ابن المجدي

هو احمد بن رجب بن طيبغان المجدي، والمعروف بابي العباس شهاب الدين المجدي، لقب بالمجدي نسبة الى جده طيبغان المجد بن الشهاب، ولد صاحب الترجمة في القاهرة سنة 767هـ وتوفي هناك سنة 850هـ.

فأبو العباس شهاب الدين المجدي عالم بالفلك والرياضيات والفرائض، وترعرع وتعلم في مصر، فهو مصري الأصل، ونال شهرة مرموقة بذكائه المفرط ونظرياته في علم الفلك التي بقيت تتناقلها الأجيال.

ويذكر ديفيد يوجين سميث في كتابه تاريخ الرياضيات (المجلد الأول) ان أبا العباس شهاب الدين المجدي من مواليد سنة 760هـ، وهو من العلماء النابغين في علمي الفلك والرياضيات ونال شهرة نادرة في عمل الجداول الرياضية التي تستند على الرصد الدقيق ومنها: رسالة الدر اليتيم في صناعة التقويم، وكتاب التسهيل والتقريب في بيان طرق الحل والتركيب في علم الهيئة، وكتاب بغية الفهم في صناعة التقويم، وخلاصة الاقوال في معرفة الوقت ورؤية الهلال.

وأضاف السخاوي في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ان أبا العباس شهاب الدين المجدي عرف بنتاجه المثمر في العلوم التطبيقية: الحساب والهندسة والفرائض وعلم الهيئة، وله صولة وجولة في علم الميقات، فهو علامة زمانه بلا منازع في هذا الميدان.

اهتم في علم الفرائض اهتماما بالغا، ودرس هذا الموضوع الحيوي في القاهرة على يدي التقي بن عز الدين الحنبلي، حتى صار حجة فيه، ويظهر ذلك من مؤلفاته في هذا المجال: ابراز لطائف الفرائض في احراز صناعة الفرائض، وارشاد السائل الى أصول المسائل، والقول المفيد في جامع الأصول والمواليد.

كما درس مبادئ العلوم التجريبية على علماء زمانه المتميزين، ولكنه لازم العلامة الجمال المارد اني فتلقى على يديه علمي الفلك والميقات، وقد نوه معاصروه بمقدرته العلمية في هذين العلمين، فمن مصنفاته في هذين الحقلين: ارشاد الحائر في العمل بربع الدائرة في علم الهيئة، ورسالة في العمل بالربع المرسوم بالمقنطرات، ورسالة في قانون النيرين، ورسالة في تعديل القمر المحكم، ورسالة في تعديل زحل.

توجد نسخة (رسالة في العمل بالربع المرسوم بالمقنطرات) كمخطوط في دار الكتب الظاهرية برقم 11358، وتحتوي على عشرة فصول منها: الفصل الأول معرفة اخذ الارتفاع، والفصل الثاني في معرفة موضع الشمس، والفصل الثالث في معرفة الميل وعرض البلد..، والفصل الثامن في معرفة سمت القبلة وإخراج الجهات ونصب المحراب، والفصل التاسع في معرفة المطالع الفلكية ومطالع الوقت ويتضمن أسماء البروج، والفصل العاشر في معرفة العمل بالكواكب.

وضع أبو العباس شهاب الدين المجدي جداول رياضية تعتمد على الرصد الدقيق الذي قام به في بلاده مصر، فمن نتاجه في هذا العلم: كشف الحقائق في حساب الدرج والدقائق، والمنهل العذب الزلال في معرفة حساب الهلال.

اما المصنف الذي نال منه شهاب الدين المجدي شهرة علمية عظيمة ليس فقط بين معاصريه ولكن أيضا بين علماء المعمورة اجمع، فهو كتاب (ارشاد الحائر الى تخطيط فضل الدوائر في علم الهيئة) والذي اختار له اسم (زاد المسافر) بقي هذا المؤلف من اهم المصادر التي يرجع اليها كبار الباحثين في علم الفلك، فقد جمع فيه تجاربه العلمية التي قام بها في مراصده في القاهرة وغيرها.

وخلاصة القول: لم يكتب عن ابي العباس شهاب الدين المجدي ما يشفي الغليل في المراجع العربية والافرنجية، ولكنني بذلت قصارى جهدي بالبحث والتنقيب حتى حصلت على هذه الترجمة البسيطة، التي تبين ان عالمنا العظيم أبا العباس شهاب الدين المجدي من عمالقة علماء الفلك في الحضارة العربية والإسلامية.

ولحسن الحظ ان معظم نتاج ابي العباس شهاب الدين المجدي لا يزال موجودا كمخطوطات في بعض مكتبات العالم، مثل مكتبة ليدن في هولندا ومكتبة برلين في جامعة أكسفورد وغيرهما تنتظر الباحثين.

ومن المبهج حقا ان أرى المستشرق ديفيد يوجين سمث يعترف بمكانة عالمنا الموقر شهاب الدين المجدي، ويتحدث عنه كنابغة من نوابغ علماء الرياضيات والفلك في كتابه (تاريخ الرياضيات).

كما يؤلمني أيضا ان أقول ان اعمال ابي العباس شهاب الدين المجدي مطروحة عليها الغبار في مكتبات العالم منتظرة أبناء جلدته ليحققوها وينشروها للملا لكي يزيلوا الغيوم وتنتشر سيرته بين الناس.

ارجو ان تكون هذه السيرة الموجزة حافزا لشباب الامة العربية والإسلامية لدراسة اسهامات ابي العباس شهاب الدين المجدي، صاحب الثقافة العالية والاطلاع الواسع والعبقرية الفذة ليس فقط في علم الفلك ولكن في العلوم الأخرى مثل الحساب والمثلثات والجداول الرياضية والتقويم.