أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-2-2016
3599
التاريخ: 24-2-2016
1482
التاريخ: 21-2-2016
1355
التاريخ: 21-2-2016
1551
|
ما مدى روعة العدد التخيّلي "i" ؟! ربّما لولاه لم نكن لنستطيع التّحدّث على الهواتف الخليويّة أو الاستماع إلى الراديو!
إذا لم تكنْ قد سمعتَ عنه من قبل، فيمكنني ببساطة أن أعرّفه لك بأنّه الجذر التربيعيّ للعدد "−1"، أي أنّ ,i2=−1
ولكن كيف ذلك؟! هل هناك جذرٌ تربيعيٌّ للعدد السالب؟! قلتُ لكَ منذ البداية إنّه عددٌ تخيّلي، أو كان على الأقل كذلك في بداية الأمر... ولكن كيف يمكن لأداةٍ تخيّليّةٍ أن تساعدنا في تطوير حياتنا التقنيّة الواقعيّة؟!
لنتحدّث قليلاً عن تاريخ نشأة الأعداد العقدية (المركّبة، التخيّلية) والعدد التخيّلي i
ظهرت الحاجة إلى الأعداد التخيّليّة عندما تمّ إنشاء الأعداد السالبة، حيث لم يستطع الرياضيون إيجاد جذرٍ تربيعيّ للعدد السالب...
تمّ التعامل مع جذور الأعداد السالبة لأوّل مرّة في القرن السادس عشر، حيث وجد العالمGirolamo Cardano أن بعض المسائل لها حلّ بدلالة جذور تربيعيّة لأعداد سالبة، ومع أنّه كان يؤمن بأنّ مثل هذا الحلّ غير واقعيّ إلا أنّه كان متأكّداً بأنّه لا يوجد حلّ آخر! وقد وافقه النّاس بعدم الفائدة من ذلك قرابة قرنٍ من الزمان...
جاء العالم رينيه ديكارت في عام 1637 ليضع الصيغة النموذجية للأعداد التخيّلية، والتي قادت فيما بعد إلى الصيغة الجبرية للعدد العقدي “a+bi”.
إنّ هذه الصيغة تعني أنّ العدد العقدي مركّب من جزئين: الجزء الأوّل (الحقيقي) a هو مجرّد عدد حقيقي، والجزء الثاني (التخيلي) bi هو عدد حقيقي b مضروب بالعدد التخيلي i، وإنّ مجموع هذين الجزئين هو العدد العقدي...
ومع ذلك، فإنّ ديكارت لم يؤمن بالأعداد العقدية كثيراً، وافترض أنّه لو تمّ استخدامها في حلّ مسألة ما فإنّك لن تصل إلى نتيجة! في الحقيقة هو من أسماها "أعداداً تخيّليّة".
وطوال أكثر من قرن بعد ذلك تنوّعتْ آراء العلماء بين مؤمنٍ بإمكانيّة وجود العدد i ومحاولٍ لإثبات وجوده، وبين رافضٍ لإضافة عدد جديد!
قام المؤمنون منهم بدراسة هذه الأعداد إلّا أنّهم لم يستطيعوا الوصول إلى طريقة لتبسيط الأمر لعامّة النّاس... لقد علموا أنّ i ضرب i يساوي ناقص واحد، وقاموا بإنشاء مخطّطات لتوضيح تلك المفاهيم وأنّ أيّ عدد عقدي هو عبارة عن نقطة في مخطّط ذو إحداثيّين متعامدين X و Y، بحيث يعبّر المحور X عن الأعداد الحقيقيّة الصّرفة (التي يكون جزؤها التخيّليّ معدوماً) بينما يعبّر المحور Y عن الأعداد التخيّليّة الصرفة (التي يكون جزؤها الحقيقيّ معدوماً)، وأنّ أيّة نقطة أخرى من ذاك المخطّط هي عبارة عن عدد عقدي ذو شقّين: حقيقي وتخيّلي...
