أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-05-2015
3936
التاريخ: 30-7-2016
4161
التاريخ: 4-8-2016
4359
التاريخ: 2023-03-22
2709
|
نفى الامام الرضا (عليه السّلام) جميع الوان الشبه و الصور عن اللّه تعالى و ذلك في حديث جرى بينه و بين الفتح بن يزيد الجرجاني و هو في طريقه الى خراسان فقد قال الامام (عليه السّلام) له: يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق و من اسخط الخالق فقمين أن يسلط عليه سخط المخلوقين و ان الخالق لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه و أنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطوات أن تحده و الابصار عن الاحاطة به , جلّ عما وصفه الواصفون و تعالى عما ينعته الناعتون نأى في قربه و قرب في نأيه فهو في بعده قريب و في قربه بعيد كيّف الكيف فلا يقال له: كيف و أين الأين فلا يقال له أين إذ هو مبدع الكيفوفية و الاينونية , يا فتح كل جسم مغذى بغذاء إلّا الخالق الرازق فإنّه جسّم الاجسام و هو ليس بجسم و لا صورة لم يتجزأ و لم يتناه و لم يتزايد و لم يتناقص مبرأ من ذات ما ركب في ذات من جسمه و هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد منشئ الأشياء و مجسم الأجسام و مصور الصور لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق و لا الرازق من المرزوق و لا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ فرق بين جسمه و صوره و شيئه و بينه اذ كان لا يشبهه شيء.
و أنبرى الفتح قائلا: اللّه واحد و الانسان واحد فليس قد تشابهت الواحدانية؟.
و فند الامام هذه الشبهة قائلا: أحلت- أي أتيت بالمحال- ثبتك اللّه إنما التشبيه في المعاني فأما الاسماء فهي واحدة و هي دالة على المسمى و ذلك ان الانسان و إن قيل واحد فإنّه يخبر أنه جثة واحدة و ليس باثنين و الانسان نفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة غير واحدة و هو اجزاء مجزأ ليس سواء دمه غير لحمه و لحمه غير دمه و عصبه غير عروقه و شعره غير بشره و سواده غير بياضه و كذلك سائر جميع الخلق فالإنسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى , و اللّه جلّ جلاله واحد لا واحد غيره و لا اختلاف فيه و لا تفاوت و لا زيادة و لا نقصان فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من اجزاء مختلفة و جواهر شتى غير انه بالاجتماع شيء واحد.
إن اطلاق الواحد على اللّه تعالى يغاير اطلاق الواحد على الانسان فإنّ الانسان مؤلف من أجزاء مختلفة و متباينة كالقلب و الرئتين و العينين و الكليتين و غيرهما من الخلايا و الاعضاء و باجتماعها اطلق عليها الواحد أما بالنسبة الى الخالق العظيم تعالى فإنّه لم يكن مركبا و لا مؤلفا من عدة اجزاء مجتمعة كي يطلق عليه لفظ الواحد.
و قال الفتح: فسر لي اللطيف فإني اعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل ؟.
و أجابه الامام (عليه السّلام): يا فتح انما قلت: اللطيف للخلق اللطيف و لعلمه بالشيء اللطيف الا ترى الى أثر صنعه- أي صنع الخالق العظيم- في النبات اللطيف و غير اللطيف و في الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس و البعوض و ما هو اصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى و المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه و اهتدائه للفساد و الهرب من الموت و الجمع لما يصلحه بما في لجج البحار و ما في لحاء الاشجار و المفاوز و القفار و افهام بعضها عن بعض منطقها و ما تفهم به اولادها عنها و نقلها الغذاء إليها ثم تأليف الوانها حمرة مع صفرة و بياض مع حمرة علمنا ان خالق هذا الخلق لطيف و ان كل صانع شيء فمن شيء صنع و اللّه الخالق اللطيف الجليل خلق و صنع لا من شيء .
