أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-4-2017
2692
التاريخ: 2-4-2017
3126
التاريخ: 2023-08-16
1351
التاريخ: 26-9-2021
6277
|
لم تعد دراسة النظام السياسي أو نظام الحكم في بلد معين مقصورة على ذكر السلطات العامة واختصاصاتها . كما كان الحال في ظل المذهب الفردي حيث كانت وظيفة الدولة مقصورة على الحفاظ على الأمن الخارجي والداخلي وإقامة العدل بين الناس . وإدارة المرافق الأساسية التي لا غنى للدولة عنها ولا يستساغ ان يتولاها النشاط الفردي كبقية النشاطات الأخرى مثل البريد(1). بل اتسع نطاق الدراسة بحيث اصبح النظام السياسي أو نظام الحكم يتناول أيضاً بيان حقوق الأفراد وواجباتهم تجاه حقوق الدولة بحكم تدخل الدولة خلال الحربين العالميتين لمهمة التوجيه والإشراف وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث شملت مختلف نواحي النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية(2). والحقيقة ان الدول تختلف في ما بينها في مدى التدخل تبعاً للأيدلوجية التي تعتنقها والفلسفة السياسية التي تعتنقها السلطة والمجسدة في صلب الوثيقة الدستورية فالدولة التي تعتنق الفلسفة الفردية " الليبرالية " تقوم سياستها على أساس إطلاق حرية حركة الأفراد وإحجامها عن التدخل تعبيراًعن الثقة بقدرة الأفراد في التوفيق بين سعادتهم الخاصة ومصلحة الجماعة وتقوم هذه السياسة أيضاً بتقرير المساواة النظرية والقانونية بين الأفراد وذلك دون سعي إلى كفالة المساواة الفعلية بينهم باعتبارها تتعارض ومنطق الثقة بالفرد وبمعنى آخر فانه في ظل هذه السياسة يكون الفرد محل تقديس للثقة المطلقة في قدراته الذاتية ويترتب على ذلك وجود فصل بين المجالين الخاص والعام يحظر على الدولة التدخل في المجال الأول خشية الإخلال بانسجامه الطبيعي. ولم تتناول الرابطة السياسية سوى النزر اليسير من حياة الأفراد ونشاطهم بغية صون استقلالهم الشخصي وحقوقهم الطبيعية(3). فنجد ان الدساتير ذات الاتجاه الراسمالي قد جاءت خالية من كفالة حق العمل والتوظيف الفعلي لعدم التزام هذه الدول دستورياً بكفالة عمل لكل مواطن وانما يتم شغل الوظائف فيها حسب الاحتياجات الفعلية بحيث اذا وجدت بعض الوظائف الشاغرة اعلن عنها. واجري بشأنها في اغلب الاحيان امتحانات تسابق باعتبار ان هذا يعد اكثر الاساليب شيوعاً في الوقت الحالي في هذه الدول(4). حيث ان دور الدولة يكون فقط في وضع التشريعات والتنظيمات التي تكفل عدم الاعتداء على حق الفرد في العمل او الوظيفة اذا توفر أي منهما . ففي هذه الدول يكون ثمة فاصل بين حق الفرد في تلقي نوع التعليم او التأهيل اللازم وبين واجب الدولة في إيجاد عمل او وظيفة له لذلك تبرز البطالة ، تبعاً لما يصيب المجتمع من تقلبات وظروف اقتصادية او سياسية(5). ويرجع السبب في عدم التزام الدول في العالم الرأسمالي في إيجاد عمل او وظائف لأنه نابع من فلسفة الدول الغربية التي تترك كما ذكرنا مجالاً واسعاً لنشاط الأفراد وعلى كل شخص ان يبذل جهده لتحقيق الفرصة المناسبة له. فتعتمد هذه الدول على أسلوب امتحانات التسابق كأحد من الطرق المفضلة في اختيار الكادر الوظيفي. حتى ان هذه الطريقة موجودة كذلك في الدول الاشتراكية