أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016
4802
التاريخ: 14-3-2021
3509
التاريخ: 30-4-2021
2566
التاريخ: 10-2-2021
1814
|
ممهدات العصور التاريخية في شبه الجزيرة العربية:
أن المفهوم العلمي للتاريخ القديم في شبه الجزيرة العربية لا يقتصر على عهود الجاهلية بمعناها التقليدي المحدود، وإنما يمتد كذلك إلى حضارات أخرى سبقتها بعصور طويلة وآماد بعيدة.
وبدأ النشاط العملي للإنسان القديم فيما قبل التاريخ في المناطق الصالحة للإقامة خلال ما يسمي اصطلاحًا باسم الدهور الحجرية تلك التي تبعد أزمنتها عن عصرنا الحاضر بعشرات الآلاف من الأعوام. وقد قدمنا عنها فى الفصل الثاني من كتابنا عن الشرق الأدنى القديم أنه تعاقبت خلالها على شبه الجزيرة العربية وغيرها من مناطق العروض الوسطي في الشرق الأدنى، عصور مطيرة طويلة، وعصور جفاف عنيف طويلة أيضًا (وذلك في مقابل ما شهدته العروض العليا في أوربا مثلًا من عصور تقدم الجليد وعصور تراجعه).
وكان لكل طائفة من هذه العصور نباتاتها وحيواناتها المناسبة لظروفها، كما أن تأثيراتها الطبيعية أي تأثيرات العصور المطيرة وعصور الجفاف يمكن ترسمها جزئيًا حتى الآن في تكوينات الأودية الكبيرة التى يجري بعضها ناحية الخليج العربي، ويجري بعضها ناحية البحر الأحمر، ويضيع معظمها الآخر في قلب الصحراء. ومن هذه وتلك وادي الحمض ووادي الرمة ووادي حنيفة ووادي فاطمة ووديان حضرموت وبيجان وحريب وأذنة .. إلخ. وكلها كانت قد شقتها مياه أمطار غزيرة في فترات قديمة طويلة. ويغلب على الظن أن مدرجاتها لا تزال تحتفظ ببعض أدوات الدهور الحجرية، وهي أدوات متواضعة صنعها الإنسان البدائي واستخدمها في الدفاع عن نفسه وفي صيد الحيوان وفي تحصيل قوته. وعثر على نماذج منها في أنحاء مختلفة من الأحساء والعروض، والأطراف الشمالية، ومناطق متفرقة من دول الخليج واليمن الشمالي والجنوبي. وفي البداية عثر على أغلبها عن طري المصادفة، ولكن عددًا من بعثات الآثار الدانماركية والعربية قد أولتها أخيرًا عناية خاصة فيق حفائرها بشرق شبه الجزيرة ومناطق دول الخليج العربي.
ومن المحتمل أن تكون شبه الجزيرة العربية قد شاركت بقية مناطق الشرق الأدنى منذ العصر الحجري الحديث فى الألف السادس ق. م. أو نحوه في معرفة حرفة الرعي بعد مرحلتين متتابعتين مهدتا لها، وهما مرحلة أسر بعض الحيوانات البرية الصغيرة من آكلات العشب لتكون احتياطيًا حيًا من اللحم في فترات الجفاف وقلة الحيوانات، ثم مرحلة استئناسها وتعويدها على جيرة الإنسان، لاسيما ما كان منها من ذوات الظلف المدرة للبن.
وحين نتناول ظروف شبه الجزيرة في تلك الدهور البعيدة، فلا ينبغي أن نتصور لها حدودًا مغلقة على أهلها أو أمام أهلها، فالحدود الإقليمية لم تكن معروفة بعد، وكانت الجماعات تنتشر هنا وهناك حيثما استطاعت وفي كل اتجاه بحثًا عن الأراضي النباتية والمعشبة التى يتوافر فيها حيوان الصيد والرعي وموارد الماء على نطاق الشرق الأدني باتساعه الكبير.
ومن المحتمل كذلك أن الموقع المتوسط لشبه الجزيرة العربية قد يسر لبعض سكان أطرافها أن يشاركوا في نقل المتاجر المناسبة لعهودهم بين أقطار الهلال الخصيب حين بدأت عصورها التاريخية منذ الألف الثالث ق. م. وازدادت معها إمكانياتها ومطالبها. كما قام بعض هؤلاء السكان بدور الوسيط التلقائي في المناطق التي يرتادونها، عملوا كذلك في صلب العصور التاريخية على نقل ما يمكن الاتجار به من منتجات بلادهم نفسها لا سيما منتجات البخور واللبان والصموغ والمر من الجنوب العربي.