حكى هذا المقطع الآثار المدهشة لبدائع خلق اللّه تعالى و ذلك في خلقه لأجسام الحيوانات الصغار من الجرجس و البعوض و ما هو اصغر منهما مما لا يتميز فيها الذكر من الأنثى فقد وهبها اللّه تعالى الادراك فاهتدت الى السفاد لبقائها و استمرارها على الأرض كما وهبها الادراك للفرار من الاخطار التي تواجهها فسبحان الخالق اللطيف و مضافا لذلك ما تتمتع به من الالوان الزاهية الجالبة للنظر و اتخاذها لحاء الاشجار و المفاوز و القفار مقرا و بيوتا لها الى غير ذلك من الطاف اللّه التي تحيط بها فسبحان الخالق العظيم ما اعظم الطافه على جميع الكائنات الحية.
و انبرى الفتح قائلا: جعلت فداك و غير الخالق الجليل خالق؟.
فأجابه الامام (عليه السّلام): ان اللّه تبارك و تعالى يقول: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] فقد اخبر ان في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير باذن اللّه فصار طائرا باذن اللّه و السامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار .
و اعترض الفتح على الامام قائلا: إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته و السامري خلق عجلا جسدا انقض نبوة موسى (عليه السّلام) و شاء اللّه أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو العجب!!.
و أجابه الامام ببالغ الحجة قائلا: يا فتح إن اللّه إرادتين و مشيئتين ارادة حتم و إرادة عزم ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء أو ما رأيت أنه نهى آدم و زوجته عن أن يأكلا من الشجرة و هو يشاء ذلك و لو لم يشأ لم يأكلا و لو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة اللّه و أمر ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل و شاء أن لا يذبحه و لو لم يشأ ان لا يذبحه لغلبت مشيئة ابراهيم مشيئة اللّه عز و جل.
و فنّد الامام (عليه السّلام) شبهة الفتح و ذلك بتقسيمه إرادة اللّه تعالى الى قسمين: إرادة عزم و هي الارادة التشريعية التي يسميها علماء الكلام و هي عبارة عن اوامر اللّه تعالى و نواهيه لعباده التي فيها توازنهم و صلاحهم في سلوكهم في هذه الحياة و لا يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة فقد يطيع العبد و قد يعصي.
القسم الثاني من الارادة و هي الارادة الحتمية التي يسميها المتكلمون بالإرادة التكوينية و يستحيل في هذه الارادة أن يتخلف عنها المراد فانه تعالى إذا قال للشيء كن فيكون و قصة آدم و ابراهيم (عليهما السّلام) انما هي من النوع الأول من الارادة ..
و قد بهر الفتح بكلام الامام و راح يقول: فرجت عني فرج اللّه عنك غير أنك قلت: السميع البصير هل هو سميع بالاذن بصير بالعين؟.
فأجابه الامام: إنه - اي اللّه- يسمع بما يبصر و يرى بما يسمع بصير لا بعين مثل عين المخلوقين و سميع لا بمثل سمع السامعين لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى و البحار قلنا: بصير لا بمثل عين المخلوقين و لما لم يشتبه عليه ضروب اللغات و لم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع لا مثل سمع السامعين ....
و أزاح الامام (عليه السّلام) الشبهة عن الفتح و أوضح له ان بصر اللّه تعالى و سمعه ليسا على غرار سمع الانسان و بصره.
و طفق الفتح يقول للامام: جعلت فداك بقيت مسألة؟.
- هاتها ....
قلت: يعلم القديم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ .
فقال (عليه السّلام): أ ما سمعت اللّه يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] و قوله: {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] و قال: يحكي قول أهل النار: {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] و قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] فقد علم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون .
و بهر الفتح بعلم الامام (عليه السّلام) و احاطته بهذه المسائل الكلامية المعقدة و قد حاول أن يقبل يد الامام و رجله فلم يمكنه من ذلك فقبّل رأسه الشريف و خرج و هو جذلان مسرور لان الامام أزال عنه ما يختلج في نفسه من الشكوك و الأوهام .
و قد احاط الامام (عليه السّلام) في حديثه مع الفتح بكثير من قضايا التوحيد و أوضح الغوامض من مسائله.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|