أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
1396
التاريخ: 4-12-2015
1740
التاريخ: 2024-07-20
455
التاريخ: 11-10-2015
10607
|
قال تعالى : {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف : 63]
في المستقبل ، يشيرون بذلك إلى ما قاله يوسف لهم : {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي ... } [يوسف : 60]. ثم قالوا لأبيهم : ( فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) وعدوه بحفظه وصيانته كيلا يضن به عليهم ( قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ) الذي فعلتم به ما فعلتم . . ثم انصرف عنهم ، والتجأ إلى اللَّه ، وقال : {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف : 64] فأنا أعتمد في صيانة ولدي على حفظ اللَّه ، لا حفظكم ، وهو يرحم ضعفي وشيخوختي . وقيل : ان اسم ولده الأصغر الذي طلبه يوسف كان بنيامين .
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} [يوسف : 65] فأسرعوا إلى أبيهم مسرورين و ( قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي ) أي ما ذا نطلب من عزيز مصر ؟ . وبأي شيء نعتذر له إذا لم نأته بأخينا ، وقد أكرمنا بما ترى من رد الثمن ؟ . ( هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا ) قيل : كانت نعالا وجلودا ، وقال بعض المفسرين الجدد :
انهم وجدوا بضاعتهم ولم يجدوا قمحا ، وان يوسف لم يعطهم شيئا ليضطرهم إلى العودة بأخيهم . . وهذا خطأ لأنه يتنافى مع ظاهر القرآن ، وهو قوله : {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف : 59] بالإضافة إلى ان منع الطعام عن الأهل والأقربين مع شدة حاجتهم إليه قسوة ولؤم ، ويوسف (عليه السلام) أجلّ وأعظم ، أما قولهم : منع عنا الكيل فالمراد به منع ثانية وفي المستقبل كما أشرنا .
{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يوسف : 65] نأتيهم بالميرة ، وهي الطعام ( ونَحْفَظُ أَخانا ) من كل مكروه ( ونَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ) لأن يوسف كان يعطي للرجل حمل بعير واحد اقتصادا في الطعام كي ينال منه الجميع ، فإذا صحبوا أخاهم معهم ازدادوا حملا من الطعام ( ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) أي ان زيادة الحمل ميسرة مع وجود أخينا ، أما بدونه فلا لأن العزيز لا يبيع للرجل إلا حملا واحدا في هذه الأزمة المجدبة . .
ورأى يعقوب ان الحاجة ماسة إلى الطعام ، لأن ما جاؤوا به من مصر أوشك على النفاد ، فاستسلم لضغط الحاجة ، لا لضغط أبنائه ، بالإضافة إلى ثقته بالعزيز بعد ان سمع الكثير عنه ، ورأى من صنعه مع أولاده . {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف : 66] . أذن لهم بأخيهم بنيامين على أن يعطوه عهدا أكيدا ان يرجعوه إليه سليما معافى إلا ان ينزل بهم ما لم يكن في الحسبان ( فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) . فأعطوه العهد الذي أراد ، وأكدوا الايمان بأنهم يفدونه بالأرواح ، وعندها قال : اللَّه وحده هو الشاهد على عهدكم هذا ، فان وفيتم جازاكم أحسن الجزاء ، وان غدرتم كافأكم بأشد العقوبات .
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } [يوسف : 67] . بعد أن أعطوا أباهم الميثاق المؤكد أذن لهم بصحبة أخيهم ، وأوصاهم بوصيته هذه ، ويظهر منها انه قد كان للمدينة أبواب ، لا باب واحد ، وفي بعض التفاسير انها كانت أربعة . واختلف المفسرون في الغرض من وصية يعقوب أبناءه ان يدخلوا من أبواب متفرقة ، وما أتى واحد منهم بما تركن إليه النفس . . وقد يكون الغرض انهم ان دخلوا مجتمعين ، وهم أحد عشر رجلا ترامت نحوهم الأنظار ، وكثرت التساؤلات والإشارات ، أو ان الغرض ان يعرفوا أخبار المدينة ، ويطلعوا على أحوالها لعلهم يقفون على ما يومئ إلى يوسف وأخباره ، ومهما يكن فنحن غير مكلفين بالبحث عن السبب ما دامت الآية لم تشر إليه . . وفي تفسير « البحر المحيط » ان يعقوب أمر بنيه أن يبلغوا تحياته لعزيز مصر ، ويقولوا له : ان أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا ، وان يوسف بكى حين سمع هذه الرسالة . . وليس هذا ببعيد عن الموضوع وطبيعته .
( وما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) . عند تفسير الآية 40 من هذه السورة ، فقرة « لا حكم الا للَّه » بيّنا ان حكمه تعالى يطلق على حلاله وحرامه المعبّر عن كل منهما بالحكم الشرعي ، وأيضا يطلق على قضائه وقدره الذي لا مفر منه للإنسان ، وسياق الآية يدل ان هذا هو المراد بحكم اللَّه هنا ، وعليه يكون المعنى اني حريص عليكم ، ناصح لكم ، ولكن حرصي ونصحي لا يغني عن قضاء اللَّه وقدره . . وغرضه من ذلك أن يبين لأبنائه ان على الإنسان ان لا يعتمد على العمل وحده ، ولا على الايمان وحده ، بل عليه أن يعمل ويجتهد متوكلا على اللَّه ، ومعتقدا بأنه هو الذي يمده ويعينه ، ولذا قال : ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) أي أنا مؤمن باللَّه متوكل عليه ، لا على غيره ، وعلى كل من آمن باللَّه أن يكون كذلك .
{ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} [يوسف : 68] من الأبواب المتفرقة ( ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) . اسم كان ضمير مستتر يعود إلى الدخول المستفاد من قوله : ( ولَمَّا دَخَلُوا ) والمعنى ان أولاد يعقوب دخلوا المدينة من أبواب متفرقة امتثالا لأمر والدهم ، ولكن دخولهم لم يجد نفعا ، ولم يرد بلاء كما قال يعقوب :
( وما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) ، حيث اتهموا بالسرقة ، وأخذ منهم بنيامين ، ورجعوا إلى أبيهم منكسرين كما يأتي . ( إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها ) . اختلف المفسرون في تحديد هذه الحاجة التي قضاها اللَّه ليعقوب ، فمن قائل : ان لا يصاب أولاده بالعين عند دخولهم إلى مصر . وقائل : ان لا ينالهم العزيز بسوء الخ . . والذي نراه - استنادا إلى طبيعة الحال ، والى الآيات الدالة على حرصه ولهفته على يوسف وأخيه - ان الحاجة الأولى والأخيرة ليعقوب من هذه الحياة كانت سلامة يوسف وأخيه ، واجتماعه بهما قرير العين ، وقد أتم اللَّه له ما أراد على أحسن حال .
( وإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ ) . ضمير انه وعلمناه يعودان إلى يعقوب . وهو نبي ، وكل نبي يؤدبه اللَّه بآدابه ، ويعلمه من لدنه علما ، ومن تأدب يعقوب بآداب اللَّه صبره على البلاء ، وتوكله على اللَّه ، وعدم يأسه من رحمته ، ومن علمه مما علمه اللَّه إيمانه بأن فوق تدبير العباد للَّه تدبيرا ( ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ان الحكم للَّه ، وان تدبيرهم من غير عناية اللَّه وتوفيقه لا يجديهم نفعا ولا يدفع عنهم ضرا .
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [يوسف : 69] .
أن إخوة يوسف لما وصلوا إلى مصر دعاهم إلى طعامه ، وأجلسهم مثنى مثنى لغاية أرادها ، وهي ان يبقى أخوه بنيامين وحيدا ليجلسه معه على مائدته ، تماما كما آخى الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله)بين أصحابه مثنى مثنى ، وأبقى عليا لنفسه ، وبعد الطعام أنزل يوسف كل اثنين من إخوته في حجرة ، وبات أخوه بنيامين معه في حجرته ، وعند ما اختلى به قال له : أتحب ان أكون أخاك ؟ . فأجابه : ومن يجد أخا مثلك ؟ . ولكن لم يلدك يعقوب ، ولا راحيل ، وراحيل هي أم يوسف وبنيامين ، فعانقه وقال : أجل ، لقد ولدني يعقوب وراحيل ، فأنا أخوك ، ولا تحزن بما كان من إخوتك معي ومعك . . ففرح بنيامين للمفاجأة السارة ، وحمد اللَّه .
{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف : 70] . أراد يوسف أن يفصل بنيامين عن إخوته ، ويبقيه عنده ،ولم يكن ذلك ممكنا إلا بمبرر ، وكان من شريعة آل يعقوب استرقاق السارق ، فدس غلمان يوسف بأمر منه المكيال في رحل أخيه بنيامين ، ثم نادى المنادي في أولاد يعقوب : يا أصحاب العير انكم سارقون ، فلا ترحلوا حتى ننظر في أمركم .
فدهش أولاد يعقوب لهذه المفاجأة العنيفة {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف : 71] .
قالوا هذا وهم على يقين من براءتهم . . وهذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها مثل هذه التهمة . ( قالُوا » - أي غلمان يوسف - {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف : 72] . وهذا الضامن هو الذي قال : أيتها العير انكم لسارقون على عهدة المفسرين ، وضمن بشرط ان يرجع السارق المكيال من تلقاء نفسه ، وهذه الآية تدخل في بابين من أبواب الفقه : الجعالة والضمان ، والجعالة هي الالتزام بمال معين لقاء عمل معين لأي عامل كان كقولك : من فعل كذا فله كيت . والضمان هو التعهد بالوفاء كقول المنادي : وأبا به زعيم أي ضامن للوفاء بحمل البعير من القمح ، وفي الحديث : « الزعيم غارم » .
( قالُوا » - أي أولاد يعقوب - {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف : 73] . ناقشوا وجادلوا وأقاموا الدليل على براءتهم ونزاهتهم ، وقالوا فيما قالوا : كيف تتهموننا بالسرقة ، وقد علمتم من نسبنا وسيرتنا في السفرة الأولى والثانية أنّا لم نأت إلى هذا البلد للخيانة والفساد ، وانما لنشتري الطعام لأهلنا . .
وفي كثير من التفاسير ان أولاد يعقوب لما وجدوا بضاعتهم في رحلهم بعد عودتهم إلى أهلهم في السفرة الأولى ظنوا انها وضعت فيه سهوا ، فلم يستحلوها ، بل حملوها من بلدهم إلى مصر وارجعوها إلى العزيز ، واشتهر ذلك عنهم ، حتى عرفوا بالأمانة والصلاح . . وهذا الذي ذكره المفسرون غير بعيد ، بل إليه يومئ قول أولاد يعقوب : ( تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ ) .
