أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2018
975
التاريخ: 26-2-2019
965
التاريخ: 6-1-2020
617
التاريخ: 24-4-2020
1110
|
هل تلبي التكنولوجيا الحيوية احتياجات الفقراء؟
تملك المحاصيل الغذائية المهندسة وراثيا امكانيات هائلة كوسيلة ضد الجوع، فلم يستغل الى الان غير القليل من تلك الامكانيات عبر اعتماد الاصناف النباتية الوفيرة الغلة، والمواد الكيميائية الزراعية، وتقنيات الري المستجدة في صلب النظم الزراعية. وجعلت الثورة الخضراء خلال حقبتي الستينات والسبعينات في المتناول تعزيز الغلال الزراعية بوفرة والمساهمة في رفع الجوع والفقر عن كاهن الملايين. ومع ذلك، فهنالك الكثيرون من صغار المزارعين ممن لم يكتب لم النجاة من الحلقة المفرغة لزراعة حد الكفاف اليومية بينما لم يزل ثمة 842 مليون انسان ممن لا يجدون ما يسد الرمق. ووفقا لأحدث تقديرات منظمة FAQ في هذا المجال فان مليارات الاشخاص يعانون من نقص المغذيات الدقيقة فيما يشكل نمطا متخفيا من سوء التغذية الناجم عن تناول وجبة كافية. وكذلك فالمقدر ان ملياري نسمة اخرين سيحتاجون في غضون السنوات الثلاثين المقبلة الى كميات اضافية من الغذاء في حين تواصل قاعدة الموارد الطبيعية التي يستند اليها الانتاج الزراعي اتجاه التضاؤل الراهن. فهل تسع ثورة الجينات او استخدام التكنولوجيا الحيوية في القطاع الزراعي، في المساهمة في التصدي لمثل هذه التحديات؟ جدل شامل حسبما يستخدم. فقد يتحول العلم الى غول رهيب او ملاك رقيق. فالثورة الخضراء على سبيل المثال ليست خالية من العيوب اذ يؤكد البعض انها مسؤولة عن الاستخدام المفرط للموارد المائية ومبيدات الافات والاسمدة الكيميائية، مما خلق اعتمادا مستمرا من جانب صغار المزارعين الفقراء على تلك المدخلات فضلا عما سببته من اضرار خطيرة للبيئة في غضون مثل هذا السياق. اليوم فان بروز صورة التكنولوجيا الحيوية مجددا بوضوح على الساحة انما عاد ليثير جلا شاملا على نفس النحو السابق. وتسليما بان بعض نماذج التكنولوجيا الحيوية شاع استخدامه منذ الاف السنين، مثلا حين شرع اجدادنا الاول في الاستفادة من الكائنات الحية الدقيقة في اعداد النبيذ والاجبان الخبز، فان الحقبة الراهنة من التكنولوجيا الحيوية اصبحت في المتناول بفضل تقنيات الجزيئات الدقيقة التي تلتقط ثم تضيف المورثات من خلية الى اخرى. وفي الواقع فان مثل هذه التقنيات الحديثة والبازغة للهندسة الوراثية هي ما يمكن في قلب الجدل القائم ويؤدي الى اضرام سعيره. ففي حين يعتبر المؤيدون لتقنيات الهندسة الوراثية اسلحة ضرورية لمنازلة انعدام الامن الغذائي وسوء التغذية في عموم البلدان النامية، يهب المعارضون لمثل هذه التقنيات محذرين من انها ستنزل الدمار بالبيئة وتزيد الفقر الجوع سوءا على سوء، وتفضي الى استيلاء المصالح التجارية للشركات على حيازات الزراعة التقليدية وعلى موارد الامدادات الغذائية في كل مكان.
وفي هذا الصدد يستعرض احدث تغيير تقرير تصدره منظمة الاغذية الزراعة، الا وهو حالة الاغذية الزراعية في العالم، 2004، هذه الحجج المؤيدة والمعارضة بين مؤيد ومعارض يقول تقرير منظمة الاغذية والزراعة الرئيسي انه من جانب واحد، ثمة اسباب مقنعة للغاية بل وقاهرة، تدعو الى ادخال تعديلات على التكوين الوراثي للمحاصيل الغذائية. فمن خلال مثل هذه التعديلات قد يتأتى زيادة غلة المحاصيل الغذائية واصنافها عبر رفع الانتاجية الزراعية والحد من التقلبات الموسمية المؤثرة في تلك الغلة. وفي الامكان تطوير اصناف مقاومة للآفات وعالية التحمل للإجهاد بصورة المختلفة، لتقليص اخطار الفشل المحصولي تحت ضغط الجفاف او الامراض.
