المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

معالجة حالة السرقة لدى الأطفال
13-1-2016
Vowel systems POWER
2024-04-16
Zeatin
5-10-2020
عوامل الإضعاف الجيومورفولوجية - العوامل المناخية
9-9-2019
التفسير عند الإمام الخميني
23-09-2015
توازن العرض والطلب (تحديد توازن السوق) 
2023-04-30


غزوة بني قريظة  
  
195   05:27 مساءً   التاريخ: 2024-10-25
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص217-229
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2017 4019
التاريخ: 21-6-2017 2862
التاريخ: 17-5-2017 2831
التاريخ: 15-11-2015 4348

1 - بنو قريظة آخر من أجلاهم النبي « صلى الله عليه وآله » من يهود المدينة

كان بنو قينقاع أول اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأجلاهم عن المدينة ، وكانوا صاغة ولهم سوق ذهب قرب المدينة . وكان بنو قريظة ملاصقين للمدينة شرقي قباء « حرة قريظة » وبساتينهم في وادى مهزور ، وبساتين النضير في وادى بطحان ، وهما أخصب أودية المدينة . معجم البلدان : 1 / 446 .

وكانت قريظة والنضير أبناء عم لأنهم من ذرية هارون ( عليه السلام ) لذا أخذ الحاخام حيى بن أخطب رئيس بنى النضير يلح عليهم أن ينقضوا عهدهم مع النبي حتى نقضوه وأعلنوا تحالفهم مع الأحزاب الذين كانوا يحاصرون المدينة .

وكانت الخطة أن تهاجم قريظة المدينة من شرقها ، والأحزاب من غربها فيحتلوها ! لكن قريظة طلبت من الأحزاب رهائن ، حتى لاينسحبوا ويتركوهم وحدهم في مواجهة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يعطوهم ، حتى كانت هزيمة الأحزاب !

وما إن رجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، حتى نزل جبرئيل وأمره بغزو بني قريظة .

2 - بعث النبي « صلى الله عليه وآله » علياً « عليه السلام » أمامه فحاصر بني قريظة

روى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرج لغزوة قريظة يوم السبت لأيام مضت من ذي القعدة وحاصرهم خمساً وعشرين يوماً . المحبر / 113 والبلاذري : 1 / 374 .

وروى في قرب الإسناد / 157 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعث علياً يوم بني قريظة بالراية وكانت سوداء تدعى العقاب ، وكان لواؤه أبيض » .

وفى بصائر الدرجات / 342 ، عن ابن أبي يعفور قال قلت لأبى عبد الله ( عليه السلام ) : « إنا نقول إن علياً ( عليه السلام ) كان ينكت في قلبه أو صدره أو في أذنه . فقال : إن علياً ( عليه السلام ) كان محدَّثاً . قلت : فيكم مثله ؟ قال : إن علياً ( عليه السلام ) كان محدثاً ، فلما أن كررت عليه قال : إن علياً يوم بني قريظة والنضيركان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثانه » !

وقال في إعلام الوري : 1 / 194 : « وأصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « بعد الخندق » بالمسلمين حتى دخل المدينة ، فضربت ابنته فاطمة « عليها السلام » غسولاً حتى تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً بعمامة بيضاء عليه قطيفة من إستبرق ، معلق عليها الدر والياقوت عليه الغبار ، فقام رسول ( صلى الله عليه وآله ) فمسح الغبار عن وجهه ، فقال له جبرئيل : رحمك ربك وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ! ما زلت أتبعهم حتى بلغتُ الروحاء ! ثم قال جبرئيل : إنهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فوالله لأدقنهم دق البيضة على الصخرة !

فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) فقال : قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة وقال : عزمت عليكم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة . فأقبل على ( عليه السلام ) ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل وبنو النجار كلها لم يتخلف عنه منهم أحد ، وجعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسَرِّب إليه الرجال ، فما صلى بعضهم العصر إلا بعد العشاء ، فأشرفوا عليه وسبُّوه وقالوا : فعل الله بك وبابن عمك ، وهو واقف لا يجيبهم ، فلما أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمون حوله تلقاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : لا تأتهم يا رسول الله جعلني الله فداك فإن الله سيجزيهم ، فعرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنهم قد شتموه ، فقال : أما إنهم لو رأوني ما قالوا شيئاً مما سمعت ! وأقبل ثم قال : يا إخوة القردة ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ! يا عباد الطاغوت إخسؤوا أخساكم الله ! فصاحوا يميناً وشمالاً : يا أبا القاسم ما كنت « سباباً » فما بدا لك ؟

قال الصادق ( عليه السلام ) : فسقطت العنزة من يده ، وسقط رداءه من خلفه ، ورجع يمشى إلى ورائه حياءً مما قال لهم ! فحاصرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ » .

وفى الإرشاد : 1 / 109 : « قال على ( عليه السلام ) : فاجتمع الناس إلى وسرت حتى دنوت من سورهم ، فأشرفوا على فحين رأوني صاح صائح منهم : قد جاءكم قاتل عمرو . . وسمعت راجزاً يرجز :

قتل على عمراً صاد على صقرًا . . قصم على ظهراً . . أبرم على أمراً . . هتك على ستراً !

فقلت : الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك . وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لي حين توجهت إلى بني قريظة : سر على بركة الله ، فإن الله قد وعدك أرضهم وديارهم . فسرت مستيقناً لنصر الله عز وجل ، حتى ركزت الراية في أصل الحصن . وأقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) محاصراً لبنى قريظة خمساً وعشرين ليلة حتى سألوه النزول على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم سعد بقتل الرجال وسبى الذراري والنساء ، وقسمة الأموال . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا سعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة » . أي حكم بقتل المقاتلين والمحرضين على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقط .

وفى الصحيح من السيرة : 11 / 71 ، ما حاصله : « أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نزل على بئر من آبارهم في أول أرض بني قريظة عند بئر يقال لها : « أنا » وربط دابته بالسدرة التي في أرض مريم ابنة عثمان وضرب قبته هناك ، وشرب من البئر ، وصلى في المسجد الذي هناك ، وتلاحق به الناس وحصلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كرامة حيث لم يكن للمسلمين معسكر ينزلون فيه فقال : ما لكم لا تنزلون ! فقالوا : ما لنا مكان ننزل به من اشتباك النخل ، فوقف في طريق بين النخل فأشار بيده يمنة ثم يسرة ، فانضم النخل بعضه إلى بعض ، واتسع لهم الموضع فنزلوا » .

3 - بطولة علي « عليه السلام » في قريظة ، ونزول جبرئيل بإمرة المؤمنين له في الصحيح من السيرة : 11 / 90 ، ملخصاً : « نجد الزبير بن بكار يذكر لنا في كتاب المفاخرات نصاً يفيد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد بعث إلى بني قريظة أكابر أصحابه فهزموا ، فبعث علياً ( عليه السلام ) فكان الفتح على يديه ، تماماً كالذي جرى في خيبر ! فقد روى الزبير بن بكار مناظرة بين الإمام الحسن ( عليه السلام ) وبين عمرو بن العاص والوليد بن عقبة ، وعتبة بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، عند معاوية ، فكان مما قاله لهم الإمام الحسن ( عليه السلام ) : وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا ، فبعث علياً ( عليه السلام ) بالراية فاستنزلهم على

حكم الله وحكم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) . وفعل في خيبر مثلها ؟ !

في الإحتجاج : 1 / 97 : احتجاج خالد بن سعيد بن العاص على أبى بكر أيام السقيفة : « قال : إتق الله يا أبا بكر ، فقد علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ونحن محتوشوه يوم

بني قريظة حين فتح الله له باب النصر ، وقد قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولى البأس والنجدة منهم : يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمراً فاحفظوه : ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدى وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي .

ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه ، اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم شراركم ! ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمرى والعالمون لأمر أمتي من بعدي . اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي ، يدركون به نور الآخرة . اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي ، فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض » .

أقول : لاحظ أن نخبة فرسان قريظة خرجوا من حصنهم بعد اليوم الثالث وبارزوا ، فبرز إليهم على ( عليه السلام ) وقتلهم ! ولكن رواة السلطة لم يذكروا ذلك ، وما رواه أتباع أهل البيت « عليهم السلام » من ذلك أبادته السلطة فيما أبادت ولم يصل الينا !

4 - قبول قريظة بالنزول على حكم حليفهم سعد بن معاذ

قال ابن هشام : 3 / 720 : « إن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة : يا كتيبة الإيمان ! وتقدم هو والزبير بن العوام وقال : والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم ، فقالوا : يا محمد ننزل على حكم سعد » .

