أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-13
644
التاريخ: 18-10-2016
1500
التاريخ: 2023-04-26
1227
التاريخ: 18-10-2016
3742
|
إن مفهوم التنمية الذي كان شائعا في البلدان النامية منذ أواخر الأربعينيات وحتى أواخر الستينيات من القرن العشرين الميلادي وهو" الزيادة السريعة والمستمرة في مستوى الدخل الفردي عن طريق زيادة الإنتاج من خلال مزيج من الاستثمار والادخار والمعونات " وبالتالي كانت التنمية مرادفة للنمو الاقتصادي . لكن الدراسات الحديثة1 أوضحت بعد ذلك عدم صواب مفهوم التنمية التي يعزى لها مجرد النمو الاقتصادي فقط فقد أصبحت مستويات المعيشة بلا تحسن واستمرت قطاعات واسعة من السكان تعاني من الفقر والجهل والمرض وبالتالي لم يساعدها ذلك في تغيير وضعها في النظام الاقتصادي العالمي وترسخت وتكرست تبعيتها للسوق الرأسمالي العالمي، فأصبح من المألوف التمييز بين النمو الاقتصادي والتنمية. فالنمو الاقتصادي يشير إلى مجرد الزيادة الكمية في متوسط الدخل الفردي الحقيقي أما التنمية فأنها لن تقتصر فقط على النمو ولكنها تشمل ايضا إجراء بعض التغييرات في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلاقات الخارجية وذلك لرفع مستوى الحياة البشرية والقضاء على الفقر وتحرير الإنسان من المهانة والاستغلال خاصة استغلال المجتمعات الأخرى له وزيادة اعتماد المجتمع على ذاته. ( 19 ) في أواخر عقد الثمانينات تزايد الاهتمام العالمي بعدد من القضايا التي تتصل اتصالاً وثيقاً بقضية التنمية كالاهتمام بالثورة العلمية والتقنية والهندسة الوراثية والتقنية البيولوجية وصناعة المعلومات وجميع ما سبق يمكن أن يدفع بعجلة التنمية في العالم الثالث خاصة في حل مشكلات الفقر والجوع ونُدرة الموارد وإن كان لها بعض الآثار السلبية كالانخفاض في الطَّلَب على المنتجات ذات الكثافة العمالية مما يؤدي إلى انتشار البطالة .وقد اشار البنك الدولي 2 إلى أن مفهوم التنمية يجب أن يُبنى على العلانية والشفافية والمشاركة وأن تكون أهداف التنمية نابعة من الدولة ذاتها لا من الهيآت المانحة للمعونات مما يؤدي إلى تحقيق التنمية أهدافها وخاصة الحد من الفقر .لقد شهد العالم تحولات اقتصادية كبيرة خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات واوائل عقد التسعينات من القرن العشرين متمثلة بتدعيم هيمنة البلدان المتقدمة على سلة الاقتصاد العالمي عن طريق تحقيق الوحدة الاقتصادية الاوربية بشقيها السياسي والاقتصادي, ناهيك عن استكمال الاجراءات الدستورية لبدء تطبيق التجارة الدولية الحرة وانضمام بلدان من خارج الولايات المتحدة الامريكية اليها ( امريكا اللاتينية ). كذلك انتهاء الحرب الباردة ما بين القطبين المتنافسين على العالم وتحول البلدان المتقدمة الى اعادة تأهيل واحتواء دول اوروبا الشرقية. كل تلك العوامل الجيوسياسية قد افقدت الدول النامية قوتها التساومية في علاقاتها الدولية مع العالم الخارجي .لقد اصبحت التحديات كبيرة وكثيرة تعصف باقتصاديات دول العالم النامي وعليه لابد من ايجاد وسيلة ما لمواجهة تلك التحديات وتحقيق النصر عليها وتذليلها في خدمة شعوبها التواقة الى حياة كريمة فتعيد اليها انسانيتها التي سلبت منها على مر العصور . وبما ان التنمية الاقتصادية وسياساتها لا تعتمد على مبدأ للحلول الجاهزة على اختلاف مدارسها ونظرياتها يبقى الخيار مفتوحا لكل دولة من تلك الدول في تحقيق سياسات تنموية مناسبة لواقعها الجغرافي والثقافي والاجتماعي والانساني. ان النشاط الاقتصادي هو خلاصة نشاط تفاعلي ما بين الموارد الاقتصادية المختلفة والتي تتمثل في ( الموارد الاقتصادية , الموارد البشرية ورأس المال ). الا ان هذه العناصر تعتمد في الاساس على حسن استخدام واستغلال المورد البشري للعناصر الاخرى على اعتباره المحرك الاساسي والوقود الحيوي الذي يمد حركة التنمية الاقتصادية بالقوة اللازمة للاندفاع نحو اهدافها المرسومة لها. وكما ان جوهر التنمية الاقتصادية يرتكز على شدة تناغم وتفاعل هذه العناصر فيما بينها بحيث تؤلف اوركسترا تضبطها حركات ايقاعية متناغمة ومنسجمة فيما بينها. كما