التفريق بين الوحي الخاص بالنبي والوحي العام لكل الانبياء
المؤلف:
محمد حسين الصغير
المصدر:
تاريخ القرآن
الجزء والصفحة:
ص 28- 30
17-09-2014
3978
قد يكون الوحي بملحظ آخر عاما بين جميع الأنبياء والرسل ، وقد يكون خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما كان عاما يكون مشتركا بينه وبين الأنبياء والمرسلين لأنه أحدهم بل سيدهم ، وما كان خاصا ينفرد به وحده .
فالأول : كقوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25].
ويبدو أن هذا الوحي يشتمل على جميع أقسام الوحي وكيفياته ، ولا يختص بالإيحاء بمعناه الدقيق ، لأن الإيمان بالوحدانية فطرة إنسانية تحتمها طبيعة العقل السوي ، والأنبياء بعامة يتمتعون بهذه الفطرة نفسيا وعقليا .
قال الراغب الأصبهاني ( ت : 502 هـ ) : « فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه ، وذلك أن معرفة وحدانية الله تعالى ، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل ، بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع ، فإذن المقصود من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ، ووجوب عبادته » (1) .
والثاني : ما هو مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده ، كالأمر له في قوله تعالى : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ... } [الأنعام : 106] .
وكأخباره عن نفسه ، محكيا بقوله تعالى :
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف : 9] وكالطلب إليه بقوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ... } [الكهف : 110] .
وفي هذا الضوء ، فإن ما يوحى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يخلو : إما أن يكون تعليمات يؤمر بإشاعة مفاهيمها بين الناس بحال من الأحوال ، وإما أن يكون كلاما يؤمر بتدوينه ، ويثبته الله في قلبه ، ويتلوه بلسانه ، فيكون كتابا فيما بعد ، وإلى هذا أشار الزهري بقوله :
« ما يوحي الله به إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه ، فيتكلم به ويكتبه ، وهو كلام الله . ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ، ولا يأمر بكتابته ، ولكنه يحدث الناس به حديثا ، ويبين لهم أن الله أمره ، أن يبينه للناس ويبلغهم إياه » (2) .
والقرآن الكريم من النوع الذي ثبت في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكلم به وأمر بكتابته وتدوينه ، بعد إنزاله وحيا من قبله .
وقد أورد الزركشي عن السمرقندي ثلاثة أقوال في المنزل من القرآن :
1ـ أنه اللفظ والمعنى ، وأن جبرائيل عليه السلام حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به .
2 ـ إن جبرائيل عليه السلام إنما نزل بالمعاني الخاصة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم تلك المعاني ، وعبر عنه بلغة العرب .
3 ـ إن جبرائيل عليه السلام ، إنما ألقي إليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب (3) .
والأول هو الصحيح دون ريب ، لأن جبرائيل عليه السلام وصف بالروح الأمين لأمانته المتناهية ، فلا يضيف ولا يغير ، ولا يبدل ولا ينسى ، ولا يخوّل ولا يتجوز ، كيف لا وهو روح القدس بقوله تعالى : {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ...} [النحل : 102].
والقرآن نازل من عند الله بألفاظه نفسها ، وما مهمة جبرائيل عليه السلام إلا تبليغ الوحي كما تسلمه ، وهو آيات الكتاب الكريم بنصوصها خالصة بدلالة قوله تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ... } [آل عمران : 108].
وقد اختار السيوطي ذلك تعبدا بلفظ القرآن إعجازا ، فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه ، وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة ، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه (4) .
_______________________
(1) الراغب ، المفردات : 516 .
(2) السيوطي ، الاتقان : 1 / 128 .
(3) الزركشي ، البرهان : 1 / 229 + السيوطي ، الاتقان : 1 /126 .
(4) ظ : السيوطي ، الاتقان : 1 / 128 .
الاكثر قراءة في الوحي القرآني
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة