أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2017
4500
التاريخ: 29-6-2022
1961
التاريخ: 9-7-2022
1672
التاريخ: 11-7-2021
3297
|
يبرز هذا الجانب من الحق في سلامة الجسم متأثرا بأفكار الفلسفة الليبرالية القائمة على تقديس الفرد وعده أساس الجماعة وأسبقيته في الوجود منها، وهو بذلك يتمتع بحقوق لا تنفصل عنه يكتسبها من آدميته، وبناءً على ذلك فإن الفرد هو الغاية من قيام الجماعة مما يستلزم المحافظة على حقوقه وحرياته(1). ولذلك فإن القانون يقرر لكل فرد حقه في الاحتفاظ بتكامله الجسدي وبمستواه الصحي وبسكينته الجسدية على الحالة الطبيعية، وهذه المزايا عبارة عن مصلحة يستفيد منها الفرد بصورة أساسية وإن كانت تحقق فائدة للجماعة بصورة ثانوية غير مباشرة، ومقتضى ذلك أن للفرد مصلحة في تجريم كل فعل يؤدي إلى المساس بهذه السلامة وإن كان يحقق أهدافاً تستفيد منها الجماعة كالتطعيم ضد الأوبئة(2)، لأن الحق في سلامة الجسم هو حق فردي قبل كل شيء، والملاحظ أن هذا الحق في ظل التيار المتأثر بالفلسفة الليبرالية قد بلغ من التوسع في نطاق الحماية القانونية إلى الدرجة التي حملت على الاعتراف للفرد بالسلطات المباشرة على جسده كلها، فيما تختص الهيئة الاجتماعية في تأمين هذه الحماية وأي تقصير فيها هو انتقاص من شخصية الفرد(3). ولكن بتطور الحياة الاجتماعية ظهرت مجموعة من الحقوق الاجتماعية التي تتعارض مع مفهوم الدولة الحارسة إذ أسهمت هذه الحقوق في رفد سلطة الدولة بكل ما يسوغ التوسع من سلطاتها على حساب سلطان الفرد وذلك خدمة للمصلحة الاجتماعية، إلى الحد الذي تميز فيه الجانب الاجتماعي على الجانب الفردي للحقوق ومنها الحق في سلامة الجسم. وذهب البعض إلى القول بأن المفهوم الفردي للحقوق أصبح من التراث التاريخي الذي خلفته الثورة الفرنسية وهو الآن يمر بمرحلة الاحتضار(4). فلابد من الإشارة إلى أن الحماية الجنائية التي يقررها المشرع لأعضاء الجسم تلازمه في أحواله كلها فلا تسقط عنه أو عن جزء من أجزائه حتى وإن أصبح هذا الجزء عاجزاً عن القيام بدوره الطبيعي في أدائه لمهامه التي فطر عليها، فإن مناط هذه الحماية هي انتماؤه إلى مادة الجسم فلا مجال للقول بأن علة الحماية هي أن يؤدي العضو وظيفته على أكمل وجه وأنم عجزه عن أداء هذا الدور يجعل حمايته مفتقرة إلى العلة ذلك أن الإنسان ليس في وسعه أن يقطع باستحالة العجز إذ أن التقدم العلمي يفرض الأخذ بأسباب الحذر ولا يسوغ لنا إطلاق الأحكام عليه فلا سبيل لإهدار الحماية الجنائية عن أي عضو من أعضاء الجسم فهي تنبسط على أعضائه كلها الظاهرة منها والباطنة وهي تحظى جميعاً بقدر واحد من هذه الحماية(5). إذن فأعضاء جسم الإنسان كلها هي محل حماية المشرع بما لصاحبها من حظ في إمكانية أدائها على وفق السير الطبيعي والصحة الكاملة من عدمه، كما في حالة المرض والاعتلال الصحي لأي عضو حتى وإن كان هذا الاعتلال مزمناً، وعلى أن تسير وظائف الأعضاء جميعاً كما هو مقدر لها مع احتفاظ صاحبها دون مساس بها ومتحرراً من الآلام البدنية جميعها حتى وإن كانت الأخيرة موجودة لدى الشخص. فإن حصل الاعتداء وأدى إلى زيادة هذه الآلام فالقانون يعد ذلك ماساً بهذا الحق. وعليه فإن القانون الجنائي يعاقب على كل مساس بجسم الإنسان وسواء حصل الاعتداء فعلاً أو كون شروعاً وسواءً وقع الاعتداء من شخص عادي أم كان طبيباً. إن جسم الإنسان كيان واحد وسلامة أي عضو من أعضائه تمثل بالضرورة مصلحة لباقي الأعضاء بغض النظر عن وظيفة ذلك العضو سواءً أكانت بدنية أم نفسية، فلا ينبغي إسباغ حماية القانون على عضو من غير الآخر ولا التمييز في الحماية بينها. عليه لا يجوز قانونا الاعتداء على الحق في التكامل الجسدي إلا إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه من أجل صالح الجسد وصيانته في أن يبقى مؤدياً لوظائفه الطبيعية على وفق الفطرة الإنسانية والموروثة، والقوانين العقابية تؤكد حرمة الكيان الجسدي ونصت على عقوبة لكل من يعتدي عمداً على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون إذا كان القصد من هذه الاعتداءات المساس بحق الإنسان في التكامل الجسدي، إذ أن المشرع الأردني أورد نصوصاً عاقب بموجبها على كل مساس بالسلامة البدنية للأشخاص في القسم الخاص بالإيذاء(6)، إذ عاقب على أشكال الاعتداء كلها التي تمس حرمة الكيان الجسدي للإنسان، وعاقب قانون العقوبات اللبناني على من أقدم قاصداً ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه ونجم عن هذه الأفعال مرض أو تعطيل للشخص عن عمله أو أحدث عاهة مستديمة أو أحدث تشويهاً جسيماً(7). ويعاقب قانون العقوبات العراقي على جرائم الاعتداء على الحق في التكامل الجسدي في المواد (412-416) منه. كذلك يعاقب قانون العقوبات الجزائري على أفعال الجرح والضرب أو ارتكاب أعمال العنف والتعدي سواءً نتج عنها مرض أو عدم القدرة على الحركة أو عجز عن العمل أو أفقد المعتدي عليه أحد أعضائه أو أفضى هذا الاعتداء إلى حرمانه من استعمال العضو محل الاعتداء(8).
_______________________
1- الدكتور عصام أحمد محمد، المصدر السابق، ص197 وما بعدها.
2- Claude Albert Colliard Liberte’s Publiques, Sixieme Edition, Dalloz, Paris, 1982, p.361.
3- الدكتور منذر الشاوي، الدولة الديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانونية، الكتاب الأول، الفكرة الديمقراطية، منشورات المجمع العلمي، بغداد، 1988، ص160 – 161.
4- الدكتور عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، الإسكندرية، 1963، ص259.
5- الدكتور عوض محمد، جرائم الأشخاص والأموال، مصدر سابق، ص137.
6- أنظر المواد 333 – 338 من قانون العقوبات الأردني.
7- أنظر المواد 554 – 557 من قانون العقوبات اللبناني.
8- أنظر المادة 269 من قانون العقوبات الجزائري.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|