ان التنمية الاقتصادية لم تعد ترتكز فقط على الجانب المادي كما بشرت اليه المدارس الغربية والتي تستمد في تعريفها للتنمية من نظرتها وتركيزها على مبدأ النمو الاقتصادي ومقدار التراكم المادي الذي يحققه ذلك النمو الذي يستند عليه الفكر الاقتصادي الغربي الذي لا يميز غالبا ما بين النمو والتنمية حيث يكرس مفهومه التعريفي للتنمية الاقتصادية على انها " العملية الهادفة الى خلق طاقة تؤدي الى تزايد دائم في متوسط دخل الفرد الحقيقي بشكل منظم لفترة طويلة من الزمن " بينما نجد ان الامر قد يتخذ منحى اخرا اكثر شمولية لدى مفكري العالم الثالث حيث انهم يعرفون التمية الاقتصادية على انها " العملية الهادفة الى احداث تحولات هيكلية اقتصادية واجتماعية يتحقق بموجبها للأغلبية الساحقة من افراد المجتمع مستوى من الحياة الكريمة التي تقل في ظلها ظاهرة عدم المساواة وتزول بالتدريج مشكلة البطالة والفقر والجهل والمرض، ويتوفر للمواطن قدر كبير من فرص المشاركة وحق المساهمة في توجيه مسار وطنه ومستقبله " . وقد تأثر هذا التيار بنتائج التجارب التنموية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ولاسيما تجربة امريكا الجنوبية وبعض الدول الاسيوية، حيث عجز النمو الاقتصادي - في هذه البلاد - عن رفع مستوى معيشة المواطنين .من الجدير بالذكر ان هذين التعريفين قد اتفقا في الرؤية على ان القاعدة الاساسية للتنمية تتمثل في ايجاد البناء الانتاجي المادي والبشري القادر على رفع متوسط انتاجية الفرد وزيادة كفاءة المجتمع لتحقيق تزايد منتظم في انتاج السلع والخدمات يفوق التزايد في عدد السكان وعلى الرغم من اختلاف هذين التيارين حول اهمية التركيز على تقليل ظاهرة عدم المساواة وضرورة توزيع اكثر عدالة لثمرات التنمية الا ان مهمة ايجاد الطاقة الانتاجية من هيكل مادي وقدرة بشرية ومواقف اجتماعية تمثل لدى التيارين المرتكز المادي والبشري لعملية التنمية وتعد خطوة اولية لا جدال حولها حيث لا يمكن تحقيق زيادة منتظمة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد ولا يمكن القضاء على البطالة والفقر والجهل والمرض دون تحقيق قدرة انتاجية ذاتية لدى المجتمع تمكنه من زيادة متوسط انتاجية الفرد من السلع والخدمات .( 20 ) التنمية في بلداننا العربية :كانت بلادنا العربية ومازالت من البلاد النامية, وقد خضعت للاستعمار الغربي, الذي استخدم حجة تنميتها لدخولها واستغلال خيراتها, وكلنا يعرف أن هذا الاستعمار خرج دون أن يحقق أي تنمية تذكر لهذه البلاد, مما جعل البلاد العربية أمام مهمة مزدوجة تتمثل في :
1 ـ التنمية التي تحتاجها هذه البلاد على كافة الصعد من جهة .
2 ـ إصلاح ما أفسده الاستعمار في هذه البلاد من جهة أخرى .
وبالطبع, لا يمكن أن ننكر حاجة البلدان النامية ومنها بلادنا العربية إلى العمل الكثير لتخطي المشاكل الكثيرة التي تعاني منها مجتمعاتها, ولكننا نريد أن نحدد مفهوم التنمية بمعناها الذي تحتاجه هذه البلاد حقيقة, وليست التنمية المفروضة عليها, ونريد أيضاً أن ننبه إلى ضرورة التنمية المجتمعية ككل والتنمية الفردية للإنسان بشخصه. فإن حجة التنمية استخدمتها البلاد المستعمِرة من أجل السيادة والسيطرة على بلاد ما أسمته العالم الثالث, وطبعاً هي لم تدخل هذه البلاد من أجل تنميتها فعلاً كما ادعت, ولكنها بالعكس من ذلك بررت حالة هذه البلاد المتردية بطريقة استعلائية عنصرية, وأرجعت سبب تردي الأوضاع عموماً في هذه البلاد إلى عوامل طبيعية تتعلق بذهنية ونفسية سكان هذه البلاد, وإلى عوامل أخرى متعلقة بظروف كل بلد من هذه البلاد المتأخرة. وقد أكد الغرب بأن هذه الظروف لم تستطع البلاد المتخلفة تخطيها بسبب قصورها, وحتى بمساعدته لها فإنها مازالت تعاني من التردي والتخلف, وإذا كانت هذه البلاد تدّعي بأن سبب ترديها هو الاستعمار فإن هذا الاستعمار قد خرج من هذه البلاد منذ عقود ولكنها حتى الآن لم تستطع النهوض مما يؤكد نظرية هذه البلاد المستعمِرة, حول قصور قدرات سكان البلاد المتخلفة . ولذلك نرى أن هذه الدول مازالت تحاول العودة والسيطرة على موارد الدول النامية ولكن ليس بالطريقة