وتسأل كيف استحل يوسف ان يدس المكيال في وعاء أخيه ، ويوجه التهمة لإخوته ، مع علمه ببراءتهم ؟ .
الجواب : أولا ان هذه واقعة خاصة ، ولها ظروفها ومبرراتها الخاصة ، فلا يجوز القياس عليها ، ولا النقض بها . . ثانيا : ان المقصود الأول بتهمة السرقة هو بنيامين أخو يوسف لأمه وأبيه ، وقد جرى ذلك برضا منه ، والاتفاق معه لحكمة اقتضت ذلك ، وهي في نفس الوقت لا تخالف أصلا من أصول الشريعة ، كتحليل الحرام ، أو تحريم الحلال . . هذا ، إلى ان احتيال أولاد يعقوب على أبيهم لانتزاع ولده يوسف منه ، والغدر به ، وإلقاءه في الجب بقصد القتل في أبشع صورة ، ان هذا سرقة وزيادة .
سؤال ثان : كيف استباح يوسف أن يحول بين أخيه وأبيه ، ويزيده كربا على كربه ؟ .
الجواب : ان كل ما فعله يوسف كان لمصلحة أخيه وأبيه ، وهو على يقين بأن أباه يقره ، بل ويشكره عليه متى اطلع على الحقيقة . . وقد حدث ذلك بالفعل .
وبديهة ان الأمور تقاس بعواقبها لا بأسلوبها ، وفي سائر الأحوال فإن الأنبياء لا يتهمون في جانب الحق .
{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف : 74] . ضمير قالوا يعود إلى غلمان يوسف ، وضمير جزاؤه إلى السارق ، والخطاب في كنتم لأولاد يعقوب ، والغرض من هذا السؤال انتزاع الاعتراف منهم بأن السارق يؤخذ عبدا أو أسيرا جزاء على فعله . . ليكون هذا الاعتراف حجة عليهم إذا أخذ يوسف أخاه ، وضمه إليه .
{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يوسف : 75] . فهو جزاؤه زيادة في الإيضاح ، تماما كما تقول : جزاء القاتل القتل فهو جزاؤه . . أجاب إخوة يوسف : من وجدتم الصاع في وعائه فخذوه أسيرا أو عبدا ، وهذا هو شرعنا في عقوبة السارقين ، ونحن على يقين من براءتنا ، وطهارة اعراقنا .
{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف : 76] . بدأ المفتش بأوعيتهم تغطية للحيلة ، حتى إذا انتهى إلى وعاء بنيامين استخرج المكيال منه ، وأشهره في وجوههم . وصعق أبناء يعقوب لهذه المفاجأة العنيفة . . ولكن أين هذه مما قاساه يوسف في ظلمات الجب وحيدا فريدا ؟ .
( كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ) . أي أوحينا إليه بهذا التدبير ليقول إخوته من تلقائهم : ان للعزيز ان يأخذ أخاهم أسيرا أو عبدا ، وسمى هذا كيدا لأن ظاهره غير واقعه ، وجاز شرعا لأنه لا يحلل حراما ، ولا يحرم حلالا . ( ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ) المراد بالملك ملك مصر ، وبدينه شرعه وقضاؤه ، والمعنى لولا هذا
التدبير لتعذر على يوسف ان يضم أخاه إليه . ذلك بأن من شرع ملك مصر وقضائه ان لا يعاقب السارق بالأسر أو الاسترقاق ، بل بعقوبة أخرى كالسجن أو الضرب ويوسف لا يريد المكروه لأخيه ، فأوحى اللَّه إليه بهذا التدبير وهو المقصود بقوله تعالى : ( إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ) .
والخلاصة ان الحكمة اقتضت ان لا يقول يوسف : هذا أخي ، ولا ان يأخذه بغير مبرر ، ولو ظاهرا ، وكان من شريعة آل يعقوب أن يسترق السارق ، ومن شريعة الملك وأهل مصر ان يسجن أو يضرب ، فاتخذ يوسف هذا التدبير الذي أوحاه اللَّه إليه ليلزم إخوته بما ألزموا به أنفسهم . ( نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ) بالعلم والنبوة ، كما رفعنا يوسف على إخوته . ( وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) حتى ينتهي إلى العلي الأعلى . وفيه إيماء إلى ان إخوة يوسف كانوا علماء ، ولكن يوسف اعلم وأكمل .
( قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) . ضمير قالوا يعود إلى أخوة يوسف ، وضمير يسرق إلى أخيه بنيامين ، أما المقصود بأخ له فهو يوسف بالذات . . وكل ما دلت عليه الآية ان أخوة يوسف ألصقوا تهمة السرقة به ، ولا إشارة فيها ولا في غيرها من الآيات إلى ان يوسف سرق في طفولته بيضة أو دجاجة أو صنما لجده أبي أمه أو منطقة لعمته أو غير ذلك . . ولكن القرآن سجل صراحة الكذب على أخوة يوسف في قولهم : أكله الذئب ، بالإضافة إلى حقدهم الذي دفع بهم إلى فعل ما فعلوا . . وعلى هذا يسوغ لنا ان نقول : انهم كانوا كاذبين في نسبة السرقة إلى يوسف حين طفولته ، وانها من عندياتهم ، وقولنا هذا وان كان مجرد استنتاج فإن فيه شيئا من المنطق ، أو هو احتمال غير بعيد - على الأقل - .
وأخذ المفسرون بقول أخوة يوسف أخذ المسلَّمات ، حتى كأن الكذب مستحيل في حقهم ، وراحوا يبحثون عن الشيء الذي سرقه يوسف ، فمن قائل : انه بيضة سرقها وأعطاها لجائع ، وقائل : بل دجاجة ، وقال ثالث : سرق صنما لجده أبي أمه وكسره ، وذهب رابع إلى ان عمته بنت اسحق كانت تحضنه صغيرا ، ولما شب أراد أبوه ان ينتزعه منها ، فاتهمته بسرقة منطقة أبيها اسحق - وهي ما يشد به الوسط - ليبقى عندها عبدا ، لأن عقوبة السارق كانت الاستعباد ، وعلى هذا أكثر المفسرين ، وغريب ان لا يتنبه واحد منهم إلى ان حكم الأطفال في جميع الشرائع غير حكم الكبار . . وأغرب منه قول بعض الصوفيين :
ان أولاد يعقوب أرادوا بتهمة السرقة ان يوسف سرق منهم قلب أبيهم .
( فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ولَمْ يُبْدِها لَهُمْ ) . تجاهل مقالتهم حلما وكرما ، كما قال الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني * فأعف ثم أقول لا يعنيني
( قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ) . قال هذا في سره بدليل قوله تعالى : « ولَمْ يُبْدِها لَهُمْ » .
( واللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ ) من نسبة السرقة إليّ والى أخي ، وانها محض افتراء .
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف : 78] . بعد ان أصبحوا تجاه الأمر الواقع ، وان العدل عندهم يقضي باسترقاق أخيهم بنيامين التجأوا إلى التماس الرحمة بالعفو والصفح ، أو أخذ الفداء والبدل ، وان يختار العزيز واحدا منهم ، وهم عشرة بين يديه ، طلبوا هذا وألحوا في الطلب ، وتشفعوا إليه ببره وصلاحه ، وبشيخوخة أبيهم ، وعظيم منزلته وقدرته ، وبضعفه وشغفه بولده بنيامين ، فعلوا هذا وأكثر منه لا حبا بأخيهم ، بل تخلصا من أبيهم ومسؤولية العهد الذي أخذه عليهم .
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} [يوسف : 79]. رفض يوسف طلبهم ورجاءهم ، وأصر على أخذ أخيه لأمر أراد اللَّه ان يتمه بعد الامتحان والبلوى . . وتجدر الإشارة إلى أن يوسف عبّر أدق تعبير وأحكمه عن براءة أخيه من السرقة في قوله : « من وجدنا متاعنا عنده » حيث فهم منه أخوة يوسف من سرق متاعنا ، والمقصود منه من استخرجنا متاعنا من وعائه ، والفرق بعيد بينهما .
( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) . بعد ان يئس أولاد يعقوب من تخليص أخيهم اعتزلوا الناس يتشاورون فيما يعتذرون لأبيهم {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ } [يوسف : 80] قال بعض المفسرين : المراد كبيرهم عقلا ، لا سنا . وقال آخرون : بل سنا وعقلا ، وهذا هو المتبادر إلى الأذهان ، ومهما يكن فان هذا الكبير قال لإخوته : ان أباكم قد أخذ عليكم عهدا ، واستحلفكم أن تأتوه بأخيكم ، فما ذا تقولون له إذا أبتم إليه من دونه ؟ . ( ومِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ) يشير إلى القائهم إياه في الجب ، وما قاساه أبوهم نتيجة لذلك .
( فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ).
قرر كبيرهم أن يبقى في جوار أخيه حياء وخجلا من أبيه ، وان لا يبرح الأرض التي فيها بنيامين الا بإذن من أبيه ، أو بفرج من اللَّه بأي نحو شاء ، ولو بالموت .
وما طال الأمد ، حتى جاء الفرج ، وانكشف الكرب عن الجميع .
المعنى :
{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } [يوسف : 81] . هذا قول كبيرهم ، فهو يوصي إخوته ان لا يقولوا لأبيهم الا الحق ، وذلك بأن يخبروه بأنهم رأوا غلمان العزيز يستخرجون مكيال الملك من وعاء بنيامين ، وان العزيز أصر على أخذه . . هذا ما شاهدناه ، واللَّه أعلم بما وراء ذلك ، ولو علمنا الغيب ما سألناك ان تسمح لنا به ، ولا أعطيناك العهد بأن نرجعه إليك ، وقد بذلنا المجهود ، واعذرنا إلى اللَّه واليك .
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف : 82] أي اسأل أهل مصر ، فقد اشتهر فيهم أمر هذه السرقة ( والْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) واسأل أيضا القافلة التي جئنا معها من مصر ، فقد رأت ما رأينا ، وهي إلى جوارك في أرض كنعان ( وإِنَّا لَصادِقُونَ ) فيما أخبرناك ، وهم في هذه المرة يتكلمون بثقة وجرأة لأنهم على يقين من صدقهم على العكس من موقفهم الأول مع أبيهم حين أتوه بدم كذب على قميص يوسف .
