أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
2221
التاريخ: 5-11-2014
2636
التاريخ: 5-11-2014
4313
التاريخ: 19-09-2014
1850
|
قال الأُستاذ أبو الحسن علي بن عيسى الرمّاني ( توفّي سنة 386 هـ ) : الفواصل حروف متشاكلة في مقاطع الآيات ، تُوجب حسن إفهام المعاني ، والفواصل في القرآن جمال وبلاغة ؛ لأنّها تتّبع المعاني وتزيدها حكمةً وبهاءً كما تكسوها رونقاً ورُواءً ، على خلاف أسجاع الكهّان ، إنّها عيب وعيّ وفضول في الكلام ؛ لأنّ المعاني في الأسجاع هي التي تكون تابعةً وليست بالمقصودة ، ومِن ثَمّ فهو من قلب الحكمة في باب الدلالات ـ حسبما يأتي ـ (1) .
أمّا فواصل القرآن فكلّها بلاغة وحكمة وأناقة ؛ لأنّها طريق إلى إفهام المعاني والإجادة في المباني ، وقد بلغ القرآن فيها حدّ الإعجاز فوق الإعجاب .
قال الإمام بدر الدين الزركشي : مِن المواضع التي يتأكّد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام ، وهي كلمات وحروف متشاكلة في اللفظ ، فلابدّ أن تكون متناسبةً مع المعنى تمام المناسبة ، وإلاّ لتفكّك الكلام وخرج بعضه عن بعض ، وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك ، لكنّ منه ما يظهر ، ومنه ما يُستخرج بالتأمّل للبيب (2) .
والفواصل في القرآن ـ على ما حقّقه الأُستاذ أبو محمّد عبد العظيم بن عبد الواحد المعروف بابن أبي الإصبع ( توفّى سنة 654 هـ ) ـ على أربعة وجوه :
1 ـ التمكين ، وهو أن يمهّد قبلها تمهيداً تأتي به الفاصلة ممكّنة في موضعها .
2 ـ والتصدير ، وهو أن يتقدّم من لفظها في صدر الكلام ، ويُسمّى ردّ العجز على الصدر .
3 ـ والتوشيح ، وهو أن يكون سَوق الكلام بحيث يستدعي الانتهاء إلى تلك الخاتمة .
4 ـ والإيغال ، وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة زائدة على أصل المعنى (3) .
وإليك شرح هذه الوجوه مع بيان أمثلتها :
1 ـ التمكين : هو أن يمهّد قبل نهاية الآية تمهيداً تأتي الفاصلة معها متمكّنة في موضعها ، مستقرّة في قرارها ، مطمئنة في محلّها ، غير نافرة ولا قلقة ، متعلّقاً معناها بمعنى الكلام كلّه تعلّقاً تامّاً ، بحيث لو طُرحت لاختلّ المعنى واضطرب المقصود من الكلام ، وتشوّش على الفهم ، وبحيث لو سكت الناطق عنها لكمّله السامع بطبعه السليم (4) .
قال الإمام بدر الدين الزركشي : وهذا الباب يُطلعك على سرٍّ عظيم من أسرار القرآن الكريم ، فاشدُد يديك به (5) .
* ومن أمثلته قوله تعالى : {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب : 25].
ولا يخفى وجه المناسبة التامّة .
* وقوله تعالى : {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة : 26، 27].
لمّا كانت الآية الأُولى تَذكرة وعِبرة بما أصاب القرون الأُولى ، ولا عِبرة بأحوال الماضين لولا الاستماع إلى قَصَصهم ، فخُتمت بما يناسبه ( يسمعون ) ، أمّا الآية الثانية فكان الاعتبار فيها بأمر مشهود منظور ، فناسبه الختم بالأبصار .
* وقوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 103].
الشيء إذا بلغ في اللطافة غايتها قصُرت الأبصار عن دركه ، فناسب قوله : ( وهو اللطيفُ ) قوله : ( لا تُدرِكه الأبصارُ ) . والعالم بالشيء إذا بلغ كنهه وأحاط به علماً كان خبيراً به ، فناسب قوله : ( الخبير ) قوله : ( وهو يُدرك الأبصارَ ) ، جمعاً محلّى باللام ، وهو يفيد العموم الدالّ على إحاطته تعالى .
ومناسبة أشد : أنّ قوله : ( وهو اللطيفُ الخبيرُ ) برهانٌ على عدم إمكان إدراكه بالأبصار وأنّه هو الذي يُحيط بالأبصار ، فكان كدعوى مقرونة بشاهد دليل .
* وقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج : 63، 64].
ختم الآية الأُولى بقوله : ( لطيفٌ خبير ) ؛ لأنّ ( لطف ) هنا من ( اللّطف ) بمعنى الرفق والرأفة ، بخلافه هناك ، كان من ( اللطافة ) بمعنى الدقّة ضدّ الضخامة والكثافة ، فلمّا كان الكلام في إنزال الماء من السماء وإنبات الأرض ... وهو السبب الأوّل لإمكان المعيشة على الأرض ، فناسبه الإشارة بجانب لطفه تعالى بعباده ، إلى جنب علمه المحيط بمواضع فقرهم وحوائجهم في الحياة .
وختم الثانية بقوله : ( لهو الغنيّ الحميدُ ) ؛ تنبيهاً على أنّه تعالى في غنىً عن ملك السماوات والأرض وأنّه يجلّ شأنه ويعزّ جانبه من أن يعتزّ بملك ، ولو كان المملوك عوالم الملكوت فهو أعزّ شأناً وأرفع جانباً من الاعتزاز بهكذا أُمور ، هي صغيرة في جنب عظمة ذاته تعالى وفخامة جانبه المرتفع إليه كلّ ثناء ومحمدة في عالم الوجود .
وختم الثالثة بقوله : ( لرؤوفٌ رحيمٌ ) ؛ لأنّه ذكر جعل الأرض وما فيها ، والبحر وما عليها في خدمة الإنسان ، وأمسك بقذائف السماء أن تَهدم الحياة على الأرض ... فهذا كلّه ناشئ عن رأفته تعالى بعباده ورحمته عليهم .
* وقوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [القصص : 71، 72] .
خُتمت الآية الأُولى بقوله : ( أفلا تَسمعون ) ؛ لأنّه المناسب لذكر الليل السرمد ، وهي الظلمة المطبقة لا موضع فيها لحسّ البصر ، سوى حسّ السمع يسمع حسيسها .
وأمّا الآية الثانية ، فكان الكلام فيها عن النهار السرمد ، فناسبه الإبصار .
قال الزركشي : وهذا من دقيق المناسبة المعنوية .
* وقوله تعالى : {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية : 3، 4].
ختم الآية الأُولى بقوله : ( للمؤمنينَ ) ، والثانية ( لقومٍ يوقنونَ ) . والثالثة ( لقومٍ يعقلونَ ) ؛ لأنّ العوالم كلّها هي دليل الصنع الباعث على الإيمان ، أمّا التدبّر في تفاصيل الخلق الدالّة على التدبير فهو دليل النظم الموجب للإيقان ، وأخيراً فإنّ الذي يدعو للإيمان واليقين بسبب التدبّر في آياته تعالى والتفكّر في خلقه هو شرف العقل ، الموجود المفضّل في كيان الإنسان .
* وقوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون : 13، 14].
فسياق الآية بهذا النظم البديع ، وتسلسل الخلقة بهذا النمط الرتيب ، لَيقضي بختمها بهكذا تحميد وتحسين عجيب ، فقد رُوي أنّ بعض الصحابة ـ يقال : إنّه معاذ ابن جبل ـ حين نزلت الآية بادرَ إلى تحسينها والإعجاب بها ، فنطق بهذه الخاتمة قبل نزولها ، فضحك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وقال لمعاذ : ( بها خُتِمت ) (6) .
