أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2021
1818
التاريخ: 2023-08-07
3372
التاريخ: 12-11-2020
2295
التاريخ: 13-4-2021
3346
|
بعد أن تحدد الإمكانات المتاحة للاستثمار الصناعي الطبيعية والاقتصادية والسكانية، ومحددات التصنيع ومعوقاته، لا بد أن تتركز الجهود على وضع خطط مدروسة لتحفيز الصناعة بتطوير الصناعات القائمة أو بناء صناعات جديدة أو بكلتيهما، يختار في هذه الخطط نمطاً مناسباً للصناعة من بين مجموعة من الخيارات وبما يتلائم وظروف كل بلد، وبضوء مجموعة من الاعتبارات والتساؤلات التي يتوجب دراستها والإجابة عليها بعناية منها مثلاً:
أولاً : هل المطلوب تحقيق نمو صناعي Industrial Growth أم تغيير هيكلي Structure Change في الصناعة ؟ فإذا كان المطلوب تحقيق نمو صناعي لابد من اختيار الفرع الصناعي الذي يحقق هذا الهدف، أما إذا كان المطلوب تغيير هيكل الصناعة، فلابد من الاختيار ما بين الصناعة الاستخراجية والتحويلية ، وثم الانتقال الى التحويلية باختيار الفروع الإنتاجية أم الاستهلاكية وربما جميعها، بعدها تحديد أي فرع إنتاجي تقدم له الأسبقية على غيره ؟ إن لكل منها مقومات ومطالب باعتبار المدخلات أو السوق والمستوى التقني ورأس المال اللازم لقيامها ونجاحها.
ثانياً : اقتصاديات المقياس Economies of Scale، تقام منشآت الصناعة مختلفة باعتبار عدد العاملين فيها أو برأس مال الإنشاء والتشغيل. بحجوم وتعتمد حجوم المصانع على نوع الصناعة أولاً، فبعض الصناعات كالإنتاجية عموماً لا تستجيب اقتصادياً للمقاييس الصغيرة عكس صناعات استهلاكية عديدة كالغذائية مثلاً يمكن تأسيس ونجاح مصانع لها بحجوم صغيرة، وثانياً تعتمد على حجم السوق الذي يستوعب المنتجات الصناعية، ويتحدد حجم السوق بمجموعة كبيرة من الاعتبارات، في مقدمتها حجم إقليم الصناعة سكاناً، ومستوى الدخل وكثافة السكان وأذواقهم، ونظام النقل، درجة الحماية وأخيراً إمكانية وسهولة التصدير للأسواق الخارجية إن اختيار المقياس يتطلب معرفة بالعلاقة بين المخرجات وكلف الإنتاج لمختلف الصناعات، ومعلوم أن كفاءة الإنتاج الاقتصادية تتزايد مع ارتفاع طاقات الإنتاج وسعته، إلا أن هذا لا يعني أن المصانع الصغيرة يكون عملها غير اقتصادي أو أنها ليست ذات أهمية فالصغيرة يمكن أن تكون منزلية أو تقليدية، أو مصانع جديدة. وقد تكون الصغيرة مكملة لكبيرة تخدمها أو تستفيد منها. وفي الدول النامية تكثر المصانع الصغيرة وقد تختفي المتوسطة وتقل الكبيرة، وهذا أمر طبيعي ولكن لابد من ديناميكية وتطور وكفاءة في العمل، فالصناعات الكبيرة يشتق منها صناعات تقليدية أو منزلية مثل صناعة النسيج في الهند. وقد لا تكون هذه تنافسية بل تجميعية، فالكبيرة تختص بالعمليات الأساسية وتجتذب عدداً كبيراً من المصانع الصغيرة المتخصصة، وهذا موجود في اليابان والهند والبرازيل والمكسيك، لهذا فإن الدول أو المناطق الأكثر احتواءاً على المصانع الكبيرة يمكن أن تكون هي الأكثر احتواءاً أيضاً على المصانع الصغيرة . وإذا ما أُقيمت المصانع الصغيرة في الريف فستكون قادرة على توفير فرص عمل في الريف ومن ثم تساعد على وقف الهجرة نحو المدن.
ثالثاً : ولابد من تحديد ملكية القطاع الصناعي : بقطاع عام أو خاص أو مختلط، وهذا يعتمد أولاً على الفلسفة السياسية للدولة، فهل يتم بناء الصناعة وفق نظام آلية السوق ؟ أم بالتوجيه المركزي، أو ربما بالجمع ما بين الاتجاهات ؟ هل توضع حدود لعمل القطاع الخاص مثلاً بتخصيص فروع أو أحجام معينة لنشاطه ؟، أو بإغلاق فروع وأحجام معينة عنه ؟ هل يعمل القطاع الخاص تحت مظلة القوانين الموجهة لحركته أم أن له حرية كافية ؟ وهل القطاع الخاص محلي أم أن الباب مفتوح للاستثمارات الخارجية التي قد تعمل بمفردها أو بالمشاركة مع المستثمر المحلي ؟ إن كلاً من هذه الخيارات يتطلب إصدار قوانين وتشريعات مالية وضريبية وحماية تحدد رؤية وفلسفة النظام المعمول به بهذا الشأن.
