أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-12
448
التاريخ: 2023-11-06
1794
التاريخ: 2023-10-10
1661
التاريخ: 2023-09-11
1080
|
كذلك من مظاهر المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة المساواة في شروط التعيين التي تضعها السلطة المختصة بالتعيين من شروط عامة تنطبق على الجميع ، من تتوافر وتنطبق هذه الشروط عليهم فانهم يكونون على قدم المساواة في الحصول على الوظيفة العامة وما يستتبع ذلك من إجراء مقابلة أو امتحان عن طريق إجراء المسابقات بين المؤهلين لتولي الوظائف العامة . فتضع الدول عن طريق أجهزتها الإدارية وما تشرعه الجهات التشريعية في شكل قوانين تصيغها على مجمل هذه الشروط العامة التي ستطلبها الجهات الإدارية فيمن يتقدم بغية الحصول على وظيفة ما بصورة تجعل من المساواة أساساً بينهم ويتم التفاضل بينهم عن طريق إجراء امتحانات التسابق بين المرشحين لتولي الوظائف العامة. فلقد نصت المادة السابعة من قانون الخدمة المدنية العراقي المرقم 24 لسنة 1960 على جملة من الشروط العامة التي استلزم توافرها فيمن يعين بإحدى الوظائف بالجهاز الإداري للدولة. وتجدر الملاحظة ، ان المشرع قد اشترط لصحة التعيين في إحدى الوظائف العامة ان تتوافر في المعين بها جميع هذه الشروط ، ولا يعني توافر بعضها دون البعض الآخر. فتشترط قوانين وأنظمة الخدمة المدنية المقارنة عدداً من الشروط فيمن يرشح لتولي الوظائف العامة، وهي شروط تهدف في مجملها إلى ضمان قدرة وكفاءة من سيعين في الوظائف العامة على القيام بأعبائها تحقيقاً للمصلحة العام. فلقد جاء في قانون الخدمة المدنية العراقي المرقم 24 لسنة 1960 في المادة السابعة منه على عدة شروط استوجب توافرها فيمن يعين بإحدى الوظائف بالجهاز الإداري. فنصت على انه لا يعين لأول مرة في الوظائف الحكومية إلا من يتوفر فيه الشروط الاتية:
1- شرط الجنسية
تشترط جميع الدول ان يكون طالب الوظيفة مواطنا من نفس البلد يتمتع بجنسيته وتسمح بعض الدول للمتجنسين بجنسيتها التقدم للوظائف المدنية لكنها تشترط حداً ادنى للحصول على الجنسية ففي الجمهورية العربية السورية و جمهورية العراق وهذا ما سنبينه لاحقا قد اشترط المشرع ان يكون قد مضى على التجنس مدة خمس سنوات قبل التوظف ولكن عدل المشرع العراقي واجاز التعيين بمجرد حصول واقعة التجنس. بينما تشترط الجمهورية اللبنانية مدة عشر سنوات . وتشير معظم التشريعات في هذه الدول على مبدأ المساواة بين مواطنيها بالنسبة للتعيين في الوظائف العامة سواء كان ذلك في الجنس او الدين ويلاحظ ان هناك نصاً صريحاً في كل من تونس والجزائر والمغرب يشير الى عدم التمييز والتفرقة بين الجنسين في صلب تشريعاتها الوظيفية بصورة واضحة جلية(1). يشترط قانون الخدمة المدنية العراقي المرقم 24 لسنة 1960 فيمن يعين بإحدى الوظائف العامة " ان يكون عراقياً أو متجنساً مضى على تجنسه مدة لا تقل عن خمس سنوات " فقد اشترط المشرع في قانون الخدمة المدنية العراقي فيمن يشغل الوظيفة ان يكون عراقياً. وهذا أمر منطقي يتفق مع حق المواطن العراقي في ان يحصل على فرصة العمل المناسبة له في وطنه دون ان يزاحمه فيها غيره من الأجانب. كذلك جاء في نفس الشرط أو ان يكون عراقياً بالتجنس أو عربياً ، إذ يجيز القانون تعيين المواطن العربي بصفة موظف دون اشتراط اكتسابه الجنسية العراقية متى توافرت فيه شروط التعيين القانونية التي يشترط القانون توافرها في العراقي. ويعامل العربي المعين بصفة موظف معاملة العراقي من حيث الحقوق والالتزامات الوظيفية. ولكن بعد صدور قرار مجلس قيادة الثورة السابق في العهد السابق المرقم 536 في 15/5/1974 الذي ألغى شرط مرور المدة المذكورة على المتجنس العربي قبل تعيينه كموظف(2). كما يقضي هذا الشرط بعدم توظيف الأجنبي إلا عند الضرورة وبعقود خاصة مؤقتة تتضمن شروطاً خاصة ، فضلاً عن ان المواطنين الأصليين أولى من غيرهم في الاستفادة من مزايا الوظيفة العامة وهم الأقدر على التعامل مع الناس حيث يفهمون طباعهم ويعرفون احتياجاتهم وهم الذين يطمأن إلى ولائهم للدولة وحفظ أسرارها. ولذلك كله كان قصر الوظائف على المواطنين من المطالب الوطنية التي تتمسك بها الدول الحديثة الاستقلال(3).فهذا يتفق مع كون الوظائف العامة من الحقوق العامة ومن الواجبات العامة كذلك(4).ولان تولي الوظائف العامة يعتبر من مظاهر ممارسة الحقوق السياسية فلقد درج هذا الشرط في قانون الخدمة المدنية العراقي أو في قوانين الخدمة للدول محل الدراسة سواء ذكر في قوانينها أو لوائحها الداخلية الخاصة بشؤون الخدمة. ولا يمكن تفسير هذا الشرط على انه مجافٍ لمبدأ المساواة بين المتقدمين لطلب الوظيفة العامة إذا كان من بينهم من الأجانب. فاشتراط الجنسية كشرط لتوافر الحق في التعيين في إحدى الوظائف العامة هو الأصل العام في جميع بلاد العالم . واستثناءً استخدام الأجانب لفترة محددة وبشروط خاصة.
2- السن أو العمر
يشترط فيمن يريد الالتحاق بالوظيفة العامة ان يكون قد بلغ سناً معينة لضمان تحقيق حد أدنى من الإدراك والنضج العقلي اللازم لتحمل أعباء العمل الوظيفي ، وحتى يحقق في شاغلي الوظيفة القدرة على تحمل المسؤولية والجدية الكافية لتفهم الواجبات الوظيفية. وتختلف قوانين وأنظمة الوظيفة العامة المطبقة في الدول المعاصرة فيما بينها في تحديد الحد الأدنى بالنسبة لسن من يعين في إحدى الوظائف العامة حيث تتفاوت هذه بين السادسة عشره كما في مصر والواحد والعشرين. فاشترط قانون الخدمة المدنية العراقي فيمن يعين في الوظيفة ان يكون قد اكمل الثامنة عشر من العمر(5).ويعول في إثبات توافر هذا الشرط على العمر المثبت في هوية الأحوال المدنية. مع ملاحظة ان بعض قوانين وأنظمة الخدمة قد تشترط بلوغ الشخص سناً معينة تزيد على ذلك عند تعيينه في بعض الوظائف، وتختلف قوانين وأنظمة الخدمة المدنية والوظيفية العامة المطبقة في الدول المعاصرة فيما بينها في تحديد الحد الأدنى بالنسبة لسن من يعين في إحدى الوظائف العامة. فبالنسبة للحد الأقصى لسن التعيين في الوظيفة العامة ، فالأصل ان يترك الأمر للإدارة للتأكد من ان المرشح للوظيفة العامة لم يصل بعد إلى سن التقاعد أو يقترب منها لدرجة لا تسمح له بالاستقرار اللازم في الوظيفة لمدة مناسبة ذلك ان من المبادئ المهمة التي يجب على الإدارة مراعاتها في ذلك المبدأ القائل بوجوب شغل الوظائف العامة بحسب الأصل بافراد في مقتبل العمر ، حتى تستفيد منهم الدولة لأطول فترة ممكنة، وهو ما يستلزم حتماً إلا يتم التعيين لكبار السن إلا بصفة استثنائية أو عند الضرورة الملحة. إلا انه يلاحظ عدم الخلط بين الحد الأقصى لسن التعيين في الوظيفة العامة وبين السن القانونية للتقاعد. فإذا كانت السن التي يدخل الموظف عندها في الخدمة سواء كانت مقيدة بحد أدنى أو أقصى أو كليهما معاً. فان الموظف يحال على التقاعد بقوة القانون عند بلوغه سن التقاعد المحدد بالقانون. كما يلاحظ ان الحد الأدنى لسن من يريد الالتحاق بالوظائف العامة إنما يطبق على الموظفين الخاضعين لاحكام نظام الخدمة المدنية. فقد أجاز المشرع العراقي في قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة 1960 التعيين قبل إكمال سن الثامنة عشره حيث أجاز تعيين من أكملت السادسة عشره من العمر بوظيفة ممرضة. فلم يحدد قانون الخدمة المدنية حداً أعلى للسن عند التعيين في الوظيفة لأول مرة ، لهذا فانه يجوز لأية سلطة ان تضيف مثل هذا الشرط(6).مع ملاحظة ما تقضي به قواعد قانون التقاعد المدني بشأن وجوب إحالة الموظف وجوبياً على التقاعد متى اكمل الثالثة والستين من العمر(7). ولا يسري سن الثامنة عشرة الا على من يشملهم قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة 1960. اما الذين يخضعون لقوانين خاصة في شؤون توظيفهم فان السن الذي تحدده هذه القوانين هو الذي يسري عليهم فاذا ما سكتت هذه القوانين عن تحديد تلك السن، فان السن المقررة بقانون الخدمة المدنية المشار اليه اعلاه هي التي تسري عليهم ، ومن بين هذه القوانين قانون الخدمة الخارجية وقانون التنظيم القضائي.
3- الجدارة البدنية
يعتبر ثبوت اللياقة الصحية شرطاً أساسيا للتعين في الوظائف العامة في تشريعات الوظيفة العامة في معظم الدول ، فيجب ان يكون المرشح للوظيفة العامة صحيح الجسم إلى الحد الذي يمكنه من القيام بأعباء وظيفته بصورة منتظمة وان يكون سليما من الأمراض والعاهات البدنية والعقلية التي تمنعه من القيام بأعمال الوظيفة التي سيعين بها، وخالياً من الأمراض المعدية حتى لا يشكل خطراً في نقل العدوى إلى زملائه في العمل من الموظفين أو المتعاملين معه من الجمهور . ويبرر هذا الشرط ضرورة التثبت ابتداءً من قدرة الموظف صحياً على القيام بأعباء الوظيفة باقتدار . إذ لا يقبل ان يبدأ الموظف حياته الوظيفية فيطالب بعد تعيينه بفترة وجيزة بإجازات مرضية براتب كامل أو بنصف راتب . كما يبرر هذا الشرط الحرص على منع نقل العدوى لان الموظف المريض بمرض معدٍ قد ينقل مرضه إلى العاملين معه من رؤساء ومرؤوسين وزملاء أو المتعاملين معه من الجمهور . وتختلف درجة اللياقة الصحية حسب نوعية الوظيفة وطبيعة عملها ،حيث تستلزم بعض الوظائف درجة عالية من اللياقة الصحية والبدنية مثل الوظائف ذات العمل الشاق ووظائف التدريب الرياضي أو تحتاج إلى درجة معينة من القوة . في حين لا تتطلب بعض الوظائف سوى درجة متواضعة من اللياقة الصحية بحيث يمكن شغلها ببعض المعوقين مثلاً . وتحدد شروط اللياقة الصحية عادة الهيئات الطبية المختصة التي تحددها أنظمة الخدمة المدنية . كما يتم إثبات اللياقة الصحية أيضاً بموجب تقارير طبية تصدرها هذه الهيئات تثبت فيها مدى لياقة الموظف الصحية للوظيفة المرشح لتوليتها ، ولا تجيز بعض القوانين كالقانون الفرنسي الإعفاء من شرط اللياقة الصحية اللازمة لممارسة المهنة(8). وأجاز تخلف هذا الشرط في قانون العاملين المدنين المصري(9).
4- الصلاحية الأخلاقية (أو الأدبية)
تعتبر الصلاحية الأخلاقية من أهم الشروط التي تتطلبها أنظمة الوظيفة العامة والخدمة المدنية في الوظائف العامة ، وذلك لضمان حسن سيرة هذه الوظائف والمحافظة على كرامتها تحقيقاً للمصلحة العامة . إذ يجب ان تتوافر الثقة في الموظف العام وان يتحلى بالأخلاق الكريمة وان يكون مؤتمناً على مصالح المواطنين . وقد اشترط قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة 1960 فيمن يعين في الوظيفة ان يكون " حسن الاخلاق ، وغير محكوم بجناية غير سياسية أو جنحة تمس الشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير والاحتيال "(10). ينبغي تقرير الفارق بين حسن السيرة والسلوك وبين اعتناق بعض الأفكار العقائدية. إذ يكون في الأولى اتجاه سلوك الفرد مخالفاً لما استقر عليه ضمير الجماعة ومؤدياً إلى فساد الأخلاق ومقوضاً للآداب العامة . أما في الحالة الثانية فلا يخرج الأمر عن كونه رأياً من الآراء يعتنقه الشخص ويحاول ان يقنع به غيره وليس في ذلك ما يمس الآداب العامة ولكنه قد يخالف السياسة العامة التي تعتنقها الحكومة. وعلى الرغم من هذا الاختلاف بين هذين المفهومين إلا ان هناك بعض الدول تخلط تشريعاتها بين المفهومين بحيث يعتبر داخلاً في مفهوم سوء السلوك الانتماء إلى الأحزاب الشيوعية ومن هذه الدول أمريكا وإنكلترا وسويسرا وهولندا وبلجيكا واستراليا(11). بل ان بعض الدول تذهب إلى ابعد من ذلك بالا تكتفي بان يكون المرشح منتمياً إلى عضوية الحزب الحاكم ومن هذه الدول كانت ألمانيا الهتلرية(12). بينما نجد في بعض الدول الأخرى كفرنسا تفرق بين حسن السيرة والسلوك وبين اعتناق أفكار عقائدية، بحيث تجعل الحالة الأولى شرطاُ من شروط التعيين بينما لا تجعل الحالة الثانية داخلة في هذا الشرط(13).فلا تميز السياسة الوظيفية التي تنتهجها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا وسويسرا وهولندا وبلجيكا واستراليا في أنها تمكن الحكومة القائمة باختيار من تراهم اقدر على التعاون معها بحكم ولائهم بالسياسة التي تعتنقها مما يجعلها في حل من تنفيذ السياسة المرسومة . غير انه يعيب هذه السياسة أنها تخالف مبدأ دستورياً عاماً وهو مبدأ المساواة ما بين المواطنين إمام الوظائف العامة. ويؤدي إلى عدم الاستقرار والثبات في الجهاز الإداري كلما تغير اللون السياسي للحكومة وهو ما يهدد الدولة في حجم كيانها(14).وتتناول هذه الفقرة معالجة موضوعين منفصلين.
الأول : حسن الأخلاق
ليس هناك أدنى شك في ان استبعاد الأشخاص " سيئ الأخلاق " من التعيين في الوظيفة العامة أمر مهم . لان وجود أمثال هؤلاء في سلك الوظيفة يعرض مصالح المرفق العام والموظفين معاً إلى الخطر. ولقد تأرجحت تطبيقات مجلس الخدمة العامة بشأن التثبت من حسن أخلاق المتقدم لاشغال الوظيفة بين الاجتهادات الاتية(15):-
اعتمد المجلس أولا على تقارير الجهات الأمنية التي كانت تعرف بتحقيق الهوية ، وبعد إلغاء العمل بهذه الوثيقة من قبل الجهات الأمنية المختصة صرف المجلس النظر عن مخاطبة هذه الجهات بشأن تأييد حسن أخلاق المتقدمين لاشغال الوظائف. اقر المجلس منذ وقت مبكر بعد نفاذ قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة 1960 ، اعتماد شهادة حسن السلوك الصادرة من آخر مدرسة أو كلية انتسب إليها المرشح للتعيين. أما المتخرجون من مدارس أو كليات خارج القطر فقد اعتمد المجلس شهادة حسن السلوك الصادرة من آخر مؤسسة تعليمية عراقية انتسب إليها المرشح.صرف المجلس النظر عن اعتماد أي من الوثائق المتقدمة وقرر ان " وثيقة عدم المحكومية تفي بالغرض المذكور وهو إثبات حسن السلوك" .
الثاني : إلا يكون قد سبق الحكم على المرشح للتعيين لارتكابه إحدى الجرائم الموصوفة في النص.
