أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-7-2016
5754
التاريخ: 18-7-2016
8819
التاريخ: 2-8-2016
2029
التاريخ: 17-7-2016
1098
|
دراسة اللهجات العربية لا تقود بالضرورة الى دراسة لغة النصوص الادبية الفصيحة التي وصلت الينا ممثلة في الشعر الجاهلي ، ونصوص الشعر الاسلامي ، لأن تلك النصوص صبغت بلغة يعرفها جميع العرب سواء اكانوا في نجد او الحجاز او اطراف الجزيرة العربية ، وهي تمثل قدراً من الثقافة العربية اللغوية التي لا تخص قبيلة بعينها، فهي لغة مشتركة او حيادية لا تمثل قبيلة من قبائل العرب ، او لهجة من لهجاتها بل (ان اقدم ما تستطيع تصوره في شأن شبه الجزيرة العربية هو ان نتخيلها ، وقد انتظمتها لهجات محلية كثيرة انعزل بعضها عن بعض ، واستقل كل منها بصفات خاصة ، ثم كانت تلك الظروف التي هيأت لبيئة معينة في شبه الجزيرة فرصة ظهور لهجتها ، ثم ازدهارها ، والتغلب على اللهجات الاخرى)(1) .
وقد نمت وازدهرت هذه اللغة المشتركة في مكة عند اهل قريش بالذات لأسباب دينية ، وسياسية واقتصادية(2) .
ومكة مقصد العرب قبل الاسلام وبعده ، اختارها الله لتكون محجاً لبيئته الكريم ، وملتقى العرب الديني ، والتجاري ، الادبي ، فيه يجتمعون للحج والتجارة وسماع الشعر والخطب . واجتماع كهذا يحتاج الى لغة موحدة ، وعربية ينطق بها الجميع ، مبرأة من خصوصيات القول في البيئات المختلفة ، ولهذا كانت اللغة المشتركة . (وهناك نبتت البذرة الاولى للغة المشتركة بين هؤلاء القبائل جميعاً ، ونمت وازدهرت بتوالي وفود القبائل الى هذه الاسواق ، وقد حملت هذه الوفود تلك اللغة المشتركة الى مواطن قبائلها فانتشرت بين انحاء الجزيرة العربية ، ولكنها لم تنشر – على ما نرجح – الا بين الخاصة فقط من ابناء القبائل المختلفة ، وهم اولئك الشعراء والخطباء)(3) .
ص41
لا نعني باللغة الفصيحة هنا اللغة العالية التي كتبت بها الرسائل اللغوية المشهورة ، بل هي دون ذلك ، غير انها فوق لغة العامة .
يقول ابن جني عن لغة قريش وفصاحتها : (ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة ، وكسكسة هوازن ، وتضجع قيس ، وعجرفية ضبة ، وتلتلة بهراء)(4) .
اما ابن فارس (5) فقد قال : (اجمع علماؤنا بكلام العرب ، والرواة لأشعارهم ، والعلماء بلغاتهم وايامهم ، ومحلهم ان قريشاً افصح العرب السنة ، واصفاهم لغة ، وذلك ان الله – جل ثناؤه – اختارهم من جميع العرب ، واصطفاهم ، واختار منهم نبي الرحمة محمداً (ص) ، فجعل قريشاً قطان حرمه ، وجيران بيته الحرام ، وولاته ، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون الى مكة ويتحاكمون الى قريش في امورهم ، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم ، وتحكم بينهم . ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم ، وتسميها اهل الله لأنهم الصريح من ولد اسماعيل – عليه السلام- ...... وكانت قريش مع فصاحتها ، وحسن لغاتها ، ورقة السنتها ، اذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم واشعارهم احسن لغاتهم واصفى كلامهم . فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات الى نحائرهم وسلائقهم التي طبعوا عليها ، فصاروا بذلك افصح العرب) .
اما مذهب اليه بعض المحدثين(6) من ان لهجة قريش لم تكن هي اللغة المشتركة الفصحى لكونها لا تقوم على اساس لغوي علمي صحيح . فأمر فيه نظر ، وافتراض غير سليم لأن ذلك كما قيل (لم يصدر إلا عن لغة تمجيد لقبيلة الرسول (ص)) . ولا يقف امام النصوص على قدميه ، لأن لغة قريش بالمقارنة الى لغات العرب الاخرى قد هيأت للجميع اللغوي المفهوم ، اذ ليس فيها ما يستغلق فهمه على الاخرين .
كما سأل بعضهم : (7) (كيف تكون لقريش لغة واحدة اشتملت على افصح المأثور عن العرب ، وقريش مجموعة كبيرة استطاع اهل الانساب ان يلمحوا
ص42
فيها اقساماً يختلف بعضها على الاخر ، وكيف تكون لغة قريش الظواهر ولغة قريش البطاح واحدة ؟ وعلى هذا كيف تكون لغة الحجاز واحدة على سعة هذه الرقعة الجغرافية ؟ ثم كيف تكون لغة تميم واحدة على سعة الرقعة الشرقية التي تنتشر فيها تميم ؟ .
ثم يقول : (ان ما أثر من اللغات القديمة في العربية لا يتيح لنا ان نرسم صورة واحدة لتلك اللهجات المختلفة) .
