أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-11
2553
التاريخ: 8-11-2016
14608
التاريخ: 2024-08-15
436
التاريخ: 5-2-2017
5609
|
كانت بشمال الجزيرة العربية مراكز لمجتمعات حضرية او بعبارة اخرى مستقرة ولا تعد دولة باي حال من الاحوال؛ ومن بينها مكة ويثرب والطائف وقرى وادي القرى والعلا وتيماء وغيرها، وحتى خارج الحدود الشمالية للجزيرة العربية وفي منطقة الصفاة الواقعة في نطاق الشام وجدت آثار مستوطنة عربية لها خطها المستقل ولغتها الخاصة اللذان يعرفان بالخط واللغة الصفوية (1).
إلا ان الأغلبية في شمال الجزيرة العربية كانت من البدو الذين يعدون السكان الاصليين لهذه المنطقة، وتشير الاحصاءات الى ان اسلوب الحياة الحضري كان من سمات المهاجرين من الجنوب فقط في هذه المنطقة الشمالية كما سبق ان رأينا من قبل، او من خصائص حياة اليهود الذين كانوا يقيمون بوادي القرى كما سيرد الذكر بعد قليل، وقد نزح كل من هاتين الجماعتين الى هذه المنطقة من خارجها. اما بدو الشمال فكانوا يختلفون من حيث العنصر عن اهل الجنوب. فكانوا يعتبرون انفسهم من نسل اسماعيل بن ابراهيم النبي العبري لا من ابناء يعرب. لذا، فقد اطلق عليهم كتاب الاخبار العرب اسم العرب المستعربة، وكانت منازل هذه الاقوام في تهامة ونجد والحجاز وفي بادية الشام من حدود العراق وحتى تخوم الشام.
من روايات اخبار العرب ان ابراهيم اخذ امته هاجر وابنه اسماعيل بأمر من الله من فلسطين الى ارض مكة، وكانت حينئذ قاحلة لا حياة فيها ولا ماء، ثم فجر الله بئر زمزم لإسماعيل، وبلغ اسماعيل اشده بين قوم من العمالقة كانوا يضربون خيامهم في تلك المنطقة، ثم استولى جرهم وهم طائفة من القحطانيين على هذه المنطقة، فتزوج اسماعيل ابنة ملكهم وكان له منها اثنا عشر ولدا أولهم نابت وثانيهم قيدار، وأتى عدنان من نسل قيدار بعد عدة أجيال تتعدد الروايات حولها، وأنجب عدنان ولدين هما عك ومعد، وكان معد هذا جد كل القبائل العدنانية.
وقد ورد في التوراة وبعض كتابات اليهود الاخرى ذكر عن قوم يقال لهم الإسماعيليون اهل مدين وبنو مشرق وبنو قيدار، ويرى معظم المؤرخين المحدثين ان المراد بكل هذه المسميات الاقوام العدنانية بالجزيرة العربية، وفي سفر التكوين صحاح 37 آية 25 ضمن قصة يوسف وإخوته ورد : (ثم جلسوا يأكلون، وفتحوا عيونهم ليروا قافلة بني اسماعيل وقد وصلت فجأة من جلعاد، وكانت إبلهم محملة بالصمغ والبيلسان واللادن ووجهتهم مصر)، وفي سفر اشعيا اصحاح 21 آية 16، 17 يقول : (قال الله لي بعد عام ستكسر شوكة قيدار وسيقل عدد رماة السهام وجبابرة بني قيدار).
وفي سفري إرميا ويهوذا يدور الحديث كذلك عن هجوم بخت نصر (نبو خذ نصر) على قيدار وغارات بني مشرق، وفي سفر القضاة أيضاً يرد ذكر لهؤلاء القوم وكذلك في سفر اشعيا الذي يحكي عن (زوال شوكة بني قيدار وفناء رماة أسهمهم وجبابرتهم)، ويتضح من هذه النصوص ان هؤلاء الاسماعيليين كانوا شعبا من التجار واصحاب الأموال وكانوا يتمتعون باحترام وقوة كبيرة في بيئتهم، واذا اعتبرنا وجودهم في قصة يوسف بالصورة التي وردت في سفر التكوين مرجعا فلا بد من القبول بان هؤلاء القوم كانوا موجودين في القرن الثامن عشر قبل الميلاد لأن كتاب الوقائع يؤكدون ان يوسف كان يعيش في ذلك القرن، ولكن ينبغي ان نرى اي اقوام كان هؤلاء اصحاب الاسماء المذكورة في هذه المصادر وهل كانوا اسلاف عدناني الجزيرة العربية ام لا ، فيرى ولفنسون انهم كانوا من العبرانيين ويدخلون ضمن سائر الطوائف العدنية كبنى إسرائيل والكنعانيين وغيرهم، وكانوا يقطنون في داخل اراضي الحجاز, وتعد قبائل بني مدين أيضاً من ذوي قرباهم وكانوا يسكنون على ساحل البحر الاحمر من العقبة الى ينبع، ونظرا لعلاقة القربي الوثيقة التي كانت تربط هذين الشعبين فان كتاب المصادر اليهودية كانوا يطلقون اسم كل منهما على الآخر، ويطلق ولفنسون على هذ الشع وب اسم (العبريين البائدين) ويرى انهم قد زالوا في غمرة فتوحات بخت نصر والفرس ومصر على شمال الجزيرة العربية بحيث امتزج الاسماعيليون بالعرب في الجزيرة العربية في حين ذابت بطون من بني مدين في بني اسرائيل في فلسطين (2)، ويطلق جورجي زيدان اسم (العرب الاسماعيليين) على الاسماعيليين في كل مكان، ويرى ان هؤلاء اصابهم الضعف من جراء هجمات بخت نصر، ثم عادوا الى الظهور من جديد في حوالي عصر الميلاد (3)، ويبدو ان المرجع الذي استند إليه ولفنسون في تسمية الاسماعيليين باسم العبريين هو كونهم من أبناء ابراهيم، فهو يطلق اسم (عبري) على هذا المجمل، ولا ينبغي ان ننسى ان علماء العرب أيضاً كانوا يطلقون على العدنانيين اسم (المستعربة)، كما سبق القول.
على آية حال، فهؤلاء العرب المستعربة او العدنانيين كانوا يختلفون اختلافا واضحا عن العرب العاربة او القحطانيين من حيث النظام الاجتماعي واللغة والدين :
(1) فمن حيث النظام الاجتماعي، كان العدنانيون باستثناء قبيلة او قبيلتين هما قريش وثقيف كانوا من البدو سكان الصحارى من نوع البدو المعاصرين، في حين كان اهل الجنوب في معظمهم من سكان المدن ومن الحضر الذين يسكنون في بيوت ويستقرون في مدن عامرة، وفي قبال الشمال كان تقليد تولي النساء لزماما الحكم شائعا مما لا يتصف بصفة الشيوع في تاريخ الجنوب، فتنص النقوش الاشورية على اسماء عدد من ملكات العرب اللاتي حكمن في الشمال، وفي تاريخ الفتوحات التي تمت في عصر الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) نرى قصة امرأة تسمى ام قرفة باعتبارها ملكة على إحدى القبائل، كما ان ثورة سحاح وقيادة عائشة للجيش في موقعة الجمل لا تخلو من شبه بهذا التقليد البدوي القديم، وربما كانت هناك أمثلة اخرى على هذا التقليد بين قبائل البدو في شمال افريقيا اليوم.
(2) وتختلف اللغة العدنانية من حيث الاعراب والتصريف ووضع الضمائر والاشتقاق واشياء اخرى عن لغة سكان الجنوب اي اللغة الحميرية، ولو أن كلتا اللغتين تشتركان في اصلهما السامي، ويتضح الفارق الظاهر بينهما كذلك في الاسماء الشخصية؛ فاسماء سكان الجنوب اشبه بأسماء البابليين في حين لا نجد تشابها بين اسماء اهل الشمال وبين اسمائهم، ويقال ان اتخاذ اسماء الكائنات من قبيلة اسد ونمر وثعلبة وكلب وما الى ذلك يعد من خصائص اهل الشمال، كما يلاحظ تغلغل اللغة اليونانية في لغة الشماليين مما لا وجود له في لغة الجنوبيين (4).
(3) ورغم العناصر المشتركة العديدة التي تربط بين القومين من حيث الديانة الا ان كلا منهما كانت له آلهته الخاصة به، كما سيرد بالتفصيل فيما بعد.