« فقال كعب بن أسد : يا معشر بني قريظة : والله إنكم لتعلمون أن محمداً

نبي الله ، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب ، حيث لم يكن نبياً من بني إسرائيل ، فهو حيث جعله الله ! ولقد كنت كارهاً لنقض العهد والعقد ، ولكن البلاء وشؤم هذا الجالس يعنى حيى بن أخطب علينا وعلى قومه ، وقومه كانوا أسوأ منا ! لايستبقى محمد رجلاً واحداً إلا من تبعه ، أتذكرون ما قال لكم ابن حواس حين قدم عليكم فقال : تركت الخمر والخمير والتأمير ، وجئت إلى السقاء والتمر والشعير ؟ ! قالوا : وما ذلك ؟ قال : يخرج من هذه القرية نبي ، فإن خرج وأنا حي اتبعته ونصرته ، وإن خرج بعدى فإياكم أن تخدعوا عنه فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه ، وقد آمنتم بالكتابين كليهما الأول والآخر . قال كعب : فتعالوا فلنتابعه ولنصدقه ولنؤمن به فنأمن على دمائنا ونسائنا وأموالنا ، فنكون بمنزلة من معه . قالوا : لا نكون تبعاً لغيرنا ، نحن أهل الكتاب والنبوة ، ونكون تبعاً لغيرنا » . الواقدي : 2 / 501 .

وفى المناقب : 1 / 172 : « فحاصرهم النبي خمساً وعشرين ليلة فقال كعب بن أسد : يا معشر اليهود نبايع هذا الرجل وقد تبين أنه نبي مرسل ، قالوا : لا ، قال : فنقتل أبناءنا ونساءنا ونخرج إليه مُصْلِتين ، قالوا : لا ، قال : فنثب عليه وهو يأمن علينا لأنها ليلة السبت ، قالوا : لا . فاتفقوا على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ . . فقتل منهم أربع مائة وخمسين رجلاً ، وقسم الأموال واسترق الذراري » .

وفى الصحيح من السيرة : 11 / 10 : « وجاؤوا بالأسرى إلى المدينة وجعلوهم في دار أسامة بن زيد ودار بنت الحارث . . وكان عدد السبي من الذراري والنساء سبع مئة وخمسين ، وقيل كانوا تسع مئة . ويظهر من النصوص أن بني قريظة لم يقتلوا كلهم ، بل قتل منهم خصوص من حزَّبَ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين . ثم جمعت أمتعتهم وأخرج الخمس منها ، ثم قسمت للفارس سهمان وللرجل سهم واحد ، وكانت خيل المسلمين ستة وثلاثين فرساً ، أو ثمانية وثلاثين . أما السبي فبيع في من يزيد ، ثم قسم ثمنه في المسلمين المشاركين في هذه الغزوة ، وبعث ( صلى الله عليه وآله ) ببعض السبي إلى نجد أو الشام فبيع هناك واشترى سلاح وخيل » .

أقول : روى ابن هشام : 3 / 725 والبيهقي : 9 / 139 « أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث بسبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بهن خيلاً وسلاحاً » ! فكأن الله أراد أن يجعل النجديين أبناء يهوديات ، فيبتلى بهم المسلمين !

وقال اليعقوبي : 2 / 52 : « فانصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واصطفى منهم ست عشرة جارية فقسمها على فقراء بني هاشم ، وأخذ لنفسه منهن واحدة يقال لها ريحانة . وقسمت أموال بني قريظة ونساؤهم ، فكان الفارس يأخذ سهمين والراجل سهماً ، وكان أول مغنم أعلم فيه سهم الفارس ، وكانت الخيل ثمانية وثلاثين فرساً » .

