل ثلاث سنوات. وأما البضاعة التي يعود بها من "ترشيش" فهي ذهب وفضة وعاج وقردة وطواويس. ولم يتفق العلماء حتى الآن على تعيين موضع "ترشيش"، فرأى بعضهم إنه مكان في إفريقية، ورأى بعض آخر إنه في مكان ما من سواحل آسية الجنوبية، ورأى آخرون إنه في أسبانية. وكانت سفن صور تتاجر مع ترشيش وتربح من هذه التجارة ربحاً فاحشاً، كما جاء ذلك في التوراة.
وعلى أثر وفاة "سليمان" في حوالي سنة "937 ق. م." انشطرت حكومته شطرين: إسرائيل "Israel" و "يهوذا" "Judah". وقد أثر هذا الانقسام على أعمال العبرانيين التجارية الحرية، لذلك لا نسمع لها ذكراً في التوراة إلى أيام "يهوشافط" "Jehoshaphat" ابن الملك "آسا" "Asa"، الذي حكم فيما بين "876" و "851" ق. م. تقريباً فتحدثنا التوراة إنه اتفق مع "أخزيا". ملك "إسرائيل" على بناء أسطول جديد في "عصيون جابر" ليسير إلى "ترشيش"، غير أن مأربهما لم يتحقق، إذ. تكسرت السفن، ولم تستطع السير إلى "ترشيش". ويظهر إنه أراد إحياء، فكرة "سليمان" القديمة في الاتصال بالبحر الأحمر والمحيط الهندي وبإفريقية وبسواحل جزيرة العرب الجنوبية وبسواحل آسية، إلا إنه لم ينجح. والظاهر أن العبرانيين لم يكونوا قد أتقنوا بناء السفن والسير بها في البحار، فأخفقوا، وأن نجاح "سليمان" في الوصول إلى "أوفير" و "ترشيش." مردّه إلى خبرة ومهارة البحارة الصوريين الفينقيين.
ويظهر من سفر "الملوك الأول" إن "يهوشافاط" قام بنفسه منفرداً ببناء السفن لإرسالها إلى "ترشيش"، غير إنها تكسرت في "عصيون جابر" فعرض "أخزيا بن آخاب" ملك إسرائيل عليه أن يبنيا أسطولاَ مشتركاً، يشترك فيه ملاحون من إسرائيل وملاحون من يهوذا، إلا إنه رفض ذلك. ولم نعد نسمع بمحاولات أخرى للعبرانيين ترمي إلى إعادة فكرة "سليمان" في بناء سفن بحرية للاتجار بها مع البلاد الواقعة على البحر بمسافات بعيدة عن إسرائيل.
نعم، لقد كوّن "المكّابيون" أسطولاً تجارياً لهم جعلوا مقره في "يافا" "Jappa" ولكنهم لم يتمكنوا من بناء أسطول لهم يخترق مياه البحر الأحمر، ليزاحم العرب أو غيرهم فيه. فلم يكن الإسرائيليون من عتاة البحر على شاكلة الفينيقيين أو العرب الجنوبيين أو سكان العروض. ولولا المساعدة الثمينة التي قدمها ملك صور لسليمان، لما استطاع العبرانيون أن يصلوا إلى "ترشيش ! أو "أوفير".
وقد انصرف "يهوشافاط" على ما يظهر إلى إقرار الأمن في حدود مملكته، وتحسين علاقاته مع "أخاب" ملك إسرائيل، ومع جيران "يهوذا"، حتى تمكن من عقد محالفات معهم، أدت إلى الاستقرار والهدوء، فلم يحاربوا "يهوشافاط"، وهذا مما جعل علماء يهود على التجول في مدن "يهوذا" لتعليم الناس أحكام دينهم. وحمل إليه "الفلسطينيون" هدايا وجزىّ دفعوها فضة، كما جاء في التوراة، ودفع إليه "العرب" كما تقول التوراة أيضاً "7700" كبش و "7700" تيس. ويظهر إن "العرب" المذكورين، هم من الأعراب النازلين في "يهوذا" ومن الأعراب الذين يفدون عليها للاتجار ة وإلا فلم يدفع الأعراب الساكنون في خارج "يهوذا" جزى أو هدايا لملكها، وليس له سلطان عليهم? وقد ترجمت لفظة "عربايم" العبرانية بلفظة "عربان" في ترجمة "جمعية التوراة الأمريكانية" للتوراة إلى العربية. أما "الترجمة الكاثوليكية" فقد ترجمتها بلفظة "العرب". أما المراد من النص العبراني، فهو "الأعراب لأن لفظة "عرب"، لم تكن تعني يومئذ غلا هذا المعنى.
وتولى "يهورام" "Jahoram" "851-843 ق.م."، الحكم على مملكة "يهوذا" بعد "يهوشافاط". وتذكر التوراة أنه قتل جميع اخوته وبعض رؤساء إسرائيل بالسيف. وأنه أغضب إلهَ "إسرائيل" بأفعاله المنكرة لذلك "أهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشيين، فصعدوا إلى يهوذا وافتتحوا وسبوا كل الأموال الموجودة في بيت الملك مع بنيه ونسائه أيضاً, ولم يبق له ابن إلاّ يهوحاز أصغر منه". وتذكر بعد ذلك أن اللهَ ابتلاه بمرض في أمعائه وبأمراض رديئة "فذهب غير مأسوف عليه، ودفنوه في مدينة داوود، ولكن ليس في قبور الملوك".