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف : 83] . لما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بما حدث قال : كلا ، بل زينت لكم أنفسكم الكيد لولدي ، كما فعلتم من قبل بأخيه يوسف . وتساءل المفسرون : كيف اتهم يعقوب بنيه بالكيد قبل ان يتثبت من الحقيقة ، وهو نبي معصوم ؟ . ثم أجابوا بوجوه لا تستند إلى أساس ، وأحسن الوجوه التي ذكروها على ما فيه - ان مراد يعقوب أن أنفسكم صورت لكم ان بنيامين سارق ، وما هو بسارق . . وفي رأينا ان يعقوب اتهمهم بالكيد قياسا على صنيعهم مع يوسف ، ولكنه لم يجزم بقول قاطع لعدم الدليل على كذبهم ، وأيضا لم يأخذهم بالظن من حيث العقوبة لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا . . وهذا لا يتنافى مع مقام النبوة ، لأن النبي لا يعلم الغيب ، وهو كأي إنسان يحتمل ويظن ، والفرق بينه وبين غيره انه لا يرتب أثرا على ظنه كما يفعل غير المعصوم .
( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) قال هذا حين غاب عنه بنيامين ، ومن قبل قال حين غاب يوسف : ( واللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) . هذا هو شعار الصالحين ، يحزنون ، وهم في جميع الحالات على اللَّه متوكلون . كما قال سيد الأنبياء وخاتم الرسل (صلى الله عليه واله) :
تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول الا ما يرضي ربنا . ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ) . وهم يوسف وبنيامين ، والأخ الثالث الذي بقي بجوار أخيه في مصر . . وفي كلمة عسى شعاع من الأمل ، وبالخصوص إذا كانت ممن يؤمن بالغيب إيمانه بالواقع الملموس كالأنبياء والصديقين ، وفي نهج البلاغة : « لا يصدق ايمان عبد ، حتى يكون بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده » . وفي هذا المعنى كثير من الأحاديث ( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) يعلم حزني وألمي ، ويدبر الأمور على حكمته .
{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف : 84] . اعتزل الناس ليندب وحده من لن ينساه أبدا ، يندبه بهذه الصرخة الحزينة : ( يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ) وزاده فراق ولده بنيامين حزنا على حزن ، وبكاء على بكاء ( وابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ ) .
أصيبتا بالقرحة من آثار البكاء ، فهو يتنفس منهما بالدموع ، كما يتنفس من رئتيه بالآهات والحسرات ( فَهُوَ كَظِيمٌ ) يتجرع الغيظ ويتجلد ، ولكن على حساب جسمه وأعصابه .
{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف : 85] أي الميتين ، والحرض المرض أو المريض الذي لا ينتفع بنفسه ، والمعنى ان أولاد يعقوب قالوا له : لا تزال تلهج بذكر يوسف ، حتى تمرض أو تموت بلا جدوى لأن يوسف ذهب ولن يعود ( قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ) لا إليكم لأن الشكوى لمن لا يدفع ضرا ، ولا يجلب نفعا ذل وسفه . قال الإمام علي (عليه السلام) :
« اللَّه اللَّه ان تشكو إلى من لا يشّكي شجوكم - أي يزيل الشكوى - ولا ينقص برأيه ما قد أبرم لكم » . .
{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف : 86] . نكب يعقوب ، وابتلي بفراق يوسف ، ولكنه في الوقت نفسه يحسن الظن باللَّه ، ويثق به ، ولا ييأس من رحمته ، ويؤمن بأن عاقبة الصبر الفرج ، كما دل قوله لبنيه : {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف : 87] وإذا عطفنا ثقته باللَّه على رؤيا يوسف في صغره جاءت النتيجة ان يعقوب مطمئن على حياة يوسف إلى حد كبير ، ولكنه لا يعلم أين هو ؟ . وكيف حاله ؟ .وهل يعيش في عبودية أو في حرية ؟ . ومن هنا كان حزنه وقلقه .
لا تفاؤل ولا تشاؤم :
{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف : 87] - أي فرجه - « إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) . اذهبوا وتحسسوا ولا تيأسوا ، قرن الأمل بالعمل ، ومعنى هذا انه إذا انتفى العمل انعكست الآية ، واقترن اليأس بالكسل ، وصحت القاعدة طردا وعكسا . وكان الأمل والرجاء مع الإهمال جهلا وسفها . . وكلمة تحسسوا توحي بوجوب العمل بكل الحواس ظاهرها وباطنها . . وهكذا العاقل إذا نزلت به نازلة دفعت به إلى الكفاح والنضال للقضاء على أسبابها ، سواء أكانت هذه الأسباب هي الأوضاع الفاسدة ، أم كان السبب يكمن في نفس الإنسان كالتقصير واللامبالاة ، وإذا أصابته حسنة - أي العاقل - خاف من ضربات الدهر وغائلته ، وتحصن بتقوى اللَّه وطاعته ، ولا يطغيه غنى ، ولا يبطره جاه ، قال تعالى : « فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ - 99 الأعراف » .
ونخلص من هذا إلى ان المتشائم الذي يقول : لا جدوى من العمل هو الشؤم بالذات ، ومثله المتفائل مع الكسل وترك العمل . . والإنسان السوي من كان بين بين ، يعمل ويناضل عند الشدة ، ولا ييأس من روح اللَّه وفرجه ، ويخاف ويحذر عند الرخاء ، ولا يأمن مكر اللَّه وبأسه .
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف : 88] أوصى يعقوب بنيه أن يعودوا إلى مصر ، فقبلوا منه ، وعادوا إليها مرة ثالثة . . ودخلوا على العزيز منكسرين مسترحمين ، وبدأوا بالشكوى من الجهد والمجاعة . . مسنا وأهلنا الضر . .