ولكن بما أنّ هؤلاء العلماء أنفسهم لم يستطيعوا معرفة استخدامات هذه الأعداد فقد تمّ تجاهل أبحاثهم واعتبارها مجرّد فلسفة رياضيّة غير ذات فائدة...
في عام 1777 قام العالم أولر بوضع الرمز "i
" للعدد التخيّلي، والذي جعل الأمر أسهل للفهم من قبل النّاس...
طريقة أخرى للتعبير عن الأعداد العقديّة أوجدتْ في عام 1833 من قبل العالم ويليام هاملتون، ساعدتْ في تقريبها من أذهان النّاس، وهي أن يتمّ اعتبار العدد العقدي ثنائيّة مكوّنة من عددين حقيقيّين... فمثلاً يمكن التعبير عن العدد العقدي " 2+3i
" المكتوب بالشكل الجبري بالثنائية (2,3).. (1)
وهنا انطلقت الأبحاث في بحرٍ جديد أنشأ ثورةً في عالم الرياضيات، وقام العديد والعديد من الرياضيّين بإنشاء نظريّات وأبحاث هائلة في مجال التحليل العقدي، وتمّ قبول الأمر أخيراً في المجتمع العلميّ واحتلّ التحليل العقدي كلّ المجالات الرياضية البحتة والتطبيقية، الفيزياء، الهندسة، وعلوم الكهرباء والالكترون و...
لنعد الآن إلى سؤالنا الأول: "كيف يمكن لأداةٍ تخيّليّةٍ أن تساعدنا في تطوير حياتنا التقنيّة الواقعيّة؟!"
حسناً.. هل سأصدمكَ إذا قلتُ لكَ إنّ العدد i بدأ تخيّلياً ثمّ تمّ فيما بعد إثبات وجوده فعلاً؟! ولكن كيف ذلك؟!
ليس الأمر معقّداً جدّاً دعني أشرح لك الفكرة ببساطة...
العدد i موجود حقّاً ولكن ليس في فضاء الأعداد الحقيقيّة ℝ، وإنّما في الفضاء الثنائي ℝ2 حيث أن الفضاء الثنائي ℝ2 هو عبارة عن فضاء كلّ الثنائيّات من الشكل (x,y) حيث أنّ كلّاً من x و y أعداد حقيقية، يتمّ التعبير عن هذا الفضاء باستخدام محورين حقيقيّين متعامدين يعبّر أحدهما عن المسقط الأول x ويعبّر الآخر عن المسقط الثاني y... وهذا يكافئ تماماً المخطّط الموضّح في الصورة السابقة... إذاً يمكن اعتبار أي عدد عقدي هو عنصر من الفضاء ℝ2، أي مكوّن من عددين حقيقيّين...
تكمن فكرة الإثبات في إيجاد ثنائية من هذا الفضاء ℝ2 ، بحيث إذا ربّعناه فإنّنا سنحصل على العدد الحقيقي "−1"، وبذلك يتمّ المطلوب وتكون هذه الثنائية هي الجذر التربيعي للعدد "−1"
في الحقيقة سنأخذ الثنائية (0,1) من الفضاء ℝ2، وهي الثنائية المقابلة للعدد التخيلي i ، والتي يجب أن تكون -منطقيّاً- هي الثنائية المنشودة والتي مربّعها هو "−1"... ولكن كيف يتمّ تربيع ثنائيّة ما من الفضاء ℝ2؟!
لنأخذ الثنائيّة (x,y) والتي تعبّر عن أيّ عدد عقديّ، ولكن سنكتب هذا العدد بالشكل الجبريّ ونقوم بتربيعه:
(x+y.i)2=x2+2xy.i+y2.i2
ولمّا كان i2=−1فإنّ:
(x+y.i)2=x2−y2+(2xy).i
أي أنّ عملية تربيع أي عدد عقدي تعطي عدداً عقديّاُ جديداً: جزؤه الحقيقي هو x2−y2 ، وجزؤه التخيلي هو 2x.y ومنه فنتيجة تربيع العدد العقدي (x,y) هي العدد العقديّ(x2−y2,2x.y) وهذه الثنائيّة هي مجدّداً عنصر من الفضاء ℝ2.
