أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2016
1352
التاريخ: 2023-08-21
993
التاريخ: 31-8-2016
1542
التاريخ: 2-9-2016
5262
|
وينقسِمُ الخبرُ مُطلقاً ـ أعمُّ من المعلوم صدقه وعدمه ـ إلى: متواترٍ، وآحاد.
أمَّا الحديثُ في هذا الحقلِ، فهو عن المتواتر من حيثُ:
أوَّلاً: شرائط مُخبِريه(1)
هو: ما بَلَغَتْ في الكثرة مبلغاً أحالتْ العادةُ تواطؤهم ـ أي اتِّفاقهم ـ على الكذب، واستمرَّ ذلك الوصف في جميع الطبقات حيثُ يتعدَّد؛ بأن يرويه قومٌ عن قوم ، وهكذا إلى الأوَّل . فيكونُ أوّله في هذا الوصف كآخره ، ووسطهُ كطرفيه ؛ ليحصل الوصف: وهو استحالة التواطؤ على الكذب ؛ للكثرة في جميع الطبقات المتعدِّدة(2).
وبهذا ينتفي التواتُر عن كثير من الأخبار التي قد بلغت رواتها في زماننا ذلك الحد، لكن لم يتَّفق ذلك في غيره، خصوصاً في الابتداء، وظنَّ كونها متواترةً مَنْ لم يتفطَّنْ لهذا الشرط.
ولا ينحصر ذلك في عدد خاصٍّ على الأصحِّ؛ بل المُعتَبَر العدد المحصِّل للوصف؛ فقد يحصل في بعض المُخبرين بعشرةٍ وأقلِّ، وقد لا يحصل بمائة؛ بسبب قُربهم إلى وصف الصدق وعدمه.
وقد خالف في ذلك قومٌ ، فاعتبروا اثني عشر ؛ عدد النُقباء(3) ؛ أو عشرين ؛ لآية العشرين الصابرين(4) ؛ أو السبعين ؛ لاختيار موسى لهم(5) ، ليحصل العلمُ بخبرهم إذا رجعوا(6) ؛ أو ثلاثمائة وثلاثة عشر ؛ عدد أهل بدر(7) .
ولا يخفى ما في هذه الاختلافات من فنون الجُزَافات(8) . وأيُّ ارتباطٍ لهذا العدد بالمُراد(9)؟! وما الذي أخرجه عن نظائره ، ممَّا ذُكِرَ في القُرآن من ضروب الأعداد(10)؟
ثانياً: شروطُ سامعيه(11)
وشروطُ حصولِ العلمِ به ـ أي بالخبرِ المتواتَرِ ـ:
[أ ـ] انتفاؤه؛ أيْ انتفاءُ العلمِ المستفادُ منه اضطراراً ـ عن السَّامع(12)؛ لاستحالةِ تحصيل الحاصل. وتحصيلُ التقويةِ أيضاً محالٌ؛ لأنَّ العلمَ يستحيلُ أن يكون أقوى ممَّا كان.
[ب ـ] وأنْ لا يسبق شبهةٌ إلى السامع، أو تقليد، ينافي موجب خبره(13)؛ بأنْ يكونَ مُعتقداً نفيهُ. وهذا شرط اختصَّ به السيِّد المرتضى (رحمه الله)، وتبعه عليه جماعةٌ من المحقِّقين؛ وهو جيِّد في موضعه(14).
واحتجَّ عليه: بأنَّ حصول العلم عقيب خبر التواتر ، إذا كان بالعادة ، جاز أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال ؛ فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد نقيض ذلك الحكم قبل ذلك ، ولا يحصلُ إذا اعتقد ذلك.
وبهذا الشَّرط يحصل الجوابُ لِمن خالف الإسلام من الفِرق؛ إذا ادّعى عدَم بلوغه التواتر بدعوى نبيِّنا(صلَّى الله عليه وآله) النبوَّة ، وظهور المعجزات على يده موافقةً لدعواه ؛ فإنَّ المانع لحصول العلم لهم بذلك ، دون المُسلمين ، سبق الشُّبهة إلى نفيه.
ولولا الشرطُ المذكور ، لم يتحقَّق جوابُنا لهم عن غير مُعجزة القُرآن.
وبهذا أجابَ السيّد عن نفي مَن خالفهُ تواترَ النصِّ(15) على إمامة عليّ(عليه السلام)؛ حيث إنَّهم اعتقدوا نفي النصّ لِشُبهةٍ.
