أقرأ أيضاً
التاريخ:
5126
التاريخ: 22-3-2016
4131
التاريخ: 27-3-2016
5766
التاريخ: 27-3-2016
10785
|
يتعين لتوافر القصد الجنائي لدى الشريك المساعد توافر الإرادة لديه الى جانب العلم وان تتجه الى جميع الوقائع التي يتطلب القانون العلم بها والمتمثلة بنشاط الشريك ووسيلته ونتيجته(1)، ولكن يشترط في هذه الإرادة ان تكون معاصرة لنشاط الشريك، فالقصد الجنائي يتحقق لديه متى أراد الفعل وأراد نتيجته(2)، فالإرادة عنصر مهم في القصد الجرمي وينتفي بانعدامها ويقصد بها في نطاق الاشتراك بالمساعدة هي انعقاد العزم على السلوك والوسيلة وارتكاب الفاعل لجريمته(3)، فالقصد الجرمي في الجرائم العمدية قوامه إرادة النتيجة التي تحققت على يد الفاعل فإذا انتفت لدى الشريك المساعد انتفى قصد الاشتراك في الجريمة(4)، وعلى اثر ما تقدم سوف نبين اتجاه إرادة الشريك المساعد الى فعل الاشتراك ونتيجته، ومن ثم نبين في الأثر المترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الشريك بالمساعدة.
أولاً- اتجاه إرادة الشريك المساعد الى الفعل والنتيجة الإجرامية
لقد أشار مشرعنا العراقي الى إرادة الشريك المساعد لنشاطه وللنتيجة الإجرامية في الفقرة (3) من المادة (48) بقوله (...مع علمه بها....) وهذا يعني ان الاشتراك في المساعدة يقتضي التحقق من إرادة الشريك المساعد على خلاف وسائل الاشتراك الأخرى التي تكون إرادة الشريك فيها واضحة ولمساءلة الشريك المساعد عن اشتراكه في الجريمة يتعين ان يكون مريداً لفعله الذي ساهم في جريمة الفاعل الأصلي، فمن يعطي غيره سلاحاً فيستعمله في جريمة قتل هنا يجب ان تكون إرادة الشريك المساعد اتجهت في التخلي عن حيازته وإدخاله في حيازة الفاعل، أما إذا استولى عليه الأخير من دون علم الأول فلا يكون حائز السلاح شريكاً بالمساعدة. وذلك لان إرادته لم تتجه الى الفعل الذي تقوم به المساعدة في هذه الجريمة(5). وقد قضت محكمة النقض المصرية ((بان القصد الجنائي في الجرائم العمدية يقتضي تعمد اقتراف الفعل المادي وفوق ذلك تعمد النتيجة المترتبة على ذلك الفعل))(6). وقضت أيضاً ((بضرورة تطلب قصد الاشتراك في الجريمة لإمكان مساءلة الشريك عنها، فضلاً عن توافر العلم بها وقت ارتكابها، فإذا خلا الحكم من هذا البيان كان قاصراً مما يستوجب نقضه))(7). أما إذا كان الشريك المساعد غير مريد لفعله بل ان الفعل كان ناجماً عن إهمال أو خطأ بحيث أدى نشاطه هذا الى وقوع جريمة بفعل شخص آخر فلا يسأل عنه باعتباره شريكاً فيه ولكن في الإمكان مساءلته عن جريمة مستقلة(8)، فإذا ترك شخص مسدساً فيه عياراً نارياً في متناول آخر فارتكب فيه جريمة قتل فلا يسأل تارك السلاح عن الاشتراك بالمساعدة في جريمة قتل. وذلك لان الجريمة التي وقعت هي جريمة غير عمدية ولا يتحقق الاشتراك فيها، وهذا وفقاً لما يراه بعض الفقه(9)،والمنكر للاشتراك في الجرائم غير العمدية بل يكون مسؤولاً عن جريمة قتل خطأ بإهماله في ترك السلاح(10). ولا يكفي لمساءلة الشريك بالمساعدة ان تكون إرادته مقتصرة على الجريمة التي يرتكبها الفاعل بناءً على نشاطه، وإنما يتعين ان تمتد الى نتيجته ففي جريمة القتل لكي يسأل عن الاشتراك بالمساعدة، عليه ان يثبت ان إرادته اتجهت الى تمكين الفاعل من إطلاق النار على المجني عليه، وانه كان مريداً تحقيق النتيجة الإجرامية لفعل الفاعل الأصلي وهي الوفاة. فإذا لم تتجه إرادته الى إحداث تلك النتيجة، ينتفي قصد الاشتراك لديه، ومن ثم تنتفي مسؤوليته الجزائية تبعاً لذلك، ولو ثبت العلم بها، فالجرائم العمدية تكون اتجاه إرادة الشريك بالمساعدة فيها وجوبية الى إحداث النتيجة المتحققة على يد الفاعل باستخدام وسيلة المساعدة التي يقدمها إليها الشريك(11). يتضح من ذلك ان عناصر القصد الجنائي في الاشتراك تشترط مع عناصر القصد الجنائي لدى المساهم الأصلي من حيث العلم بالجريمة التي يرتكبها الفاعل واتجاه إرادته الى الفعل الذي تقوم به، والنتيجة التي تترتب عليه وبهذه العناصر تقوم رابطة ذهنية تجمع بينهما و تتحقق تلك الرابطة بمجرد الاشتراك في العلم بوقائع معينة واتجاه إرادته إليها. ولا يعتد بالقصد الجنائي لدى الشريك بالمساعدة، إلا إذا كان معاصراً لقصد الفاعل الذي يصدر عنه ذلك النشاط وان ما ينطبق على الشريك ينطبق على الفاعل(12)، مما يؤدي الى ظهور قصور بعدم الاعتداد بالقصد اللاحق لان الشخص إذا ارتكب الفعل الجرمي وغير عالم به وقت ارتكابه فلا يسأل عنه ولو أدرك حقيقته فيما بعد فالعبرة إذن لتحقق الاشتراك ان يكون نشاط الشريك المساعد معاصراً للجريمة المرتكبة من قبل الفاعل وان القصد اللاحق. للشريك غير كافٍ لمساءلته عن الاشتراك في جريمة الفاعل(13).
ثانياً- الأثر المترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الشريك المساعد
في الواقع لا ينتفي القصد الجنائي بانتفاء العلم والإرادة فحسب بل ينتفي بتوافر غلط جوهري وهو الغلط الذي يرد على احد العناصر المكونة للجريمة أي غلط يرد على عناصر الركن المادي فيها(14)، فقد يكون غلط في سلوك الشريك المساعد، وقد يكون في وسيلته، فالغلط في سلوك الشريك هو غلط نافٍ للمسؤولية الجزائية كونه غلط يرد على أهم الوقائع التي يعتد فيها لتوافر القصد الجنائي. فمن يقدم محرر مزور لآخر غير عالم بتزويره ومن شأنه ان يؤدي الى خداع من يطلع عليه فلا يعد شريكاً بالمساعدة إذا استخدمه في جريمة نصب وذلك لجهله بحقيقة ذلك المحرر وينتفي لديه القصد وتنتفي عنه مسؤوليته، أما من حيث الغلط في وسيلة المساعدة يعد غلطاً جوهرياً essentielle فمن يعطي لآخر حقنة معتقداً انه دواء ليعطيها هذا الأخير لمريض في حين إنها مادة سامة فلا يعد شريكاً بالمساعدة لهذا الأخير لانتفاء قصده بالغلط اللهم إلا إذا كان من قدم تلك المادة السامة قد اخل بواجب الحيطة والحذر أو لم يتخذ الإحتياطات الكافية لتجنب حدوث تلك النتيجة فيعد مسؤولاً عن ذلك مسؤولية غير عمدية(15). أما الغلط غير الجوهري non essentielle الذي لا يقع على العناصر المكونة للجريمة ولا ينتفي فيه القصد الجنائي ويكون المساعد مسؤولاً عن اشتراكه في جريمة الفاعل ويكون الغلط غير جوهري إذا تعلق بشخصية المجني عليه(16)، أو بالبواعث(17)، أما الجهل أو الغلط في القانون أيضاً لا يؤثر في مسؤولية الشريك المساعد لعدم انتفاء القصد الجرمي لديه، إذ ان العلم بالقانون هو علم مفترض لدى كل مواطن، وهذا مبدأ مسلم به في التشريعات الحديثة بوجه عام(18)، ولكن هذا العلم المفترض غالباً ما يخالف الواقع، لأنه يتعذر على أي إنسان ان يحيط علماً بجميع النصوص القانونية، وان يفهمها على الوجه الذي قصده المشرع، والافتراض هو ليس بدعة في القانون بل تمليه الضرورة الاجتماعية لأنه لو أجيز الاحتجاج بالجهل في القانون لأصبح القانون عنصراً في الجريمة ولأصبح الجهل نافياً للقصد الجرمي ومؤدياً للإضرار بالمصلحة العامة، لان الغاية الأساسية التي يهدف إليها المشرع في صياغة هذه القاعدة هو عدم إفلات احد من العقاب بحجة عدم إطلاعه على القانون(19)، لكن الاستثناء الذي يرد على هذه القاعدة والتي يرفع المسؤولية الجنائية هي حالة الاستحالة المطلقة للعلم بالقانون، وحالة الغلط الذي لا يمكن دفعه، ففي الاستثناء الأول تتوافر حالة القوة القاهرة والتي تحول دون علم الجاني بالقانون مهما حاول الوصول الى ذلك والسبب ان تلك الظروف خارجة عن إرادته، أما الاستثناء الثاني فان استحالة العلم فيه ليست راجعة الى أسباب قاهرة وإنما راجعة الى عيوب في الأشخاص بصفة عامة وفي علاقتها ببعضها، تلك العيوب التي تؤدي الى إمكانية حدوث اختلاف بين المعلومات المستقاة من هؤلاء الأشخاص، وحقيقة هذه المعلومات وهذه العيوب لا يمكن دفعها باعتبارها متعلقة بطبيعة الإنسان نفسه وما بها من نواقص سواء في الذاكرة أو في دقة المعلومات(20).
___________________
[1]- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص357.
2- د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص432.
3- د.مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، مصدر سابق، ص89. و د.طارق سرور، قانون العقوبات- القسم الخاص، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، ط1، دار النهضة العربية بالقاهرة، 2003، ص44.
4- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص263.
5- د.علي حسين خلف وسلطان الشاوي، مصدر سابق، ص222.
6- نقض 5 يناير، سنة 1979، مجموعة أحكام محكمة النقض، س26، رقم 2، ص5.
7- نقض 27 يناير، سنة 1956، مجموعة أحكام محكمة النقض، س7، رقم 79، ص264.
8- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص364. و د.محمد سعيد نور، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الجزء الأول، الجرائم الواقعة على الأشخاص، الدار الدولية للنشر والتوزيع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ص153.
9- د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص360.
10- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص264.
11- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص358،359. و د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص265. و د.مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، مصدر سابق، ص92.
12- مدحت محمد عبد العزيز، مصدر سابق، ص95.
13- عبد المهيمن بكر، مصدر سابق، ص191.
14- د.محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم العمدية، مصدر سابق، ص89. و د.فتوح عبد الله الشاذلي وعلي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص559. ومحمد زكي أبو عامر وعلي عبد القادر، مصدر سابق، ص190.
15- د.مدحت عبد العزيز، مصدر سابق، ص94. و د.احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص361 وما بعدها.
16- د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مصدر سابق، ص361. وقرار رقم 1686/ج ديالى/ 1956 في 4/12/1956 قضت (إذا اخطأ الجاني في إصابة المجني عليه فان هذا الخطأ لا ينفي الفعل عن الجاني ويتعين تجريمه وفقاً لقصده من الجريمة التي ارتكبها)- مجلة القضاء العدد/5/ ت2/ ك1/1956، ص788.
17- نصت المادة (48) عقوبات عراقي (لا يعتد بالبواعث على ارتكاب الجريمة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)، فإذا كان الباعث لدى الفاعل الانتقام من المجني عليه في حين ان الباعث لدى الشريك حين يقدم المساعدة لدى الفاعل مجرد إرضاء أو تقاضي مكافئة فان ذلك لا ينفي القصد الجرمي لدى الشريك المساعد. انظر مؤلف د.محمد زكي محمود، اثر الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1967، ص137. وعماد حسن نجم الناصري، أحكام الجهل في قانون العقوبات، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد، سنة 1998،ص104.
18- نصت المادة (37/1) عقوبات عراقي بقولها (ليس لأحد ان يحتج بجهله بأحكام هذا القانون أو أي قانون عقابي آخر ما لم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة)، من خلال هذا النص يتضح ان على كل شخص ان يكون عالماً بالقانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية وحلول الموعد المقرر لنفاذها ويعتبر النشر قرينة قانونية قاطعة غير قابلة لإثبات العكس.
19- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص137.
20- د. حميد السعدي، مصدر سابق، ص282. و د. عمر الشريف، درجات القصد الجنائي، ط1، دار النهضة العربية بالقاهرة، 2002، ص178 وما بعدها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|