وقد يتسنى ايضا زيادة محتوى النباتات من المغذيات والفيتامينات تلقائيا، تصديا لظاهرة نقص المغذيات التي تبتلي بها اعداد ضخمة من فقراء العالم. بل وقد يمكن زراعة المحاصيل في التربة الفقيرة وسط المناطق الحديثة الاستزراع مما سيحقق زيادة عامة في الانتاج الغذائي ككل. ولقد تتيح التكنولوجيا الحيوية ايضا امكانية الحد من استخدام مبيدات الآفات ذات المحتوى السمي، في الوقت ذاته تحسين اداء الاسمدة وغيرها من المدخلات التي تزيد من خصوبة التربة. غير ان دراسة منظمة الاغذية الزراعية تحذر في الوقت ذاته من ان التقييم العلمي للأثار البيئية والصحية المترتبة على الهندسة الوراثية في النباتات المحصولية لم يزل في مراحله المبكرة ولا بد من ان يستعرض كل منه على اساس كل حالة على حدة. وما تؤكده منظمة الاغذية والزراعة في تقريرها السنوي، علاوة على ذلك، ان ثمة ضرورة خاصة لضمان ان تعود الفوائد المرتقبة من التكنولوجيا الاحيائية في قطاع الزراعة بالنفع على الجميع سواء بسواء، والا تقتصر على فئة بعينها او مجموعة قليلة من المستفيدين. ويبرز تقرير حالة الاغذية الزراعة في العالم عام 2004 على نحو خاص انه بينما يسع المزارعون المستهلكون الفقراء في العالم النامي ان يستفيدوا من أي فائدة من ثمار التكنولوجيا الاحيائية الا ان الواقع يشير الى ان قليلين من هؤلاء استفادوا الى الان. على الرغم من مواصلة قطاع التكنولوجيا الحيوية من نمره غير المنقطع، فثمة ادلة متزايدة على ان الاهمال يمس احتياجات الفقراء ومشكلاتهم .
وعلى النقيض من الثورة الخضراء التي جاءت كثمرة لبرنامج دولي من بحوث القطاع العام بهدف محدد هو ابتكار التقنيات ونقلها الى العالم النامي كأصول حرة للملكية العامة، فان ثورة الجينات هي من نبات افكار وجهود القطاع الخاص الذي يركز بحكم تعريفه على تطوير منتجات وتقنيات تستهدف الاسواق التجارية والتوسع في التسويق. وعن ذلك يشير تقرير منظمة الاغذية الزراعة المتخصص الى ان هذه النزعة تطرح تساؤلات خاصة عن طبيعة البحوث الجارية وما اذا كان سيستفيد منها الفقراء. وما تكشفه الابحاث العلمية الحديثة هو ان اشمل البحوث المكثفة في مجال التكنولوجيا الحيوية قد جاءت من جانب القطاع الخاص والعام بأكثر من 40 محصولا على نطاق العالم اجمع، الا ان القليل فقط من برامج التكنولوجيا الاحيائية سواء في القطاع العام او الخاص كانت بصدد الاجابة على المشكلات النوعية لصغار المزارعين الفقراء في العالم النامي. وتوضيح الدراسة السنوية ان القطاع الخاص او العام لم يوجه استثمارات ذات شان الى التقنيات الحيوية في مجالات ما يعرف باسم المحاصيل اليتيمة مثل اللوبيا والدخان والذرة بوصفها مواد غذائية ذات اهمية حاسمة وكمصدر غذائي ومورد معيشي لسكان البلدان الاشد فقرا في العالم. بل وحتى المحاصيل الغذائية الرئيسية بالنسبة لفقراء العالم وهي القمح والارز الذرة البيضاء البطاطس، لم تزل في طي الاهمال من جانب هذه البحوث والاستثمارات. وفقا لتقرير منظمة الاغذية والزراعة لعام 2004 وفي الوقت ذاته فان الدراسات المتعلقة بالخواص ذات الاهمية النوعية في حالة زراع العالم الفقراء مثل قدرات تحمل الجفاف والملوحة ومقاومة الامراض والمحتوى المعزز من المغذيات الدقيقة، لم تتلق اهتمام كبير من سياق مثل هذه البحوث.