[جـ ـ] واستنادُ المخبِرين إلى إحساس؛ بأن يكون المُخْبَر عنه محسوساً بالبصر، أو غيره من الحواسِّ الخمس. فلو كانَ مستندُهُ العقلَ ـ كحدوثِ العالَم، وصدقِ الأنبياء ـ لم يحصَل لنا العلم(16).
ثالثاً: مصاديق تحقِّقه(17)
وهو ـ أي التواتر ـ متحقِّق في أصول الشرائع ـ كوجوب الصلاة اليوميَّة وأعداد ركعاتها ، والزكاة ، والحجِّ ـ تحقُّقاً كثيراً.
وفي الحقيقة مرجع إثبات تواترها إلى المعنويِّ، لا اللفظي؛ إذ الكلامُ في الأخبار الدّالّة عليه كغيرها. وقليلٌ تحقُّقه في الأحاديث الخاصّة، المنقولة بألفاظ مخصوصةٍ؛ لعدم اتّفاق الطّرفين والوسط فيها، وإنْ تواتر مدلولُها في بعض الموارد؛ كالأخبار الدالَّة على شجاعة عليٍّ(عليه السلام) وكرم حاتم، ونظائرهما. فإنَّ كلَّ فرد خاص من تلك الأخبار الدالَّة على أنَّ عليَّاً(عليه السلام) قتل فلاناً وفعل كذا ، غير متواتر ؛ وكذا الأخبار الدالَّة على أنَّ حاتماً أعطى الفرس الفلانيَّة ، والجملَ والرمح وغيرها ، إلاّ أنَّ القدر المشترك بينها متواترٌ ؛ تدلُّ عليه تلك الجزئيَّات ، المتعدِّدةُ آحاداً ، بالتضمُّن(18).
وعلى هذا يُنزَّل ما ادّعى المرتضى ومَن تبعه تواتره من الأخبار الدالَّة على النصِّ وغيره ؛ إذ لا شبهة في أنَّ كلَّ واحدٍ من تلك الأخبار آحادٌ ، وقد أومأ إلى ذلك في مسائله التبَّانيَّات(19).
ولم نتحقَّق إلى الآن خبراً خاصَّاً بلغ حدَّ التواتر، إلاّ ما سيأتي ؛ حتّى قيلَ ـ والقائلُ ابن الصّلاح(20) ـ : (مَنْ سُئِل عن إبراز مثالٍ لذلك أعياه طلبه)(21) ؛ هذا مع كثرة رواتهم ، قديماً وحديثاً ، وانتشارهم في أقطار الأرض.
قالَ: وحديثُ (إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)(22)
ليسَ منه ـ أي من المتواتر(23) ـ وإنْ نقلَه الآن عددُ التواتر وأكثر ، فإنَّ جميعَ علماء الإسلام ورواة الحديث الآن يروونه ، وهم يزيدون عن عدد التواتر أضعافاً مضاعفة ؛ لأنَّ ذلك التواتر المدَّعى قد طرأ في وسط إسناده إلى الآن ، دون أوّله ؛ فقد انفرد به جماعةٌ مترتِّبون ، أو شاركهم مَنْ لا يخرج بهم عن الآحاد.
وأكثر ما ادُّعي تواتره من هذا القبيل: ينظر مُدَّعي التواتر إلى تحقُّقه في زمانه، أو هو وما قبله، من غير استقصاء جميع الأزمنة. ولو أنصف، لوجدَ الأغلب خلوَّ أوّل الأمر منه، بل ربَّما صار الحديث الموضوع ابتداء متواتراً بعد ذلك(24)، لكن شرط التواتر مفقودٌ من جهة الابتداء.
ونازع بعض المتأخّرين في ذلك، وادَّعى وجودَ المتواترة بكثرةٍ(25)، وهو غريب.
نعم ، حديثُ: (مَن كذب عليَّ متعمِّداً ، فليتبوأ مقعده من النَّار)(26) يُمكن ادّعاء تواتره ؛
فقد نقلَهُ عن النبيِّ(صلَّى الله عليه وآله) من الصَّحابة الجمّ الغفير ؛ أي الجمعُ الكثير . قيل ـ الرواة منهم له ـ : أربعون . وقيلَ: نيِّف ـ بفتح النون وتشديد الياء مكسورةُ وقد تُخفَّف ـ [ وهو] ما زادَ على العقد إلى أن يبلغ العقد الآخر؛ والمُراد هنا: اثنان ـ وستون صحابيَّاً . ولم يزَل العددُ الراوي لهذا الحديث في ازدياد(27).
