أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
1979
التاريخ: 5-11-2014
2608
التاريخ: 19-09-2014
2332
التاريخ: 5-11-2014
1813
|
وهو من ظرف البديع وكماله وبلاغه ، قال ابن رشيق : هو أن يُحاول الشاعر أو المتكلّم معنىً ، فلا يدع شيئاً يتمّ به حسنه إلاّ أورده وأتى به ، إمّا مبالغةً وإمّا احتياطاً واحتراساً من التقصير (1) ، وفسّره بعضهم بأن يكون المتكلّم آخذاً في معنى ، فيعترضه شكّ في إيفاء كلامه ، أو احتمال رادّ سوف يردّ عليه ، أو إثارة سؤال يُحاول الإجابة عليه فرضاً وتقديراً في الكلام ، فيلتفت قبل فراغه من التعبير عن ذلك المعنى ، فيبادر إلى إزالة كل شبهة محتملة ، وحلّ كل مشكلة معترضة ، والإجابة على أيّ سؤال سوف يثيره الكلام (2) ؛ ليكون كلامه وافياً شافياً ومؤدّياً تمام الغرض وكمال المراد ، وهذا من ظرف البديع وكمال البلاغة في الكلام .
وقد جاء في القرآن على أحسنه وأفضله ، منها قوله تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } [الإسراء : 1] ، فإنّ السري لا يكون إلاّ بالليل ، فذكره يغني عن قوله : ( ليلاً ) لولا إرادة تتميم الفائدة للدلالة على تقليل المدة ، بمعنى أنّ السري وقع في بعض الليل ، يدلّ عليه التنكير .
قال الزمخشري : فإن قلت : الإسراء لا يكون إلاّ بالليل فما معنى ذكر الليل ؟ قلت : أراد بقوله : ( ليلا ) بلفظ التنكير ، تقليل مدة الإسراء ، وإنّه أسرى به في بعض الليل من مكّة إلى الشام ـ مسيرة أربعين ليلة ـ وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية (3) .
وقوله تعالى : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه : 112] ، فقوله : ( وهو مؤمن ) تتميم في غاية الحسن ، وأفاد الشرط الأَوّل في قبول الطاعات ، فلو حُذفت هذه الجملة لاختلّ المعنى .
وقوله تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان : 8] ، والشاهد في قوله : ( على حبّه ) إن عاد الضمير على الطعام ، فيزيد تأكيداً لمعنى الإيثار المقصود من الكلام ، أي مع حاجتهم إليه آثروا غيرهم على أنفسهم ، فهو تتميم أفاد المبالغة المقبولة ، فلو طُرح لنقص المعنى واختلّ حسن التركيب .
وكذا لو عاد الضمير في ( على حبّه على الله ) ، أي أطعموهم لرضائه تعالى ، فهو آكد للدلالة على الإخلاص في هذا الإيثار ، وعلى أيّ تقدير فلا يخلو موقع هذه الكلمة من الظرافة والحسن البديع (4) .
ومِن أروع أنحاء التتميم وأفخمه قدراً أن تجتمع أنواعه في كلام واحد ، وهي كما أشرنا : تتميم نقص أحسّ به المتكلّم ، أو مبالغة في إيفاء مراده ، أو احتياط واحتراس عن الشكوك والاعتراضات الواردة .
وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى : {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة : 266] .
هذه الآية فيها محاولة لإبراز حالة الأسف المرير لمَن فقد شيئاً كان ثمن حياته ، في وقت لا يمكنه تداركه ، ويخاف سوء المصير .
قال ابن أبي الإصبع : جاءت في هذه الآية ثمانية مواضع ، في كل موضع منها تتميم ، وأتت على جميع أقسام التتميم الثلاثة :
فأولها قوله ـ في تفسير الجنّة ـ : ( مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) لاحتمال أن تكون جنّة ذات أثل وخمط (5) ، فإنّ لفظ الجنّة يصدق على كل شجر ملتفّ يستر الأرض بظلّ أغصانه ، كائناً ما كان ، ومن الشجر ما له نفع عظيم عميم كالنخيل والأعناب ، وما له نفع قليل كالأثل والخمط ، ومع هذا فلو احترقت لاشتدّ أسف صاحبها ، فكيف إذا كانت من نخيل وأعناب .
