أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
1419
التاريخ: 23-11-2014
1191
التاريخ: 10-12-2015
996
التاريخ: 10-12-2015
1134
|
ذكر أقطاب علماء الكلام أدلّة كثيرة على لزوم عصمة الأنبياء عن طريق العقل، والتي يمكن دمج البعض منها في البعض الآخر، واستبدال الضعيفة منها بالقوية، بحيث ينتج من مجموعها، أدلّة أربعة تستحقّ القبول والذكر :
1- العوامل الداخلية- النفسية -
بتحليل مختصر يمكن القول بسيطرة العوامل المانعة عن الذنب على العوامل الدافعة إليه في نفوس الأنبياء.
بيان ذلك : للذنوب التي يقترفها الأنسان عوامل ومصادر شتّى لكنّها تعود بالدرجة الاولى إلى عاملين مهمين :
1- الجهل وعدم تصور سوء عاقبة الأمر.
2- سيطرة الشهوات والأهواء بشكل، بحيث يستسلم لها العلم والعقل مع قدرتهما على إدراك الآثار السيّئة للذنوب.
فالشخص الذي تتلوث يداه بدماء ضحيّة بريئة مثلًا، أو يختار طريق السرقة والسقوط والرشوة، أو يبتلى بلعب القمار وشرب الخمور وتعاطي المواد المخدّرة، لا يخرج عن أحد حالين : إمّا أنّه لا يعلم بمفاسد هذه الأمور بشكل تامّ، أو أنّه عالم بها إلّا أنّه لا يستطيع الصمود أمام ثورة الشهوات والأهواء وعنفوانهما.
وبناءً على هذا فالعلم والإطّلاع لوحدهما غير كافيين للردع عمّا هو غير مرغوب فيه، بل لابدّ- إلى جانب ذلك- من التسلّط على النفس والأهواء.
إن الثمرة التي يمكن أن نجنيها من هذا البحث هي أنّ الإنسان لو كان له اطّلاع كافٍ بقباحة عمل ما، وتسلّط كامل على نفسه وميوله، فيستحيل صدور هذا العمل منه (المراد هنا بطبيعة الحال هو المحال العادي لا العقلي كاجتماع الضدّين) (تأمّل جيّداً).
ويمكن بيان هذه الحقيقة ببعض الأمثلة، وهي أنّ الكثير منّا يمتلك حالة شبيهة بالعصمة في قبال البعض من الذنوب، (أمام البعض منها فقط) مثلًا، لا نجد بيننا من يوافق على الخروج إلى الأزقّة عارياً في وضح النهار، ولو صادف أن قام أحدنا بمثل هذا العمل فسوف نقطع بزوال عقله ورشده، وإلّا فيستحيل الإقدام على هذا الشيء مع وجود العقل والوعي.
شرب مياه المجاري القذرة والملوّثة حرام قطعاً، فهل يا ترى يوجد بيننا عاقل يُقدم على عمل كهذا؟
الطبيب الماهر المتبحّر في أسرار علم الطب وخطورة أنواع الأمراض المعدية، لا يوافق أبداً على شرب غسالة ملابس المرضى المبتلين بالأمراض والأوبئة المعدية.
وبهذا يمكن القول باختصار : إنّ لنا حصانة ومناعة أمام مثل هذه الأعمال القبيحة، وذلك لوقوفنا عن كثب على مفاسدها، بل إنّ قوّة عقولنا ومعارفنا وإيماننا ستحطّم تلك الميول والرغبات، لو حاولت في يوم ما إيقاعنا في مخالب مثل هذه الأمور، إذن فلو وجد هناك من له اطّلاع كاطّلاعنا على قبح الذنوب والمعاصي، فمن المسلّم أنّه سيتجنّبها بجديّة.
وبعبارة أخرى، إنّ الدوافع نحو المعصية- أعمّ من الجهل أو غلبة الشهوات والأهواء- وقد انتهت وتلاشت في وجود الأنبياء والأئمّة المعصومين في ظلّ علمهم ومعرفتهم وتقواهم. ولا يخفى أنّ الأنبياء- وبفضل ارتباطهم بعالم الغيب وبحر علم الباري اللامتناهي- لهم إحاطة كافية بحجم مفاسد الذنوب، وقبح مثل هذه الأعمال وفلسفة النهي عنها، ومن جهة أخرى فنفس هذا الإرتباط الذي يكون على مستوى الشهود ومشاهدة عالم الغيب، يخلق فيهم حالة من التقوى بحيث تعدّ رادعاً قويّاً أمام دوافع تلك الأهواء والميول.
