المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

مؤثّرات في العمل الصالح
10-10-2014
وظـائـف المـبادلـة في التـسويـق
12/9/2022
إعمال المصدر
20-10-2014
كميات الفوسفور التي تتطلبها المحاصيل
8-7-2019
N Independent Spins, Revisited
30-8-2016
من يكتب كلام الصورة؟
21/11/2022


أنواع الاستعارة  
  
19283   03:13 مساءً   التاريخ: 5-11-2014
المؤلف : محمّد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة : ج2 ، ص363-374.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز البلاغي والبياني /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-02-2015 17572
التاريخ: 5-11-2014 14421
التاريخ: 20-09-2014 2059
التاريخ: 2-12-2015 9315

تتنوّع الاستعارة ـ نظراً لحالة التشبيه الملحوظة فيها ـ إلى أنواع قد تختلف رواءً وبهاءً ووفاءً بأداء المرام ... وقد اختار القرآن أجملهنّ وأروعهنّ فيما يختار ، وبذلك فاق سائر الكلام ، وهي تنقسم إلى عدّة تقسيمات ، منها تقسيمها :

1 ـ إلى وفاقية وعنادية ومتفرّعاتهما .

2 ـ وإلى عامّية وخاصّية ومتصرّفاتهما .

3 ـ وإلى أصلية وتبعية ومستتبعاتهما من روائع وبدائع .

4 ـ وإلى تجريدية وترشيحية وآثارهما المترتّبة .

5 ـ وإلى مكنّى عنها وتخييلية ومستلزماتهما الفنّية البديعة .

6 ـ وأخيراً تمثيلية في المركّبات ، وهي أبلغهنّ وأفضلهنّ .

وفيما يلي عرض موجز عن هذه الأنواع :

1 ـ وفاقية وعنادية :

الاستعارة الوفاقية ، هي : ما أمكن اجتماع طرفيها ، كما في استعارة الحياة للعلم أو الهداية ، والموت لضدّهما ، في نحو قوله تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام : 122] .

والعنادية : ما لا يمكن اجتماعهما ، وتتفرّع عليها الاستعارة التهكّمية وكذا

التمليحية ، فما استُعير لفظ الضدّ لضدّه إلاّ تهكّماً أو تمليحاً ، ومنه قوله تعالى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران : 21] .

2 ـ عامّية وخاصّية :

تنقسم الاستعارة إلى عامّية مبتذلة ، ممّا يكون الجامع ( الشبه ) ظاهراً معروفاً ، يعرفه كل أحد من غير حاجة إلى دقّة نظر أو براعة في فكر ، كما في استعارة الأسد للرجل الشجاع أو الحاتم للجواد .

وهذا النوع من الاستعارة لا شأن لها عند البلغاء ، اللّهمّ إلاّ إذا حصل فيها تصرّف أخرجها عن الابتذال ، كما في قول الشاعر : ( وسالتْ بأعناقِ المَطيِّ الأباطحُ ) (1) فاستعار السيلان للسير الحثيث في سرعة مع سلاسة ولين ، وهذا أمر معروف ، لكنّه أغرب في إسناد الفعل إلى الوادي وأدخل الأعناق في السير ، فقد سالت بالأعناق الأباطح ، دليلاً على مزدحمها وتداوم حركتها ، حيث السرعة أو البطء في سير الإبل إنّما تظهر في أعناقها .

وأجمل منه قوله تعالى : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد : 17] فقد استُعير الماء الذي فيه الحياة للشريعة النازلة من السماء ، وفيها سعادة الحياة ، وشُبّهت مختلف استعدادات الناس ومختلف مستوياتهم بمختلف متعرّجات الأودية وأغوارها وأبعادها ، فتسيل في  كلٍّ بقدرها وحسب طاقتها .

والماء في بدء نزوله من السماء صافٍ ضافٍ ، لكنّه في سيره في منعطفات المسيل ومتعرّجاته يحتمل معه أوساخاً وأقذاراً تطفو على وجه الماء زبداً رابياً ، متراكماً ومتراكباً بعضه على بعض . هي ظلمات الشكوك والجهالات ، وهي التي تقع مطمح أهل القصور في النظر ، والهبوط في المستوى .

