المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01

الاهمية الاقتصادية للموازنة العامة
25-10-2016
ذوبان الثلج
7-1-2016
أثر السكر في المسؤولية الجنائية في القانون الجزائري
31-8-2019
ابليس اكان من الملائكة او من غيره
2024-07-03
الإسلام حرب على الظلم والفساد
8-10-2014
Paired t-Test
2-5-2021


معركة بدر . . يوم الفرقان  
  
248   01:55 صباحاً   التاريخ: 2024-09-23
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص669-745
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2017 2806
التاريخ: 11-5-2017 3406
التاريخ: 2844
التاريخ: 5-11-2015 3497

1 - معالم معركة بدر ونتائجها

1 . موقع بدر

في معجم البلدان : 1 / 358 ومعجم البكري : 1 / 231 : « ماء على ثمانية وعشرين فرسخاً من المدينة ، في طريق مكة » . أي نحو مئة وخمسين كيلو متراً من المدينة باتجاه مكة ، واسم الوادي الذي هو فيه يَلْيَل ، وهو يصب في البحر . لاحظ البلاذري : 1 / 288 .

أما زمان المعركة فكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان السنة الثانية للهجرة . كشف اليقين / 124 ، ابن هشام : 1 / 158 ، عن الإمام الباقر ( ( ع ) ) والطبري : 2 / 128 و 148 .

2 . كانت مدة المعركة نصف نهار

فقد انتهت ظهراً ، وبدأت مع طلوع الشمس برسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى قريش بأنه لا يحب أن يبدأ حروبه بهم لأنهم قومه ، وطلب منهم أن يرجعوا ويتركوه والعرب ويكونوا على الحياد ! وقبل ذلك زعيمهم عتبة بن ربيعة ، وكان هو وأبو جهل المخزومي قائديْ قريش ، فركب عتبة بعيره وخطب في معسكرهم داعياً إلى قبول اقتراح النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعلن أنه يدفع من ماله دية ابن الحضرمي الذي تطالب قريش النبي ( صلى الله عليه وآله ) بدمه لأن أحد سرايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) قتلته . فقبل عامة الناس كلامه لكن أبا جهل رفض واتهمه بالجبن ووبخه وأفحش له القول ! فغضب عتبة وثارت حميته الجاهلية ، فدعا أخاه شيبة وابنه الوليد ، ولبسوا عدة حربهم وبرزوا للقتال !

فبرز إليهم من بني هاشم : علي وحمزة وعبيدة ، وانتصروا عليهم ثم برز عدة أبطال من مشركي قريش ، فقتلهم علي وحمزة . ثم كانت الحملة العامة واستغرقت نحو ساعتين ، قتل فيها تسعة من المسلمين ، ونحو سبعين من المشركين ، ووقعت فيهم الهزيمة فأسر المسلمون منهم نحو سبعين ، فيهم شخصيات منهم . وجمع المسلمون الغنائم وأدوا الصلاة ، وسرعان ما اختلفوا عليها اختلافاً سيئاً ، واتهم بعضهم بعضاً بأنه غلَّ أشياء أي سرقها وأخفاها ، واتهم مرضى القلوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه غلَّ قطيفة ! أي عباءة ثمينة كانت لأحد زعماء المشركين ،

فكشف الله كذبهم وبرأ نبيه ( صلى الله عليه وآله ) .

ثم أنزل الله سورة الأنفال ، وفيها حقائق مهمة عن حال الصحابة ونقاط ضعفهم وقوتهم ، وعن معركة بدر ومستقبل الإسلام .

3 . وعد الله المسلمين بالنصر في بدر

اتفقت المصادر على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر أصحابه قبل الخروج إلى بدر أن الله تعالى أمره أن يعترض قافلة قريش ، واحتمال أن تستنفر قريش لحربهم ، ولذلك كره قسم منهم الخروج ، كما قال الله تعالى : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . وكان ذلك يوم الاثنين الثامن من شهر رمضان ، بعد ثمانية عشر شهراً للهجرة .

البحار : 19 / 232 .

ولما أفلتت القافلة وجاءهم خبر مجيئ قريش للحرب ، استشارهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل يواصلون السير للقاء قريش أو يرجعون ؟ فأشار أبو بكر وعمر والكارهون للحرب بالرجوع ، وأشار عدد من المؤمنين الشجعان بالمضي ، وكان أحسنهم موقفاً رئيس الأنصار سعد بن معاذ « رحمه الله » . فمشى بهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى وصلوا مساء إلى بدر ، فوجدوا المشركين سبقوهم إلى الماء ، فنزلوا وهم في حالة من التعب والخوف ، وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) ليلاً فاستقى لهم ، وبات يصلي ويدعو ربه فأنزل الله عليهم المطر ، وقيل إنهم بقوا مدة بلا ماء .

ففي تفسير مقاتل : 2 / 7 : « ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء ، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل ، فمكث المسلمون يوماً وليلة يصلون محدثين مجنبين . فحزن المسلمون وخافوا وامتنع منهم النوم ، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم ، وأرسل السماء عليهم ليلاً فأمطرت مطراً جواداً حتى سالت الأودية ، وملؤوا الأسقية وسقوا الإبل ، واتخذوا الحياض ، واشتدت الرملة وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال » . راجع : المناقب : 1 / 122 ، تفسير الواحدي : 1 / 432 والطبري : 9 / 257 .

وفي تفسير ابن عبد السلام : 1 / 526 ، أن الذين : « غشيهم النعاس ببدر فهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وكثير من أصحابه ، فناموا » . لكن سيأتي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ينم ليلة بدر ، وأن النعاس نزل على المؤمنين دون مرضى القلوب الذين أهمتهم أنفسهم ! وسيأتي وصفهم في سورة الأنفال وفي أحُد ، وأن عيونهم بقيت « تبحلق » ولم ينزل عليهم أمنة ولا نعاساً ! قال تعالى : ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَئْ .

4 . عدد أهل بدر مقدس ، وليس كل البدريين مقدسين

كان عدد المسلمين أهل بدر ثلاث مئة وثلاث عشرة ، وقيل أكثر ، ففي المناقب : 1 / 161 : « خرج ( صلى الله عليه وآله ) سابع عشر شهر رمضان ، ويقال ثالثه في ثلاث مائة وسبعة عشر رجلاً في عدة أصحاب طالوت ، منهم ثمانون راكباً أو سبعون ، ويقال سبعة وسبعين رجلاً من المهاجرين ، ومائتي وثلاثين رجلاً من الأنصار وكان المقداد فارساً فقط . يعتقب النفر على البعير الواحد ، وكان بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبين أبي مرثد الغنوي بعير ويقال فرس . وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف » .

« فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين ، أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن نتعادَّ ففعلنا ، فإذا نحن ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأخبرنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعدتنا فسُرَّ بذلك وحمد الله ، وقال عدة أصحاب طالوت . فقال : ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا : يا رسول الله لا والله مالنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير » . الطبراني الكبير : 4 / 174 ، مجمع الزوائد : 6 / 73 وحسنه . وراجع : الطبري : 2 / 138 .

أقول : قداسة عدد الثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً ليست بسبب أهل بدر ، لأن فيهم بنص سورة الأنفال من غلَّ من الغنائم ، وفيهم من اتهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه غلَّ ! وفيهم مرضى القلوب ، وهم أسوأ أنواع المنافقين !