ثم يوضح رأيه بقوله : (8) (ان العربية قد وصلت الينا في قدر مشترك اتفق فيه عامة العرب فجاء واضحاً في الشعر القديم . وفي النص الذي خلصت اليه لغة التنزيل العزيز . ان هذا القدر المشترك هو الفصيح العالي الذي لا يمكن ان ينسب الى قوم دون قوم ، وانما هو شيء من كل تلك اللغوية انتهت اليه اللغة العربية التاريخية) .
ان هذا الرأي الذي ذكره استاذنا الدكتور ابراهيم السامرائي ، وان كان يختلف عن الرأي الذي اثبتناه قبله فلا ينفي ان يكون لقريش لغة بعيدة عن اللغة المشتركة ، ولكن يضع في الاحتمال – كما يتبين مما ذكر – نفيها عن مفهوم الاخرين ، وبالتالي يساوي بين قريش وغيرها في القدر الذي تشيع فيه تلك اللغة .
ان الاختلافات اللغوية بين لهجات اللغة الواحدة يمكن تلخيصها بالأمور الاتية : (9)
1- الاختلافات الصوتية في نطق بعض الاصوات باختلاف مخارجها كما في نطق الجيم عند العراقيين ، والمصريين ، والسوريين ، وكذلك وضع اعضاء النطق عند نطق بعض الاصوات .
2- اختلافات في النبر والنغمة الموسيقية ، والنظام المقطعي ، فبعض اللهجات العربية تميل الى المقاطع المفتوحة كقولهم : (كّبد) وبعضها يميل الى المقاطع المغلقة كقولهم (كبّد) .
3- اختلافات في اصوات اللين والحركات في نطقها اولاً كما في الامالة ، والفتح ، والتفخيم ، او الاختلافات في الحركات كما يقال في لغة جنوب العراق (اسكِتْ) بكسر الكاف ، وفي لهجة بغداد (اسكُت بضمها .
ص43
4- اختلافات في قوانين التفاعل بين الاصوات المتجاورة حيث يتأثر بعضها ببعضها فيميل الى المماثلة او المخالفة .
5- اختلافات بسيطة وقليلة في دلالة بعض الكلمات او المصطلحات فالهجرس في لغة تميم هو الثعلب ، وفي لهجة اهل الحجاز هو القرد .
6- اما قواعد بناء الجملة فلا ينالها الا القليل من التغيير .
وكما حدد فندريس (10) (فاللغة المشتركة هي الصورة المثالية التي تفرض نفسها على جميع الافراد في مجموعة واحدة) .
ويظهر من هذه الامور ان الفروق بين اللهجات العربية تتمثل في النطق ، وقوانين الصوت . وان ما حدث فيها من تطور او تغيير ، وما جرى على قواعدها من خروج كان مدعاة لأن ينظر اليه رواة اللغة بعين الحذر والحيطة ، وقد عزوا مظاهر الافساد اللغوي الى الاختلاط بالأعاجم ، ولذا فقد حددوا القبائل التي لا تؤخذ عنها اللغة وهي قضاعة وغسان لمجاورتها الرومان ، واحتمال التأثر بلغة الروم في سوريا وفلسطين . وتغلب والنمر لقربهم من ارض الجزيرة وبتأثرهم بالفارسية واليونانية . وبكر لاتصالهم بالفرس والنبط ، وقبائل اليمن لاتصالها بالحبشة والهند . ولخم وجذام لاتصالها بمصر والاقباط ، وعبد القيس وازدعمان لانهم بالبحرين مخالطين للهند والفرس . وشمال الحجاز لمخالطتهم الاخرين عن طريق التجارة .
وهكذا تضيق دائرة الرواية اللغوية ، فلم تأخذ الا من كان من قريش وقيس ، وتميم واسد ، وهذيل ، وغيرهم ممن سكنوا وسط الجزيرة العربية بسبب من توغلهم في البداوة ، وقربهم من مكة وما حولها (11) .
وقد درج اغلب المستشرقين عند الحديث عن اللهجات العربية على تقسيمها الى عربية جنوبية ، وعربية شمالية ، علماً بان التحديد الجغرافي لشمال الجزيرة او جنوبها لم يكن دقيقاً وواضحاً بالمفهوم المتعارف عليه حالياً ، حيث لم تكن هناك حدود فاصلة بين الشمال والجنوب ، كما ان دقة التحديد يجب ان تراعي سكنى القبائل في الجزيرة العربية ، وهي امور قد اخذت بمبدأ وجود القبيلة في المنطقة الفلانية غير ناظرين الى تنقلها ، وهجراتها بين الشمال والجنوب ، ولهذا يصعب تحديد مكان سيادة تلك اللهجات سواء اكانت جنوبية ام شمالية . ان التحديد المناسب هو (ان تقسم اللهجات العربية الى بائدة ، وباقية)(12).
ص44
____________________
(1) مستقبل اللغة العربية المشتركة – د. ابراهيم انيس 7 .
(2) ينظر : كتاب ملامح من تاريخ العربية د. احمد نصيف الجنائي 52 وما بعده .
(3) ملامح من تاريخ العربية 52 .
(4) الخصائص 2: 11 .
(5) الصاحبي 23 .
(6) انظر : فقه اللغة في الكتب العربية 119 .
(7) تاريخ العربية – د. ابراهيم السامرائي 30 .
(8) المصدر نفسه 31 .
(9) انظر : لهجة تميم 30-31 ، وفي اللهجات العربية 119 ، وفي علم اللغة العام 226-227 .
(10) اللغة 306 .
(11) في اللهجات العربية 17 .
(12) تاريخ اللغات السامية 164 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|