وهكذا أنواع المعادن والجواهر تُذاب وتَذهب أدرانها ، ويعلوها رغاف ، غير أنّ ما ينفع الناس من رسوبات المسيل وصفايا المصوغ هو الذي يبقى ويستمرّ في حياتهم ، وأمّا الزبد والرغاف فيذهب جفاءً وهباءً .

فهنا عدّة استعارات وتشبيهات متداخلة ومترابطة بعضها مع بعض ، وبذلك اكتست حلّة قشيبة من الجمال .

أمّا الخاصّية الغريبة فهي ترتفع عن المستوى العام ولا يبلغ شأوها إلاّ ذوو الأذهان المتوقّدة والأفهام المُرهفة الرقيقة ، ولها شواهد كثيرة في القرآن :

قال تعالى ـ حكاية عن زكريا ( عليه السلام ) ـ : {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم : 4] ، جاءت التكنية عن حلول مشيب عارض وعروض هرم بالغ ، بتعبيرين ، هما من أرقّ التعابير وأدقّها في هذا المجال :

أولاً : كنّى عن الشيب البالغ بوهن العظم ، وهو يلازم ضعف الشيب ، فذَكر العلّة الباطنة دليلاً على المعلول الظاهر ، فقد وضع يده على السبب الأَوّل الموجب لاستيلاء الضعف على مشاعره وجوارحه ، الآذن بالرحيل ، وهي كناية أبلغ من التصريح .

وثانياً : كنّى عن هرمه وكبر سنّه بتجلّل المشيب رأس أجمع ، لكنّه استعار لذلك استعارة فائقة استعار لتهلّل البياض المتجلّل به شيب الرأس ، وهيج النار ، وهي استعارة غريبة لم تعرفه العامّة ولم يُسبق لها نظير في كلام العرب .

إنّ لبياض الشيب تشعشعاً بالنور لدى النظر إليه ، شأن كل بياض يعكس بالنور المشعّ عليه ، فيندفق النور من حوله ، كما يفيض الماء من جوانب الإناء ، وكما يلتهب شواظ النار عند توقّد الاشتعال ، وهكذا ينبسط ضياء المشيب كما ينبسط وهج النار .

إنّه تشبيه ، فما أحلاه من تشبيه واستعارة ، فما أجملها من استعارة ! إنّها غاية في الوفاء وآية في الأداء ، ويزيدها بهاءً ووفاءً بكمال المقصود إسناد الاشتعال إلى الرأس ، وإخراج الشيب مميّزاً دون إضافته إلى الرأس ، إذ لو قال : واشتعل شيب الرأس ، لم يُفهم منه تجلّل الرأس كلّه شيباً وإنارةً ؛ ليكون دليلاً على بلوغ هرمه ، فضلاً عن إشعاره بموضع الشبه للاستعارة ، فجاءت كاملة على طريقة التجريد أيضاً ، حسب البيان الآتي .

قال الشيخ عبد القاهر ـ بصدد بيان شرف النظم في الكلام ـ : ومن دقيق ذلك وخفيّة أنّك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى : {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم : 4] لم يزيدوا فيه على ذِكر الاستعارة ولم ينسبوا الشرف إلاّ إليها ، ولم يروا للمزيّة موجباً سواها .

هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم ، وليس الأمر على ذلك ، ولا هذا الشرف العظيم ، ولا هذه المزيّة الجليلة ، وهذه الروعة التي تدخل على النفوس عند هذا الكلام لمجرّد الاستعارة ، ولكن لأن يُسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء ، وهو لِما هو مِن سببه ، وذلك أنّا نعلم أنّ ( اشتعل ) للشيب في المعنى ، وإن كان هو للرأس في اللفظ ، فلو غيّرته وأسندته إلى الشيب وأضفت الشيب إلى الرأس ليكون على حقيقته ، وقلت ( اشتعل شيب الرأس ) أو( الشيب في الرأس ) ، فهل  تجد ذلك الحسن ، وتلك الفخامة ؟ وهل ترى الروعة التي كنت تراها في الآية ؟

والسبب في ذلك أنّ نظم الآية يفيد ، مع لمعان الشيب في الرأس الذي هو الأصل ، معنى آخر هو الشمول والشيوع وأخذه في نواحيه ، وأنّه قد استقرّ به وعمّ جملته ، حتى لم يبقَ من السواد شيء ، وهذا المعنى لا يكون إذا قيل : اشتعل شيب الرأس ، أو الشيب في الرأس ، بل لا يوجب اللفظ حينئذٍ أكثر من ظهوره فيه في الجملة .

ووزان هذا ، أن تقول ( اشتعل البيت ناراً ) أو تقول ( اشتعل النار في البيت ) فكم بينهما من فرق ؟

قال : ونظير هذا التنزيل قوله عزّ وجلّ : {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر : 12] ، التفجير للعيون في المعنى ، وأُوقع على الأرض في اللفظ ، كما أُسند هناك الاشتعال إلى الرأس ، وقد حصل بذلك مِن معنى الشمول هاهنا مثل ما هناك ؛ وذلك أنّه أفاد أنّ الأرض قد صارت كلّها عيوناً ، وأنّ الماء يفور من كل جوانبها ، أمّا لو قلنا : ( فجّرنا عيون الأرض ) أو ( العيون في الأرض ) لزال هذا المعنى وزالت هذه الروعة في المبالغة القريبة (2) .

ونظيره في الروعة قوله تعالى ـ يصف العلاقة الجنسية بأرفع أُسلوب وبكلمة رقيقة مهذّبة فريدة لا تجد لها مثيلاً ولا بديلاً ـ : {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف : 189].

إنّها استعارة من أبدع الاستعارات وأرفعها تعبيراً عن أمر يقبُح التصريح به ، كلمة رقيقة مهذّبة ، لم تعرفها العرب من ذي قبل ، فجاءت طريفة في نوعها وظريفة في أُسلوبها (3) .

فقد استُعير التغشّي كناية عن عمل جنسي ، يُشبع غريزة فطرية ، ويَحول دون الهلع إلى الفحشاء ، فيوجب عفافاً وستراً كريماً يُغطّي مطاليب الجسد في جوّ نزيه طاهر ، وهذا هو الإحصان واللباس الساتر دون كشف العورات ، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [البقرة : 187] ، فالرجل عندما يقوم بعملية جنسية فإنّه يُغشّي زوجه بثوب فضفاض من العفاف الشامل ، ويُغطيها بلباس التقوى حافظاً لها وساتراً عليها ، برفقٍ ولطفٍ كريم ، فما أرقّه من تعبير وأروعه من أُسلوب !

3 ـ أصلية وتبعية :

إذا كانت الاستعارة في أسماء الأجناس ـ سواء في الذوات كالأسد للشجاع والحمار للبليد ، أم في المعاني كالقتل للضرب المرهق والسحق لإبطال أمر أو إنكاره ـ وكذا في أسماء الأعلام ـ إذا كانت بتأويل أسماء الأجناس ، بأن كانت لها جهة وصفية معروفة ، كحاتم للجواد وما دَرَّ للبخيل أو اللئيم ـ كانت الاستعارة في مثل ذلك كلّه أصلية ؛ نظراً لأنّ الاستعارة وقعت في نفس الاسم .

وأمّا في الأفعال والمشتقّات وكذا الحروف فإنّ الاستعارة فيها تبعية ، قال التفتازاني : وإنّما كانت تبعية ؛ لأنّ الاستعارة تعتمد على التشبيه ، والتشبيه يقتضي كون المشبّه موصوفاً بوجه الشبه أو مشاركاً للمشبّه به في وجه الشبه ، وإنّما يصلح للموصوفية الحقائق ، أي الأُمور المتقرّرة الثابتة (4) .

فالتشبيه في الفعل والمشتقّ إنّما هو في مصدرهما ، وفي الحرف فيما تعلّق به معناه ، قال صاحب المفتاح : المراد بمتعلّقات معاني الحروف ما يُعبّر بها عنها عند تفسير معانيها ، مثل قولنا : ( من ) معناها ابتداء الغاية ، و( في ) معناها الظرفية ، و( كي ) معناها الغرض ، فهذه ليست معاني الحروف ، وإلاّ لم تكن حروفاً ؛ لأنّ الاسمية والحرفية إنّما هي باعتبار المعنى ، وإنّما هي متعلّقات لمعانيها ، أي إذا أفادت هذه الحروف معاني فإنّ تلك المعاني ترجع إلى هذه بنوع استلزام (5) .

والاستعارة الرائعة هي التي تكون تبعية ، فيها دقّة وارتفاع وروعة ، وهي التي تجدها موفورة في القرآن الكريم ، ومرّت عليك بعض أمثلتها ، وسنزيد .

4 ـ تجريد وترشيح :

قال السكاكي : اعلم أنّ الاستعارة في نحو ( عندي أسد ) إذا لم تُعقّب بصفات أو تفريع كلام لا تكون مجرّدة ولا مرشّحة ، وإنّما يلحقها التجريد أو الترشيح إذا عُقّبت بذلك .

ثمّ إنّ الضابط هناك أصل واحد ، وهو : أنّه متى عُقّبت الاستعارة بصفات ملائمة للمستعار له ، أو تفريع كلام ملائم له ، سُمّيت مجرّدة . ومتى عُقّبت بصفات (6) ، أو تفريع كلام ملائم للمستعار منه ، سُمّيت مرشّحة .

مثالها في التجريد أن تقول : ساورت أسداً شاكي السلاح طويل القناة صقيل العَضب (7) ، وجاورت بحراً ما أكثر علومه وما أجمعه للحقائق وما أوقفه على الدقائق .

ومثالها في الترشيح أن تقول : ساورت أسداً هصوراً عظيم اللبدتين وافي البراثن منكر الزئير (8) ، وجاورت بحراً زاخراً يتلاطم أمواجه ولا يغيض فيضه ولا يُدرك قعره .

قالوا : والترشيح أبلغ من التجريد وغيره ؛ لأنّ مبناه على تناسي التشبيه وادّعاء أنّ المستعار له عين المستعار منه لا أنّه مشبّه به ، وهو تحقيق في مبالغة

التشبيه وتأكيد وتزيين لها ، كما قاله التفتازاني (9) .

قال السكاكي : ومبنى الترشيح على تناسي التشبيه وصرف النفس عن توهّمه حتى تبالي أن تبني على علوّ القدر وسمّو المنزلة ، بناءك على العلوّ المكاني ، كما فعل أبو تمّام إذ قال :

ويَصعدُ حتى يظنّ الجهولُ      بـأنّ له حاجةً في السماءِ

وقال ابن الرومي بشأن : نوبخت :

أعـلمُ الناسِ بالنجوم بَنو نو      بخت عِلماً لم يأتِهم بالحسابِ

بل بأنْ يُشاهدوا السماءَ سُموّاً      بترقّ في المَكرماتِ الصِعابِ

مـبلغٌ  لـم يكن لِيبلغه الطا      لـبُ  إلاّ بـتلكمُ الأسـبابِ

وتلزم المستعار له ما يلزم المستعار منه مِن التعجّب وغيره ممّا لا يليق إلاّ بالمستعار منه ، كما قال الشاعر :

لا تَعجَبوا مِن بِلى غِلالته      قد زرَّ أزرارَهُ على القمرِ

أَوَ ما ترى هؤلاء ، كيف نبذوا أمر التشبيه وراء ظهورهم ، كيف نسوا حديث الاستعارة ، كأن لم تخطر منهم على بال ، ولا رأوها ولا في طيف خيال .