بل قداسة هذا العدد لأنه عدد الملائكة الذين كانوا مع نوح ( عليه السلام ) والذين نزلوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر ، وهم غير المسومين والمردفين ، وسيكونون مع الإمام المهدي ( عليه السلام ) وهذا عدد أصحاب المهدي الخاصين ، لكنهم كلهم أولياء الله ، ما فيهم منافق أو مريض القلب ، فهم مقدسون وعددهم .

ففي كمال الدين / 672 : « فإذا نشر راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاث مائة وثلاثة عشر ملكاً ، كلهم ينتظر القائم ( عليه السلام ) ، وهم الذين كانوا مع نوح ( عليه السلام ) في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) حيث ألقي في النار ، وكانوا مع عيسى ( عليه السلام ) حيث رفع . وأربعة آلاف مسومين ومردفين » .

وفي غيبة النعماني / 322 : « وهم الذين كانوا مع موسى لما فلق له البحر . . ومعهم أربعة آلاف صعدوا إلى السماء يستأذنون في القتال مع الحسين ، فهبطوا إلى الأرض وقد قتل فهم عند قبره » . ودلائل الإمامة / 457 ، الخرائج : 2 / 782 وغيرها .

5 . كان عدد المشركين تسع مئة وخمسون

ففي الدر المنثور : 3 / 165 : « فنفروا على كل صعب وذلول ، وقال أبو جهل : أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة ! سيعلم أنمنع عيرنا أم لا ؟ فخرجوا بخمسين وتسع مائة مقاتل وساقوا مائة فرس ، ولم يتركوا كارهاً للخروج يظنون أنه في صَغْو محمد وأصحابه ، ولا مسلماً يعلمون إسلامه ، ولا أحداً من بني هاشم ، إلا من لا يتهمون « كأبي لهب ، كان مريضاً وهلك يوم وصل خبر بدر » إلا أشخصوه معهم ، فكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب ، في آخرين ، فهنالك يقول طالب بن أبي طالب :

يا رب إما يخرجن طالبْ * بمقنب من هذه المقانبْ

في نفر مقاتل يحاربْ * فليكن المسلوب غير السالبْ

والراجع المغلوب غير الغالبْ .

ونحوه الكافي : 8 / 375 وفيه : « فقالت قريش : إن هذا لعلينا فردوه ! وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه كان أسلم » .

لكن طالباً « رحمه الله » لم يرجع إلى مكة ولم يُعرف مصيره ، فالمرجح أن القرشيين قتلوه !

« أجمعت قريش لحرب رسول الله بأحابيشها ومن أطاعهم من قبائل بني كنانة وأهل تهامةكل أولئك قد استُغووا على حرب رسول الله » . ابن إسحاق : 3 / 302 .

وروي أن معهم من الأحابيش ألفين ، والصحيح أن الأحابيش كانوا قلة : « لم يشهد بدراً إلا قرشي أو أنصاري ، أو حليف لأحد الفريقين » . عبد الرزاق : 5 / 348 .

ويدل على عددهم عدد الأباعر المنحورة لطعامهم ، ففي المحبر / 161 والمنمق / 389 ، لابن حبيب : « المطعمون من قريش لحرب يوم بدر : أبو جهل وهو عمرو بن هشام بن المغيرة ، نحر أول يوم عشراً ، ثم نحر أمية بن خلف تسعاً ، ثم نحر سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي عشراً ، ثم شيبة بن ربيعة نحر عشراً ، ثم نحر منبه ونبيه ابنا الحجاج عشراً ثم نحر أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد عشراً ، ثم نحر العباس بن عبد المطلب وكان أخرج إلى بدر كارهاً ، عشراً . وذكر محمد بن عمرأن قريشاً لم تطعم من الطعام العباس لعلمها بهواه وميله مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنه أخرج مكرهاً » .

وروي أن المطعمين كانوا اثني عشر ونزل فيهم قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ . راجع : إعلام الورى : 2 / 168 ، شرح النهج : 14 / 205 ، تفسير الثعلبي : 4 / 355 ، أسباب النزول للواحدي / 159 ، تفسير البيضاوي : 3 / 106 ، فتح القدير : 5 / 318 والمعارف / 154 .

6 . نزل الملائكة في بدر ومعهم جبرئيل ( ( ع ) )

وقد رآهم علي ( عليه السلام ) لما ذهب ليستقي وسلموا عليه ، ففي تفسير القمي 1 / 256 : « ثم رفع يده ( صلى الله عليه وآله ) إلى السماء وقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد . ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العَرَق عن وجهه ويقول : هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين ، قال : فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق وريح ، قد وقعت على عسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقائل يقول : أقدم حيزوم أقدم حيزوم ! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو » !

وفي المناقب : 1 / 118 : « ظهروا على الخيل البُلْق بالثياب البيض يوم بدر ، يقدمهم جبرئيل على فرس يقال له حيزوم » .

وفي المناقب : 1 / 161 : « قال علي وابن عباس في قوله : مُسَوَّمِين : كان عليهم عمايم بيض أرسلوها بين أكتافهم . وسمع غفاري في سحابة حمحمة الخيل وقائل يقول : أقدم حيزوم . قال رجل : يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ذاك ضَرْبُ الملائكة . لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر ، وإنما أتوا بالمدد » .

وفي تفسير الثعلبي : 4 / 234 : « قال أبو داود المازني وكان شهد بدراً : اتبعت رجلاً من المشركين لأضربه يوم بدر ، فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل سيفي ! فعرفت أنه قتله غيري ! وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ، قال : لقد رأيت يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف ! وقال ابن عباس : حدثني رجل عن بني غفار قال : أقبلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل ليشرف بنا على بدر ونحن مشركان ، ننتظر الواقعة على من يكون الدبرة ، فننتهب مع من ينتهب ! قال : فبينما نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلاً يقول : أقدم حيزوم . قال : فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات ، وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت » .

وتاريخ الطبري : 2 / 152 . وسيأتي أنهم سلموا على علي ( عليه السلام ) لما ذهب ليلاً ليستقي .

7 . وكان الشيطان في معركة بدر

واتفقت الرواية على أنه جاء بصورة سراقة بن مالك زعيم بني مدلج ، ليُطَمْئِنَ قريشاً بأن كنانة لن يهاجموا مكة إن ذهبت قريش لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

قال ابن هشام : 2 / 445 : « لما أجمعت قريش المسير ، ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكر فكاد ذلك يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وكان من أشراف بني كنانة ، فقال : أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تكرهونه ، فخرجوا سراعاً » .

وفي أمالي الطوسي / 176 : « تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور : تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش : لاغَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِئٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاتَرَوْنَ .

وتصور يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج فنادى : إن محمداً والصباة معه عند العقبة فأدركوهم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للأنصار : لا تخافوا فإن صوته لن يعدوهم .

وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وأشار عليهم في النبي ( صلى الله عليه وآله ) بما أشار ، فأنزل الله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .

وتصور يوم قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيها الناس لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية ، وسعوها تتسع فلا تردُّوها في بني هاشم فتنتظر بها الحبالى » !

وفي المناقب : 1 / 163 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « كان إبليس في صف المشركين أخذ بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه فقال له الحارث : يا سُرَاقُ أين ، أتخذلنا على هذه الحالة ؟ ! فقال له : إني أرى مالاترون ، فقال : والله ما نرى إلا جعاسيس يثرب « الجعسوس : القصير الذميم » فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس ! فلما قدموا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ! فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ! فقالوا : إنك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم ، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان » .

وفي البحار : 19 / 342 عن عمارة الليثي قال : « حدثني شيخ صياد من الحي كان يومئذ على ساحل البحر قال : سمعت صياحاً : يا ويلاه يا ويلاه ، قد ملأ الوادي : يا حرْباه يا حرباه ! فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقلت : مالك فداك أبي وأمي ؟ فلم يُرجع إليَّ شيئاً ! ثم أراه اقتحم البحر ورفع يديه ماداً يقول : يا رب ما وعدتني ! فقلت في نفسي : جُنَّ وبيت الله سراقة ! وذلك حين زاغت الشمس عند انهزامهم يوم بدر » .

وفي المناقب : 2 / 74 : « عن ابن عباس : لما تمثل إبليس لكفار مكة يوم بدرعلى صورة سراقة بن مالك ، وكان سائق عسكرهم إلى قتال النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأمرالله تعالى جبرئيل فهبط إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه ألف من الملائكة ، فقام جبرئيل عن يمين أمير المؤمنين ، فكان إذا حمل عليٌّ حمل معه جبرئيل ، فبصر به إبليس فولى هارباً وقال : إني أرى ما لا ترون ! قال ابن مسعود : والله ما هرب إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس فهرب ، فكان أول منهزم » !

أقول : يبدو أن هذا هو السبب في وضعهم حديث هروب الشيطان من عمر ! فقد رووا هروبه من علي ( عليه السلام ) في بدر ، فزعموا أنه كان يهرب من عمر كل عمره !

قال بخاري : 4 / 96 : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاًّ « طريقاً » إلا سلك فجاً غير فجك » . وبذلك فضلوا عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن بخاري نفسه روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ يقطع الصلاة عليَّ ، فأمكنني الله منه » . بخاري : 4 / 94 . راجع : ألف سؤال وإشكال : 2 / 474 .

8 . كان شعار المسلمين في بدر : يا نصر الله اقترب اقترب

ففي الكافي : 5 / 47 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « شعارنا : يا محمد يا محمد . وشعارنا يوم بدر : يا نصرالله اقترب اقترب . وشعار المسلمين يوم أحد : يا نصرالله اقترب . ويوم بني النضير : يا روح القدس أرح . ويوم بني قينقاع : يا ربنا لا يغلبُنَّك . ويوم الطائف : يا رضوان . وشعار يوم حنين : يا بني عبد الله . ويوم الأحزاب : حم لا يبصرون . ويوم بني قريظة : يا سلام أسلمهم . ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق : ألا إلى الله الأمر . ويوم الحديبية : ألا لعنة الله على الظالمين . ويوم خيبر يوم القموص : يا علي آتهم من عل . ويوم الفتح : نحن عباد الله حقاً حقاً . ويوم تبوك : يا أحد يا صمد . ويوم بني الملوح : أمت أمت . ويوم صفين : يا نصر الله .

وشعار الحسين ( عليه السلام ) : يا محمد . وشعارنا : يا محمد » .

وروي عنه ( عليه السلام ) : « قدم أناس من مزينة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما شعاركم ؟ قالوا : حرام ، قال : بل شعاركم : حلال . وروي أن شعار المسلمين يوم بدر : يا منصور أمت ، ويوم أحد للمهاجرين : يا بني عبد الرحمن ، وللأوس : يا بني عبد الله » .

وفي جواهر الكلام : 21 / 55 : « ينبغي اتخاذ الشعار في الحرب ، وهو النداء الذي يعرف به أهلها ، فيكون علامة على ذلك » .

2 . معركة بدر فرقانٌ في تكوين الأمة الإسلامية

1 . حدد الله هدف معركة بدر

بقوله عز وجل : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَّكْفِيَكُمْ أَن يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ . بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلامِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ . لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ . وَللهِ مَا فِي لسَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرض يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ »

فالهدف : إهلاك طرفٍ ، أي قطعة من قبائل قريش ، وكبْتُ الباقين وهزيمتهم !

وروي عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : « أما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين » . فتح الباري : 7 / 235 .

ورووا عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ : « فقال من هم ؟ قال : هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية ، أخوالي وأعمامك ! فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين » . فتح الباري : 8 / 287 .

لكن معنى الآية : أن الله تعالى أراد أن يستأصل بعضهم سياسياً ، ويخرجهم من ساحة الصراع مع الإسلام ، بقتل زعمائهم ! لذلك لم نرَ لهم أي دور مهم في التاريخ ، وهم : بنو عبد الدار أصحاب راية قريش ، وقد قتل علي ( عليه السلام ) منهم في بدر وأحُد بضعة عشر قائداً ! كما استأصل الله بني المغيرة سياسياً ، وهم العائلة المالكة في بني مخزوم ، فقد انطفأت مخزوم بعد مقتل أبي جهل في بدر ، ولم يبرز منهم إلا خالد بن الوليد ! فعزله عمر سياسياً حتى مات في بيته في حمص ! ثم برز بعده ابنه عبد الرحمن وأحبه أهل الشام ، وطلبوا من معاوية أن يجعله ولي عهده ، فقتله بالسم ! وبه انتهى بنو المغيرة سياسياً كلياً .

كما أراد عز وجل من معركة بدر أن يكبت الكافرين من قريش ، أي يخزيهم بالهزيمة والأسر ، ويمهل بعضهم ويتوب عليهم إن أسلموا وتابوا .

وقد عدَّهم الإمام الباقر ( عليه السلام ) من المُرْجَوْن لأمر الله فقال : « المرجَوْن : هم قوم قاتلوا يوم بدر وأحد ويوم حنين ، وسلِموا ، ثم أسلموا بعد تأخر ، فإما يعذبهم وإما يتوب عليهم » . تفسير العياشي : 2 / 110 .

ومعنى قوله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) : لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ . وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرض يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : أنه يجب أن تتبع إرادة الله تعالى لأن الأمر له ، فهو صاحب العلم والحكمة المطلقيْن ، وله أهداف في الإنسان بقانون صراع الخير والشر .

2 . سمى الله بدراً يوم الفرقان

أي في تكوين الأمة المسلمة ، لأنه ميزها عن المشركين ، قال تعالى : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ . الأنفال : 41 .

فهي الفرز الاجتماعي الضروري لتكوين أمة الإسلام وتمييزها عن غيرها ، حتى لو حدث فيها اختلاط بعد ذلك . ففي الأصول الستة عشر / 86 أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال عن بدر : « هو الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ، وهو اليوم الذي فرق الله بين الحق والباطل ، وإنما كان قبل ذلك اليوم هذا كذا ، ووضع كفيه أحدهما على الآخر . وإنما كان ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ خرج في طلب العير . وأهل بدر الذين شهدوا إنما كانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، ولم يريدوا القتال إنما ظنوا أنها العيرالتي فيها أبو سفيان ، فلما أتى أبو سفيان الوادي نزل في بطنه عن ميسرة الطريق ، فقال : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى . قلت له : ما العُدوة الدنيا ؟ قال : مما يلي الشام ، والعدوة القصوى : مما يلي مكة . قلت : فالعدوتان بين ضفتي الوادي ؟ فقال : نعم . قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ونادى الشيطان على جبل مكة : إن هذا محمد في طلب العير ، فخرجوا على كل صعب وذلول » .