وظاهرٌ أنَّ التواتر يتحقَّق بهذا العدد ، بل بما دونَه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذي في النسخة المخطوطة (ورقة 7 ، لوحة ب ، سطر 3): (والأوَّل: هو ما بلغت...) ، بدون: (أمَّا الحديث في هذا الحقل ، فهو عن: المتواتر ؛ من حيثُ أوَّلاً: شرايطُ مُخبِريه).
(2) يُنظر: الكفاية في علم الدراية ، ص16.
(3) لِقولهِ تعالى في سورةِ المائدةِ ، الآية 12: (وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباًً).
(4) لقوله تعالى في سورة الأنفال ، الآية 66: (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ).
(5) قال الأب فردينان توتيل: موسى (القرن 13 ق. م) أشهر رجال التوراة ، ومن أكبر مشترعي البشرية من سبط لاوي . ولد في مصر ، وأنقذته ابنة فرعون من المياه ، فتربَّى في قصر أبيها . بدأ رسالته في سنِّ الأربعين ، بعد أن لجأ إلى بريِّة سينا ، فأرسلَهُ الربُّ لينقذ بني إسرائيل من مظالم فرعون ، فجازَ معهم بريَّة سينا مُدَّة أربعين سنةٍ . تلقّى من الربِّ ـ على جبل حوريب ـ الوصايا العشر ؛ فسلَّمهم إيَّاها ، وسنَّ لهم الشرائع الأدبيَّة والكهنوتيَّة والاجتماعية ، فكانت دستورهم الدينيّ والمدنيّ ؛ لهذا يعتبر موسى المؤسِّس والمخلِّص والمشترع . لُقّب: بـ (كليمِ الله) . ماتَ ولم يدخل أرضَ الميعاد. المنجد في الأعلام ، ص694.
(6) لقوله تعالى في سورة الأعراف، الآية 156: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا).
(7) وعلَّق المددي هنا: (وقيل: بالأربعة ؛ قياساً على شهود الزِّنا ، وقيل: بالخمسة ؛ قياساً على اللِّعان ، وتوقَّف فيه القاضي الباقلاني ، وقيل: سبعة ؛ قياساً على غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرَّات ، وقيل: عشرة ؛ لقوله تعالى: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) ، وقيل: أربعون ؛ إمَّا أخذاً من عدد الجمعة ، وأمَّا لقوله (صلَّى الله عليه وآله): (خيرُ السّرايا أربعون) ، وقيل: خمسون ؛ قياساً على القَسامة) . ينظر: المستصفى: 1/ 137 ـ 138 ، وفواتح الرّحموت بشرح مُسلَّم الثبوت: 2/ 116 ـ 117 (المطبوع بهامش المستصفى) ، وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: 2/ 177 (الهامش).
(8) وعلَّق فضيلتهُ أيضاً: (يلاحظ هنا أمران:1 ـ أنَّ هذه الأقوال العجيبة ـ لعلَّ الأصح التعبير عنها بالمختلقة ـ لم تُنْسب إلى قائل معيَّن ؛ بل في كُل المصادر ـ في أصول الفقه ، ودراية ، الحديث ـ تذكر هذه الأقوال مجهولةَ القائل.
2 ـ لعلَّ الأصل في هذه الأقوال أنَّها كانت من أهل التسنُّن ؛ غير الإماميّة ، ثُمَّ تسرَّبت إلى كُتب الإماميَّة الاثني عشرية ؛ وإلاّ لم نجد في مصنَّف من مصنَّفاتنا شيئاً من هذه الأقوال ، بل ولم يتوقَّف أحدٌ منهم في ترجيح قولٍ أو تضعيف آخر).
(9) قال ابن حجر: لا معنى لتعيين العدد على الصحيح. ينظر: شرح النخبة ، ص3.
(10) كما في قوله تعالى في سورة الإسراء ، الآية 101: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) ، وفي سورة المدثَّر ، الآية 30: (لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ *عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) ، وفي سورة ص ، الآية 23: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) ، وفي سورة الكهف ، الآية 25: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) ، وهكذا في بقية آيات الأعداد القُرآنيّة.