ويظهر أن هجوم أيوب على "أورشليم" كان "هجوماً شديداً عنيفاً كاسحاً، بدليل ما جاء في الآية التي أشرت إليها في التوراة، وفي الآية الأولى من "الإصحاح التالي" للإصحاح المذكور: "وملك سكان أورشليم أخزيا ابنه الأصغر عوضاً عنه، لأن جميع الأولين قتلهم الغزاة الذين جاءوا مع العرب إلى المحلة". وفي هذا الهجوم الماحق دلالة على ضعف مملكة "يهوذا" وتضعضع الأمن فيها وعلى التناحر الشديد الذي كان بين السكان حتى أننا لنجد الشعب فرقاً غير مثقفة، وأكثرها تخاصم الحكام.
ويرى "مرغيلوث" "Margoliouth" أن المراد بالعرب الذين بجوار الكوشيين. العرب الجنوبيين، أي سكان اليمن. وذلك لأنهم في جوار "ا لكوشيين" آي الحاميين، السودان، وهم سكان إفريقية، لا يفصلهم عنهم إلا مضيق "باب المندب". ويرى أيضاً أن ذلك الهجوم كان بحراً، مستدلا على رأيه هذا بأن العرب المذكورين سرعان ما تراجعوا إلى منازلهم بغنائمهم وبما حصلوا عليه من أموال، دون أن يكلفوا أنفسهم البقاء في "أورشليم" والاستيلاء على "يهوذا"، وبمساعدة الفلسطينيين للعرب في هجومهم على يهوذا، وقد كان الفلسطينيون يسكنون سواحل فلسطين.
أما "موسل"، فيرى أن "العرب الذين بجانب الكوشيين"، هم العرب النازلون في الأقسام الغربية من "طور سيناء" وعلى حدود مصر، وفي الأقسام الجنوبية من "طور سيناء" وعلى مقربة من "أيلة". وقد كانت "طور سيناء" موطناً قديماً للعرب، وقد أشير في الكتابات المسمارية إلى ملوك عرب، حكموا هذه الأرضين.
ويحدثنا الإصحاح السادس والعشرون من "أخبار الأيام الثاني" أن "عزيا" "Uzziah" ملك "يهوذا" "779 -740ق. م.". كان مستقيماً في أول أمره مطبعاً لأوامر الكهان، لذلك وفقه الله، فخرج "وحارب الفلسطينيين وهدم سورجت وسور يبنة وسور أشدود، وبنى مدناً في أرض أشدود والفلسطينيين وساعده الله على الفلسطينيين وعلى العرب الساكنين في حوربعل والمعونيين. ويفهم من هذه الآيات أن الفلسطينيين والعرب كانوا جبهة واحدة متحدة ضد ملكة "يهوذا". وقد كبدوها خسائر فادحة كما رأينا. فلما تولى هذا الملك، أراد رمي صفوف أهل مملكة "يهوذا" ووقاية مملكته، وقد نال تأييد شعبه له، فحارب الفلسطينيين وتغلب عليهم، وحارب العرب الساكنين في "جوربعل" والمعونيين، وهدم أسوار المدن التي عرفت بعدائها ل "يهوذا"، وبنى مدناً جديدة في "أشدود" وفي الأرضين الساحلية المعروفة بفلسطين.
ومدينة "جث"، هي مدينة قديمة في تخوم "دان"، وبها ولد "جليات" "كلياث" "Goliath" جبّار الفلسطينيين كما أنها إحدى مدنهم الخمس. وكانت في أيام داوود في يد الفلسطينين، وكان عليها ملك اسمه "أخيش" "Achish"، ولم يعرف مكانها بالضبط. وأما "يبنة"، وتعرف أيضا ب "يبنئيل"، فإنها من مدن الفلسطينيين كذلك. وهي "بينة" في الزمان الحاضر، وتقع على بعد "2 ا" ميلا جنوب "يافا" و "3" أميال شرقي البحر، أو "يمنة" على مسافة 7 أميال جنوبي "طبرية".
ولم يتمكن علماء التوراة من تثبيت موضع "جوربعل". وتعتي لفظة "جور" "مسكن"، فكون تفسر "جوربعل" "مسكن بعل". ويظهر من ذكر الفلسطينيين والعرب الساكنين بهذا المكان والمعونيين بعضهم مع بعض أن أرضيهم كانت قريبة بعضها من بعض، وأنهم كانوا يداً واحدة على "يهوذا". ويرى "موسل" أن الزاوية الشمالية الغربية من أرضى "حسمى" هي "جوربعل". وتقع في رأيه على مقربة من جبل "إرم" الذي يعرف اليوم باسم "رم"، وهو "Aramaua" في "جغرافية بطلميوس"، ويكون حدّ اً من الحدود الشمالية للحجاز. وذهب بعض الباحثين إلى أن "جوربعل" تعني "صخرة بعل"، في بعض النصوص الإغريقية، ولهذا فسروها بي "بطرا". ولذلك قالوا إن العرب المذكورين كانوا العرب الساكنين عند "بطرا" "سلم" "Petra".
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|