ينقسم العدنانيون الى قسمين باسم ولدي عدنان (عك) و (معد)، فكانت قبائل عك التي تسمى في كتابات الروم باسم اختياري) (5) تقيم في أطراف زبيد بجنوب تهامة، وليس لهذه القبائل تاريخ هام، اما المعديين الذين يطلق عليهم (العدنانيون) بصورة مطلقة فلهم فروع عديدة، وينقسم بصورة كلية الى قسمين : نزار وقنص، وكانت الأغلبية في هذين القسمين للنزازيين الذين كانوا يشملون العديد من القبائل، واشهرها خمس قبائل : مضر وربيعة واياد وانمار وقضاعة، وهناك اختلاف فيما اذا كانت قضاعة من العدنانيين أو القحطانيين.
يقول كتاب الاخبار العرب ان هذه القبائل كانت تتعايش معا في العهود القديمة، ثم تفرقت بها السبل على اثر الشقاق والحروب التي نشبت بينها، فمضت كل منهما الى مكان، ويطلق اهل الاخبار على هذه الحروب اسم (ايام العرب) ويسردون تاريخها بالتفصيل، الا ان السبب الحقيقي لتفرق القبائل وتشتتها كان الحياة البدوية نفسها حيث كان البحث عن الماء والعلف يستدعي التفرق، بل وكانت هذه القبائل تغير على المدن والبلاد العامرة المجاورة للجزيرة العربية. ويحكي مؤرخو الروم عن نزوح بعض قبائل العرب حول الميلاد الى مصر والحبشة، وربما كانوا شعبة من بني قضاعة، وهناك أيضاً بطن اخرى منها تسمى الضجاعمة ورد ذكرهم في حوران الشام ثم في الحصر بين الموصل وتكريت.
كانت هذه القبائل الرحالة تربط نفسها أحياناً بالدول المجاورة اي تلك الدويلات التي سبق الحديث عنها منذ قليل، فتحظى بحمايتها في نظير جزية تحصلها هذه الدول منهم مع ضم عدد من أبناء القبيلة الى جيوشها؛ فكان العدنانيون تحت سيطرة دولة حمير الجنوبية كما رأينا بإيجاز في أخبار دولة كندة. وفي أواسط القرن الخامس تولى رجل اسمه زهير بن جناب الكلبي حكم عرب الشمال من طرف الدولة الحميرية، وثارت عليه قبيلتا بكر وتغلب من قبائل ربيعة بسبب الجزية التي كان زهير يتبع القسوة في جمعها وكانتا عاجزتين عن دفعها، فارسلوا في البداية قاتلا لاغتياله على طريقة البدو الا ان سيف القاتل اخطأه، فاضطروا الى اشعال الحرب فانتصر زهير، وفي أواخر القرن نفسه جمع رجل عدناني يسمى كليب بن ربيعة شمل قبائل معد وهزم الحميريين وخلص قبائله من هيمنتهم، ويطلق على هذه الحرب في اخبار العرب اسم " يوم خزاز " ، فكان كليب يمثل بطلا قومي بالنسبة للعرب العدنانيين، ورغم هذا النصر الذي احرزه العدنانيون الا انهم لم يتمكنوا من تأسيس دولة لهم لتعلقهم الشديد بحياة البادية والروح الفردية، كما أنهم انشغلوا كذلك بحروب داخلية واغتيالات فيما بينهم، فكانوا من حين الى آخر يخضعون لهيمنة دولة من الدول، ومما يعد معروفا ان العدنانيين لم يجتمعوا في الجاهلية تحت راية واحدة الا ثلاث مرات؛ احداها في يوم خراز، واخرى في موقعة سلان والثالثة تحت لواء عامر بن الظرب في حربه ضد قبائل مذحج اليمنية. وفي العصر الاسلامي اجتمع شمل هذه القوة الضخمة المتشتتة مرة اخرى تحت لواء واحد، وشملت الوحدة القبائل العدنانية كلها بل والعرب بأسرهم، فتمت هذه الفتوحات الكبرى، ولكن في أواخر عصر الخلافة الأموية استيقظ ذلك الحس الفردي البدوي والتعصب القبلي الذي شجعه الخلفاء واضرموا نيرانه، فانفرط عقد الوحدة العربية،. وهناك قول عربي مأثور يقول "أنا وأخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ويعرف هذا العنصر في تاريخ الاسلام باسم العدناني والمعدي والمضري والمزاري وهي اسماء اخذت من اسماء اجدادهم الواردة في سلاسل نسبهم.
(2) تاريخ اللغات السامية، ص111.
(3) العرب قبل الاسلام، ص 127.
(4) انظر (العرب قبل الاسلام) (تاريخ اللغات السامية)، (نشأت اللغة العربية) لأنستاس الكرملي.
(5) Acchitai .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|