تصدق علينا . . ان اللَّه يحب المتصدقين . . وإذا جئناك ببضاعة لا تليق فلأن الدهر غير مؤات . . قالوا هذا ، وهم أحفاد إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، ولكن الشدة بلغت غايتها . . وجاءت النتيجة فوق ما يتصورون ، وهذه هي :
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف : 89]. بعد ان استمع يوسف لاستعطاف إخوته وتضرعهم ، وعرف بؤس أهله وحاجتهم رقّ وتغلبت عليه عاطفة الرحم وقرابة الدم ، وقال لهم معاتبا أو واعظا : أتذكرون يوما استجبتم فيه لدعوة الشيطان فألقيتم بأخيكم يوسف في غيابة الجب ، وأذقتم أخاه بنيامين من بعده صنوف الأذى ؟ . ألم تقولوا بالأمس القريب : « ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل ؟ . وهل يفعل الجاهل أكثر من فعلكم هذا ؟ .
{قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ } [يوسف : 90] . وللمفسرين هنا كلام لا يتحمله لفظ الآية ، ولكنه يتفق مع طبيعة الموضوع ، ويساعد الاعتبار عليه ، وملخصه ان أخوة يوسف حين قال لهم ما قال تذكروا ما كانوا يعرفونه من ملامح وجهه ، ونبرات صوته ، وإشارات يده . . ومهما يكن فقد التمع في خاطرهم أو خاطر بعضهم انه يوسف ( قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ ) . قالوا هذا وانتظروا الجواب ، فكانت المفاجأة التي لا تخطر على بال ( قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ) . .
وأريد من القارئ أن يقف هنا قليلا ، ويقارن بين موقفهم هذا الضعيف الذليل ، وبين موقفهم يوم ألقوا يوسف في الجب ، لا يأخذهم فيه دين ولا رحم . . ولا عجب ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهً لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) دنيا وآخرة ، والمراد بالمحسنين هنا الذين عملوا وثابروا وصبروا على الصعوبات ، وقد يهزمهم المسيئون الأشرار مرة أو مرات ، ولكن العاقبة للمتقين ، والشواهد على ذلك لا تقع تحت حصر من عهد النمرود إلى عهد هتلر . . وقد ابتليت الإنسانية اليوم بالصهيونية المتجسمة بإسرائيل ، وبالاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة أعتى عتاة الشر والفساد في هذا العصر . . ولسنا نشك إطلاقا في ان مصير الاثنتين هو مصير كل طاغ وباغ سابق ولا حق . . ولا نقول هذا لمجرد التعبير عما نحب ونرغب . .
كلا ، فإنه منطق طبيعي لتطور الحياة والتاريخ . . ان للحق أهلا يطالبون به ، ويضحون من أجله ، وان للخير قوى تناصره وتؤازره ، وستتحد في يوم من الأيام ضد الظلم والطغيان ، وتدور الدائرة على أهله وأنصاره .
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف : 91]. اعترفوا بأن اللَّه فضله عليهم علما وعقلا ، وكمالا وجمالا ، وأخيرا بالجاه والسلطان . . وأقروا بالذنب ، وطلبوا العفو والصفح ، ويوسف كريم وابن كريم ولذا {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف : 92] عفى يوسف عما مضى بلا تعنيف وتأنيب ، ودعا اللَّه ان يغفر لهم ما فرط منهم ( وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) لمن تاب وأناب . وفي نهج البلاغة ، « لا يشغله غضب عن رحمة ، ولا تلهه رحمة عن عقاب » وتواتر عن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله)انه حين فتح مكة قال لقريش : ما تظنون اني فاعل بكم ؟
قالوا : نظن خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم كما قال أخي يوسف .
{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف : 93] . وتعود بنا هذه الآية إلى الآية 17 وهي : « قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب . . وجاؤوا على قميصه بدم كذب . . » .
نعود إلى هذه الآية لنقارن بين القميص الأول والقميص الثاني ، فالأول جر على يعقوب البلاء والأدواء ، أما الثاني ففيه الشفاء والهناء ، ونقارن أيضا بين موقف أبنائه حين جاؤه بالقميص الأول معزين ، وموقفهم حين أتوه بالثاني مهنئين .
وإذا سأل سائل : كيف يكون إلقاء القميص على البصر سببا لشفائه ؟ أجبنا بأنه لا نجد تفسيرا لذلك الا المعجزة الخارقة ، تماما كنار إبراهيم ، وعصا موسى ، وكلام عيسى في المهد ، فهؤلاء أنبياء ، ويوسف وأبوه نبيان.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } [يوسف : 94] .
فصلت العير أي تحركت من المكان الذي كانت فيه ، وهو مصر ، واتجهت إلى أرض كنعان حيث يسكن يعقوب : وتفندون تنسبونني إلى الفند ، وهو الخرف . .
وظاهر الآية يدل على ان يعقوب شم رائحة القميص من مكان بعيد ، وبمجرد ان تحرك الركب من مكانه ، وقبل ان يتجاوز أرض مصر ، مع ان المسافة بين يعقوب وحامل القميص كانت مسيرة ثمانية أيام ، وقيل : عشرة . . وأبقى المفسرون اللفظ على ظاهره ، وقالوا : ان يعقوب وجد ريح القميص حقيقة على الرغم من بعد المسافة عنه ، واعتبروا ذلك معجزة خص اللَّه بها يعقوب .