ولكن على اعتبار انه امتحان تخصيص وليس امتحان تشغيل. في الدول الاشتراكية حيث تكون الدولة المسيطرة على وسائل الإنتاج والاقتصاد ، وتقوم بتوجيهه وتسيير الحياة الاقتصادية فيها وهي التي تضع الخطط والبرامج التي تسير عليها كل قطاعات الدولة . فمن الطبيعي ان تلتزم الدولة بإيجاد العمل للفرد القادر عليه لأنها تعتبر العمل ليس حقا للفرد فقط بل هو واجب وشرف والمقياس الحقيقي لقيمة الإنسان في المجتمع بل واكثر من هذا تعتبر هذه النظم ان من لا يعمل لا يأكل (6).ولا يوجد في الدول الاشتراكية وسيلة قانونية تجيز للأفراد إجبار الدولة على إيجاد عمل لهم لان ذلك يتوقف على الحالة الاقتصادية فتلجأ الدول التي تأخذ بالنهج الاشتراكي إلى تقرير بعض الضمانات لمثل هؤلاء الأفراد عن طريق منحهم إعانات حتى يتوفر لهم العمل المناسب . ولكننا لا نستطيع القول بعدم وجود بطالة في الدول ذات النهج الاشتراكي لأنه لم يظهر أو يوجد بعد ذلك النظام القادر على خلق فرص العمل لجميع أفراده في كل وقت . إلا إذا كان ذلك من قبيل البطالة المقنعة ولابد أن تظهر بعد الحين والاخر بعض البطالة في بعض الأعمال نتيجة للتقلبات الاقتصادية والاجتماعية البيئية ، ومن ثم يوجد بعض الأفراد أنفسهم في بعض الأوقات بلا عمل (7). فتكفل الدولة من جانبها باستغلال كل طاقاتها وإمكاناتها لتهيئته ظروف العمل للأفراد وذلك بإنشاء المشروعات في حدود الطاقات والإمكانات المتاحة ، ويترتب على هذا المفهوم لطبيعة التزام الدولة بحق المواطنين في العمل. ان المواطن لا يستطيع ان يلزم الدولة تواً بإيجاد عمل له ما لم تكن الدولة قد أخلت بمبدأ المساواة بين مواطن وآخر ، وكل ما هنالك ان المواطن يستطيع عن طريق الرقابة السياسية ان يحث الحكومة على الأخذ بأسباب تهيئة الظروف لتوفير فرص العمل .وفي هذا الصدد فان الدولة ليست مطلقة الحرية في اختيار أي عمل للموطن ولو كان متعارضا مع استعداده ومواهبه وإنما يتعين عليها ان تقيم رسم سياسة العمالة بها على أساس وضع المواطن المناسب في المكان المناسب إذ من شان أعمال هذه السياسة زيادة فعالية أداء أجهزة الدولة وزيادة الانتاج والارتقاء بنوعية الخدمة العامة . وبالرغم من تبني الدولة ذات الأنظمة الاشتراكية لسياسة العمالة الكاملة . فان هذه الدول تستلزم توافر بعض الشروط القاسية التي تتصل بالجانب الخلقي بالنسبة لشغل بعض الوظائف القيادية ذات الحساسية الخاصة فضلاً عن الشروط العامة التي يستلزمها تولي الوظائف العامة بوجه عام ، وذلك لان هذه الشروط الإضافية ضرورية لشغل مثل هذه الوظائف وليست ضرورية لشغل الوظائف الأقل(8). مع العلم ان حق العمل تنص عليه الدساتير ذات الاتجاه الاشتراكي بينما لا تتضمن الدساتير ذات الأنظمة الرأسمالية هذا الحق ويرجع هذا إلى اعتبارين . أولهما ان تقرير حق العمل في النظام الاشتراكي أمر ضمني في مجتمع يقوم على إلغاء الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج وتحويلها إلى ملكية الدولة . وبذلك يكون حق العمل في النظم الاشتراكية ان توفر للمواطن العمل حتى يتسنى له الحصول على مطاليب حياته(9). بإتاحة الفرصة للفرد بالعمل المجزي الذي يكفل له حاضره ويؤمن له مستقبله ويصون كرامته . لذا