لنعد الآن إلى الثنائيّة (0,1) ونطبّق القاعدة السابقة عليها، وذلك بتعويض كل x بصفر وكل y بواحد.. ما الذي سنحصل عليه!؟
(02−12,2.0.1)=(−1,0)
هل تعني لكَ هذه الثنائيّة شيئاً؟! نعم! إنّها العدد الحقيقي الصرف "−1" الموجود على المحور الحقيقي X في المخطط المرسوم! أليستْ نتيجةً مذهلة؟!
ألا تزال تواجه صعوبةً في تصديق الأمر؟! معك الحقّ تماماً.. سأحكي لكَ -باختصار- قصّةً حقيقيّةً قصيرة تشدّ على يدك في هذا الشّكّ.. إنّها قصّة الأعداد السالبة...
إنّ أول مجموعة قواعد للتعامل مع الأعداد السالبة وُضِعتْ في القرن السابع الميلادي، علماً أنّ فكرة الأعداد السالبة موجودة منذ 200 ق.م، حيث وُجد نظام عدّ صيني يعبّر عن المقادير الموجبة باللون الأحمر، وعن المقادير السالبة باللون الأسود.. وبعد قرون طويلة من تعامل النّاس مع فكرة الأعداد السالبة وتطوّرها بحيث أصبحت ركناً أساسيّاً بُنيت عليه الرياضيات فيما بعد وأصبح جزءاً لا يتجزّأ منها..
فعلى الرغم من كلّ ذلك يأتي العالم الرياضي Francis Maseres في عام 1758 ليفاجئنا بقوله: "إنّ الأعداد السالبة تلقي بالظلام والغموض على أشياء هي في حقيقتها واضحة وبسيطة!" ينتقد هذا العالم الأعداد السالبة بوصفها شيئاً غير واقعي، بل بأنّها تعقّد المفاهيم الواقعيّة وتجرّدها من بساطتها وعفويّتها!
لو فكّرتَ بالأمر مليّاً فسوف تجد أنّ في كلامه شيئاً من الصحة.. أليستْ كلّ المقاييس التي تحوي جانباً سالباً هي مقاييس اصطلاحيّة وحسب؟! درجة الحرارة، الارتفاع والانخفاض عن سطح البحر، جهة الدوران...
هذا لا ينفي على أيّة حالٍ ضرورة الأعداد السالبة لفهم العالم والتعامل مع الكون والتعبير عن بعض الظواهر الفيزيائية والتفاصيل الرياضية...
ولكن لا تقلق، فقد قام مجموعة من العلماء البريطانيين في القرن التاسع عشر بالتحقيق في قوانين علم الحساب باستخدام تعاريف وأساليب المنطق، حيث تمّ –وأخيراً!- حلّ مشكلة الأعداد السالبة.. (2)
فإذا كانت الأعداد السالبة -على بساطتها- قد أخذتْ ذاك المجال الواسع من الأخذ والرّد، فكيف لا تقبل الأعداد العقديّة "التخيّليّة" ذلك الشّكّ، وهي التي لم تقضِ أكثر من نصف المدّة التي قضتْها الأعداد السالبة بين أقلام وأبحاث الرياضيّين؟!
هل أحكي لكَ قصّة الصّفر أيضاً؟! في الحقيقة لقد وُصِف هو الآخر في بادئ الأمر بكونه غير ذي معنى!
باختصار... الكثير من الأفكار الرياضية -البديهيّة بالنسبة لنا الآن- لاقتْ حتّى مدى طويل رفضاً واستهجاناً من المجتمع العلمي، حتّى صارتْ فيما بعد أساساً رياضيّاً وجزءاً لا يتجزّأ من العلم نفسه!
1-History of Complex Numbers, http://rossroessler.tripod.com
2-Leo Rogers, The History of Negative Numbers, http://nrich.maths.org/5961
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|