أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-2-2022
2768
التاريخ: 29-9-2016
1703
التاريخ: 29-9-2016
1650
التاريخ: 29-9-2016
1563
|
أن الغضب شعلة نار اقتبست من نار اللّه الموقدة إلا أنها لا تطلع إلا على الأفئدة و أنها لمستكنة في طي الفؤآد استكنان الجمر تحت الرماد ، و تستخرجها حميّة الدين من قلوب المؤمنين أو حمية الجاهلية و الكبر الدّفين من قلوب الجبارين التي لها عرق إلى الشيطان اللّعين ، حيث قال : خلقتني من نار و خلقته من طين ، فمن شأن الطين السكون و الوقار ، و من شأن النار التلظي و الاشتغال(1) , و الحركة و الاصطهار(2) ، و من نتايج هذا الغضب الحقد و الحسد ، و بهما هلك من هلك و فسد من فسد ، و مقتضيهما(3) , مضغة إذا صلحت صلح لها ساير الجسد.
قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : «الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل»(4) ، و قال : «من كف غضبه كف اللّه عنه عذابه»(5).
و قال الباقر (عليه السلام): «إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في جوف ابن آدم و إن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه فاذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فان رجز الشيطان يذهب عنه عند ذلك»(6).
و قال «ايّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه و ليمسه فان الرحم إذا مسّت سكنت»(7).
قال (عليه السلام): «و كان أبي يقول : أي شيء أشد من الغضب إن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم اللّه و يقذف المحصنة»(8)، و قال (عليه السلام) : «من كف غضبه ستر اللّه عورته»(9) , و قال: «ان في التوراة مكتوب يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين غضبي» (10).
و قال الصادق (عليه السلام): «الغضب مفتاح كل شر»(11).
و إنما ينبسط الدم عند الغضب إذا غضب الانسان على من دونه و استشعر القدرة عليه فان صدر الغضب على من فوقه و كان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب و صار خوفا و لذلك يصفرّ اللون ، و إن كان على نظير يشك فيه تردد بين انقباض و انبساط فيحمرّ و يصفر و يضطرب لطلب الانتقام و إنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات الذي خلقت لأجله قبل وقوعها و إلى التشفي و الانتقام بعد وقوعها.
والانتقام قوة هذه القوة و شهوتها و فيه لذتها و لا تسكن إلا به ، و الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة من التفريط و الافراط و الاعتدال.
أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها و ذلك مذموم و هو الذي يقال فيه إنه لا حمية له ، و هو ناقص جدا و من ثمراته عدم الغيرة على الحرم و احتمال الذل من الاخساء و صغر النفس ، و الخور و السّكون عند مشاهدة المنكرات وقد وصف اللّه تعالى خيار الصحابة بالشدة و الحمية فقال : {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29] , و قال : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة : 73] , و إنما الشدة و الغلظة من آثار قوة الغضب.
وأما الافراط فهو أن تغلب هذه الصفة حتّى تخرج من سياسة العقل و الدين و طاعتهما فلا يبقى للمرء معها بصيرة و نظر و فكر و لا اختيار ، و سبب غلبتها قد يكون فطريا ، و قد يكون اعتياديا بأن يخالط قوما يتبجحون (12) بتشفي الغيظ و طاعة الغضب و يسمون ذلك شجاعة و رجولية فيقول أحدهم : أنا الذي لا أصبر على المحال و لا احتمل من أحد أمرا و معناه لا عقل لي ثم يذكره في معرض الفخر بجهله فمن سمعه فيرسخ في نفسه حسن الغضب و حبّ التشبّه بالقوم فيعمى و يصم عن كل موعظة و لا يقدر الاستضاءة بنور عقله لانطفائه بدخان الغضب.
و من آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللّون و شدّة الرّعدة في الأطراف و خروج الافعال من الترتيب و النظام و اضطراب الحركة و الكلام حتّى يظهر الزبد على الاشداق و تحمر الأحداق و تنقلب المناخر و تستحيل الخلقة و لو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته ليسكن غضبه حياء من قبح صورته و قبح باطنه أعظم من قبح ظاهره ، فان الظاهر عنوان الباطن و إنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا فهذا أثره في الجسد.
و أما اثره في اللسان فانطلاقه بالشتم و الفحش و قبح الكلام الذي يستحيي منه ذوو العقول و يستحيي منه قائله عند فتور الغضب و ذلك مع تخبط النظم و اضطراب اللفظ.
و أما أثره على الأعضاء فالضرب و التهجّم و التمزيق و القتل عند التمكن من غير مبالاة فان هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب و عجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فيمزّق ثوب نفسه و يلطم وجهه و قد يعدو عدو الواله السكران و المدهوش المتحير ؛ و ربّما سقط سريعا لا يطيق العدو و النهوض لشدة الغضب و يعتريه شبه الغشية و ربما يضرب الجمادات والحيوان فيضرب القصعة على الأرض و يكسر المائدة إذا غضب عليهما و قد يتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة و الجماد و يخاطبهما و يقول : إلى متى منك كانه يخاطب عاقلا.
وأما أثره في القلب فالحقد و الحسد و اظهار السوء و الشماتة بالمساءة و الحزن بالسرور و العزم على إفشاء السّر و هتك الاستار و غير ذلك من القبايح فهذه ثمرة الغضب المفرط و ينبغي لصاحبه أن يعالج نفسه من سورة الغضب و يقف على الوسط الحقّ بين الطرفين فهو الصراط المستقيم و هو أدق من الشّعر و أحدّ من السّيف ، فان عجز فليطلب القرب منه قال اللّه تعالى : {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء : 129] .
فليس كل من عجز عن الاتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشّر كلّه ، و لكن بعض الشر أهون من بعض و بعض الخير أرفع من بعض.
_________________
1- في النسخة المخطوطة المصححة الاستعار بدل الاشتغال و هو الموافق للقافية و استعيرت النار توقدت و تسعرت أيضا قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12] .
2- الاصطهار الاذابة ، و منه قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 20].
3- في المخطوطة و مقيضهما و في المخطوطة الاخرى و مقبضهما.
4- الكافي : ج 2 , ص 302 , و احياء علوم الدين : ج 3 , ص 156.
5- الكافي : ج 2 , ص 305 , و فيه« من كف غضبه عن الناس كفّ اللّه تبارك و تعالى عنه عذاب يوم القيامة».
6- الكافي : ج 2 , ص 304.
7- الكافي : ج 2 , ص 302.
8- الكافي : ج 2 , ص 303.
9- الكافي : ج 2 , ص 303 , و ثواب الاعمال : ص 163.
10- الكافي : ج 2 , ص 303.
11- الكافي : ج 2 , ص 303 , و تحف العقول : ص 362.
12- تبجح بتقديم المعجمة المشددة على المهملة : افتخر و تعظم و باهى.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|