فان حق العمل يعتبر من أهم الحقوق الاجتماعية قاطبة . فهو يمثل ركناً في حياة الفرد ويجسد حقه في الأمن المادي أو الاقتصادي الذي يفرض على الدولة (10). فمدلول حق العمل لا يعني وفقاً للمفهوم الشائع إلحاق طالب العمل بوظيفة حكومية أو غير حكومية و إنما يقصد به ان تلتزم الدولة بتهيئة فرص العمل المناسبة لمواطنيها ويوضع كل فرد من الأفراد في العمل الذي يناسب قدراته العادية (11). فان لم يجد الفرد عملاً وجب على الدولة مساعدته وتقديم يد العون له(12). ففي حالة عدم قدرة المواطن في القيام بعمل معين تقوم الدولة بمنحه الإعانة الاجتماعية تعادل الحد الأدنى اللازم للمعيشة كما هو الحال في حالة العجز أو الشيخوخة أو الأمراض المزمنة التي تؤثر على قدرة الفرد في القيام بالعمل المسند إليه . وعلى هذا فإننا نجد ان الأعمال والوظائف توزع على المواطنين على أساس المساواة الفعلية بينهم بحيث يقوم كل فرد في المجتمع بالعمل الذي يقدر عليه ويستطيع ان يؤديه دون أن يكون هنالك أي مجال للمنافسة بين المواطنين على الالتحاق بأعمال معينة لا تتناسب مع قدراتهم وخبراتهم ومواهبهم فيها. ومن ثم فان المبدأ السائد هو كفالة الدول للمساواة بين جميع المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم حتى يحصل كل فرد على العمل الذي يقدر عليه ويناسب خبراته . ويتضح هذا الأمر في التطور الدستوري الذي حصل عندنا في العراق . إذ بينما نجد ان القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 قد التزم بالمفهوم التجريدي . نجد ان فكرة الديمقراطية الاجتماعية بدأت ملامحها في دستور 29/ نيسان /1964 . حيث ورد في الباب الثاني وتحت المقومات الأساسية للمجتمع " ان التضامن الاجتماعي هو أساس المجتمع العراقي ، وان الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع العراقيين ، وان النظام الاقتصادي يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال ، وان الدولة تقوم بتوحيد الاقتصاد القومي ، وان العمل في جمهورية العراق هو حق وواجب ، وشرف لكل مواطن قادر عليه ، وان الوظائف العامة تكليف للقائمين بها (13). فيتضح دور الدولة الإيجابي أي ألقى عليها دوراً أو التزاماً إيجابياً بتوفير الحقوق الاجتماعية للمواطنين بالإضافة إلى تخويل الدولة أهلية التدخل والتوجيه للنشاط الاقتصادي للبلاد .وقد تبنى المشرع في دستور 1970 هذا الاتجاه ، فأرسى المجتمع العراقي على قاعدة التضامن الاجتماعي . مبرراً بذلك في اعتناق مفهوم جديد للديمقراطية يرتكز على الجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية فجمع في الوثيقة الدستورية لسنة 1970 على ان القانون ينظم أداء الوظيفة الاجتماعية للملكية (14). فجمع دستور 1970 بين الحريات العامة التقليدية والحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، وأنيطت بسلطة الدولة مهمة التدخل على نحو إيجابي لكفالة التمتع الفعلي بها(15). وان دستور 1970 لم يقتصر على بيان الحقوق السياسية بل تضمن أيضاً الحقوق الاجتماعية(16).