وإذا كانوا مع التشبيه والاعتراف بالأصل يُسوّغون أن لا يبنوا إلاّ على الفرع ، كما في قولهم :

هي الشمسُ مسكنُها في السماءِ      فـعزِّ  الـفؤادَ عـزاءً جميلا

فـلن تـستطيعَ إليها الصعودَ      ولـن تـستطيعَ إليكَ النزولا

فهم إلى تسويغ ذلك مع جحد الأصل في الاستعارة أقرب (10) .

ومن الاستعارة المجرّدة قوله تعالى : {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل : 112] ، استُعير اللباس لِما يبدو على الجوع الخوف من الضرّ والبؤس ، ورثاثة الهيئة

وانتقاع اللون وما شابه ذلك ، وكانت استعارة اللباس بالنظر إلى شمول حالة الذلّ والمَسكَنة لهم ؛ لتكون الاستعارة ذات فائدة معنوية بديعة ، لا لمجرّد التوسعة في الكلام .

قال التفتازاني : وإنّما لم يقل : ( طعم الجوع ... ) وإن لاءم الإذاقة ، فهو مُفوّت لِما يفيده لفظ اللباس من بيان أنّ الجوع والخوف عمّ أثرهما جميع البدن عموم الملابس (11) .

ثمّ اقترنت هذه الاستعارة بما يلاءم المستعار له ، فقال : ( فأذاقها ) ، ولم يقل : ( فكساها ) ـ حتى يكون ترشيحاً وهو أبلغ من التجريد ـ لأنّ الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس ، دون العكس ، وفي الإذاقة إشعار بشدّة الإصابة والتأليم ، وهذا هو السرّ في العدول من الترشيح إلى التجريد .

ومن الترشيح قوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة : 16] استُعير الاشتراء لمطلق الاستبدال والاختيار ، ثمّ فرّع عليها ما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة .

تكنية وتخييل  

قد يُضمر التشبيه في النفس ، فلا يُذكر سوى المشبّه ، على خلاف سائر الاستعارات المذكور فيها المشبّه به ، لكن مع الاقتران بشيء من خصائص المشبّه به دليلاً على التشبيه ، فتقول : رأيت رجلاً ، وأنت قد توهّمته سبُعاً ، فتُلحق به قولك : يفترس أقرانه ، فتذكر الافتراس دليلاً على ذلك التشبيه المتوهّم .

وقد اصطلحوا على تسمية ذلك التشبيه المضمر بالاستعارة المكنّى عنها ، وتسمية ما يقترن معها من خصائص المشبّه به دليلاً على التشبيه بالاستعارة التخييلية ؛ ومِن ثَمّ كانت الاستعارتان متلازمتين .

وعدّوا هذا النوع من الاستعارة ( التكنية والتخييل ) من أبدع أنواع الاستعارات روعةً وجمالاً ؛ حيث موضع ذلك التصوّر النفسي البديع ، وكلّما كان ما تصوّره الوهم أوفى بواقعية الأمر وأبلغ كانت الاستعارة أبهى وأجمل .

قال السكاكي : الاستعارة بالكناية أن تَذكر المشبّه وتضيف إليه شيئاً من لوازم المشبّه به على سبيل الاستعارة التخييلية . فتقول : مخالب المنيّة نَشبت بفلان ، طاوياً لذكر المشبّه به ، فقد شَبّهت المنيّة بالسبُع في اغتيال النفوس وانتزاع أرواحها بالقهر والغَلبة ، من غير تفرقة بين نفّاعٍ وضرّارٍ ، ولا رقّة لمرحوم ولا بُقيا على ذي فضيلة ، تشبيهاً بليغاً حتى كأنّها سبُع من السباع ، فيأخذ الوهم في تصويرها في صورة السبع واختراع ما يلازم صورته ويتمّ بها مشاكلته من أعضاء وجوارح ، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس بها ، وتمام افتراس الفرائس بها ، من الأنياب والمخالب ، ثمّ تُطلق على مخترعات و همك أسامي من المتحقق ؛ لتفيض عليها تلك الصورة الوهمية .