5 - المسلمون الأربعة من بني قريظة

نزل أربعة أشخاص من حصون بني قريظة والتحقوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسلموا ، وهم ثلاثة إخوة : أسيد وأسد وثعلبة ، أبناء سعية ، وعمهم أسد بن عبيد . وقالوا لقريظة في أيام حصار النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم : « يا معشر بني قريظة ، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وإن صفته عندنا حدثنا بها علماؤنا وعلماء بنى النضير ، هذا أولهم يعنى حيى بن أخطب مع جبير بن الهيبان ، أصدق الناس عندنا ، هو خبَّرنا بصفته عند موته . قالوا : لا نفارق التوراة . فلما رأى هؤلاء النفر إباءهم ، نزلوا في الليلة التي نزلت قريظة فأسلموا ، فأمنوا على أنفسهم ، وأهلهم ، وأموالهم . . ولم يكونوا من بني قريظة ولا النضير بل كانوا فوق ذلك . وهم نفر من هدل من بنى عم قريظة ، وليس من هذيل كما في بعض المصادر . . وكان سبب إسلامهم أن ابن الهيبان من يهود الشام قدم على بني قريظة فأقام عندهم ، وكان يستسقى لهم أيام القحط فيسقون فحضرته الوفاة ، فأخبرهم أن سبب خروجه إلى يثرب هو أنه يتوقع خروج نبي قد أظل زمانه ، مهاجره المدينة ليتبعه ، ثم أوصاهم باتباعه » . وقد شكك في الصحيح : 11 / 101 في خبرهم ولم ينفه ، والظاهر أنه صحيح ، فقد ذكره ابن إسحاق : 2 / 64 ، ابن هشام : 1 / 138 و 3 / 719 ، الطبري : 2 / 248 ، الدرر / 179 ، وغيرهم .

6 - أبو لبابة يخون النبي « صلى الله عليه وآله » ثم يتوب

أبو لبابة بن عبد المنذر ، أنصارى أوسي ، كان طرف التحالف مع بني قريظة ، وكان بيته قربهم وكانوا يحبونه ، فلما حاصرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأخذ يفاوضهم طلبوا أن يرسله إليهم ليستشيروه ، فأرسله فحذرهم من القبول بحكم سعد !

وروى المفسرون أن قوله تعالي : « يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . . . وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيئًا عَسَى اللهُ أَنْ يتُوبَ عَلَيهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . . خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . « الأنفال : 27 و 102 - 103 » . « نزلت في أبى لبابة بن عبد المنذر ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما حاصر بني قريظة قالوا له ابعث الينا أبا لبابة نستشيره في أمرنا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا لبابة إئت حلفاءك ومواليك فأتاهم فقالوا له : يا أبا لبابة ما ترى تنزل على حكم محمد ؟ فقال إنزلوا واعلموا أن حكمه فيكم هو الذبح وأشار إلى حلقه ، ثم ندم على ذلك فقال خنت الله ورسوله ! ونزل من حصنهم ولم يرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومر إلى المسجد وشد في عنقه حبلاً ثم شده إلى الأسطوانة التي تسمى أسطوانة التوبة ، وقال لا أحله حتى أموت أو يتوب الله علي ، فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما لو أتانا لاستغفرنا الله له ، فأما إذا قصد إلى ربه فالله أولى به . وكان أبو لبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك به رمقه ، فكانت ابنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة ، فلما كان بعد ذلك ورسول الله في بيت أم سلمة نزلت توبته فقال يا أم سلمة ، قد تاب الله على أبى لبابة ، فقالت يا رسول الله أفأوذنه بذلك ؟ فقال لتفعلن ، فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت : يا أبا لبابة أبشر لقد تاب الله عليك ، فقال الحمد لله فوثب المسلمون ليحلوه فقال : لا والله حتى يحلني رسول الله ! فجاء رسول الله فقال يا أبا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من أمك يومك هذا لكفاك ، فقال يا رسول الله أفأتصدق بمالي كله ؟ قال : لا ، قال : فبثلثيه ؟ قال : لا ، قال فبنصفه ؟ قال : لا ، قال : فبثلثه ؟ قال نعم . فأنزل الله : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ » . تفسير القمي : 1 / 303 وابن هشام : 3 / 718 .

وفى من لا يحضره الفقيه : 2 / 570 : « إن كان لك بالمدينة مقام ثلاثة أيام ، صمت يوم الأربعاء وصليت ليلة الأربعاء عند أسطوانة التوبة ، وهى أسطوانة أبى لبابة التي ربط نفسه إليها ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ثم تأتى ليلة الخميس الأسطوانة التي تليها مما يلي مقام النبي فتقعد عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتى الأسطوانة التي تلى مقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومصلاه ليلة الجمعة فتصلى عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة . وإن استطعت أن لا تتكلم بشئ هذه الأيام إلا بما لابد منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولاتنام في ليل ولانهار إلا القليل ، فافعل » . ونحوه كامل الزيارات / 66 .

وفى تفسير أبى حمزة الثمالي / 192 : « بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، وثعلبة بن وديعة ، وأوس بن حزام ، تخلفوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند مخرجه إلى تبوك فلما بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلف عن نبيه ، أيقنوا بالهلاك وأوثقوا أنفسهم بسوارى المسجد ، فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله يحلهم ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر ، فلما نزل : عَسَى اللهُ أَنْ يتُوبَ عَلَيهِمْ ، عمد رسول الله إليهم فحلهم فانطلقوا فجاءوا بأموالهم إلى رسول الله فقالوا : هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها وتصدق بها عنا قال ( صلى الله عليه وآله ) : ما أمرت فيها فنزل : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا . . الآيات » .

وفى تفسير العياشي : 2 / 116 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، أن أبا لبابة كان أحد الثلاثة الذين خلفوا . وفى تفسير الثعالبي : 3 / 210 : « وقالت فرقة عظيمة : بل نزلت هذه الآية في شأن المخلفين عن غزوة تبوك » .

وقد توقف في الصحيح من السيرة : 11 / 10 ، في قصة أبى لبابة . ويبدو أن القصة حدثت مرة لأبى لبابة وحده ، ثم كررها مع من تخلفوا معه عن غزوة تبوك ، وكانوا حسب الآية ثلاثة ، وفى راوية أنهم كانوا بضعة عشر شخصاً غير أبى لبابة .

7 - قصة أبى لبابة دليل على أفضلية التوسل

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما بلغه أن أبا لبابة ربط نفسه بأسطوانة المسجد تائباً : « أما لو أتانا لاستغفرنا الله له ، فأما إذا قصد إلى ربه فالله أولى به » . وهو يدل على وجود طريقين لدعاء الله تعالى : مباشر ، وبالتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن طريق التوسل أسرع .

قال الله تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا . النساء : 64 .

وهوكقوله تعالى لإبراهيم ( عليه السلام ) : وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ . يشمل المجئ إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ، والمجئ إلى قبره الشريف بعد وفاته . كما يشمل المجيئ إلى إبراهيم ( عليه السلام ) بالحج والعمرة .

ففي الكافي : 4 / 550 : « ثم تأتى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم تقوم فتسلم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقول . . اللهم إنك قلت : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ . . وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك إلى الله ربى وربك ليغفرلى ذنوبي » .

وقال الله تعالى : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ . « المائدة : 35 » ، وهى أمر بالتوسل تشمل التوسل بالأعمال الصالحة ، وبالأنبياء والأوصياء والأولياء « عليهم السلام » ففي تفسير القمي : 1 / 168 : « اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَة َ . فقال : تقربوا إليه بالإمام » .

وروى الطرفان عن عائشة في علي ( عليه السلام ) والخوارج « شرح الأخبار : 1 / 141 » : قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : « هم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة » .

إلى آخر ما ورد في التوسل من الآيات والأحاديث ، وهى تدل على أن التوسل أفضل من الطلب بدونه ، فالقول بأنه ينافي التوحيد جهالة ، ورفض الوهابية التوسل مخالف لعقائد الإسلام ، كفرض المشركين التوسل بأصنامهم .

8 - حاول اليهود أن يجعلوا من قتلى قريظة ظلامة يهودية

حاول اليهود ومن تبعهم من الغربيين أن يجعلوا من بني قريظة ظلامةً لليهود ، وتناسوا أنهم كانوا معاهدين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فنقضوا عهدهم ومزقوه ، وانضموا إلى الأحزاب ، بعد نشاطهم وتجوال حاخاماتهم على قبائل العرب يجمعونهم لقتال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويعطونهم المال ، وكان أبرز الناشطين الحاخام حيى بن أخطب .

ففي تفسير القمي : 2 / 191 والواقدي : 1 / 514 : « ثم قدم حيى بن أخطب فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك ؟ فقال : والله يا محمد ! ما ألوم نفسي في عداوتك ، ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل الجهد ، ولكن من يخذل الله يخذل ! ثم قال حين قدم للقتل :

لعمرك ما لامَ ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذلِ

فقدم فضرب عنقه » .

وفى الإمتاع : 4 / 206 : « فإنهم نقضوا العهد ، وحزبوا الأحزاب ، وجمعوا وحشدوا ، وأظهروا له العداوة ، بعد ما هموا بإلقاء الرحى عليه ، لما أتاهم يستعين بهم في دية بعض أصحابه » .

وإنما قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منهم من عمل في نقض العهد وساعد الأحزاب لما حاصروا المدينة .

9 - دراسة عمر عند بني قريظة وعلاقته الوطيدة معهم

كان بيت عمر بعيداً عن مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد سكن في العوالي قرب بني قريظة ولبعد المسافة كان يذهب بين يوم وآخر ! قال عمركما في البخاري : 1 / 31 : « كنت أنا وجار لي من الأنصار في بنى أمية بن زيد وهى من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم . . » .

وكان يحضر دروس بني قريظة في كنيسهم ، قال « إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم ، فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك ، لأنك تأتينا » ! الدر المنثور : 1 / 90 ، عن مسند ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم .

وطمع اليهود بعمر فعرَّبوا بعض التوراة وأخذها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليعترف بها ! قال عمر : « يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال فتغير وجه رسول الله . . الحديث ، وفيه : والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم » . « فتح الباري : 13 / 438 » . لكن عمر أصر وجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثانيةً فقال : « يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بنى زريق ! فتغير وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال عبد الله بن زيد الذي أرى الأذان : أمَسَخَ الله عقلك ؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله ! فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً » ! مجمع الزوائد : 1 / 174 .

ثم جاءه ثالثة فقال : « انطلقت في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولاً فأعجبني فقلت : هل أنت مكتبى بما تقول ؟ قال : نعم ، فأتيته بأديم فأخذ يملى على فلما رجعت قلت : يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولاً لم أسمع مثله بعدك ! فقال : لعلك كتبت منه ؟ قلت : نعم قال : إئتنى به ، فانطلقت فلما أتيته قال : أجلس إقراه فقرأت ساعة ونظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون فصرت من الفرق لا أجيز حرفاً منه ، ثم رفعته اليه ثم جعل يتبعه رسماً رسماً يمحوه بريقه وهو يقول : لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد تهوكوا حتى محا آخر حرف » كنز العمال : 1 / 370 .

وجاءه مرة رابعة : « أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي فغضب وقال أمتهوكون فيها يا بن الخطاب ! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ! لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ! والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلا أن يتبعني » . مجمع الزوائد : 1 / 174 .

وجاءه مرة خامسة : « مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب قال نعم فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي » . الدارمي : 1 / 115 والدر المنثور : 2 / 48 و 5 / 148 .

وجاء مرة سادسة ليجيزه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يدرس التوراة عند اليهود فقال له : « لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوابه » . الدر المنثور 5 / 148 .

وجاءه مرة سابعة قال عمر : « يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها ! فقال : يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصاري ! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً » ! الدر المنثور : 5 / 148 .

وفى مرة ثامنة ساعدت حفصة أباها : « جاءت إلى النبي بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم » عبد الرزاق : 11 / 110 .

ومع ذلك استمر عمر مع مجموعته بالحضور عند اليهود ، حتى رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوماً يحمل كتاباً فقال له : « ما هذا في يدك يا عمر ؟ ! فقلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا ! فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح السلاح ! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه ، واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون ! قال عمر : فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً » . الزوائد : 1 / 173 . راجع تدوين القرآن للمؤلف / 416 .

واتفق النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع عروة بن مسعود أن يحرك قريظة لطلب رهائن من قريش كشرط لهجومهم فقال عمر : « يا رسول الله ، أمر بني قريظة أهون من أن يؤثر عنك شئ من أجل صنيعهم ! فقال : الحرب خدعة يا عمر » ! السير الكبير : 1 / 121 .

وعندما اتفق معهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أن ينزلوا على حكم سعد ، كان عمر حاضراً وكان يسمع تحرق سعد للانتقام منهم ، فأرسل لهم إشارة أن لايقبلوا بحكم سعد لكنهم لم يفهموا إشارته لأنه كانوا مرعوبين ! قال أحمد بن حنبل في مسنده : 6 / 142 : « وبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى سعد بن معاذ فأتى به على حمار عليه أكاف من ليف ، قد حُمل عليه وحَف به قومه . . فلما طلع على رسول الله قال : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ، فقال عمر : سيدنا الله عز وجل » . وصحيح ابن حبان : 15 / 500 والطبقات : 3 / 423 .

وفى أخبار الدولة العباسية / 214 : « قوموا إلى سيدكم ، فقال عمر بن الخطاب : الله سيدنا ورسوله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وسعد سيدك يا عمر » !

أقول : في قوله ( صلى الله عليه وآله ) إن سعد سيدك أنت أيضاً يا عمر ، إشارة إلى أن عمر معهم !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.