ويكشف هذا التحول في طبيعة الحقوق والحريات دور الدولة نحوها عن تحول في المواقف . أي انه لا يكفي ان تنحو الدولة موقفاً سلبياً وساكناً ، وإنما تمتلك السلطة هذه وتسخرها لعموم أبناء البلد ، وهو ما حصل عبر التطور الدستوري عندنا . فلا شك ان لكل فرد في المجتمع الحق في ان يجد عملاً سواء في القطاع الحكومي أم الخاص يكفل له مورداً مالياً لائقاً له ليعيش بحياة مناسبة سواء في أثناء الخدمة أم بعدها بما سيوفره له العمل من مردود مالي ، أو التقاعد بعد نهاية الخدمة إذا كان يعمل لدى الدولة . لذلك فان هذا الاهتمام من قبل الدولة المعاصرة بمحاولة إيجاد عمل لكل فرد فيه فانه يختلف هذا الاهتمام من دولة إلى أخرى تبعاً للنظام السياسي والاقتصادي السائد في هذه الدول. وهناك دول تأخذ موقفا وسطا بين النظامين فيكون لهذا الالتزام لديها شأن مختلف منها. فتحقيق المساواة في تولي الوظائف العامة خصوصا ، اذ ان المساواة في ايجاد فرصة عمل لكل فرد عموما يتوقف هذا او ذاك على درجة بالغة عند الحالة الاقتصادية للدولة والظروف التي تعتري هذه الحالة من كساد او انتعاش اقتصادي(17).
_______________________
1- د. محمود حافظ / نظرية المرفق العام ،ط1963 - 1964 ،ص9.
2- د. فؤاد العطار / النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط 1965-1966 ،ص42 .
3- د. محسن خليل / النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ،1971 ، ص626.
ود.محمد عصفور / أزمة الحريات في المعسكرين الشرقي والغربي ،ط1961 /ص27.
4- Andr’e de Laubade’re : Traite ’eL’ementaire de droit administratif, e’dition, 1963 , p.58.
5- Marco Long et Laurant Blanc : L’economic de La Fonction Publique, e’dition, 1969, p.70.
6- / Wigny : cours –de droit constitutional – 1973-p.p.174
7- عبد العزيز مهنا / البطالة والعمالة الكاملة – 1946 – ص 92
8- د. محمد السيد الدماصي / الحقوق في الدستور في المجال الوظيفي / بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ، ع1 لسنة 1973 ،ص163.
9- د. فؤاد العطار / النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط1965/1966 ،ص105.
10- د. شحاته ابو زيد شحاته / مصدر سابق ، ص171.
11- جيرزي ستارو شياك / دراسة حول الوظيفة العامة ووضع الوظيفة العامة في الدول الاشتراكية ، سلسلة الدراسات المقارنة التي تصدر عن هيئة الامم المتحدة عن نظم الخدمة المدنية في البلاد المختلفة ، ترجمة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ، جمهورية مصر العربية ، ص40.
12- د. عاصم احمد عجيلة و د. محمد رفعت عبد الوهاب / النظم السياسية الفنية والمهنية أو كفاءته العلمية ،ط5 ، 1992 ، دار النهضة العربية ، ص147.
وينظر كذلك الدكتورة ثناء فؤاد عبد الله / آليات التغير الديمقراطي في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1997 ،ص268.
13- انظر نصوص المواد 4،6،7،8،17 من دستور العراق 29 / نيسان / 1964 لجمهورية العراق.
14- المادة 16/ أ من دستور جمهورية العراق لسنة 1970.
15- المادة 16 / ب من دستور جمهورية العراق لسنة 1970
16- انظر المواد 27، 28، 29 من دستور جمهورية العراق لسنة 1970
17- Maco Jong et Laurant Blanc : Le’conomic de La Fonction Publique, ’edition, 1969, p.58.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|