تنص التشريعات الوظيفية العامة على وجوب توافر هذا الشرط في طالب الوظيفة العامة مع اختلاف في بعض التفاصيل، وذلك تأسيسا على ان توقيع عقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة على الشخص يعد دليلاً قاطعاً على انه ليس أهلاً لتولي الوظيفة العامة التي تتطلب قدراً معيناً من الاستقامة والسلوك السوي. وقد حاول القضاء الإداري المصري وضع معيار لتحديد الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة فقضت المحكمة الإدارية العليا المصرية بقولها " يمكن تعريف الجرائم المخلة بالشرف بأنها تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف الطبع. والشخص إذا انحدر إلى هذا المستوى الأخلاقي لا يكون أهلاً لتولي المناصب العامة التي تقضي فيمن يتولاها ان يكون متحلياً بالأمانة والنزاهة واستقامة الخلق…."(16). في التشريع العراقي كان يستتبع الأخذ بهذا الشرط إلزام المتقدم لاشغال الوظيفة بان يقدم شهادة عدم محكومية تثبت انه لم يسبق ان ارتكب أياً من الجرائم الموصوفة وحكم عليه بسببها ، أو انه ارتكب واحدة منها وحكم عليه ونفذت بحقه العقوبة ورد إليه اعتباره وفقاً لاحكام قانون رد الاعتبار الملغي المرقم 3 لسنة 1973 . وهذا الاتجاه لا يتماشى مع الاتجاهات الإصلاحية الحديثة التي تسعى إلى تحقيق اندماج المحكوم عليه بعد الإفراج عنه في مجتمعه بأسرع وقت وتمكنه من العيش الشريف بهدف منع عودته إلى الإجرام. وصدر قرار برقم 997 في 30/7/1978 قضى فيه بإلغاء قانون رد الاعتبار المرقم 3 لسنة 1967. وقد أجاز القرار المذكور للمحكمة عند الحكم بالسجن المؤبد أو المؤقت أو الحبس مدة لا تزيد على السنة ان تقرر حرمان المحكوم عليه من تولي بعض الوظائف والخدمات العامة لمدة لا تزيد على سنتين على ان يحدد ما هو محرم عليه منها بقرار الحكم وان يكون القرار مسبباً تسبباً كافياً. وبهذا يكون الحرمان من تولي الوظائف العامة أمرا استثنائيا حدده القرار بأضيق الحدود وترك أمر تقديره للقضاء مقيداً ببعض القيود . وأدخلت العديد من التعديلات على القرار المذكور. فقد اصدر المجلس في العهد السابق قراراً بالرقم 1730 في 11/12/1979 قرر فيه إلغاء أي شرط للتعيين أو إعادة التعيين في الوظائف العامة يشترط تقديم شهادة عدم محكومية واكتفى بإلزام المتقدم لاشغال الوظيفة بان يقدم إقراراً يتضمن عدم الحكم عليه بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت أو الحبس لمدة تزيد على السنة . وقد سلك المشرع المصري نفس المسلك الذي اتخذه المشرع العراقي مع بعض الاختلافات الصغيرة. حيث جاء في قانون رقم 47 لسنة 1978 " لا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره . ومع ذلك فإذا كان الحكم مشمولاً بوقف التنفيذ للعقوبة جاز تعيين العامل بعد موافقة السلطة المختصة"(17).
5- الشهادة الدراسية
تشترط غالبية قوانين وأنظمة الخدمة المدنية توافر المؤهلات العلمية أو الفنية لدى المرشح للوظيفة العامة والتي تختلف من حيث مستواها باختلاف مجموعات الوظائف وفئاتها والتي تضمن الكفاءة والجدارة لاداء واجبات الوظيفة العامة. والتأهيل العلمي والفني المطلوب كشرط لتولي الوظائف العامة فيشترط ان يكون المرشح للوظيفة حاصلاً على درجة علمية من مستوى ونوع معين مثل شهادة الدكتوراه. فقد أوجب قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة 1960 من المتقدمين للحصول على الوظيفة العامة ان يكون المرشح للتعيين حائزاً على شهادة دراسية معترف بها(18). بينما جاء في القانون رقم 47 لسنة 1978 في شأن نظام العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام ان يكون ملماً بالقراءة والكتابة ولم يحدد أو يتطلب الحصول على شهادة معينة لغرض الحصول على الوظيفة وكانت شهادة الدراسة الابتدائية الحد الأدنى للتعيين في الوظيفة العامة ، حتى صدر القانون المرقم 44 لسنة 1977 معدلاً حكم الفقرة (1/1) من المادة التاسعة من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لسنة 1960 حيث منع تعيين خريجي الدراسة الابتدائية في الوظائف الواردة بقانون الملاك . ثم صدر قرار رقمه 644 في 31/5/1977 قرر فيه عدم جواز تعيين خريجي الدراسة المتوسطة في الوظائف الداخلة في ملاك الموظفين في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية ، واستثنى بعض الوظائف بقرارات لاحقة . فنستنتج ان الحد الأدنى للشهادة الدراسية التي يجوز تعين حاملها بصفة موظف هي شهادة الدراسة الإعدادية ما لم تكن الوظيفة قد استثنيت بقرار(19). ولكن الواقع أثبت عندنا بأنه بامكان الوحدات الادارية تعيين غير الحاصلين على أي شهادة للتعيين في وظائف الدولة .
6- سلامة موقف المرشح للتعيين من الخدمة العسكرية
من شروط التعيين التي تطلبها الإدارة ونص عليها قانون الخدمة العسكرية العراقي سلامة موقف المرشح للتعيين من الخدمة العسكرية . حيث حظر القانون توظيف أي عراقي من الذكور بعد إكماله التاسعة عشرة من عمره إلا إذا كان قد اكمل الخدمة العسكرية الإلزامية أو كان مستثنى أو مؤجلاً أو معفواً منها . ويقتضي الأمر للتثبت من سلامة موقف المرشح للتعين من الخدمة العسكرية ان تؤيد دائرة التجنيد المختصة ذلك تحريراً(20). وهو نفس المسار الذي انتهجه المشرع المصري(21). ويتم التثبت من سلامة المرشح من موقفه من الخدمة العسكرية بتأييد من الجهة المختصة ، ويعتبر هذا النموذج أحد مسوغات التعيين المهمة التي لا تكتمل إلا به(22). هذا الشرط الذي تضعه قوانين وأنظمة الخدمة المدنية في الدول التي تأخذ بنظام التجنيد الإلزامي.
7- الا يكون المرشح للتعيين مفصولاً من الخدمة ولم يكمل مدة الفصل أو معزولاً منها عزلاً نهائياً
لم يرد هذا الشرط في قانون الخدمة المدنية العراقي المرقم 24 لسنة 1960 بل قرره قانون انظباط موظفي الدولة المرقم 69 لسنة 1936. فبموجب هذا القانون ينحى الموظف المعاقب بعقوبة الفصل عن الوظيفة لفترة مؤقتة يجوز توظيفه ثانية بعد انقضائها ويترتب على ذلك عدم جواز تعيين المفصول خلال فترة الفصل لان مثل هذا التعيين يؤدي إلى إهدار الحكمة من فصله أما عقوبة العزل فتعني تنحية الموظف عن الوظيفة بصورة نهائية بحيث لا يجوز تعيينه في وظيفة حكومية . ويعني ذلك ان الموظف المعزول لا يعود أهلاً للتعيين في الوظيفة فيطالب المرشح بان يقدم إقراراً يتضمن هذا المعنى وقد نص على هذا الشرط نظام العاملين المدنين بالدولة المصري المرقم 47 لسنة 1978 ولكنه حدد مدة الفصل بمضي مدة أربع سنوات على الأقل .
8- عدم الزواج من أجنبية
من الشروط العامة التي تستلزمها الإدارة في المؤهلين الذين يتقدمون لغرض الحصول على وظيفة في الدولة عدم الزواج من أجنبية . ففي الفترة السابقة على كتابة هذه الرسالة وقبل عملية التغيير التي حصلت في العراق كان يشترط في العراقي لغرض القبول في الوظيفة العامة عدم زواجه من أجنبية استناداً إلى القرار المرقم 197 في 15/9/1968 الذي أصدرته السلطة السابقة في العراق حيث قضى بحرمان كل عراقي يتزوج من أجنبية بعد 31/12/1968 من حق تولي الوظائف العامة ، ولم يعتبر القرار المرأة العربية من أبوين عربيين أجنبية لهذا الغرض . وقد كان الحرمان من تولي الوظائف العامة يسري على العراقيين من الذكور الذين يتزوجون من أجنبيات إلى ان صدر قرار من السلطة السابقة بالرقم 150 في 28/1/1980 جاء فيه " تحرم من الخدمة المدنية في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية ومؤسسات القطاع الاشتراكي كل عراقية تتزوج من أجنبي " . لم نرَ مثل هذا الشرط في قوانين وأنظمة الخدمة المدنية وشؤون الوظيفة العامة في الدول محل الدراسة . إلا ان هذا يعتبر من قبل السيادة للدولة في فرض ما تراه من الشروط ويكون عاماً ، ويسري بحق الجميع على قدم المساواة . تلك هي الشروط العامة التي يستلزمها قانون الخدمة المدنية العراقي وما شابهه من أنظمة الخدمة من الدول محل الدراسة ، فهذه الشروط التي تصوغها السلطة التشريعية على شكل نصوص قانونية في قوانين تتعلق بالخدمة المدنية وشؤون الوظيفة العامة ، فيتساوى جميع المؤهلين لتولي الوظائف العامة امام هذه الشروط وبالتالي فقدان أحد هذه الشروط يؤدي إلى إقصائه من الوظيفة بأمر من سلطة التعيين وهي تحمل في طياتها مظهراً من مظاهر المساواة في شروط التعيين في الوظيفة العامة . وبالتالي توفر الشروط القانونية العامة في المرشح لتولي إحدى الوظائف العامة وخضوعه كبقية المرشحين لهذه الشروط ، والمعاملة القانونية الواحدة في أثناء التقدم لطلب الوظيفة وعدم وجود أي تحيز أو تفرقة بين المرشحين لأي سبب يخل بمبدأ المساواة القانونية بينهم فان ذلك سيؤدي الى احترام مبدأ المساواة إمام تولي الوظائف العامة ذلك المبدأ الذي أوردته معظم دساتير الدول المعاصرة ونصت عليه كافة الاتفاقيات الدولية والمواثيق والإعلانات . وقد استقر القضاء الدستوري والإداري على ان مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة هو مبدأ دستوري لا يجوز للمشرع الاعتيادي أو للحكومة اتخاذ أية إجراءات يكون من شأنها التمييز بين المرشحين لتولي الوظائف العامة لاعتبارات الجنس أو اللغة أو الدين أو الفكر السياسي أو الديني أو أي شيء يميز ما بين الأفراد إلا ما كان متعلقاً بالفضائل والمواهب . كذلك تعتبر رقابة القضاء الدستوري على التشريعات التي تنظم تولي الوظائف العامة ضمانة مهمة لتحقيق مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة وتكون إما على شكل مجالس دستورية كما هو عليه الحال في فرنسا . أو من خلال محاكم قضائية تختص بالرقابة على دستورية القوانين كما هو عليه الحال في مصر بينما لا توجد هذه الضمانة الفعالة في العراق . فتعمل هذه الجهات المختصة بالرقابة على دستورية القوانين والتشريعات المنظمة لتولي الوظائف العامة وعبر للتأكد من عدم مخالفتها للدستور ومبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة لذلك فإننا نأمل .. ان ينشأ ويستحدث قضاء دستوري كما هو الحال في فرنسا أو محاكم تمارس الرقابة على دستورية القوانين واللوائح . أو إعطاء هذه المهمة لمحكمة التمييز أو محكمة القضاء الإداري . ونقول أيضاً انه لحماية مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة باعتباره أحد المبادئ الدستورية بالنص عليها في صلب الوثيقة الدستورية يمثل ضمانة فعالة وأكيدة في الدول الديمقراطية الدول القانونية دول المؤسسات الدستورية ، فالنص عليه في الدستور هو ضمان لبقاء ودوام هذا المبدأ لأنه التشريع الأعلى والأسمى ومن ثم يلي ترجمة هذه النصوص الدستورية إلى تشريعات عادية تقوم الأجهزة الادارية بتطبيقها فعلاً . فالدستور يوجد على قمة القاعدة التشريعية ويحتل مكانة الصدارة بين التشريعات الوضعية لذا يعد النص على هذا المبدأ في صلب الدستور ضمانة لاحترام التشريعات لذلك المبدأ . كما ان النص على هذا المبدأ يجعله في الأصل بعيداً عن يد الممارسين للسلطة ويفهم من هذه الحقوق انها قيد على السلطات العامة في الدولة لا يجوز لها ان تتخطاه إلا في الحدود والأوضاع والطرق التي رسمها الدستور نفسه . كما ان النص على هذا المبدأ في الدستور يضفي عليه قدسية خاصة وذلك بالنظر لما يحظى به الدستور من مكانة متميزة في البناء القانوني ويعد كذلك وسيلة فعالة لضمان تطبيق هذا المبدأ . كما ان القواعد الدستورية تعتبر المسار الذي يجب ان تحذو حذوه كافة القواعد القانونية الأدنى منه مرتبة وان تتقيد بأحكامه مما يتعين ان تجري جميع تصرفات السلطة العامة والأفراد في دائرة هذه القواعد التزاماً منهم بسمو القاعدة الدستورية . علاوة على ذلك فان النـص عليه في صلب الدستور يوجب على المشــرع العادي التقيد فيما يصدره من تشريعات بالنصوص الدستورية نصاً وروحاً بحيث لا يجوز له ان يصدر تشريعاً يخالف قاعدة أو مبداً دستورياً أو يتعارض معه وإلا اتسم تصرفه هذا بعدم المشروعية . لذا فان مبدأ المساواة يجد في الدستور خير حامٍ له باعتباره السياج الذي يقيه من الانتقاص بواسطة السلطة الحاكمة ويخضعه لرقابة الرأي العام تلك الرقابة التي تعد الضمانة المهمة في مواجهة الخروج عن هذا المبدأ . كذلك فان الدستور عندما يعهد للمشرع العادي مهمة تنظيم هذا المبدأ في طرق الاختيار للوظيفة فان تنظيمه لطريقة الاختيار وتوافقها مع مبدأ المساواة ما بين المواطنين في تولي الوظائف العامة لا بد ان يكون في حدود الدستور وما يسمح به نفسه فالمشرع العادي مقيد بنص الدستور وروحه وتنظيمه لهذا المبدأ يجب ان لا ينقص منه أو يهدره أو يضع عليه من القيود ما يجعل تحقيقه مستحيلاً وإلا اتسم عمله بعدم المشروعية . كمــا يعد التشريع أهم ضمانة للحريات وللحقــوق وللموظفيــن خصوصاً ، فالمشرع العادي هو الذي يبعث الروح والحياة في النصوص الدستورية ويترجمها إلى واقع عملي . فإذا لم يصدر تشريع عادي يقرر هذا المبدأ والحريات للموظفين التي ينظمها الدستور ويقوم بتنظيمها وطريقة تطبيقها يضمن معه النص الدستوري يكون مجرد وعد دستوري غير قابل للتطبيق . وتكمن أهمية التشريع العادي في تنظيمه لطريقة اختيار الموظفين في انه يصدر عاماً مجرداً يخاطب الجميع بقواعد موضوعية توضع مقدماً بما يحقق مبدأ المساواة بين جميع من يرومون الالتحاق بالوظائف العامة ، ولا يخاطب التشريع أشخاصاً بذواتهم بل انه يطبق على كافة المشمولين بأحكامه مما يجعله حجة في مواجهة الجميع . أما إذا لم يكن التشريع عاماً مجرداً كأن قصد به معالجة حالة معينة فردية أو فئوية كان هذا التنظيم التشريعي باطلاً لانطوائه على انحراف في استعمال السلطة التشريعية . كما ان النص على هذا المبدأ سواء في الدستور أو عن طريق المشرع العادي في اختياره للطريقة في تولي الوظائف العامة في تنظيمها قد تكون ضمانة هشة ونقول ان النصوص القانونية وحدها لا تكفي لحماية هذا المبدأ . فالإدارة قد تجانب الطريق القويم وتسئ استغلال السلطة التقديرية الممنوحة لها أو من المشرع العادي في تنظيمه لأسلوب اختيار الموظفين بما يحقق المساواة وبما يهدد وجود اصل المبدأ . فلابد من وجود رقابة على دستورية القوانين واللوائح بقصد توفير الحماية اللازمة لهذا المبدأ الدستوري . فهذا المبدأ الدستوري المنصوص عليه يحتاج إلى منظومة متكاملة من النصوص الدستورية والتشريعية ورقابة دستورية تكفل التزام المشرع العادي بالدستور نصاً وروحاً ، ومن ثم ضرورة وجود جهة تختص بالرقابة على دستورية القوانين تختص بإقرار عدم الدستورية وبالتالي الحيلولة دون ترتيب النص القانوني المخالف للدستور لأية أثار .أو كان للسلطة التقديرية للإدارة في إسناد بعض الوظائف وفي اختيارها لطريقة معينة في إسناد مثل هذه الوظائف خروجاً عن مبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة الذي نصت عليه معظم الإعلانات لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية وكذلك النصوص الدستورية التي أشارت إلى هذا المبدأ . فكفالة مبدأ المساواة في هذه الحقوق والحريات بين جميع الأفراد هو جوهر الأساس المشترك للقيم السياسية المعاصرة وهذا المبدأ مكرس وموجود في غالبية الدساتير المعاصرة . والتمتع الفعلي بالحقوق والحريات لا يتم إلا في رحاب الدولة القانونية ، فهي التي تحترم القانون بكل تصرفاتها وتراعيه في الإجراءات التي تتخذها واعلاء الدولة الديمقراطية للقانون يأتي من كونه تعبيراً عن الإدارة العامة للامة على اختلاف طبقاتها وفئاتها . فالقانون هو الوسيلة المثلى لتنظيم هذا المبدأ ويعمل على تنظيم العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع مهما بدا بينهما من تعارض لذلك يؤكد الفقهاء ان الخضوع للقانون هو مبدأ ملازم لموكب الديمقراطية أينما سار لا يفارقه . وهذا يعني في المجال الإداري والوظيفي ان السلطة الإدارية لا يمكنها ان تلزم الأفراد بشيء خارج نطاق القانون فجهاز الحكومة (الإدارة) تحكمها جملة قواعد قانونية تحدد أهدافه وسياستها واختصاصات أعضائه ومهام كل منهم ومدى ما يلتزم به من أحكام بل وما يتبعه في مختلف الحالات من إجراءات وإذا كان القضاء يمتلك التدخل لحماية مصالح المواطنين من أي إعتداء يقع عليهم من جانب السلطة فان التنظيم السليم يقتضي ان يقوم البناء الإداري نفسه على سلامة تطبيق القانون والالتزام بالقواعد القانونية لتدارك الخطأ في التطبيق(23). وهذا يعني ان تتقيد الإدارة بالقانون وان لا تخرج عليه في معاملاتها مع الأفراد والمتقدمين للحصول على إحدى الوظائف العامة للدولة . فعلى رجل الإدارة وهو بصدد اتخاذ أي إجراء التأكد من ان تصرفه له سند فـي القانون وهو عنصر من عناصر صحة القرار الذي يتخذه ويخضع لرقابة المشروعية. فمبدأ المساواة أمام وظائف الدولة وكما لاحظنا من خلال العرض الذي قدمناه في البدء يعتبر تطبيقا لمبدأ دستوري عام تأخذ به النظم السياسية الديمقراطية. ويعتبر أساسا لتحقيق العدالة والحرية وسيادة القانون. وينبع من المبدأ العام الذي تقرره الدساتير المعاصرة من مساواة المواطنين جميعاً أمام القانون. فمبدأ المساواة أمام القانون الذي يعد من المبادئ الدستورية العامة والذي تقرره الدساتير المختلفة بنصوص محددة يتضمن تطبيقات عديدة وفي مجالات مختلفة. ومنها المساواة أمام الوظائف العامة. على ان المساواة لا يمكن ان تكون مطلقة، فالقانون الذي يقرر المساواة يتضمن دائما شروطا وقواعد تحكم تطبيقه. ولن يحدث ان تتوافر جميع الشروط التي يتضمنها القانون لدى جميع افراد الجماعة. فالقانون الذي ينظم هذا المبدأ لابد ان يتضمن شروطا تتصل بصلاحية الأفراد في تولي الوظائف وشروط توليهم للوظائف العامة. ومن ثم يستحيل ان نتصور توافر هذه الشروط او تلك في جميع أفراد الجماعة . فلن تتوافر شروط تولي الوظائف العامة في جميع المواطنين. كما انه من غير المتصور ان تنطبق شروط تولي الوظيفة على كل شخص في الجماعة في وقت واحد. ومن ثم لا يمكن ان يكون الأفراد متماثلين . وانما سيكونون مختلفين فيما بينهم من حيث مدى توافر او عدم توافر الشروط التي نظمها القانون لدى كل منهم. ومن ذلك فان المساواة ليست مطلقة وانما هي مساواة نسبية. فالافراد الذين اتحدت ظروفهم واوضاعهم يتساوون امام تولي الوظائف العامة. اما الافراد الذين لا تتوافر لديهم الشروط لتولي الوظائف العامة او الذين لا يستجمعون الصلاحيات والمؤهلات التي تتطلبها الوظيفة او التعيين فيها ، فانه لا يحق لهم المطالبة بالتعيين في الوظائف العامة اذا لم تتوافر فيهم شروطها. فالمساواة لا تكون بين جميع افراد الجماعة بصورة مطلقة . وانما تكون بين ذوي المراكز المتماثلة دون تفرقة لاسباب تتعلق باشخاصهم او ذواتهم(24). ونخلص الى النتائج الاتية ان مبدأ المساواة لا يمنع من وضع شروط عامة مجردة يلزم توافرها فيمن يتولى الوظائف العامة. ويمكن ان يستبعد من تطبيق المبدأ فئات بأكملها سواء من الاجانب او من المواطنين. فمن الممكن حرمان الاجانب من تولي الوظائف العامة جميعها او من بعضها على الاقل. كما يجوز حرمان المرأة من تولي بعض الوظائف العامة وقصرها على الرجال. ولا شك في ان الشروط التي ينظمها القانون لإمكان اشغال الوظائف العامة ستتضمن حتماً قصر تلك الوظائف على فئات دون باقي الفئات التي لا تتوافر لديها تلك الشروط. غاية الامر ان هذه الشروط يجب ان تكون عامة ومجردة وهادفة الى تحقيق المصلحة العامة. ولا يجب ان تتضمن أي تمييز بين المواطنين لاسباب شخصية او عرقية او طائفية او غيرها من الاسباب التي تحرمها القوانين او المبادئ الدستورية العامة. ولا تستطيع الادارة حرمان البعض من تولي الوظائف العامة بسبب يتعلق بمعتقداتهم السياسية او الدينية او عدم ولائهم للحزب الحاكم واذا فعلت ذلك فانه يكون للمحرومين حق اللجوء الى القضاء عن طريق القضاء الاداري والمطالبة بالالغاء او التعويض. ليس ثمة ما يحول دون تقرير امتيازات لفئات معينة من المواطنين او تقرير استثناءات او تقرير انظمة مختلفة باختلاف فئات المرشحين لتولي الوظائف. فالمساواة لا يمكن ان تكون مطلقة وانما هي مساواة نسبية . ومن ثم فانها تتحقق متى كانت الشروط التي يضعها القانون او الانظمة المختلفة او الفئات التي يميزها القانون قد تقررت في صيغة عامة مجردة ومتى كانت الاستثناءات التي يقررها القانون استثناءات عامة وليست خاصة بأشخاص محددين بذواتهم. وعلى ذلك يجوز تقرير امتيازات عامة او استثناءات عامة لطوائف معينة مثل المعوقين او منكوبي الحرب او اولاد الشهداء او المتفوقين وهو ما يعرف بنظام الوظائف المحجوزة الذي سنبينه لاحقاً في هذه الرسالة فان ذلك لا يعد اخلالا بمبدأ المساواة. كما ان قصر تولي وظائف معينة على الذكور دون الاناث. ومتى كان تولي هذه الوظائف لا يتفق مع مؤهلات المرأة او قدراتها او متى كان ذلك متعارضاً مع التقاليد الراسخة في ضمير الجماعة. ولكن حرمان المرأة بصورة مطلقة من تولي الوظائف العامة جميعها يعد بلا شك متنافياً مع مبدأ المساواة وخاصةً ان المرأة قد اثبتت قدرتها على تولي بعض الوظائف بكفاءة اكبر واقدر(25).
__________________________
1- د. شوقي حسين عبدالله / نظم تعيين الموظفين في الخدمة المدنية بالدول العربية ، دراسة تحليلية مقارنة ، المنظمة العربية للعلوم الادارية، 1971 ،ص9-10.
2- بينما نص القانون رقم 47 لسنة 1978 المصري الخاص بالعاملين المدنيين بالدولة في المادة 20 منه على الشروط الواجب توافرها فيمن يعين باحدى الوظائف وهي:
- ان يكون متمتعاً بالجنسية المصرية أو جنسية إحدى الدول العربية التي تعامل جمهورية مصر العربية بالمثل بالنسبة إلى تولي الوظائف العامة. أما في فرنسا فقد جاء في لائحة الخدمة المدنية في فرنسا رقم 59-244 الصادر في 4 فبراير سنــــــة 1959 والمعدل في 13/7/1983 بشأن وضع نظام عام للموظفين المدنيين في فرنسا، حيث نصت المادة 16 من اللائحة على انه " لا يجوز تعيين أي فرد في وظيفة عامة إلا بشرط ":-
- ان لم يكن متمتعاً بالجنسية الفرنسية وانطبقت عليه نواحي العضوية المنصوص عليها في قانون الجنسية الفرنسية. كما نصت المادة 50 من اللائحة على انه " دون الإخلال بنصوص المادة 16 يتأتى الوقت النهائي عن العمل بما يتضمنه ذلك من فقد الصفة كموظف مدني 0000 ولفقدانه الموظف للجنسية الفرنسية0000 "
3- د. نواف كنعان / القانون الإداري ، ك2 ، ط1 ، ضمن سلسلة المكتبة القانونية 424 ، الاصدار الثاني ،2001 ، ص47 ، الدار العلمية للنشر والتوزيع ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن.
4- د. محمود عاطف البنا / مبادئ القانون الإداري ، وسائل واساليب النشاط الإداري ،1979 ، ص 200.
5- المادة 7 فقرة 2 من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لسنة 1963 . بينما في مصر فقد نصت المادة 20 من القانون رقم 47 لسنة 1978 الخاص بالعاملين المدنيين بالقطاع الحكومي والعام على ان لايقل السن عن ستة عشر سنة.
6- انظر د. شاب توما منصور / القانون الإداري ، ص310.
و د. يوسف الياس / المصدر العملي في شرح قوانين الخدمة المدنية والانضباط والتقاعد المدني ، ط1 ،1984 ،ص44.
7- م3/4 من قانون التقاعد المدني المرقم 33 لسنة 1966.
8- المادة 5/5 من القانون الفرنسي الصادر في 13/يوليو/1983.
9- انظر الفقرة رابعاً من المادة 7 من قانون الخدمة المدنية العراقي 24 لسنة 1960 .
وكذلك نص عليه القانون 47 لسنة 1978 الخاص بالعاملين المدنيين المصري.
10- المادة 20/6 من القانون المرقم 47 لسنة 1978 الخاص بالعاملين المدنيين المصري.
11- د. محمد عصفور / وقاية النظام الاجتماعي باعتبارها قيداً على الحريات العامة ، مصر ، 1961 ، ص125.
12- Roger Gregoire: La fonction publique , 1954 , p.166
13- د.الدماصي / مصدر سابق ، ص553.
14- د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، ط3 ، دار الفكر العربي ، مصر ، ص486.
15- سعيد الدجيلي / محاضرات في تطبيقات قانون الخدمة المدنية ، على الآلة الكاتبة ، مكتب التدريب في رئاسة مؤسسة المعاهد الفنية ، بلا تاريخ ، ص29. وينظر كذلك د.يوسف الياس/مصدر سابق ، ص46.
16- حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية في القضية المرقم 11 بتاريخ 5/11/1966 ، السنة 12 ، ص564.
وينظر كذلك د. نواف كنعان / مصدر سابق ص55.
17- د.يوسف الياس / مصدر سابق ، ص48-49.
18- انظر الفقرة 5 من المادة 7 من قانون الخدمة المدنية العراقي
19- د. يوسف الياس / مصدر سابق ، ص50.
20- انظر نص المادة 27 من قانون الخدمة العسكرية العراقي المرقم 65 لسنة 1969.
21- انظر نص المادة 58 من القانون المرقم 505 لسنة 1955 الخاص بالخدمة العسكرية .
22- د. سليمان الطماوي / الوجيز في القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، 1979 ، ص242 .
23- د. احمد السيد عوضين / مجلة العلوم الإدارية ، السنة 32 ، ع2 ، 1990 ، مصر ، ص119.
24- د. ثروت بدوي / القانون الاداري ، دار النهضة العربية ، 2002 ، القاهرة ، ص432.
وكذلك د. ثروت بدوي / النظم السياسية ، دار النهضة العربية ، ط 1975 ، ص444 وط 1999 ، ص424 وما بعدها.
25- د. ثروت بدوي / القانون الاداري ، دار النهضة العربية ، 2002 ، ص432.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|