خلاصة القول هي : إنّ الوقوف على دوافع المعصية من جهة، وعلى مستوى معرفة وتقوى الأنبياء الناتج من ارتباطهم بعالم الغيب من جهة أخرى، يدعونا للتصديق بحصانتهم وابتعادهم عن كلّ أنواع المعصية.
ورد في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام الإشارة باختصار، مع دلالة تامّة إلى الملاحظة الأولى، حيث يقول : «قرنت الحكمة بالعصمة» «1».
مع أنّ العصمة هنا قد جاءت بمعناها العام، أي كلّ أنواع الحصانة من المعصية وفي كلّ مراحلها، لكنّها على أيّة حال تعدّ شاهداً على مرادنا.
وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال «المعصوم هو الممتنع باللَّه من جميع المحارم، وقد قال اللَّه تبارك وتعالى ومن يعتصم باللَّه فقد هدي إلى صراط مستقيم» «2».
و يمكن أن يكون هذا الحديث إشارة إلى الملاحظة الثانية أو كلتيهما، كما ورد نفس هذا المعنى في حديث هشام بن الحكم بشكل أوفى، فعن ابن أبي عمير- الذي يعدّ من كبار أصحاب الإمام الصادق عليه السلام- أنّه قال : «ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إيّاه شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام، فانّي سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم؟ قال نعم، قلت له : فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شيء تُعرف؟ قال :
إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص والحسد والغضب والشهوة، فهذه منتفية عنه. ثمّ أضاف قائلًا : لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه، لأنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟
ولا يجوز أن يكون حسوداً لأنّ الإنسان إنّما يحسد من هو فوقه وليس فوقه أحد، فكيف يحسد من هو دونه.
ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا، إلّاأن يكون غضبه للَّه عزّوجلّ ...
ولا يجوز أن يتّبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة، لأنّ اللَّه عزّوجلّ حبّب إليه الآخرة، كما حبّب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا، فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح؟ وطعاماً طيّباً لطعام مرّ؟ وثوباً ليّناً لثوب خشن؟! ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟» «3».
مع أنّ «هشام بن الحكم» لم ينسب هذا الحوار إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام مباشرة، لكن نظراً لكونه من ألمع تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام، وتصريحه قائلًا : «كلّ ما عندي فهو من الإمام الصادق عليه السلام»، فيبدو أنّه قد استلهم تحليله اللطيف والمنطقي هذا، والذي يمكن أن يكون أحد الأدلّة العقلية على مسألة عصمة الأنبياء والأئمّة، من إمامه الإمام الصادق عليه السلام.
2- دليل الإعتماد
من الواضح أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو هداية البشرية على ضوء التعاليم الإلهيّة، هذا الهدف الذي يمكن ضمانه حيث لا يبقى هناك أدنى مجال للشكّ والترديد، يساور الناس فيما يتعلّق بأقوالهم وأفعالهم، بشكل بحيث يعتبرون كلامهم كلام اللَّه، وتعاليمهم تعاليم إلهية، حتّى يتقبّلوها قلباً وقالباً ويسلّموا لها تسليماً ويعتمدوا عليها.
ومن البديهي أنّ احتمال الكذب، وتحريف الحقائق والخطأ والإشتباه سيجد طريقه إلى كلماتهم إن لم يكونوا معصومين عن «الذنب» و «المعصية»، وبالتالي يسلب الاعتماد عليهم حتّى لو كانوا أناساً طيبين، لأنّ فقدان منزلة العصمة يستلزم احتمال تعلقهم في يوم ما بالمظاهر المادية ومغرياتها، أو أن يرتكبوا الخطأ والزلل من حيث لا يشعرون وبلا سبب يذكر.
هذا الاحتمال يبعث على التشويش الفكري لأتباعهم على الدوام، كما أنّه سيكون أساساً للشكّ والريبة، فضلًا عن بقاء مسألة «إتمام الحجّة» ناقصة أيضاً، نظراً لوجود ذريعة بيد المخالفين على الدوام مفادها أنّ سبب عدم اتّباعهم لتعاليم النبي يكمن في احتمال صدور الخطأ والزلل (لا سمح اللَّه) منه.
خلاصة القول : إنّ رأس المال الحقيقي للنبوّة هو كسب ثقة طلّاب الحقيقة، ولا يتحقق هذا المعنى بفقدان منزلة العصمة والصيانة من الذنب والخطأ.
ويمكن القول : أنّ الناس عموماً إنّما يتّبعون العلماء الأتقياء، ويأخذون منهم أحكام دينهم ويثقون بهم، مع علمهم بعدم عصمتهم من الذنب والخطأ.
لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ أصل الدين يختلف عن فروعه وجزئياته، ويمكن إرساء أصل الدين وأساسه على الشكّ أو الظنّ، ولا يمكن قبول الوحي الإلهي مقروناً بالاحتمال والشكّ والترديد، في حين أنّ احتمال الخطأ والإشتباه في الفروع والجزئيات لا يؤثّر في أساس العقيدة، إذن فلابدّ من القول هناك بالعصمة والإكتفاء بالعدالة هنا، وذلك لإمكان غضّ الطرف عن احتمال الخطأ في هذه الجهة، دون الخطأ والإشتباه في الوحي وإبلاغ الرسالة، حيث لا يمكن غض البصر والتسامح في هذا المورد، كما يثار هنا سؤال آخر أيضاً وهو أنّ آخر شيء يمكن أن يستفاد من هذا الدليل هو تنزيههم من الخطأ والكذب والتحريف في تبليغ الرسالة، لكن هذا الدليل قاصر عن شمول كافّة الذنوب والمعاصي.
لكن الإنصاف هو اشتراك معظم الذنوب بأسس مشتركة، فالكذب والإتّهام والسرقة والإبتلاء بشرب الخمر ولعب القمار والسقوط الأخلاقي، نابعة من اتباع هوى النفس واتّباع الشهوات وحبّ الدنيا، فكيف يمكن ألا يكذب أبداً من يبتلى بأنواع المعاصي؟
وعلى فرض وجود مثل هذا الشخص ولو نادراً، فإنّه لن يفلح مع ذلك في كسب ثقة الناس، إذ سيقولون كيف يمكن الإعتماد على كلام الشخص الفلاني الخائن والظالم والمنحرف؟ لأنّ الفصل في هذه المسائل وعلى فرض إمكانه في الواقع مرفوض عند عامّة الناس (تأمّل جيّداً).
فكيف يمكن لشخص يخطيء في امور الحياة اليومية أن يكون مورد اعتماد في إبلاغ الوحي الإلهي؟ وسيقول الناس حتماً : إنّه ربّما ابتُلي عند إبلاغ الوحي بنفس تلك الإشتباهات التي يقع بها في حياته الشخصية.
خلاصة القول أنّ مسألة تجزئة وفصل الأخطاء والذنوب مرفوضة عند السواد الأعظم من الناس، وأنّ من يرتكب ذنباً أو خطأً لا يمكن أن يكون مورد اعتماد في تبليغ الوحي (تأمّل جيّداً).
3- مخالفة الغاية وعدم تحقق أهداف البعثة
من المسلّم أنّ الشخص العاقل الحكيم لا يقدم أبداً على عمل يخالف هدفه وغايته، وإلّا فلا يصح أن ينعت بالحكمة والوعي، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فنحن نعلم أنّ اللَّه عزّوجلّ قد أرسل أنبياءه لهداية العباد وتربيتهم، فلو لم يكونوا معصومين عن الذنب والمعصية لأضلّوا الناس بدل هدايتهم، وهذا هو الجانب المنافي للهدف من بعثة الأنبياء بالضبط.
بالإضافة إلى أنّ الدور الرئيسي في تربية الناس، إنّما يعود للبرامج العملية للأنبياء، لأنّ كيفية تصرّف المربّين وصفاتهم وحالاتهم تعدّ النموذج الأمثل لمن يتبعهم ويتولّاهم، وإنّ الأدلّة العقليّة والخطب الحماسية والبيان الجيّد مهما كان لها دور مهم في توعية الناس، إلّا أنّها لا تعدّ شيئاً أمام النماذج العملية، خصوصاً لو ظهر هناك تضادّ بين القول والفعل، وبين النظرية والتطبيق، فانّ حالة من الشلل ستسري إلى تلك البيانات والنداءات وتعدم تأثيرها!
ومن هنا ينبغي أن يكون الأنبياء عليهم السلام قدوة حسنة للناس في كافّة أبعاد الحياة، وأن تنعكس دروسهم الدينية للناس من خلال تصرّفاتهم.
ولو كانوا أفراداً مثقلين بالذنوب، مبتلين بالكذب والخيانة والظلم واتّباع أهوائهم لفقدوا اعتبارهم تماماً، ولا صبح الهدف من بعثتهم غير مجدٍ ولا مفيدٍ.
كيف يعقل أن يضع اللَّه هذا المنصب الخطير الذي يعدّ أسمى منصب ديني ومعنوي واجتماعي، في عهدة شخص قد تمكنت منه الذنوب ووقع في أسر الهوى والشهوات، ولم يسيطر على نفسه؟ هل يمكن لشخص كهذا يا ترى أن يكون قائداً ربّانياً وروحياً للناس؟!
وهنا يجب الإذعان بأنّ هذا الهدف الحسّاس لا يمكن ضمان القيام به، إلّافي حالة تنزيههم عن كلّ أنواع الذنوب صغيرها وكبيرها، بل مطلق الخطأ والإشتباه.
ولذا نقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال في وصف الإمام عليه السلام :
«هو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصّه اللَّه بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه» «4».
4- لا يمكن الإغراء بالجهل والتشجيع على الخطأ
بديهي أنّ اللَّه تعالى ولغرض هداية عباده لا يقدم على أدنى شيء يكون سبباً في انحرافهم وركونهم للباطل وسلوكهم سُبل الضلال لأنّ صدور عمل كهذا من أي كان فهو قبيح فكيف بذاته تعالى؟
لو وضع اللَّه أسرار النبوّة- الشاملة للاعجاز والأدلّة العلمية- تحت تصرف غير المعصوم، أي في خدمة من يحتمل كذبه وخطأه وارتكابه للمعاصي، فقد أوقع عباده في الضلال، وهذا بالضبط يشبه قيام شخص معروف بانتخاب شخص مخادع منحرف وكيلًا عنه، أليس هذا العمل قبيحاً؟
كيف نحتمل صدور مثل هذا العمل من اللَّه تعالى، أن يضع المعجزات وأسرار النبوّة بيد شخص مذنب كذاب منحرف وعاصٍ؟!
وقد صرح القرآن بكلّ جلاء بهذا الموضوع قائلًا : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (أى فلا أحد منكم يقدر على منعنا من ذلك أو الدفاع عنه). (الحاقة/ 44- 46)
هذه الآيات تؤكّد على نفس الحقيقة التي تمّت الإشارة إليها، وهي أنّ من يمتلك الآيات والحجج الإلهيّة والمجهّز بسلاح الإعجاز القوي، فقد وعده اللَّه تعالى بقوله، لو انحرف حتّى للحظة واحدة عن المسير الإلهي، فلن يمهله اللَّه تعالى، بل سيضربه في أخطر نقطة من بدنه أي شريان قلبه ويقضي عليه، وفيما عدا ذلك فانّ اللَّه هو السبب وراء إضلال الناس وإغرائهم بالجهل، وهذا بنفسه يعدّ دليلًا صارخاً على مسألة العصمة.
ومع أنّ مسألة الخطأ خارجة عن إرادة الإنسان فلا يمكن معاقبة أحد على الأخطاء التي يستحيل اجتنابها، ولكن بما أنّ هفوة النبي وخطأه يترك نفس الأثر الذي يتركه افتراؤه على اللَّه، أي يكون السبب وراء إضلال خلق اللَّه، إذن يمكن الاستفادة من مضمون هذه الآية أنّ النبي مصون من مثل هذا الخطأ أيضاً.
وكدليل على ذلك نقرأ هذا الحديث عن علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث قال للمأمون :
«من دين الإمامية، لا يفرض اللَّه طاعة من يعلم أنّه يضلّهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنّه يكفر به وبعبادته، ويعبد الشيطان دونه» «5».
و نقرأ في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال :
«إنّ اللَّه إنّما أمر بطاعة رسوله لأنّه معصوم مطهّر لا يأمر بمعصية اللَّه وإنّما أمر بطاعة اولي الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصية اللَّه، فهم اولو الأمر، والطاعة لهم مفروضة من اللَّه ومن رسوله، لا طاعة لأحد سواهم» «6».
5- عدم أهلية غير المعصوم لتلقّي الوحي
إنّ كلّ مأمورية- كما نعلم تتطلّب في نفسها استعداداً وأهلية مناسبتين لها، وأنّه يستحيل أن يقوم بأدائها على أتمّ وجه من لا أهلية ولا قابلية له عليها، كما نعلم أيضاً أنّ أنبياء اللَّه يتلقّون كلام اللَّه عن طريق الوحي، وهو ذلك النداء المليء بالنور والمعنوية، والمتضمّن لكلّ درجات الإيمان والتقوى ويبلغونه للناس. ومن البداهة أنّ التلقّي لمثل هذا الوحي ينبغي أن يكون منزّهاً طاهراً، بدرجة بحيث يتمكّن من الإتّصال بعالم ما وراء الطبيعة، وذات الباري الطاهرة المنزّهة من كلّ عيب ونقص، واستلام الرسالة المشحونة بالطهارة والتقوى ..