وهكذا إذا شبّهت الحال في دلالتها على أمر بإنسان يتكلّم ، فيعمل الوهم في الاختراع للحال ما يكون قِوام التكلّم به ، وهو تصوير صورة اللسان ، ثمّ تُطلق عليه اسم اللسان المتحقق وتضيفه إلى الحال ، قائلاً : لسان الحال ناطق بكذا .

أو أن تُشبّه ولاية أمر صادفتها واقعة تحت مشيئة امرؤ ، وتابعة لرأيه يتصرّف فيها كيف يشاء ، بالناقة المنقادة التابعة لمستتبعها كيف أراد ، فتُثبت لها في الوهم ما هو قِوام ظهور انقياد الناقة به ، وهو صورة الزِمام ، فتُطلق عليها اسم الزِمام المتحقق ، قائلاً : زِمام الحُكم بيد فلان .

قال : وقد ظهر أنّ الاستعارة بالكناية لا تنفكّ عن الاستعارة التخييلية أبداً (12) .

6 ـ الاستعارة التمثيلية :

قال جلال الدين السيوطي : التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها ، واتّفق البلغاء على أنّ الاستعارة أبلغ من التشبيه ، فالاستعارة أعلى مراتب الفصاحة ، وكذا الكناية أبلغ من التصريح ، والاستعارة أبلغ من الكناية ، فقد تصدّرت الاستعارة أعلى مراتب بلاغة البيان وأفصحها .

وأبلغ أنواع الاستعارة هي التمثيلية ؛ لأنّها تنفث في التشبيه روح الحقيقة ، وتُفضي عليها الحركة والحياة ، فيتناسى التشبيه ، وكأنّ الحقيقة بذاتها ظهرت وأبدت معالمها ... (13) .

والاستعارة التمثيلية هي من المجاز المركّب ، وحقيقتها : أن تُشبّه إحدى الصورتين المنتزعتين من متعدّد بالأُخرى ، ثمّ تتخيّل أنّ الصورة المشبّه بها عين الصورة المشبّهة ، فتُطلق تلك على هذه إطلاقاً بالاستعارة .

كما يقال لمَن يتردّد في أمر : أراك تُقدّم رِجلاً وتُؤخّر أُخرى ، فقد شبّه صورة تردّده النفسي في الإقدام والإمساك بمَن قام ليذهب فتردّد في الذهاب ، فتارةً يتقدّم وأُخرى ينصرف فيتأخر (14) .

فهذا أبلغ تشبيه في تصوير حالته النفسية المضطربة ، لا يستطيع الجزم والبتّ فيما يريد .

وهذا النوع من الاستعارة بل التمثيل في القرآن كثير ، وقد تقدّم كثير من أمثلتها في حقل التصوير الفنّي في القرآن .
_______________________

(1) صدره : أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... والمطلع : قوله :

ولمّا قضينا مِن مِنى كلَ حاجةٍ      ومسّحَ بالأركانِ مَن هو ماسحُ

( راجع المطوّل : ص368 ) .

(2) دلائل الإعجاز : ص69 ـ 70 .

(3) راجع محاولة لفهم عصريّ للقرآن لمصطفى محمود : ص17 .

(4) المطوّل : ص372 .

(5) المطوّل : ص374 ، وراجع مفتاح العلوم للسكاكي : ص180 .

(6) قال ، وأعني بالصفات الوصف المعنوي كيف كان لا الصفات النحوية ، ( المفتاح : ص182 ) .

(7) العَضب : السيف القاطع .

(8) الهَصر : الكَسر ، والأسد هصور ؛ لأنّه يَهصر فريسته ، والزئير : صوت الأسد .

(9) المطوّل : ص378 .

(10) مفتاح العلوم : ص183 .

(11) المطوّل : ص378 .

(12) مفتاح العلوم : ص178 ـ 179 .

(13) معترك الأقران : ج1 ص282 .

(14) المطوّل : ص379 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .