أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
16981
التاريخ: 29-3-2016
2092
التاريخ: 29-3-2016
13042
التاريخ: 1-4-2016
3332
|
إزاء عجز المشرع الوضعي عن الوصول إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الأفراد عن طريق التشريعات القانونية ، فقد عكف الفكر القانوني على بحث وسائل تحقيق المساواة الفعلية. وكانت بداية الأمر ، عندما استهدفت المساواة المطلقة " أي تطبيق القانون على الجميع دون ما تفرقة أو تمييز " وتلك الحقيقة التي استقرت في ذهن رجال الثورة الفرنسية ، واقرارها في أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان والمواطن غير ان هذه الحقيقة التاريخية التي برزت في أواخر القرن ألثامن عشر اصطدمت بحقيقة أخرى وهي " اختلاف الأفراد في قدراتهم وملكاتهم وفضائلهم ومواهبهم وإمكاناتهم المادية " ومن هذه النقطة اهتدى المفكرون والفلاسفة إلى محاولة تحقيق المساواة الفعلية عن طريق تحقيق المساواة في الظروف المادية والاقتصادية بين الأفراد. وكان طبيعياً لإعمال المساواة الفعلية ان يتجه الفقه إلى الثروات ورؤوس الأموال فيعاد توزيعها من جديد بما يحقق المساواة الاقتصادية بين الأفراد(1).فواضح ان هذه الاتجاهات مادية فهي ، تنظر إلى الظروف المادية والاقتصادية باعتبارها من العوامل الرئيسية في خلق الفوارق الفردية فتعيد توزيعها. إلا ان المواهب والملكات والفضائل من الأمور التي لا تخضع للمصادرة ولإعادة التوزيع(2). وقد ذهب الفقيه الفرنسي "كوليار" لبحث الطرق والوسائل الرامية إلى تحقيق المساواة الفعلية بين أفراد. تسير إحداهما عكس الأخرى وتسمى الأولى بفكرة "المساواة الرافعة" أي رفع الفقراء والضعفاء اقتصادياً لمستوى الأغنياء . إلا ان هذا الاتجاه من الأمور المستحيلة لكثرة عدد الفقراء والضعفاء. والفكرة الثانية هي فكرة "المساواة الخافضة أو "الهابطة" " وترمي إلى إنزال الأقوياء إلى مستوى الفقراء . الا ان جانباً كبيراً من الفقه لا يقر هذه المساواة الخافضة باعتبارها وسيلة غير مقبولة ، لا تتم إلا عند قيام الثورات بهدف تامين النظام الثوري. وهناك حذر من النوع الثاني للمساواة، الذي كثيراً ما يستغله القادة لكسب شعبية لدى الجماهير خاصة إبان الثورات، أو تميل الجماهير إلى تأييد الحاكم الذي ينزل الأغنياء والأقوياء إلى مستوى الفقراء والضعفاء. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ان الفقراء والضعفاء يكونون غالبية الشعب(3).ونوضح أولا ان فكرة كل من المساواة الخافضة والمساواة الرافعة غير مقبولة لكون الأولى قد يلجأ إليها الثوار لتوطيد سيطرة الحكم وهي مؤقتة بطبيعتها أما الثانية فهي مستحيلة وذلك لكثرة الضعفاء والفقراء ، ولان هذا يستلزم إمكانيات مادية تفوق الخيال وهذا أمر مستحيل. فالدولة تكفل الكافة لتنمية المجتمع مثل نشر التعليم بكل مراحله وبالمجان لغير القادرين مادياً وتطويره والتنمية الفعلية والبدنية عن طريق نشر الوسائل التثقيفية وتطويرها والنوادي ورعاية المتفوقين علمياً وتشجيع البحث العلمي وتوفير فرص العمل بأجور معقولة إذ ان التنمية الاجتماعية من العوامل التي تؤثر في المساواة الفعلية وتوفير الضمانات المادية والمعنوية للعامل أو الموظف الذي سيعمل على القضاء على العادات السيئة في المجتمع وهذه ستعمل على تطور المجتمع والارتقاء به وتقليل الفوارق بين المساواة القانونية والمساواة الفعلية. كما ان هناك الجانب الاقتصادي. فعندما يتحرك المجتمع بمجموعه عن طريق الإمكانات الاقتصادية المتاحة نحو المساواة في الظروف وهذا لا يتأتى إلا من خلال التنمية الاقتصادية التي تتبناها الدولة حيث تعمل على خلق فرص عمل واستثمارات حقيقية. ولكن مجرد تسجيل مبدأ المساواة دون ان يكون هناك التحرك الفعلي لتحقيق المساواة الفعلية من جانب الدولة فان ذلك سوف لن يغير شيئاً من عدم التكافؤ في الفرص. كما ان هناك العامل السياسي الذي يتم عن طريق السلطة السياسية عندما تسن القوانين التي يجب ان تكون عامة بحيث يجري تطبيقها دون تمييز بين فئة وأخرى من حيث شروط تولي الوظائف العامة وهذا مدار البحث على قدم المساواة. فعندها سيكون للجميع حق الحصول على الوظائف العامة دون الرجوع إلى موروثات بالية سابقة مثل الأوضاع الوراثية أو الطبقية وعلى أساس الجدارة والقدرة العلمية. ولهذا فانه يلقي على الدولة واجب إتاحة هذه الفرص عن طريق المساواة في تهيئة فرص التعليم بجميع مستوياته أمام جميع فئات الشعب دون تمييز أو استثناء لتؤهلهم تولي الوظائف العامة. فيجب على الدولة ان تعمل على التوسع في إنشاء اكبر عدد ممكن من الوظائف وبطريقة مطردة حتى تستوعب هذه الوظائف اكبر عدد من المؤهلين لها ولا نعني بذلك ان يكون إنشاء وظائف دون الحاجة إليها ولكن عن طريق توسع الدولة في أداء المزيد من الخدمات وتقديم المزيد من الإنتاج وما سيتبعه ذلك من إنشاء مرافق عامة ومشروعات جديدة يلزم لها موظفون من أولئك الذين أتيحت لهم فرص التعليم وتوافرت فيهم شروط شغل هذه الوظائف. فمبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة بالشرح الذي ذكرناه لا يعني حق كل من توافرت فيه شروط الوظيفة ان يشغل فعلاً وظيفة ما أو ان الدولة أصبحت ملزمة إزاءه بتوفير وظيفة عامة طالما انه استكمل شروط شغلها ، ولكن الذي نعنيه هنا ان تتيح الدولة الفرص المتكافئة والمتساوية إمام جميع أفرادها في التأهيل والإعداد العلمي أو المهني دون تفرقة أو استثناء ، وان تتيح كذلك سبل وطرق تولي الوظائف العامة أمامهم لمن توافرت فيه الشروط وتحققت فيه الضوابط اللازمة لشغل هذه الوظائف دون تفرقة أو استثناء. وان تكون القواعد المنظمة لتقلد تلك الوظائف قواعد عامة ومجردة ولا تهدف إلا لتحقيق المصلحة العامة. كما ان تطبيق مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة بمفهومه الفعلي لا يحقق فقط مساواة المواطنين في الاستفادة من هذا الحق ، بل يحقق أيضا للدولة والوظيفة العامة مبدأ الجدارة والكفاية في شاغلي هذه الوظائف عن طريق المنافسة في الحصول عليها ، ومن هذا المفهوم لمبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة لا تعد الشروط التي تضعها الدولة لشغل الوظائف العامة خروجاً عن مبدأ المساواة ، مادامت هذه الشروط تحددها القوانين والأنظمة الخاصة ببعض الوظائف بصورة عامة ومجردة. ولا تبتغي من وراء ذلك إلا تحقيق المصلحة العامة في ضوء ظروف وملابسات ممارسة مسؤوليات واختصاصات وأعباء هذه الوظائف. فمبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة يعتبر أساس الديمقراطية الإدارية ، عندما يشترك أفراد الشعب على قدم المساواة في إدارة شؤون البلاد في النواحي الإدارية والتنفيذية وغيرها.
______________________
1- د. شحاتة أبو زيد شحاتة / مبدأ المساواة في الدساتير العربية ، ط2001 ، ص25 ، دار النهضة العربية ، القاهرة.
2- د.محمد الشافعي أبو راس / نظم الحكم المعاصرة، دراسة مقارنة في أصول النظم السياسية ، عالم الكتب، القاهرة ،ص533-534.
3- د. عبد الحميد متولي / الحريات العامة، نظرات في تطورها ومستقبلها ، بدون تاريخ ، ص 68 – 69. وكذلك د. سعاد الشرقاوي /نسبة الحريات وانعكاساتها على التنظيم القانوني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، هامش ص91.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|