(11) الذي في النسخة الخطِّـيِّة (ورقة 8 ، لوحة 1 ، سطر 5): (وشرطُ حصولِ العلمِ به) فقط ، بدون (ثانياً: شروطُ سامعيه).
(12) أي يُشترط انتفاء العلم الضروريِّ عن السَّامع ، كما لو أُخبِر عمَّا شاهده ، فإنَّه لا يحصلُ حينئذٍ العلم مِنَ الخبر ، وإلاّ لَزِم تحصيلُ الحاصل ، أو تقوية العلم الضروريِّ ، وكلاهم مُحالان . خطِّـيَّة الدكتور محفوظ، ص7.
(13) أي موجب خبر التواتر . خطِّـيَّة الدكتور محفوظ ، ص8.
(14) قال السيِّد المرتضى (رحمه الله): قلنا: لابُدَّ من شرط نختصُّ نحن به ، وهو: أنْ يكونَ مَن أُخبر بالخبَر... ، لم يُسبق بشُبهةٍ ، أو تقليد ، إلى اعتقاد نفي موجب الخبر ؛ لأنَّ هذا العلم [يعني: الحاصل من التواتر] ، إذا كان مستنداً إلى العادة ، وليس بموجَبٍ عن سببٍ ، جاز في شروطه النّقصان و الزيادة ، بحسب ما يعلم الله تعالى من المصلحة.
وإنَّما احتجنا إلى هذا الشرط؛ لئلاّ يُقال لنا: أيُّ فرق بين خبر البلدان ، والأخبار الواردة بمعجزات النبيِّ(صلَّى الله عليه وآله) ، سوى القرآن ؛ كحنين الجذع ، وانشقاق القمر ، وتسبيح الحصَى ، وما أشبه ذلك؟! وأيُّ فرق ـ أيضاً ـ بين: أخبار البلدان ، وخبر النصِّ الجليِّ على أمير المؤمنين عليِّ(عليه السلام) ، الذي تنفرد الإماميّة بنقله؟! وألا أجزتم أن يكون العِلم بذلك كُلُّه ضروريّاً كما أجزتموه في أخبار البلدان...) . يُنظر: الذريعة: 2/ 491 ـ 492 ، ومعالم الدين وملاذ المجتهدين ، ص415.
(15) يُمكن لنا أن نقول لمَن خالف الإسلام من اليهود والنصارى: بم أثبتم نبوَّة موسى وعيسى (على نبيِّنا وعليهما السلام) بعد ثبوت نبوَّة الأنبياء المتقدِّمين(عليهم السلام)؟ فما جوابُكم فهو جوابُنا إثبات نبوّة خاتم الأنبياء(عليه السلام) عليكم كما لا يخفى . (م ح م د) عفى عنه ، (هامش المخطوطة المتعمدة ، ورقة 8 ، لوحة ب).
وطبعاً معلومٌ أنَّ المراد بعبارة (مَن خالفه تواتر النص): مَن خالف السيد في القول بتواتر النص ، وإلاّ فيُناسب أن يكون الفعل (خالف) مجرّداً من الضمير.
(16) إنَّ هذا الشرط ـ كما وافقني بذلك صاحب السماحة الزِّنجاني دام ظلِّه ـ: هو من شروط المُخبِر ، وليس السامع . وعليه ، يظهر أنَّ هناك اشتباهاً قد حصل ؛ وكأنَّه من النسَّاخ ، كيف لا وممَّا يؤيّد الإفادة قول صاحب (المعالم)؟! قالَ ابنُ الشهيد الثاني: إنَّ حصول العلم بالتواتر يتوقَّف على اجتماع شرائط بعضها في المخبِرين ، وبعضُها في السامعين.
فالأوّل: ثلاثةٌ
الأوّل: أن يبلغوا في الكثرة حدَّاً يمتنع معه ـ في العادة ـ تواطؤهم على الكذب.
الثاني: أن يستند علمهم إلى الحسِّ؛ فإنِّه في مثل حدوث العالم ، لا يفيدُ قطعاً.
الثالث: استواء الطرفين والواسطة ؛ أعني: بلوغُ جميعٍ طبقات المخبِرين ، في الأوّل والآخر والوسط ، بالغاً ما بلغ عدد التواتر.
والثاني: أمران:
الأوّل: أن لا يكونوا عالمين بما أخبروا عنه اضطراراً؛ لاستحالة تحصيل الحاصل.