ويبدو أن هذا الدور التجاري لم يتم على نطاق أوسع إلا بعد استئناس الجمل سفينة الصحراء واستخدامه في النقل والأسفار، نظرًا لما هو معروف عن قدرته على تحمل المشقة والعطش والسير المتصل في رمال الصحراء. وليس من المستبعد أن معرفة الإنسان بالإبل كانت قديمة وتقرب من قدم معرفته بغيرها من الحيوانات آكلة العشب المدرة للبن (ففي مصر القديمة مثلًا كشف عما يشبه هيئة الجمل في نحو 15 نموذجًا أثريًا منذ فجر التاريخ حتى الدولة الحديثة). ولكن الغريب هو أن مصادر شبه الجزيرة والهلال الخصيب ومصر لم تذكر الجمل أو اسمه صراحة إلا في وقت متأخر يقدره الباحث ألبرايت ( W.Albright) بالنصف الثاني من الألف الثاني ق. م. (وفي حوالي القرن 12ق. م.). وإذا صح أن هذا التاريخ ينطبق فعلًا على استخدام الجمل في النقل والتنقل في شبه الجزيرة لكان فيه ما يفسر بداية التغيير في الحياة النمطية لسكانها في وقت لاحق بقليل. ويبدو أن العرب كانوا قبل ذلك يعتمدون على الحمير. ولهذا ظلت تحركاتهم بطيئة، فلما استخدموا الإبل زادت إمكاناتهم الاقتصادية وأصبحوا أقدر على مداومة الاتصال بعضهم ببعض. وعلى تكوين الوحدات السياسية فى بعض المناطق المشجعة على حياة الاستقرار. واتسعت آفاق اتصالاتهم حينذاك بجيرانهم في الهلال الخصيب وانتفعوا ببعض عناصر خصائص حضاراتهم المتقدمة وأخصها فكرة الكتابة. وربما زكى هذا الارتباط ما يتجه إليه بعض الرأي من إرجاع أوائل النصوص العربية المعروفة، وهي مجرد مخربشات أولية في مثل وادي بيجان بالجنوب العربي، إلى أواخر الألف الثاني ق. م. وقد وجدت حول نبع ماء دائم وعدة برك صغيرة.
وبفضل العوامل الطبيعية والبشرية والتطورية التي تقدم ذكرها ظهرت دول وإمارات عدة على فترات مختلفة في مناطق متفرقة من شبه الجزيرة. فتميزت في الجنوب العربي خمس دول كبيرة، وهي سبأ وقتبان وأوسان ومعين وحضرموت، وقد تعاصر بعضها على بعض، وتعاقب بعضها إثر بعض. وكانت للدولة الأولى منها وهي سبأ عدة أطوار متعاقب. وانتفعت هذه الدول بما اتصفت به بيئاتها من الوفرة النسبية في الأمطار والوديان والأنهار. والوفرة النسبية بالتالي في محاصيل الزراعة ومنتجاتها البخور والصموغ واللبان والمر والذريرة، وربما في بعض المعادن أيضًا كالذهب. وانتفعت كذلك بإشرافها على مداخل طرق القوافل التجارية الرئيسية التى كانت تربط بين جنوب شبه الجزيرة وبين شمالها ثم تتفرع بعد ذلك إلى مختلف مناطق الهلال الخصيب، ثم بإشرافها شيئًا فشيئًا على مناطق ساحلية طويلة أطلت بموانيها (المحدودة) وخلجانها الطبيعة على البحر الأحمر وعلى المحيط العربي (أو الهندي) فتعاملت منها مع مناطق الإنتاج الطبيعي على سواحل أفريقيا الشرقية. وبعد ذلك مع سواحل الهند الغربية. وقامت بدور الوسيط التجاري في تصديرها إلى مناطق الاستهلاك والاستيراد في العالم الخارجي المتحضر القديم.
وتوزعت مناطق العمران والاستقرار والحضارة فى المناطق الشمالية والغربية والوسطى والشرقية من شبه الجزيرة العربية والخليج، على أسس مشابهة فتركزت في الوديان وحول موارد المياه في مناطق الواحات والحرات وحول الطرق التجارية الداخلية. والطرق التجارية الكبيرة المؤدية إلى الخارج، وحول الخلجان والموانئ على السواحل البحرية.
وهكذا ظهرت مع توالي العصور إمارات مدين وعاد وثمود. وممالك دومة، وقيدار، وتيماء وددان، ولحيان، والأنباط، وكندة وتجمعات مذحج والأزد وقحطان ومعد. كما ازدهرت مكة ويثرب، وانتعشت مواني الشعيبة والجار والوجه والحوراء وآملج على البحر الأحمر، وجرها وأقطار دلمون وماجان وملوخا على الخليج العربي.
وربما قامت إلى جانب ذلك تجمعات قبلية أخرى في قلب الصحراء لم تكتشف آثارها بعد. وأخيرًا قامت على الأطراف الشرقية والشمالية الغربية. دولة المناذرة، ودولة الغساسنة، حتى ظهر الإسلام وجعل من شبه الجزيرة العربية دولة كبيرة واحدة.
ولم يقتصر نشاط العرب القدماء على أرضهم، وإنما خرجت جاليات منهم إلى جزيرة سوقطرة وساحل الصومال وشاطئ الحبشة وميناء رهابتا قرب دار السلام في شرق أفريقيا. وذلك بطبيعة الحال إلى جانب هجراتهم الشعوبية الكبيرة التى استوطنت في بعض أراضي الهلال الخصيب على فترات متباعدة لا سيما في مناطق الأطراف الواصلة بينها وبين البوادي القريبة منها.
وهنالك ]الكثير من الجدل حول تحديد بعض البلدان[ العربية و بداياتها الزمنية. وترتب هذا الجدل على أن كتبة تلك الدول والإمارات لم يسجلوا أحداثها بتاريخ ثابت إلا في عهود متأخرة. ولم يسجلوا سنوات حكم ملوكهم إلا في عهود متأخرة أيضًا. ولم تعرف لهم حتى الآن قوائم ترتب أسماء حكمهم واحدًا بعد الآخر. وذلك بحيث أنه لا يتيسر تحديد عهد حاكم منهم تحديدًا قاطعًا إلا إذا ورد اسمه أو ما يدل عليه في نص خارجي معاصر له، من النصوص المسمارية، والمصادر المصرية والشامية والإغريقية والرومانية، أو إذا كان عهده من العهود المتأخرة التى استخدم بعض العرب فيها التاريخ الثابت، حين عرفوه على أطراف الشام بعد عام 312ق. م. وعرفوه في سبأ وحمير في عام ما بين 115 وبين 109 ق. م. واستخدموه في دولة الأنباط في عام 106 بعد الميلاد.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|