ثمّ إنّ الجنّة وإن كانت من نخيل وأعناب ، فما لم تجرِ الأنهار من تحت أشجارها لم يكن لها نفع عظيم بسكنها ، ولم تكن لها حياة ونضارة البتة ، فتمّم هذا النقص بقوله : { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } .
وإذا انضمّت إلى النخيل والأعناب كل الثمرات كان وصفها أتمّ ونفعها أعظم والأسف على فسادها أشد ؛ ولذلك تمّم هذا النقص وبالغ فيه بقوله : { لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الّثمَرَاتِ}.
ولمّا فرغ مِن وصف الجنّة شرع في وصف صاحبها ، فوصفه بالكِبَر ، وهي حالة يأس عن إمكان استئناف العمل لو ذهبت الأتعاب أدراج الرياح ، فقال ـ محتاطاً ـ : ( وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ ) .
ثمّ لو كان عقيماً ولم يُخلّف ذراري ضعافاً كان الأمر هيّناً بعض الشيء ، وسلاّه قرب الأجل ، لكن إذا كان قد خَلّف ذرية ضعفاء فإنّ الأسف على ضياعها أمرّ وأشدّ ؛ ولذلك تمّمه بقوله : ( وَلَهُ ذُرّيّةٌ ) . وأضاف وصفها بالضعف ( ضعفاء ) ؛ لأنّ الإطلاق يحتمل كونهم أقوياء لا حاجة لهم إلى تركة أبيهم ، فكان ذلك يخفض مِن شدّة أسفه ، ويقلّ مِن وطأة غمّه .
وأخيراً أخذ في وصف الحادث المُهلك الذي أصاب الجنّة ، فقال : ( فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ ) ، لكن لمّا كان الإعصار لا يُعجّل فساد الشجر والزرع ما لم يكن فيه نار تمّمه بقوله : ( فِيهِ نَارٌ ) تأكيداً على ذلك .
والإعصار عبارة عن تقابل الرياح المثيرة للعجاج الكثيف الذي دوامه واستمراره يُعمي عيون الأنهار ويطمّ الآبار ، ويُحرق بوهج سمومه الزروع والأشجار ، وهذا معنى ( فِيهِ نَارٌ ) أدارها على الجنّة فاحترقت من شدّة لهبها ووهجها ، كأنّها دوّامة نار تدور عليها في وسط ذلك الإعصار .
ولمّا كانت مظنّة سلامة الأشجار عن الاحتراق ـ لِما فيها من رطوبة وخضر ـ احتاط تلافيه بقوله : ( فَاحْتَرَقَتْ ) أي كانت شدّة الإعصار ووهجه النار بحيث أثّرت في يبسها واحتراقها في نهاية الأمر ، ففي هذه التتميمات المتتالية المتنوّعة كمال إيفاء بالمقصود ، ليس يوجد مثله في سائر الكلام ، وهذا كما قال ابن معصوم : ولله درّ شأن القرآن ومدى اعتلاء بلاغته الخارقة !
قال ابن أبي الإصبع : فانظر ما تضمّنت الآية من تقاسيم هذا النوع من بديع الكلام ، منضماً إلى ما فيه من ائتلاف اللفظ والمعنى والتهذيب وحسن النسق والتمثيل وحسن البيان والمساواة ؛ لتعلم أنّ هذا الكتاب العزيز ـ بأمثال هذه الآية ـ عجّز الفصحاء وبلّد الأذكياء وأعيى على البلغاء (6) .
________________
(1) العمدة : ج2 ص50 .
(2) وهذا بمعنى الاستدراك أشبه .
(3) الكشّاف : ج2 ص246 .
(4) أنوار الربيع : ج3 ص52 .
(5) الأثل نوع من الطرفاء ، والخمط نبت له مرارة ، وكلاهما من الأشواك المرّة .
(6) بديع القرآن : ص46 ـ 48 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|