كيف يستطيع الملوّث بالذنوب صاحب القلب المظلم أن يجد الطريق إلى عالم النور؟
كيف يصير القلب المليء بالشهوات والأهواء مهبطاً للوحي الإلهي ومحلًا للعلم الربّاني؟
هل يُعقل تحقّق هذا المعنى بدون وجود التجانس والسنخية بينهما؟
ثمّ أنّ وكيل كلّ شخص إنّما يعكس وجود موكّله وصفة من صفاته، ولذا لا يسمح مرجع ديني كبير لنفسه أبداً بانتخاب وكلائه من بين الأفراد المشبوهين، ولو اتّفق وفعل ذلك لعابه الناس كلّهم، واعتبروا تصرّفه هذا قبيحاً، ولخرجوا على أمره أيضاً.
فهل يمكن أن ينتخب اللَّه الذي هو مصدر القدسيّة والتقوى والطهارة، وخليفته من بين المذنبين، ويوكل هذه المسؤولية العظيمة لغير المعصوم؟
نرى أنّ القرآن وفي معرض إجابته على المشركين حينما صرّحوا : {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ اللَّهِ} يقول : {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام/ 124).
6- أدلّة اخرى
ذكر بعض من العلماء العظام أدلّة أخرى في هذا الباب لها صبغة فرعية وتعود أحياناً إلى الأدلّة المتقدّمة، من جملتها :
1- أنّه لو صدر عن النبي ذنب لزم اجتماع الضدّين، أي صدور أمرين متضادّين، الأول وجوب الامتثال له في كلّ شيء من جهة، ووجوب مخالفته عند الخطأ من جهة أخرى، ونعلم باستحالة صدور أمرين متضادّين من اللَّه الحكيم.
2- لو أقدم النبي على المعصية لوجب أن يكون مردود الشهادة، لأنّ شهادة الفاسق وأخباره غير مقبولة، فكيف يمكنه والحالة هذه أن يكون شاهداً على الوحي الإلهي في الدنيا أو على الأمم يوم القيامة؟!
3- لو صدر من الأنبياء ذنب فهذا يعني أنّ منزلتهم أقلّ من عصاة الأمّة، إذ إنّ مقام النبوّة في غاية الرفعة والسمو، فارتكابهم للمعاصي، والإعراض عن أوامر ربّهم ونواهيه من أجل لذّة فانية أقبح وأشنع من عصيان هؤلاء، وهذا ما لا يقرّه عاقل.
4- أنّهم لو كانوا يأمرون الناس بصالح الأعمال واجتناب قبيحها، ولم يلتزموا هم بذلك لدخلوا تحت قوله تعالى : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} . (البقرة/ 44)
وهو غير معقول.
5- لو صدر عن النبي ذنب صار مصداقاً للظالم (ظلم الآخرين أو ظلم نفسه) ولجاز لعنه، إذ يقول القرآن : {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود/ 18).
فكيف يمكن لعن النبي؟ وهل يتناسب هذا مع مقام نبوّته؟
6- أنّ القرآن الكريم صرّح بأنّ الشيطان أقسم بعزّة اللَّه تعالى على إغواء جميع الناس، إلّا المخلَصين : {فَبِعزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ} (ص/ 82- 83).
فلو صدر من النبي ذنب لوجب أن يكون من حزب الشيطان، مع بداهة كونه من المخلَصين.
هذه الأدلّة الستّة قويّة ومتينة، وبالرغم من أنّها ترجع إلى الأدلّة الرئيسية المتقدّمة، لكنّها فروع يانعة من تلك الأصول المعطاءة.
______________________________
(1) غرر الحكم.
(2) بحار الأنوار، ج 5، ص 194، ح 6؛ والآية من آل عمران 101.
(3) بحار الأنوار، ج 25، ص 192، ح 1.
(4) اصول الكافي، ج 1، ص 203، باب النادر الجامع في فضل الإمام وصفاته، ح 1.
(5) بحار الأنوار، ج 11، ص 76، ح 3، باب عصمة الأنبياء.
(6) من كتاب بحر المناقب المخطوط ص 100 طبقاً لما نقله صاحب إحقاق الحقّ، ج 13، ص 78.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|