‏لقد كان يظن قديما أن الماء جوهر بسيط لا يتفكك . بينما اثبتت التحريات العلمية أن الماء يتركب من عنصرين هما : الهدروجين والأوكسجين ، بنسبة اثنين إلى واحد حجما وبنسبة واحد إلى ثمانية وزنا . وللغرابة فقد أودع الله سبحانه في هذين العنصرين اللذين يتركب منهما الماء خصائص فريدة عجيبة ، حتى أنه يشار إليهما بالبنان في (علم الكيمياء) لأهميتهما البالغة ومقامهما المعتبر ، الهدروجين هو أبسط العناصر ، وكل العناصر يمن تشتق منه . فهو يتألف من بروتون واحد النواة ، يدور حوله الكترون واحد.

‏ولا يخفى ما للهدروجين من قيمة كبيرة في اعطاء الصفة الحمضية Acidic ProPerties ‏للحموض ، بينما يشترك هو والأكسجين في اعطاء الصفة الأساسية Basic ProPerties ‏للماءات . ومن خصائصه المميزة التي انفرد بها بشكل متميز انه هو الشبه المعدن الوحيد الذي يسلك ‏سلوكا موجبا كالمعادن. وبالتالي فهو رغم كونه شبه معدن فهو يستطيع أن يتحد بكافة اشباه المعادن. والمثال النموذجي على ذلك اتحاد الهدروجين بالهالوجينات كالكلور والبروم واعطائه الحمضو المائية ، ذات الأهمية البالغة في الكيمياء.

‏ومن الأهمية بمكان ان نذكر أهمية نظائر Isotopes‏ عنصر الهدروجين ، التي اكتشف وجودها في الماء. وهي الدوتيريوم (الحاوي في نواته على نترون واحد مع البروتون ) والتريتيوم (الحاوي على نترونين مع البروتون) . فلقد وجد أن نظير الدوتيريوم يوجد في الماء بنسبة ضئيلة 2 إلى 10 ‏ ، 000 ‏متحدا مع الاوكسجين العادي وتسمى ذرة الماء التي يدخل في تركيبها الدوتيريوم (الماء الثقيل) لأن ذرته أثقل من ذرة الماء العادي . ولا يخفى ما للهدروجين الثقيل (الدوتيريوم) من قيمة عظمى في عملية الاندماج النووي ، الذي أسست وفقه (القنبلة الهدروجينية). وذلك أن كل ذرتين من الدوتيريوم إذا قذفت إحداهما بأخرى بطاقة عالية فإنهما تلتحمان مع بعضهما مشكلتين نواة هليوم (التي تحوي بروتونين ونترونين ) . والذي يميز هذا الاندماج هو أن الطاقة المتولدة عنه هي أضعاف أضعاف الطاقة المتولدة عن انشطار اليورانيوم المستخدم في (القنبلة الذرية).

‏هذا من جهة ومن جهة اخرى لا يخفى ما للماء الثقيل ‏DO من قيمة كبيرة في بناء المفاعلات النووية ، حيث يقوم الماء الثقيل خير قيام بوظيفة المهدئ لسرعة النترونات.

‏لهذا كله دأب العلماء على البحث عن أنجع الطرق لفصل الماء الثقيل من الماء العادي. ومن اشهر هذه الطرق طريقة التحليل الكهربائي . وهي عملية شاقة لأن كل خمسة اطنان من الماء يمكن أن يستحصل منها على كيلو غرام واحد من الماء الثقيل.

هذا عن الهيدروجين أما عنصر الأوكسجين فغني عن البيان ما لهذا العنصر من مقام سام في كيمياء التفاعلات فهو العنصر الوحيد الذي يملك قدرة هائلة على التفاعل . فهو لا يتفاعل مع المعادن فقط فيؤكسدها ، بل إنه يتفاعل أيضاً مع أغلبية أشباه المعادن كالكبريت والأزوت والفسفور والفحم ، معطياً الأكاسيد الحمضية ، التي إذا انحلت في الماء فإنها تعطي الحموض الأوكسجينية . هذا عند عن أن الأوكسجين يدير دفعة عمليات الاحتراق وتوليد الطاقة في كل أنحاء الدنيا ، ويقوم بعمليات التنفس وتوليد الطاقة في النبات والحيوان والإنسان ، التي توفر الحياة للكائنات الحية . مما يفسر وجوده بوفرة في الهواء .

يتحصل مما سبق أن الأسرار العجيبة لا تتجلى فقد في ذرة (جزيء) الماء ، بل إنها أرحب من ذلك فهي تمتد الى أعماقه لتشمل العناصر التي ابتني منها ، فذرة الماء السحرية صنعت أيضاً من أثمن عنصرين مرموقين جمعاً أبرز الخصائص الفريدة العجيبة .

ناهيك عن أن من هذين العنصرين – إضافة لعنصر الفحم – اشتقت جميع مركبات الكيمياء العضوية التي من وفرتها لا تقع تحت عد ولا حصر . وهي رغم أن غالبية أفرادها يتركب من نفس العناصر الثلاثة الفحم والأوكسجين والهيدروجين إلا أن لكل مركب منها خصائص لا تشبه خصائص أي مركب آخر (1) .

__________________

1. الاعجاز النبوي - ١٦٩ ‏- ١٨٧ ‏.