التقليدية وإنما بأساليب وحجج ومسميات جديدة ، وما أخبار العراق عنا ببعيدة . ( 21 ) ووفقاً لذلك عامل العالم الغربي البلاد الأخرى من منطلق الوصي على قصّر, الذين هم في حاجة دائمة إلى الرعاية والاهتمام, واستخدم أساليباً ووسائل متعددة للوصول إلى زرع قناعة وصلت إلى حد البديهة عند سكان البلاد المتخلفة, هذه البديهة مفادها أن كل ما هو غربي هو تقدمي, وكل نظام غربي سواء كان في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع بل وحتى في كل الأمور الصغيرة والكبيرة من اللباس والموضة ومقاييس الجمال إلى اللغة وطرق التعبير وأساليب البحث العلمي, هو النظام الأمثل والأكمل, والذي يجب على هذه البلاد المتخلفة إذا أرادت التقدم السعي للوصول إليه بكل ما تملك من أدوات ووسائل, حتى لو أدى بها هذا الأمر إلى التصادم مع جذورها وإلغاء هويتها الخاصة وثقافتها الحضارية. لذلك فقد سيطرت على العالم مفاهيم غربية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والصحة والعلم وطرق المعيشة وعلاقات الأفراد وكل شيء, صارت هي القمة. بالرغم من أن التجربة قد أثبتت ضرر كثير من هذه المفاهيم, ونتائجها الكارثية على المجتمعات الغربية نفسها. لكنها مازالت إلى الآن هي النموذج الأكمل في نظر سكان البلاد النامية . 22) )وعلى الرغم من أن الغرب نجح إلى حد كبير في ترسيخ هذه الصورة النمطية في الأذهان, فإنه لم يكتفي بذلك فقط, بل حاول بكل الوسائل التدخل في شؤون الدول النامية, والتحكم بها, والسيطرة عليها, واستغلال خيراتها, بحجة رغبته في تنميتها على طريقته هو, ووفق تصوره هو, وعلى نموذجه هو, بطريقة متناقضة تتغير حسب الظروف المحيطة بكل بلد. وقد وجد تعاوناً من أبناء هذه البلاد أنفسهم, فتَحتَ مسمّى تنمية النظام السياسي وإرساء الديمقراطية مثلاً, وجدنا أن الغرب قد استخدم طرقاً غير ديمقراطية في فرض ما أسماه ديمقراطية, كما فعل في العراق وأفغانستان, وقد حارب خيارات الشعوب عندما أوصلت الديمقراطية مجموعات إلى الحكم لا يرغب بها, اختارها الشعب بإرادته فاندفع إلى معاقبة الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي كما نرى الآن. ومازال يحاول إثارة المشاكل في كل مكان بحجة حقوق الإنسان التي لا يراعيها هو نفسه . طبعاً, فإن هذا لا يعني أن بلادنا العربية ليست في حاجة إلى التنمية, وأنها لا تعاني من مشاكل هائلة تمنعها من التقدم والنهوض, ولكننا يجب أن ننتبه إلى أن مجرد استخدامنا لعبارات كعبارة اللحاق بركب الدول المتطورة, أو بحثنا عن الطرق التي تمكننا من الوصول لتكرار ما استخدمه الغرب في نظمه المختلفة سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية ......إلخ , هو نوع من القصور في الرؤية, هذا القصور يتمثّل في أننا نسعى لتقليد نموذج مفروض, أثبت بالتجربة أنه يعاني من مشاكل كثيرة على الرغم من كل المكاسب التي حققها .ولنضرب مثالاً على ذلك من الاقتصاد: فالنظم الاقتصادية الغربية أنتجت مشاكل كبيرة بالنسبة للعالم ككل وليس عندها فقط, فبغض النظر عن الانهيار الاقتصادي الذي تمر به الشركات الكبرى العالمية، والبطالة المستشرية في كبرى الدول الصناعية، والكساد التجاري, نجد أن الغرب يستمر في محاولة فرض نظمه الاقتصادية التي أنتجت كل هذه المشاكل عنده على البلاد النامية, ولأن هذه البلاد لا ترى إلا الجانب المضيء من هذه النظم فإنها ترضخ لسياسات الدول الغربية, وحتى عندما ترى المساوئ لا تستطيع فعل شيء أمام هذا الطوفان الغربي لأنها لا تملك أمر نفسها فعلاً. ووفق شهادة لجيمس سميث الذي عمل مديراً لبرنامج الامم المتحدة للتنمية في مقابلة مع جريدة اللوموند في عام 1996م ، إلى أن " الفاصل بين البلدان الغنية والعالم الثالث يستمر في الاتساع. واستنكر سميث أسطورتين: الأولى وتتحدث عن أن العالم الثالث سيستفيد من النمو المتواصل، والثانية التي تتحدث عن القطاع الخاص كحل معجز لمشاكل التنمية . (23)
___________________________
1- ( تقرير البنك الدولي عن التنمية 2001 )
2- ( تقرير البنك الدولي عن التنمية 2001 )
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|