ولا شك في ان التكنولوجيا الحيوية الزراعية تنطوي على قدرات كامنة حقيقية كسلاح في الحرب على الجوع ولكن على نحو ما يكشف تقرير منظمة الاغذية والزرعة حالة الاغذية والزراعة في العام 2004، فثمة الكثير من الاسئلة العالقة التي لم تقدن لها اجابات بعد. فكيف يمكن لمزيد من المزارعين في العديد من البلدان الاستفادة من التكنولوجيات في ثورة الجينات؟ وما هي اولويات بحوث التكنولوجيا الحيوية التي قد تشمل الفقراء للاستفادة من فوائدها؟ ومن هو الذي سيتولى تطوير ابتكارات وراثية لصالح اصغر البلدان النامية ذات قدرات التسويق المحدودة التي لا تعد بالكثير في استثمارات القطاع الخاص، فضلا عن كونها من الضعف الاقتصادي بحيث لا تملك تطوير بحوثها الخاصة في هذا المجال؟ وكذلك، كيف يتسنى لنا تيسير عمليات تطوير كائنات مشتركة الجينات ومأمونة العاقبة ونقلها على الصعيد الدولي فضلا عن تشجيع المشاركة في الملكية الفكرية لتلك الابتكارات خدمة للمصلحة العامة؟
ومن اهم القضايا الاخرى ايضا كيف تضمن امتلاك البلدان ولا سيما تلك المجهدة اقتصاديا في العالم النامي – لنظم التقييم الكافية للمخاطر المحتملة على البيئة وصحة الانسان وتطبيقها بصورة سليمة لكي تمضي بعمليات جس النبض المطلوبة قبيل اطلاق الكائنات المعدلة وراثيا للسوق وتقدير نتائجها في المراحل اللاحقة لهذا الاطلاق. مثل هذه التساؤلات وغيرها هي ضمن ما يتناوله تقرير حالة الاغذية والزراعة في العام 2004 من قضايا مع طرح بعض النهج المقترحة على البلدان المعنية والمجتمع الدولي ككل، كي تشرع في سياق الاستخدام السليم لتقنيات التكنولوجيا الحيوية كأسلحة ناجعة في الحرب على الجوع.
ولا شك لقد تمكنت التكنولوجيا المعلوماتية في وقت قصير من قلب مفاهيم اعتمد عليها البشر لألاف السنين سعيا وراء تامين الغذاء والمسكن والدواء والحماية وسواها من متطلبات الحياة اليومية. الا انها افرزت تحديات خطيرة في موازاة تقديمها الحلول. فاليوم مع تحقيق التكنولوجيا الحيوية لنجاحات متزايدةِ، تبدو الصورة اقل اشراقا لان التكنولوجيا التي تساهم في اطعام جياع افريقيا والفقراء حول العالم ساهمت سابقا في تطوير صواريخ تحمل رؤوسا بيولوجية قادرة على ابادة البشر تماما كما تباد الحشرات. ويجمع الخبراء على مقولة اساسية تتلخص في ان التقدم في العلوم الحيوية يحمل معه وعودا هائلة للإنسانية، الا ان هذا التقدم سوف يسبب ايضا اخطارا حادة على الانسانية وعلى بيئتنا ما لم يتم التحكم فيه على نحو ملائم او اذا ما استخدم كأداة للحرب او نشر الهلع او غير ذلك من اشكال سوء الاستخدام.
فعالمنا يشهد تطورا مثيرا ومهما جدا في مجال ابحاث التكنولوجيا الحيوية وصناعتها. واصبحت هذه التكنولوجيا المتقدمة تتطور بسرعة فائقة وتقلق اهل العلم والسياسة والاقتصاد في جميع انحاء العالم تخوفا من نتائجها المحتملة على صحة البشر وتأثيرها المباشر وغير المباشر بالقضاء معلى التنوع الحيوي بين النباتات والحيوانات في العالم والذي تراكم عبر الاف السنين ومن المعروف ايضا ان هناك عددا محدودا من شركات التكنولوجيا الحيوية العملاقة التي تسيطر على غالبية المنتجات المعدلة جينيا (وراثيا) بمساعدة الانظمة المعلوماتية في الاسواق العالمية، ويقول العلماء المختصون ان افاق التكنولوجيا الحيوية لا تزال في بداية الطريق وستشمل قريبا المزيد من منتجات الغذاء والدواء.
المصادر:
عبيده ، علي ابراهيم علي و محمود ، احمد عبد الفتاح .اساسيات التقنية الحيوية . كلية الزراعة جامعة الاسكندرية .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|