الثاني: أن لا يكون السامع قد سبق بشبهة ، أو تقليد ، تؤدِّي إلى اعتقاد نفي موجب الخبر ، وهذا الشرط ذكره السيّد المُرتضى ، وهو جيد... . معالمُ الدِّين وملاذ المجتهدين، ص414 ـ 415.
وواضحٌ بعد ذلك فيما أقول: كيف أنَّ من مثل مطلب (الأخبار) يمثِّل حلقة الوصل بين دراية الحديث باعتباره من أهمِّ مطالبه من جهة، وأصول الفقه باعتباره من مُهمّ مطالبه من جهةٍ ثانية . وكيف أنَّ ابن الشهيد ، غايرَ الشهيدَ في جعل شرطه الثالث من شروطٍ السَّماع شرطاً ثانياً من شروط مخبريه . ونحنُ مع ابن الشهيد فيما يبدو لنا أنَّه الأنسب.
(17) الذي في النسخة الخطِّـيَّة (ورقة 8 ، لوحة ب ، سطر 9 ـ 10): (وهو ، أي التواتر) فقط ، بدون (ثالثاً: مصاديقُ تحقُّقه).
(18) قال ابنُ الشهيد الثاني: قد تتكثَّرُ الأخبار في الوقائع وتختلف ، ولكن يشتمل كلُّ واحدٍ منها على معنى مشترك بينها ؛ بجهةِ التضمُّن و الالتزام ، فيحصل العلم بذلك القدر المشترك ، ويُسمَّى: المتواتر من جهة المعنى . وذلك كوقائع أمير المؤمنين في حروبه ؛ من قتله في غزوات بدرٍ كذا ، وفعله في أُحُدٍ كذا ، إلى غير ذلك ، فإنَّه يدلّ بالالتزام على شجاعته . وقد تواتر ذلك منه ، وإن كان لا يبلغ شيء من ذلك الجزئيات درجةَ القطع. معالم الدين وملاذ المجتهدين ، ص415.
(19) التبّنيَّات: واحدُها التبّاني ، وهو منسوبٌ إلى التبَّان ، وهو رجلٌ بيَّاع للتبن ، وكانَ من اليمن ، سأل منه (رض) هذه المسائل . خطِّـيَّة الدكتور محفوظ ، ص9.
(20) عثمان بن عبد الرحمن ، المعروف بابن الصَّلاح . وُلِدَ في شرخان ، قُرب شهرزور ، سنة 577هـ ، وانتقل إلى الموصل ثُم إلى
خُراسان ، فبيت المقدس ، حيث وُلِّي التدريس في الصَّلاحية ، وانتقل إلى دمشق . ولاّه الملك الأشرف في دمشق تدريس دار الحديث ، وتوفِّي فيها سنة 643هـ . له كتاب (معرفة أنواع علوم الحديث ـ ط) يُعرف بمقدِّمة ابن الصّلاح . ينظر: الأعلام: 4/ 369.
(21) قال ابن الصلاح: (ومَن سُئل عن إبراز مثال لذلك من الحديث أعياه تطلّبه). مقدّمة ابن الصلاح، ص 393.
(22) هكذا ورد الحديث في صحيح البخاري(1/ 2 ، ط1 ، 1304هـ) ، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله؟ وجاء فيه: حدَّثنا الحميدي قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمّد بن إبراهيم التيميّ: أنَّه سمع علقمة بن وقَّاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه) على المنبر قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول: (إنَّما الأعمالُ بالنيِّات ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ، فمَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) . كما جاء في هذا البخاري أيضاً حاشية للسَّـنديّ جدُّ محترمة ، حول قيمة هذا الحديث ، وأوَّليَّـته في مقدمات الأعمال . ينظر: صحيح البخاري: 1/ 2 ـ 3.
هذا ، وقد ورد الحديث أيضاً في صحيح مسلم(م3/ 1515ـ 1516) ، غير أنَّ لفظ: (النيَّة) ، جاءت فيه بدلاً من: (النيَّات) ، وعبارة: (لكلّ
امرئ) ، بدلاً من: (لأمرئ) ، وزيادة جملة: (فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله) ، قبل جملة: (ومن كانت هجرته لدينا...).
نعم، الذي جاء في صحيح البخاري(1/ 14) هو المطابق لِمَا في صحيح مسلم(3/ 1515).
وقال خادم السُّـنَّة، محمد فؤاد عبد الباقي، في هامش صحيح مسلم(3/ 1515):
(أجمع المُسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده وصحَّـته. قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام . وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً من الفقه. وقال آخرون: هو ربع الإسلام . وقال عبد الرحمان بن مهديّ وغيره: ينبغي لمَن صنَّف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث؛ تنبيهاً للطالب على تصحيح النيَّة. ونقل الخطّابي هذا عن الأئمة مطلقاً ، وقد فعل ذلك البُخاري وغيره ، فابتدأوا به قبل كلِّ شيء ، وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه . قال الحُفَّاظ: ولم يصح هذا الحديث عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) إلاّ من رواية عمر بن الخطَّاب! ولا عن عمر إلاّ من رواية علقمة بن وقَّاص! ولا عن علقمة إلاّ من رواية محمد بن إبراهيم التيميّ! ولا عن محمد إلاّ من رواية يحيى بن سعيد الأنصاريّ! وعن يحيى أنتشر!! فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان ، أكثرهم أئمَّة ؛ ولهذا قال الأئمَّة: ليس هو متواتراً ، وإن كان مشهوراً عند الخاصة والعامّة ؛ لأنَّه فقد شرط التواتر في أوَّله.
وفيه طُرفة من طُرَف الإسناد ؛ فإنَّه رواه ثلاثة تابعيُّون ، بعضهم عن بعض: يحيى ، ومحمّد ، وعلقمة . قال جماهير العُلماء ـ من أهل العربيّة والأصول وغيرهم ـ : لفظة (إنَّما) موضوعةٌ للحصر ، تثبِت المذكور وتنفي ما سواه ؛ فتقديرُ هذا الحديث: إنَّ الأعمال تحسب إذا كانت بنِيّة ، ولا تُحسب إذا كانت بلا نيَّة...) . ويُلاحظ أيضاً: فتح الباري: 1/ 8 ـ 9.
(23) وحديثُ: (إنَّما الأعمالُ بالنيَّات) ليس من ذلك السبيل ، وإنْ نقله عدد التواتر وزيادة . مقدِّمةُ ابن الصلاح ، ص393.
(24) وعلَّق المددي: (كما في قوله: (إقرار العقلاء على أنفسهم) ؛ فإنَّه اشتهر في ألسنة الفقهاء ـ سيَّما المتأخِّرين ـ إسناده إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) . وادّعى الجواهري في كتاب (الإقرار) من كُتُبِ كتابه (جواهرُ الكلام في شرح شرائع الإسلام) ، ادّعى: أنَّه مستفيضٌ ؛ بل متواتر . بل في السرائر (ص391): (لإجماع أصحابنا المنعقد: أنَّ إقرار العقلاء جائز فيما يوجب حكماً في شريعة الإسلام) ، فهو في الحقيقة معقد الإجماع ، وهكذا عند الجماعة ، حيثُ لم نجدْ عندهم هذا المتن في مراجعهم الحديثيَّة ، بكونه حديثاً ولو ضعيفاً.
(25) ينظر: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ص146، والتدريب ، ص190 ـ 191 ، ومحمد الصباح ، الحديث النبوي ، ص246 ـ 248 . ويُنظر: الأزهار المُتناثرة في الأخبار المتواترة، ط مطبعة دار التأليف، القاهرة.
(26) يُنظر: صحيح البخاري: 1/ 22 ، ط1 ، باب: أثِمَ مَن كذِبَ على النبيّ(صلَّى الله عليه وسلَّم) ، حديث: 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 . وصحيح مسلم: 1/ 9 ـ 10 ، باب: تغليظ الكذب على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) ، حديث: 1 ، 2 ، 3، 4 . وأُصول الكافي: 1/ 62 ؛ كتاب: فضل العلم ، باب: اختلاف الحديث ، حديث 1 . ويُنظر: مَن لا يحضره الفقيه: 3/ 372 ، باب: معرفة الكبائر التي أوعد الله عزَّ وجلَّ عليها النار ، حديث 12 . والمصدر نفسه: 4/ 264 ، باب: النوادر ، حديث 4 ، وفيه: قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): (يا علي ، مَن كذِب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار) . والاحتجاج للطبرسي: 1/ 393.
وهناك مصادر أُخر أيضاً مذكورة في هامش علوم الحديث، لصُبحي الصالح: ص20.
(27) يُنظر: مقدِّمة ابن الصلاح، ص394، وقواعد التحديث، ص172 ـ 173.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|