والراوي مهتم بالمكان ، والإمام ( عليه السلام ) يقصد الفرز الاجتماعي العقائدي ، ولأهمية هذا الفرقان خلده الله تعالى في شريعته ، فكانت ليلة بدر ويومها من الأوقات الفضيلة ، تستحب فيهما العبادة والغسل : « ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ، وهي ليلة التقى الجمعان » . الحدائق : 4 / 180 وصححه .

وفي الطبراني الكبير : 9 / 221 : « التمسوا ليلة القدر لسبع عشرة خلت من رمضان صبيحة يوم بدر يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان . وفي إحدى وعشرين ، وفي ثلاث وعشرين ، فإنها لا تكون إلا في وتر » .

3 . بدر فرقانٌ في تكوين شيعة العترة

فقد شرع الله الخمس لقرابة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) قبل بدر ، لكنه ربطه بالإيمان بما أنزل يومها : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَاأَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ . يقول عز وجل : أيها المختلفون على الغنائم ، المتهمون لنبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بأنه غلَّ وسرق منها ! إنكم مدينون بوجودكم وانتصاركم لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) وقرابته « عليهم السلام » ، فاعلموا أن لهم خمس ما غنمتم إن كنتم مؤمنين بما عاينتم ! ألا ترون أن الملائكة وبني هاشم هم الذين حققوا النصر ، فلولاهم لما كنتم أمة ولا دولة ؟ !

وفي تحف العقول لابن شعبة الحراني « رحمه الله » / 341 : « فلما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة أنزل الله عليه : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى . . » .

قال البيضاوي : 3 / 109 : « إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ : متعلق بمحذوف دل عليه : وَاعْلَمُوا . أي : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء ، فسلموه إليهم » .

وفي الكافي : 8 / 63 : « إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ، فنحن والله عنى بذي القربى ، الذين قرننا الله بنفسه وبرسوله ( صلى الله عليه وآله ) » .

وفي كتاب سُلَيْم بن قيس « رحمه الله » / 228 : « قال سُلَيْم : ثم أقبل « علي ( عليه السلام ) » على العباس وعلى من حوله ثم قال : ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن ؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا فقال : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ » .

فالفرقان في سورة الفرقان بثلاث معان : فرقان الأمة وتمييزها عن غيرها . وفرقان الموالين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في أهل بيته من الأمة . وفرقان البصيرة للمؤمن ليميز بين الحق والباطل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا . الفرقان : 29 .

4 . كان تشريع الخمس قبل بدر

وإن نزلت آيته على أثر بدر ، ففي كتاب الأوائل للطبراني / 90 : « أول خمس خُمِّسَ عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مغانم عبد الله بن جحش » .

وفي الدرر / 100 : « ثم قدموا بالعير والأسيرين وقال لهم عبد الله بن جحش إعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ففعلوا فكان أول خمس في الإسلام » . ونحوه أسباب النزول للواحدي / 43 ، الطبقات : 2 / 75 ، تفسير الثعلبي : 2 / 140 ، البغوي : 1 / 189 ، الطبقات : 2 / 11 و 30 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 69 والصحيح من السيرة : 4 / 335 .

كما اتفقت المصادر على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عيَّنَ مسؤولاً عن الخمس هومحمية بن جزء . ففي صحيح مسلم : 3 / 118 ، أن شابين من بني هاشم طلبا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يستعملهما على الصدقات فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس ! ادعوا لي محمية ، وكان على الخمس ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . قال فجاءاه فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه ، وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك . وقال لمحمية : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا » . ونحوه ابن هشام : 3 / 820 ، أحمد : 4 / 166 ، البيهقي : 7 / 31 ، فتح الباري : 11 / 9 ، ابن خزيمة : 4 / 56 ، الطبقات : 2 / 64 و 4 / 198 والإصابة : 6 / 37 .

أقول : كان تشريع الخمس قبل بدر ، لكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يأخذه في بدر خاصة ، ربما لأن بعضهم أساء الأدب واتهمه بأنه غلَّ قطيفة ! الصحيح من السيرة : 5 / 90 .

وفي تفسير القمي : 1 / 255 : « فلم يخمس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ببدر وقسمه بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر » . ومثله الشافعي في أحكام القرآن : 2 / 183 .

وقال البخاري وابن جرير وغيرهما إن غنائم بدر خمست . سيرة ابن كثير : 2 / 469 .

3 - خلاصة معركة بدر

1 . يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ !

في تفسير علي بن إبراهيم القمي : 1 / 256 : في قوله تعالى : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . قال : « كان سبب ذلك أن عيراً لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم ، فأمر رسول الله أصحابه بالخروج ليأخذوها ، فأخبرهم أن الله قد وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما قريش أن أظفُر بهم ، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فلما قارب بدر كان أبو سفيان في العير فلما بلغه أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد خرج يتعرض العير ، خاف خوفاً شديداً ومضى إلى الشام ، فلما وافى البَهْرة « موضع باليمامة » اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصاً وقال له : إمض إلى قريش وأخبرهم أن محمداً والصُّبَاة « المسلمين » من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فأدركوا العير ! وأوصاه أن يخرم ناقته ويقطع أذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه من قبل ودبر ! فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب ، اللطيمة اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ! فإن محمداً والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم .

2 . منام عاتكة بنت عبد المطلب

« رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كأن راكباً قد دخل مكة ينادي : يا آل غُدر يا آل فهر ! أغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث !

ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجراً فدهدهه من الجبل ، فما ترك من دور قريش إلا أصابها منه فلذة ، وكأن وادي مكة قد سال من أسفله دماً ! فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة : مصيبة تحدث في قريش ، وفشت الرؤيا في قريش ! وبلغ ذلك أبا جهل فقال : ما رأت عاتكة هذه الرؤيا ، وهذه نبية ثانية في بني عبد المطلب ! واللات والعزى لننتظر ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقاً فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتاباً أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً ولا نساءً من بني هاشم !

فلما مضى يوم قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى ، فلما كان اليوم الثاني قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا ، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي : يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة . . فتصايح الناس بمكة وتهيؤوا للخروج ، وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأبو البختري بن هشام ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ونوفل بن خويلد ، فقالوا : يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه ، أن يطمع محمد والصباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم ، فوالله ما قرشي ولا قرشية إلا ولها في هذه العير شئ فصاعداً ، وإنه الذل والصغار أن يطمع محمد في أموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم ، فأخرجوا » . تفسير القمي : 1 / 256 .

3 . أثرياء قريش يمولون الحرب

أخرج صفوان بن أمية خمس مائة دينار وجهز بها ، وأخرج سهيل بن عمرو خمس مائة ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالاً ، وحملوا وقوَّوْا ، وخرجوا على الصعب والذلول ، ما يملكون أنفسهم ! كما قال الله تعالى : خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ، وأخرجوا معهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب . وأخرجوا معهم القينات . يشربون الخمر ، ويضربون بالدفوف !