رابعاً : التوقيع المكاني لمنشآت الصناعة. إذا شئنا تجاوز مصطلح الموقع الأمثل Optimum Location لصعوبة تحديده ونسبيته، وننتقل الى مصطلح الموقع المناسب Suitable Location باعتباره الأكثر واقعية، فسنجد خيارات عديدة في تحديد الحيز المكاني Spatial Space الموقع Location والموضع Site للمصانع المقترحة. وهنا تثار تساؤلات عدة: فهل تعتمد سياسة تركيز الصناعة أم نشرها ؟ وهل النشر مطلق أم أنه محكوم بالأداء الاقتصادي للمنشأة الصناعية ؟ بل ومن المهم أولاً تحديد الهدف من النشر والتوقيع، فهل المطلوب تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية أم تحقيق كفاءة اقتصادية ؟ والى أي مدى يمكن اعتماد أحدها دون الآخر ؟ كما أن من المهم الاختيار بين المدينة والريف مكاناً ولماذا ؟ ومن المؤكد أن الموقع الأفضل هو الذي يحقق عدالة وكفاءة في وقت واحد، وهذا ما تسعى له الاستثمارات الحكومية فيما يرى الاستثمار الخاص وجهاً واحداً لعمليات الاستثمار الصناعي وهو الربحية الاقتصادية. إن البعد المكاني Spatial Dimension للاستثمار الصناعي عامل أساسي في نجاح المشروع الصناعي، وفي تحقيق الهدف والغاية من الاستثمار أصلا، ومن المؤكد أن استهداف العدالة الاجتماعية من وراء الاستثمار الصناعي لوحدها سيؤدي الى تأكل تدريجي للقدرات المالية وثم عجز الدولة عن إحداث المزيد من بواعث التنمية، لهذا فإن الموازنة النسبية بين العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية يمكن أن تكون مبرراً كافياً ومناسباً للاستثمار الحكومي في الأقل. وفي ذات السياق لابد من الإشارة الى أن لكل من التمركز الشديد والانتشار الواسع تداعيات سلبية ولتجاوزها اعتمدت بعض الدول سياسات متنوعة منها سياسة أقطاب النمو Growth Pole التي طبقت في فرنسا ومفادها تجميع بواعث التنمية على شكل نقاط أو أقطاب للنمو في الأقاليم المتخلفة، وهذه ستكون مراكز جذب تعمل على إنعاش الإقليم خاصة إذا تعددت في الإقليم الواحد، وتعمل على أساس كونها شبكة مترابطة الأجزاء تنشر ثمار التنمية نحو الجوار. وهذه الصناعات ترد تحت أسماء عديدة منها محفزة Propulsive أو قائدة Leader فيما يعرفها Boudeville بأنها مجموعة من الصناعات الموقعة في منطقة حضرية ولها قدرة متزايدة على تطوير النشاط الاقتصادي باتجاه نطاق نفوذها، وهذه ليس من الضروري أن تكون كبيرة في عمالها ولكن تعرف بضخامة تاثيرها المباشر وغير المباشر على النشاط الاقتصادي للإقليم، وهي تميل الى التركز العالي وعادةً تبيع في الأسواق القومية، ولها معدل نمو عال أكثر من معدل النمو في الإنتاج الصناعي وأكثر من مثيله في الاقتصاد القومي. وتميل الى أن تكون لها روابط تقنية أمامية وخلفية كثيفة ينتقل من خلالها النمو نحو الأنشطة الأخرى مما يؤدي الى زيادة الدخل ثم تحفيز النمو الاقتصادي بواسطة مضاعف التأثير Multiplier Effect
خامساً : المستوى التقني تتباين فروع الصناعة التحويلية بمستوى التقنيات المطبقة فيها، فمنها صناعات ذات تقنيات تقليدية وأخرى عالية وللأخيرة متطلبات لنجاحها سبق الحديث عنها مفصلاً. وقد تجد الدول النامية ضرورة البدء بتقنيات بسيطة على أن تنتقل وبمراحل محسوبة نحو تقنيات أعلى. وفي الجانب الفني أيضاً لابد من مراعاة الروابط الصناعية بين منشآت الصناعة من حيث المستوى والاتجاه وثم تحديد المجاورة المكانية من عدمها.
سادساً : توجيه الصناعة نحو مدخلاتها أو نحو أسواقها. وهل أنها موجهة للإحلال بدلاً من الاستيراد أم أنها موجهة نحو التصدير ؟ فإذا كانت الخطط تستهدف خفض المستوردات فإن من الممكن إنتاجها بكلف حتى وإن كانت أعلى نسبياً من المستوردة، وعندما تستهدف الخطط زيادة الصادرات فلابد أن تنتج بكلف تنافسية، فيتم اختيار فروع معينة من الصناعة تتوفر لها مدخلات محلية قادرة على خفض كلف الإنتاج بدرجة واضحة.
مما سبق يتضح أن هناك العديد من الخيارات والبدائل، إلا أن النمط الذي تختاره الدولة لابد أن يكون منسجماً مع الإمكانات المتاحة والأهداف المرجوة وذلك لضمان قدر كاف من النجاح. وقد تجد الدول النامية أن من المفيد أن تختار :ـ
أولاً: استيعاب الحالة التي تعيشها هذه الدول بمعاناتها من ضآلة رؤوس الأموال المتاحة للاستثمار الصناعي، فتتجه الجهود فيها نحو إقامة الصناعات التي تحتاج لرؤوس أموال قليلة.
ثانياً : وعليه يفضل أن تبدأ بمصانع صغيرة ومتوسطة المقياس في الريف وكبيرة نسبياً في المدن لوفرة مطالبها من البنى التحتية Infrastructure والبنى الفوقية Super Structure الاجتماعية والمعلوماتية.
ثالثاً : ومن الممكن إقامة العديد من الصناعات التي تتجه نحو توفير مطالب السكان من السلع الاستهلاكية التي لا يمكن الاستغناء عنها خاصة التي تقتطع جزءاً هاماً من الدخل القومي المخصص لاستيرادها. وهذه يمكن أن تكون بحجوم صغيرة ومنتشرة مع اختلاف دوافع إقامة كل منها ، ويمكن تصنيفها الى:
أ ـ صناعات متأثرة بالموقع لوفرة مطالبها أو خاماتها فيه مثل الألبان والزيوت وقلع الأحجار وتعليب الفواكه والخضروات والأسماك، صناعة السكر، تجفيف الفواكه وعصاراتها.
ب ـ الصناعات المتأثرة بالعمليات الصناعية ومكملة للصناعات الكبيرة مثل منتجات السباكة، وعمليات الصب والتجميع والمراحل المتعددة لصناعات النسيج والمراحل التي تفيد من منتجات عرضية لصناعات قائمة.
ت ـ الصناعات الحرفية القائمة على الخبرة والتي تمثل فيها هذه الخبرة نسبة عالية من كلف الإنتاج كالمجوهرات والمطرزات والنسيج البدوي وأعمال الحفر على الخشب والسيراميك وسواها.
د ـ صناعات تخدم أسواق صغيرة: كالمشروبات الغازية، الأبواب والشبابيك والخزانات والخشب والورق والصناعات الخدمية مثل الطباعة والتصليح والصناعات الجلدية.
رابعاً: وقد تجد العديد من الدول النامية إمكانية جيدة لإقامة مجموعة من الصناعات الموجهة نحو التصدير مستثمرة وفرة مطالبها الأساسية محلياً من المواد الأولية أو الخبرة التي تساعد على إنتاج هذه السلع بكلف تنافسية مما يفتح لها أسواق خارجية وتوفير عملات صعبة.
خامساً: إكمال بعض المراحل الصناعية لخامات تنتج في الداخل وتصدر دون تصنيع كالمنتجات الزراعية أو المعدنية.
سادساً : ضرورة تشجيع القطاع الخاص على إقامة المنشآت الصناعية بحجوم صغيرة ومتوسطة بمفرده بجهود وتنظيمات فردية أو جماعية فيما يتكفل القطاع العام بإقامة المنشآت بحجوم كبيرة أو التهيئة لإقامتها وإشراك القطاع الخاص فيها بطريقة أو بأخرى، مثل المشاركة في رأس مالها المختلط، أو بتقسيم العمل بين القطاعين فيقوم العام بالعمليات الأساسية فيما يختص الخاص بالعمليات التكميلية، وقد تتوجه جهود القطاع العام نحو إجراء الدراسات الأولية ودراسات الجدوى الاقتصادية والفنية والموقعية ثم تعهد إلى القطاع الخاص مهمة الإنشاء، وربما قيام العام ببناء المصانع كاملة ثم بيعها جزءاً أو كلاً إلى القطاع الخاص وناقلة القول بعدم وجود نمط محدد لإتباعه في هذه الدول، وقد يكون متعذراً أيضاً نقل تجربة بجزئياتها من دولة لأخرى، فلكل دولة خصوصيتها وإمكاناتها التي تختلف بها عن غيرها. وسيكون مفيداً أن تطور كل دولة نمطها الصناعي الخاص بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يعتقد الباحث أن ما هو مثالي في إقليم ووقت معين قد لا يكون كذلك في إقليم ووقت آخر، وصفة المثالية أيضاً هي نسبية.
(1) د. هوشيار معروف تحليل الاقتصاد الاقليمي والحضري، دار صفاء للنشر والتوزيع ، عمان ،2006 ص 290
(1) Harry W.Richardson, Regional Economies, OP. Cit., P. 417.
(2) Sutciffe, OP.Cit, p. 237.
(1)Sutcliffe, OP. Cit, P. 236.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|