وغير بعيد أن يكون الريح كناية عن الحدس المصيب الذي يقع للإنسان في بعض الأحيان بخاصة لأهل القلوب الطيبة الصافية ، وان يعقوب قد أحس قلبه بدنو اللقاء ، فعبّر عنه بريح يوسف ، ويرجح إرادة هذا المعنى ان اليأس من لقاء يوسف ما خامر قلب يعقوب لحظة واحدة ، ويشهد على ذلك قوله : فتحسسوا من يوسف وأخيه . وقوله : عسى أن يأتيني بهم جميعا . وقوله ليوسف :
يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك . . وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك . وقوله : اني اعلم من اللَّه ما لا تعلمون .
{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف : 95]. ضمير قالوا يعود إلى من كان حاضرا في مجلس يعقوب حين قال : أجد ريح يوسف ، والمعنى ان الذين حضروا مجلس يعقوب قالوا له : أنت مخطئ في إصرارك وانتظارك يوسف الذي ذهب كما ذهب غيره من الأموات . {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف : 96] . . وما كان يعقوب مخطئا في حدسه ، فلقد جاء البشير يحمل قميص يوسف ، وما ان مس وجه يعقوب ، حتى عادت إليه نعمة البصر ، وسعادة الحياة ، وقيل : ان الذي حمل هذا القميص هو الذي حمل القميص الملطخ بدم كذب قبل أربعين سنة ، ليمحو السيئة بالحسنة ، وأيضا قيل لا عجب ان يرتد بصر يعقوب بمجرد البشرى « فكثيرا ما شفى السرور والفرح من الأمراض ، وتجارب الطب شاهد صدق على ذلك » .
( قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) . يشير إلى قوله في الآية 86 : « قال انما أشكو بثي وحزني إلى اللَّه واعلم من اللَّه ما لا تعلمون » وقد مر شرحها .
{ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [يوسف : 97] . ندم أخوة يوسف على فعلتهم ، وتابوا من خطيئتهم ، وسألوا أباهم ان يدعو إلى اللَّه ان يقبل منهم التوبة ، ويغفر لهم الذنب ، وشرطوا على أنفسهم ان لا يعودوا إلى معصية .
{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف : 98] . قال بعض المفسرين الجدد : « ان كلمة سوف لا تخلو من الإشارة إلى قلب إنسان مكلوم » . يريد أن قلب يعقوب ما زال فيه شيء على بنيه رغم توبتهم وطلبهم المغفرة . . وهذا اشتباه وقياس لقلوب الأنبياء على قلوب سائر الناس ، والصحيح ان يعقوب أرجأ الدعاء لهم بقبول التوبة إلى خلوته وانقطاعه إلى ربه في الظلمات والاسحار ، لأن ذلك ادعى للقبول والاستجابة ، قال سبحانه : « وبِالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ - 18 الذاريات » . وقال : {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } [آل عمران : 17].
اجتماع يعقوب :
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} [يوسف : 99] . حزن يعقوب وأرسل الدمع مدرارا على فراق يوسف ، وهو يعلم ان البكاء لا يجديه شيئا ، ولكنه كان يخفف به من لوعة البعد ، وحرقة الفراق ، وامتد حزنه أمدا طويلا لأن يوسف أقام سنوات في بيت الذي اشتراه بثمن بخس ، وسنوات في السجن ، وسنوات يدبر شؤون البلاد المصرية ، منها سبع رخاء قبل ان يلتقي مع أهله ، حيث كان اللقاء في سني الجدب ، وكان كلما طال الزمن ازداد حزن يعقوب كما يومئ قول من قال له : {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } [يوسف : 95].
وإذا عرفنا مبلغ الحزن في نفس يعقوب من ألم الفراق عرفنا مبلغ فرحته وسعادته بلقاء يوسف ، لأن الفرحة بالشفاء من الأسقام تأتي على قدر ما تركته هذه من الأوجاع والآلام ، أو تزيد أضعافا .
وقال جماعة من المفسرين : المراد بأبويه أبوه وخالته ، لأن أمه ماتت من قبل . . وابعد البعض في قوله : ان أمه ماتت ، ثم نشرت من قبرها لترى عظمة ولدها وتسجد له . . ولا طائل من هذا التحقيق وأمثاله الا تكثير الكلام .
وتسأل : ان صدر الآية لا يتفق مع عجزها ، لأن الصدر يقول : لما دخلوا على يوسف ضم أبويه إليه ، ومعلوم ان يوسف كان في مصر ، والعجز يقول :
بعد ان دخلوا عليه ، وهو في مصر قال لهم : ادخلوا مصر - كما هو الظاهر من سياق الآية - ومعنى هذا انهم بعد ان دخلوا مصر قال لهم ادخلوا مصر ؟ .
وقيل في الجواب : ان يوسف أقام لأهله سرادقات بالقرب من الحدود ، وفيها دخلوا عليه ، وضم أبويه إليه ، ولما استأنفوا السير من السرادقات متجهين إلى مصر قال لهم : ادخلوا مصر . . وهذا الجواب يحمّل لفظ الآية أكثر مما يتحمل ، وغير بعيد أن يكون مراده من ادخلوا مصر أقيموا فيها آمنين ، كما حدث ذلك بالفعل ، حيث أقطعهم الملك أرضا خصبة في مصر ، وظلت سلالة يعقوب فيها أمدا طويلا . . فقد جاء في مجمع البيان : « وانما قال لهم : آمنين .