4 . جيش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) المتواضع الفقير

وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن أبي الدعناء ، ومجد بن عمرو ، يتجسسان خبر العير ، فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء ، وسمعا جاريتين قد تشبثت إحداهما بالأخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا ، وهي تنزل غداً هاهنا ، وأنا أعمل لهم وأقضيك ، فرجع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى إلي ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة يقال له كسب الجهني فقال له : يا كسب هل لك علم بمحمد وأصحابه ؟ قال : لا : قال : واللات والعزى لئن كتمتنا أمر محمد لا تزال قريش معادية لك آخر الدهر ، فإنه ليس أحد من قريش إلا وله في هذه العير النش فصاعداً فلا تكتمني ، فقال : والله مالي علم بمحمد ، وما بال محمد وأصحابه بالتجار ، إلا أني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتيهما ورجعا ، فلا أدري من هما .

فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففت أبعار الإبل بيده فوجد فيها النوى فقال : هذه علايف يثرب ، هؤلاء عيون محمد ، فرجع مسرعاً وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين ، ونزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره أن العير قد أفلتت ، وأن قريشاً قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ووعده النصر .

وكان نازلاً ماء الصفراء فأحب أن يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه أن ينصروه في الدار ، فأخبرهم أن العير قد جازت ، وأن قريشاً قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأن الله قد أمرني بمحاربتهم ، فجزع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك وخافوا خوفاً شديداً ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أشيروا عليَّ ، فقام الأول « أبو بكر » فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنتْ منذ كفرتْ ، ولا ذلت مند عزَّت ، ولم تخرج « أنت » على هيئة الحرب ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أجلس فجلس ، قال : أشيروا علي ، فقام الثاني « عمر » فقال مثل مقالة الأول ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أجلس فجلس !

ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله إنا قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراش لخضنا معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ، ولكنا نقول : امض لأمر ربك فإنا معك مقاتلون ! فجزَّاهُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) خيراً ثم جلس . ثم قال : أشيروا عليَّ ، فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا ؟ قال : نعم ، قال : فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره ؟ قال : نعم ، قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحب إلي من الذي تركت منه ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ! فجزَّاه خيراً .

ثم قال سعد : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله ما خضت هذا الطريق قط ومالي به علم ، وقد خلفنا بالمدينة قوماً ليس نحن بأشد جهاداً منهم ، ولو علموا أنه الحرب لما تخلفوا ، ولكنا نَعُدُّ لك الرواحل ونلقى عدونا ، فإنا لصُبَّرٌ عند اللقاء أنجادٌ في الحرب ، وإنا لنرجو أن يقر الله عينك بنا ، فإن يك ما تحب فهو ذلك وإن يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أو يحدث الله غير ذلك ، كأني بمصرع فلان هاهنا وبمصرع فلان هاهنا وبمصرع أبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنبه ونبيه ابني الحجاج ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد !

فنزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهذه الآية : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ . . إلى قوله : وَلَوْكَرِهَ المُجْرِمُون . فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالرحيل حتى نزل عشاءً على ماء بدر وهي العدوة الشامية ، وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية .

5 . عقلاء من بني عبد مناف ضد الحرب ، لكن !

ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام بن هاشم بن عبد المطلب فقال له : أما ترى هذا البغي ، والله ما أبصر موضع قدمي ! خرجنا لنمنع عِيرنا وقد أفلتت فجئنا بغياً وعدواناً ، والله ما أفلح قوم قط بغوا ، ولوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا المسير ! فقال له أبو البختري : إنك سيد من سادات قريش ، تَحَمَّل العير التي أصابها محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك ، فقال عتبة : أنت عليَّ بذلك وما على أحد منا خلاف إلا ابن حنظلة ، يعني أبا جهل ، فسر إليه وأعلمه أني قد تحملت العير التي قد أصابها محمد ، ودم ابن الحضرمي . فقال أبو البختري فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعاً له فقلت له : إن أبا الوليد بعثني إليك برسالة ، فغضب ثم قال : أما وجد عتبة رسولاً غيرك ؟ فقلت : أما والله لو غيره أرسلني ما جئت ولكن أبا الوليد سيد العشيرة ، فغضب أشد من الأولى فقال : تقول سيد العشيرة ! فقلت : أنا أقوله وقريش كلها تقوله ! إنه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي .

فقال : إن عتبة أطول الناس لساناً وأبلغهم في الكلام ويتعصب لمحمد ! فإنه من بني عبد مناف وابنه معه « أبو حذيفة » ويريد أن يُخذِّل بين الناس ! لا ، واللات والعزى حتى نقتحم عليهم بيثرب ، ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكونن بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه !

6 . خاف المسلمون من جيش قريش !

وبلغ أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كثرة قريش ففزعوا فزعاً شديداً وبكوا واستغاثوا فأنزل الله على رسوله : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . « الأنفال / 9 - 10 » . فلما مشى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وَجَنَّهُ الليل ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء ، وكان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم ، فأنزل الله عليهم السماء حتى تثبت أقدامهم على الأرض ، وهو قول الله تعالى : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ . وذلك أن بعض أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) احتلم : وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ، وكان المطر على قريش مثل العزالى « كصب القرب » وكان على أصحاب رسول الله رذاذاً ، بقدر ما لبَّد الأرض .

7 . وخاف المشركون من المسلمين !

وخافت قريش خوفاً شديداً فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات ، فبعث رسول الله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال : أدخلا في القوم وأتياني بأخبارهم ، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون إلا خائفاً ذعراً ، إذا صهل الفرس وثب على جحفلته ! فسمعوا منبة بن الحجاج يقول :

لا يترك الجوع لنا مبيتا

لا بد أن نموت أو نميتا .

قال ( صلى الله عليه وآله ) : والله كانوا شباعى ولكنهم من الخوف قالوا هذا ، وألقى الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى : سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبأ أصحابه وكان في عسكره فرَسان : فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد ، وكان في عسكره سبعون جملاً يتعاقبون عليها ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وعلي بن أبي طالب على جمل ، يتعاقبون عليه والجمل لمرثد ، وكان في عسكر قريش أربع مائة فرس ، فعبأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه بين يديه وقال : غضوا أبصاركم ، ولا تبدؤوهم بالقتال ، ولا يتكلمن أحد ، فلما نظر قريش إلى قلة أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال أبو جهل : ما هم إلا أكلة رأس ، ولو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد ! فقال عتبة بن ربيعة : أترى لهم كميناً ومدداً ؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم صعد الوادي وصوب ، ثم رجع إلى قريش فقال : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع ، أما ترونهم خرساً لا يتكلمون ، يتلمظون تلمظ الأفاعي ، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم ، وما أراهم يولون حتى يقتلون ، ولا يقتلون حتى يقتلون بعددهم ، فارتؤوا رأيكم ! فقال أبو جهل : كذبت وجبنت وانتفخ منخرك ، حين نظرت إلى سيوف يثرب !

8 . وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا

فزع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم ، فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، وقد علم الله أنهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وإنما أراد سبحانه بذلك ليطيِّب قلوب أصحاب رسول الله ، فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى قريش فقال : يا معشر قريش ما أحد من العرب أبغض إليَّ من أن أبدأ بكم ، خَلُّوني والعرب فإن أكُ صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً ، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري ، فارجعوا .