2 ـ التصدير : هو أن تكون الفاصلة مذكورةً بمادّتها في صدر الآية ، ويُسمّى أيضاً : ردّ العجز على الصدر ، وهو من حسن البديع ، إذ يرتبط صدر الكلام مع ذيله بوشائج من التلاحم والوئام ، قال ابن رشيق : وهذا يكسب الكلام أُبّهة ، ويكسوه رونقاً وديباجة ، ويزيده مائيّة وطلاوة (7) .
من ذلك قوله تعالى : {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران : 8]. وقوله :
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام : 10] ، {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه : 61].
وقد يكون التشاكل لفظياً بحتاً ، وهو من لطف البديع ، كقوله تعالى : {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء : 168] ، أي من الناقمين .
3 ـ التوشيح : هو أن يكون سَوق الكلام بحيث يستدعي بطبعه الانتهاء إلى تلك الخاتمة ، حتى لو سكت المتكلّم عن النطق لترنّم بها المستمعون ، وهو قريب من التسهيم في اصطلاحهم (8) : أن يكون الكلام ممّا يرشد إلى عجزه ، ولذا قيل : الفاصلة تُعلم قبل ذكرها ، قال الزركشي : وسمّاه ابن وكيع ( هو القاضي أبو بكر محمّد بن خلف توفّي سنة 306 هـ ) ( المطمِع ) ؛ لأنّ صدره مطمع في عجزه (9) ، وهذا من بديع البيان وعجيبه ، فمِن ذلك ما تقدّم من قوله تعالى : {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون : 14] .
وقوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس : 37].
وقوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة : 6 - 8].
4 ـ الإيغال : وهو باب عظيم الشأن من أبواب البديع ، هو عبارة عن ختم الكلام بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها ، مأخوذ من أوغل في البلاد : إذا ذهب وبالغ وأبعد فيها (10) وهو بمنزلة التأكيد المُبالغ فيه .
* كقوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة : 16] ، فقد تمّ الكلام عند قوله : ( فما رَبِحت تجارتُهم ) لكنّه أوغل في تفضيع حالتهم ، وأفاد زيادة المبالغة في ضلالتهم ، حيث كان عدم الاسترباح مستنداً إلى عدم اهتدائهم إلى طرق التجارة ، ومِن ثَمّ استُبدلوا بالخير شرّاً وبالصلاح فساداً .
* وقوله تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس : 20، 21] ، حيث قد تمّ المعنى بدون ( وهم مهتدون ) ؛ إذ الرسل مهتدون لا محالة ، لكنّه إيغال أفاد زيادة الحثّ على الاتّباع والترغيب في الرسل ، وأنّ متابعتهم لا تستدعي خسراناً أبداً .
* وقوله تعالى : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة : 50] .
* وقوله تعالى : {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل : 80] ، فقد تمّ المقصود بدون ( إذا ولّوا مدبرينَ ) لولا أنّه أفاد المبالغة في عدم إمكان الإسماع ؛ لأنّ الأصمّ إذا ولّى مدبراً كان أبلغ في تغافله وإعراضه عن الانصياع للدعوة .
____________________________
(1) سننقل كلامه في ص 307 . راجع النكت في الإعجاز : ص97 .
(2) البرهان : ج1 ص78 .
(3) معترك الأقران : ج1 ص39 .
(4) حُكي أنّ أعرابياً سمع قارئاً يقرأ : ( فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غفورٌ رحيم ) ـ ولم يكن قرأ القرآن ـ فقال : إنّ هذا ليس بكلام الله ؛ لأنّ الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل ؛ لأنّه إغراء عليه ( معترك الأقران : ج1 ص40 ) وصحيح الآية ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة : 209.
(5) البرهان : ج1 ص79 .
(6) معترك الأقران : ج1 ص40 .
(7) العمدة : ج2 ص3 .
(8) بديع القرآن لابن أبي الإصبع : ص100 .
(9) البرهان للزركشي : ج1 ص95 .
(10) أنوار الربيع : ج5 ص333 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|