لأنهم كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ، ولا يدخلونها إلا بجوازهم - أي بجواز السفر كما هو المتبع في هذا العصر - قال وهب : ان آل يعقوب دخلوا مصر وهم 73 إنسانا ، وخرجوا مع موسى الذي هو من نسل يعقوب ، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا » . . وأيضا في مجمع البيان ان بين يوسف وموسى 400 سنة .
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف : 100] أجلسهما على السرير الذي كان يجلس عليه ، وهو يدير شؤون المملكة تعظيما لهما ( وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) . ضمير خروا عائد إلى أبوي يوسف وإخوته ، وضمير له إلى يوسف ، والمراد بالسجود هنا الانحناء تعظيما وتكريما ، وكان الانحناء تحية الناس للمعظم في ذاك العصر ، كما في بعض التفاسير . وقيل : ان ضمير له عائد إلى اللَّه ، وان السجود كان شكرا له تعالى على هذه النعمة الكبرى . . وهذا القول يخالف ظاهر السياق ، ولا يتفق مع قول يوسف في الآية 4 : « رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ » ، أي له لا لغيره .
( وقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) . يشير إلى قوله في أول السورة : {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف : 4] . وسبق الشرح والتفصيل . وفي تفسير الرازي :
« اختلفوا في مقدار المدة بين وقت اللقاء وبين الرؤيا ، فقيل : 80 سنة .
وقبل 70 . وقيل : 40 وهو قول الأكثر . . وكان عمره 120 سنة » . ونحن لا نعلم يقينا كم كان عمره حين ألقي في الجب ، ولا المدة التي أقامها في بيت الذي اشتراه ، ولا أمد سجنه وحكمه ، لأننا لم نهتد إلى أصل يصح الاعتماد عليه ، وأقوال المفسرين والرواة متضاربة . . ولكن الأكثر على انه عاش 120 سنة .
( وقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ) . ان اللَّه سبحانه يبتلي الإنسان بالرخاء كما يبتليه بالشدة : {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل : 40] . وقال الإمام علي (عليه السلام) : « لم تعظم نعمة اللَّه على أحد إلا ازداد حق اللَّه عليه عظما » . وقد ابتلي يوسف بالضراء فصبر وبالسراء فشكر ، وها هو يحدث بنعمة اللَّه عليه ، ويعدد إحسانه إليه . . أخرجني من السجن ، وسما بي إلى الحكم ، وجاء بأهلي من البادية ، حيث كانوا يرعون الإبل والأغنام ، حتى هذه أهلكها الجدب والقحط ، وأصبحوا على الأرض البيضاء لا يملكون شيئا ، ويقولون للعزيز : تصدق علينا ان اللَّه يحب المتصدقين ، فأغناهم اللَّه بيوسف وكفاهم شر الفقر والعوز .
ولم يذكر إخراجه من الجب مراعاة لشعور إخوته ، وأيضا نسب ما كان منهم إلى الشيطان وقال : ( مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إِخْوَتِي ) ولم ينسبه إليهم لنفس السبب ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) يلطف بالطيبين ، ويبلغ بهم إلى ما يشاؤه لهم من العز والكرامة ( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) . والفرق بين حكمة اللَّه وعلمه ان جميع أفعاله وأحكامه تأتي على وفق الحكمة : {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران : 191] . اما علمه فلا ينفك عن المعلوم ، فمتى علم بأن في هذا الشيء حكمة وجد فورا ، وبكلمة ان علمه هو قوله للشيء كن فيكون .
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف : 101]. فاطر السماوات والأرض أي خالقهما على غير مثال سابق لهما ، وذكر السماوات بصيغة الجمع ، والأرض بصيغة المفرد لأن الإنسان يرى بعينيه سماوات كثيرة ، ولا يرى الا أرضا واحدة . أنت وليّي أي تتولى جميع أموري في الدارين . . بعد أن حدث يوسف بنعم اللَّه عليه توجه إليه تعالى شاكرا ما بسط له من الملك ، وما خصه به من النبوة ، متوكلا عليه في جميع شؤونه ، ومتوسلا إليه ان يميته على طاعته ومرضاته ، وان يلحقه بصالح من مضى من آبائه ، ويجعله من صالح من بقي من أبنائهم .
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف : 102] . بعد أن ذكر سبحانه قصة يوسف توجه إلى رسوله الأكرم محمد (صلى الله عليه واله) بهذه الآية ، والغرض منها إلقاء الحجة على من أنكر نبوته ، وملخصها ان ما قصصناه من أمر يوسف بهذا التفصيل لم يشاهده محمد بنفسه ، ولا قرأه في كتاب ، ولا سمعه من إنسان ، وانما هو وحي من اللَّه دال على صدقه ونبوته ( وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وهُمْ يَمْكُرُونَ ) .
ضميرا اجمعوا وهم يعود إلى أخوة يوسف ، والخطاب موجه إلى محمد (صلى الله عليه واله)وكل الناس يعرفون ان محمدا لم يكن حاضرا حين أجمعوا على إلقاء يوسف في غيابة الجب : وحين مكروا بأبيه وقالوا أكله الذئب . . وأيضا كل الناس يعرفون ان محمدا ما قرأ كتابا ولا تتلمذ على أستاذ . . فلم يبق - إذن - من طريق إلى معرفته بهذا الغيب الا وحي السماء . . ونظير هذه الآية قوله تعالى : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود : 49] .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|