فقال عتبة : والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا ! ثم ركب جملاً له أحمر فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، فإن يطيعوه يرجعوا ويرشدوا ، فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش اجتمعوا واستمعوا . ثم خطبهم فقال : يُمْنٌ رَحْبٌ فرحبٌ مع يمن . يا معشر قريش : أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور ، فإن محمداً له إلٌّ « عهد » وذمة ، وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تنبذوا رأيي ، وإنما تطالبون محمداً بالعير التي أخذها محمد بنخيلة ، ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعليَّ عقله . فلما سمع أبو جهل ذلك غاظه وقال : إن عتبة أطول الناس لساناً وأبلغهم في الكلام ، ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ، ثم قال : يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك ، وتأمر الناس بالرجوع ، وقد رأينا ثارنا بأعيننا !

فنزل عتبة عن جمله وحمل علي أبي جهل وكان على فرس فأخذ بشعره ، فقال الناس : يقتله ، فعرقب فرسه وقال : أمثلي يُجَبَّن ، وستعلم قريش اليوم أينا ألأم وأجبن وأينا المفسد لقومه ، لا يمشي إلا أنا وأنت إلى الموت عياناً ! ثم قال : هذا حبائي وخياره فيه وكل جانٍ يده إلى فيه ! ثم أخذ بشعره يجره فاجتمع الناس فقالوا : يا أبا الوليد اللهَ اللهَ لا تَفُتَّ في أعضاد الناس ، تنهى عن شئ وتكون أوله ! فخلصوا أبا جهل من يده ، فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ، ونظر إلى ابنه الوليد فقال : قم يا بنيَّ فقام ، ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتم بعمامتين ثم أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وابنه ونادى : يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش ! فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار عَوْد ومُعَوَّد وعَوف من بني عفراء فقال عتبة : من أنتم ، انتسبوا لنعرفكم . فقالوا : نحن بنو عَفْرَا أنصار الله وأنصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : ارجعوا فإنا لسنا إياكم نريد ، إنما نريد الأكفاء من قريش ! فبعث إليهم رسول الله أن ارجعوا فرجعوا ، وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم .

9 . أطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم

ثم نظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان له سبعون سنة فقال له : قم يا عبيدة ، فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبد المطلب فقال : قم يا عم ، ثم نظر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : قم يا علي وكان أصغرهم ، فقال : فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، قد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفي نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقال لحمزة عليك بشيبة ، وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة . فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقال عتبة من أنتم ، إنتسبوا لنعرفكم ؟ فقال عبيدة : أنا عبيدة بن حارث بن عبد المطلب ، فقال كفوٌ كريم ، فمن هذان ؟ قال حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ، فقال : كفوان كريمان ، لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف ! فقال شيبة لحمزة : من أنت ؟ فقال أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله ! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها وسقطا جميعاً ، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما ، وكل واحد يتقي بدرقته . وحمل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه ! فقال علي ( عليه السلام ) : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ! ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون : ياعليُّ أما ترى الكلب قد أبهر عمك ! فحمل علي ( عليه السلام ) ثم قال : يا عم طأطئ رأسك ، وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على رأسه فطير نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه ، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي ( عليه السلام ) حتى أتيا به رسول الله فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واستعبر ، فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ألست شهيداً ؟ فقال : بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي . قال : أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه ، قال وأي أعمامي تعني ؟ قال أبو طالب حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبزي محمداً

ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرَّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد لله بأرض الحبشة ؟ ! فقال : يا رسول الله أسخطتَ عليَّ في هذه الحالة ؟ فقال : ما سخطت عليك ، ولكن ذكرتَ عمي ، فانقبضت لذلك » .

10 . أبو جهل ينصح قريشاً !

وقال أبو جهل لقريش : لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر أبناء ربيعة ، عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزراً ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذاً حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها . . .

وجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنا جاركم ، ادفعوا إليَّ رايتكم ، فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله ، ويخيل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية ، فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : غضوا أبصاركم ، وعضوا على النواجذ ، ولا تسلوا سيفاً حتى آذن لكم ، ثم رفع يده إلى السماء وقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد . ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول : هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين ، قال : فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق وريح ، قد وقعت على عسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقائل يقول : أقدم حيزوم أقدم حيزوم ! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ! ونظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ثم قال : ويلك يا سراقة تفتُّ في أعضاد الناس ، فركله إبليس ركلة في صدره وقال : إِنِّي أَرَى مَا لاتَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ ! وهو قول الله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاغَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٌْ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاتَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ . . . قال وحمل جبرئيل ( عليه السلام ) على إبليس فطلبه حتى غاص في البحر وقال : رب أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين !

وروي في الخبر أن إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال : يا هذا أبَدَا لكم فيما أعطيتمونا ؟ فقيل لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أترى كان يخاف أن يقتله ؟ فقال : لا ولكنه كان يضربه ضرباً يشينه منها إلى يوم القيامة !

11 . شاهت الوجوه !

وأنزل على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . قال أطراف الأصابع . وخرج أبو جهل من بين الصفين فقال : اللهم إن محمداً قطعنا الرحم وأتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة ! فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَخَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . ثم أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كفاً من حصى فرمى به وجوه قريش وقال : شاهت الوجوه ! فبعث الله رياحاً تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم لايفلتنَّ فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام . فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل بن هشام على فخذيه ، وضرب أبو جهل عمرو على يده فأبانها من العضد ، فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو على يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت الجلدة ورمى بيده ! وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط في دمه فقلت : الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه فقال : إنما أخزى الله عبد بن أم عبد الله لمن الدين ويلك ؟ قلت : لله ولرسوله وإني قاتلك ! ووضعت رجلي على عنقه فقال : ارتقيت مرتقىً صعباً يارويعي الغنم ! أما إنه ليس شئ أشد من قتلك إياي في هذا اليوم إلا تولى قتلي رجل من المطيبين أو رجل من الأحلاف ! فاقتلعت بيضة كانت على رأسه ، فقتلته وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد لله شكراً .

12 . أسرى من بني هاشم

وأسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : هل أعانك عليهما أحد ؟ قال : نعم رجل عليه ثياب بياض ، فقال رسول الله : ذاك من الملائكة ، ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : للعباس إفد نفسك وابن أخيك ، فقال : يا رسول الله قد كنت أسلمت ، ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقاً فإن الله يجزيك عليه ، وأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا عباس إنكم خاصمتم الله فخصمكم ، ثم قال : إفد نفسك وابن أخيك ، وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب ، فغنمها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما قال للعباس إفد نفسك فقال : يا رسول الله إحسبها من فدائي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا ، ذاك أعطانا الله منك ، فأفد نفسك وابن أخيك ، فقال العباس : فليس لي مال غير الذي ذهب مني ، قال : بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة فقلت لها إن حدث عليَّ حدث فاقسموه بينكم . فقال : ماتتركني إلا وأنا أسأل الناس بكفي !

فأنزل الله على رسوله في ذلك : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَإِنْ يُريِدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . الأنفال / 70 - 71 .

ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعقيل : قد قتل الله يا أبا يزيد : أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشىبة بن ربيعة ، ونبيه ومنبه ابني الحجاج ، ونوفل بن خويلد ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، وفلاناً وفلاناً . فقال عقيل : إذاً لا تنازع في تهامة ، فإن كنت قد أثخنت القوم وإلا فاركب أكتافهم ! فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قوله . وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سبعة وعشرين ولم يأسر أحداً ، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الحبال وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم . وقتل من أصحاب رسول الله تسعة رجال ، فمنهم سعد بن خثيمة ، وكان من النقباء .

13 . الرحيل من بدر إلى المدينة

« فرحل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونزل الأثيل عند غروب الشمس ، وهو من بدر على ستة أميال فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد ، فقال النضر لعقبة : يا عقبة أنا وأنت من المقتولين ، فقال عقبة : من بين قريش ؟ قال : نعم لأن محمداً قد نظر الينا نظرة رأيت فيها القتل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي عليَّ بالنضر وعقبة ، وكان النضر رجلاً جميلاً عليه شعر ، فجاء علي فأخذ بشعره فجره إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال النضر : يا محمد أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش ، إن قتلتهم قتلتني وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه ! فقال عقبة : يا محمد ألم تقل لا تُصبر قريش أي لا يقتلون صبراً ، قال : أفأنت من قريش ؟ إنما أنت علج من أهل صفورية ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له ، لست منها ! قدمه يا علي فاضرب عنقه ، فقدمه وضرب عنقه !

فلما قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النضر وعقبة ، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : يا رسول الله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين ، وهم قومك وأساراك ، هبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم ، فأنزل الله عليهم : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » .

أقول : النص المتقدم لعلي بن إبراهيم « رحمه الله » وأكثره موافق لرواية المصادر السنية وقد ضمنه روايات عن المعصومين « عليهم السلام » ، كما في محاولة جبرئيل ضرب إبليس .

كما ضمنه رأيه في تفسير بعض الآيات كآية فداء الأسرى ، ولا نوافقه عليه ، لأنه جعل نزولها وتحليل الفداء للمسلمين بعد ستة أميال من المسير من بدر ، وقد تقدم في كلامه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلب من عمه العباس في بدر أن يفدي نفسه ، ومعناه أن تشريع الفداء كان من بدر ، ولم ينزل في طريق العودة منها !

مضافاً إلى الإشكال بأنه كيف يحلل الله شيئاً ثم يعاقب عليه ، فقد أحل لهم الفداء فكيف يعاقبهم بخسارة سبعين رجلاً منهم ! وستأتي مسألة أسرى بدر .

4 - أضواء من سيرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بدر

1 . رسالة أبي جهل إلى النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

روى في الإحتجاج : 1 / 40 عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) أن أبا جهل أرسل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رسالة قبيل بدر ، وهي : « يا محمد إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنها لا تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك ، إلى أن تفسدها على أهلها وتصليهم حر نار جهنم ، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد ، لقصد آثارك ودفع ضرك وبلائك ، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك ، فيلجؤه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطب عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك ، إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر وبالغ من أوضح !

وأُدِّيَتْ هذه الرسالة إلى محمد وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة أصحابه وعامة الكفار من يهود بني إسرائيل ، وهكذا أُمِر الرسولُ ليُجبِّن المؤمنين ، ويغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للرسول : قد أطريت مقالتك واستكملت رسالتك ؟ قال : بلى . قال : فاسمع الجواب :

إن أبا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر الله أصدق والقبول من الله أحق ! لن يضر محمداً من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه عليه .

قل له : يا أبا جهل إنك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ، إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوماً ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ! وستلقى أنت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان وذكر عدداً من قريش في قليب بدر ، مقتولين ! أقتل منكم سبعين وآسر منكم سبعين ، وأحملهم على الفداء الثقيل !

ثم نادى ( صلى الله عليه وآله ) جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الأخلاط : ألا تحبون أن أريكم مصارع هؤلاء المذكورين ، مصرع كل واحد منهم ؟

قالوا : بلى . قال : هلموا إلى بدر فإن هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ، ولا قليلاً ولا كثيراً !

فلم يَخُفَّ ذلك على أحد منهم ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحده قال : نعم بسم الله . فقال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ولا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لسائر اليهود : فأنتم ماذا تقولون ؟ فقالوا : نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لانَصَبَ لكم في المسير إلى هناك ، أخطوا خطوة واحدة ، فإن الله يطوي الأرض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك !

قال المسلمون : صدق رسول الله فلنُشَرَّفْ بهذه الآية ، وقال الكافرون والمنافقون : سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ، وتصير دعواه حجة عليه وفاضحة له في كذبه ! قال : فخطى القوم خطوة ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر ، فتعجبوا ! فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إجعلوا البئر العلامة واذرعوا من عندها كذا ذراع ، فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها ، قال : هذا مصرع أبي جهل يجرحه فلان الأنصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود ، أضعف أصحابي .

ثم قال : إذرعوا من البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر ثم من جانب آخر ، كذا وكذا ذراعاً وذراعاً ، وذكر أعداد الأذرع مختلفة ، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا مصرع عتبة ، وهذا مصرع شيبة ، وذاك مصرع الوليد ، وسيقتل فلان وفلان إلى أن سمى سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ! وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ونسب المنسوبين إلى أمهاتهم وآبائهم ، ونسب الموالي منهم إلى مواليهم .

ثم قال : أوقفتم على ما أخبرتكم به ؟ قالوا : بلى . قال : إن ذلك من الله لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوماً في اليوم التاسع والعشرين ، وعداً من الله مفعولاً ، وقضاءً حتماً لازماً .

ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم . فقالوا : يا رسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الكتابة أذكر لكم . فقالوا : يا رسول الله فأين الدواة والكتف ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ذلك للملائكة ! ثم قال : يا ملائكة ربي أكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في الكتاب ، واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفاً من ذلك ! ثم قال : يا معشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها وأخرجوها واقرؤوها ، فتأملوها وإذا في كم كل واحد منهم صحيفة قرأوها وإذا فيها ذكر ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك سواء لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر . فقال : أغيضوها في أكمامكم تكن حجة عليكم ، وشرفاً للمؤمنين منكم ، وحجة على أعدائكم ، فكانت معهم !

فلما كان يوم بدر ، جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا تزيد ولا تنقص ، قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبتها الملائكة ، لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر ، فقبل المسلمون ظاهرهم ، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم » .

2 . سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ

أنزل الله قبل بدر سورة القمر وأخبر فيها بأن قريشاً ستنهزم ! وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر : مصلتاً سيفه يتلو قوله تعالى : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ . واشترك في حرب بدر بنفسه ، وقاتل قتالاً شديداً « الصحيح : 5 / 43 » . وكان ( صلى الله عليه وآله ) أخبرهم عن هزيمتهم في أول بعثته عندما طلبوا منه معجزة : « فقالوا له : يا محمد إنك قد ادعيت عظيماً لم يدعه آباؤك ، ولا أحد من بيتك ونحن نسألك أمراً إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : وما تسألون ؟ قالوا تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله على كل شئ قدير ، فإن فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق ؟ قالوا نعم . قال : فإني سأريكم ما تطلبون ، وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير ، وأن فيكم من يطرح في القليب ، ومن يحزب الأحزاب ! ثم دعا ربه فأراهم ما طلبوا فازدادوا كفراً » ! نهج البلاغة : 2 / 157 .

3 . من أدعية النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بدر وغيرها

وكان ( صلى الله عليه وآله ) يعلم أنه سيقاتل في بدر ، لكنه تألف أصحابه واستشارهم مرتين ، « فتح الباري 7 / 223 » أولاهما قبل حركته من المدينة ، والثانية عندما بلغه نجاة القافلة ومجئ قريش لحربه ، وذلك تطبيقاً لقوله تعالى : فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ . ثم عزم ( صلى الله عليه وآله ) ولم يهتم لتخويف مرضى القلوب الذين قالوا : غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ . ولالجدل الصحابة المنهارين : كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ! وكان في سفره وفي ليلة بدر ويومها ، يدعو ربه تعالى .

ومن أدعيته ( صلى الله عليه وآله ) لما خرج من المدينة : « اللهم إنهم حفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأشبعهم ، وعالةٌ فأغنهم من فضلك . قال : فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهراً ، للرجل البعير والبعيران ، واكتسى من كان عارياً ، وأصابوا طعاماً من أزوادهم ، وأصابوا فداء الأسرى » . الإمتاع : 12 / 178 .

وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « لما نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى كثرة المشركين وقلة المسلمين استقبل القبلة وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض . فنزلت : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ » . الصحيح 5 / 35 .

وبات ( صلى الله عليه وآله ) في ليلة بدر يدعو : « اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فلما أن طلع الفجر نادى : الصلاة عباد الله ، فجاء الناس من تحت الشجر والجحف ، فصلى بنا رسول الله وحرض على القتال » . الطبري : 2 / 134 .

« ودعا يوم بدر حتى سقط رداؤه عن منكبيه يستنجز الله وعده » القرطبي : 3 / 256 . وعن علي ( عليه السلام ) قال : « إغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن : عند قراءة القرآن ، وعند الأذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصفين ، وعند دعوة المظلوم .

كان ( صلى الله عليه وآله ) إذا لقي العدو قال : اللهم إنك أنت عصمتي وناصري ومعيني . اللهم بك أصول وبك أقاتل . وكان ( صلى الله عليه وآله ) إذا لقي العدو عبأ الرجَّالة وعبأ الخيل والإبل .

كان ( صلى الله عليه وآله ) إذا زحف للقتال يعبئ الكتائب ويفرق بين القبائل ، ويقدم على كل قوم رجلاً ، ويصفف الصفوف ، ويكردس الكراديس ، ثم يزحف إلى القتال .

كان ( صلى الله عليه وآله ) إذا زحف للقتال جعل ميمنةً ، وميسرةً وقلباً يكون هو فيه ، ويجعل لها روابط ويقدم عليها مقدمين ، ويأمرهم بخفض الأصوات والدعاء ، واجتماع القلوب ، وشهر السيوف ، وإظهار العدة ، ولزوم كل قوم مكانهم ، ورجوع كل من حمل إلى مصافه بعد الحملة » . دعائم الإسلام : 1 / 371 .

وقال ابن مسعود : « ما سمعنا مناشداً ينشد حقاً له أشد مناشدة من محمد يوم بدر يقول : اللهم إني أنشدك ما وعدتني ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد . ثم التفت كأن وجهه القمر فقال : كأني أنظر إلى مصارع القوم عشية » . الزوائد : 6 / 82 .

وأراد بخاري أن يمدح أبا بكر فذمه ، فزعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أفرط في الدعاء حتى نهاه أبو بكر ! قال في صحيحه : 6 / 54 : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو في قبة : اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم ! فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ! وهو يَثب « يقفز » في الدرع ! فخرج وهو يقول : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر » ! وتعبيره لا يخلو من انتقاص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وهم لا يتورعون عن الطعن في نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، لمدح من يحبونه من الصحابة !

4 . وعطش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فاستقى لهم علي ( ( ع ) )

لما وصلوا إلى بدر نزلوا على غير ماء لأن قريشاً سبقتهم إلى الماء ، أو لأن عين بدر كانت مملوكة كما يظهر . وعطش النبي ( صلى الله عليه وآله ) فذهب علي ( عليه السلام ) ليلاً وجاء له بالماء . وفي الصباح أنزل الله عليهم المطر فاستقوا واغتسلوا ، وألقى الله عليهم النعاس فناموا ، وبقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) تلك الليلة يصلي ويدعو ربه . وكانت ليلة جمعة .

5 . كانت وقعة بدر يوم جمعة

وفي يوم الجمعة يوم بدر صلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالمسلمين الفجر وصفَّهم ، وأرسل إلى قريش يقترح عليهم الرجوع وعدم الحرب ، واستجاب له عتبة بن ربيعة لكن أبا جهل جَبَّنَه ! فأخذت عتبة الحمية وبرز هو وابنه الوليد وأخوه شيبة ، فبرز إليهم أبناء عفراء من الأنصار ، فأبوا وطلبوا أن يبرز إليهم أكفاءهم ، فاختار النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم ثلاثة من بني هاشم ، علياً ، وحمزة ، وعبيدة ، ونصرهم الله تعالى على فرسان قريش . وبارز علي ( عليه السلام ) وحمزة عدة أخرى فقتلاهم ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسلمين بالزحف وزحف معهم وقاتل ، وهزم الله المشركين شر هزيمة !

قال علي ( عليه السلام ) : « لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً . . كنا إذا احمرَّ البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه » . مكارم الأخلاق / 18 .

وكان علي ( عليه السلام ) في المعركة قرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ناولني كفاً من حصى ، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : شاهت الوجوه ! فلم يبق أحد منهم إلا ولى الدبر لذلك منهزماً » . الدر النظيم / 152 .

وفي إعلام الورى / 169 : « فكثر الله المسلمين في أعين الكفار ، وقلل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا ، وأخذ رسول الله كفاً من تراب فرماه إليهم وقال : شاهت الوجوه ! فلم يبق منهم أحد إلا اشتغل بفرك عينيه » . وفي رواية « فما بقي أحد إلا امتلأت عينه من الحصباء ، وأفواههم ومناخرهم » . المناقب : 1 / 164 .

وفي الطبري : 2 / 150 : « ثم نفحهم بها وقال لأصحابه : شدوا ، فكانت الهزيمة » .

وفي الصحيح : 5 / 53 : « وبالمناسبة فإن عائشة قالت في حرب الجمل : ناولوني كفاً من تراب ، فناولوها فحثت في وجوه أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقالت : شاهت الوجوه ، كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأهل بدر ! فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى ! وليعودنَّ وبالك عليكِ إن شاء الله ! وَنَظَرَتْ إلى علي ( عليه السلام ) وهو يجول بين الصفوف في حرب الجمل فقالت : أنظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله يوم بدر ، أما والله ما ينتظر بكم إلا زوال الشمس ، وهكذا كان » .

أقول : وزعموا أن أبا بكر كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العريش ، لكن لم يكن عريش في بدر ، ثم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاتل وأبو بكر وعمر لم يقاتلا ، وذهبا إلى خلف !

6 . خاطب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) فراعنة المشركين

أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يُلقى قتلى المشركين في بئر مهجورة لاماء فيها ، ثم وقف عليهم وخاطبهم فأحياهم الله وسمعوه ، قال لهم : « لقد كنتم جيران سوء لرسول الله ، أخرجتموه من منزله وطردتموه ، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه ، فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ فقال له عمر : يا رسول الله ما خطابك لهامٍ قد صَدِيَتْ ؟

فقال له : مَهْ يا ابن الخطاب ! فوالله ما أنت بأسمع منهم ! وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد ، إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم » .

« فقال المنافقون : إن رسول الله يكلم الموتى ! فنظر إليهم فقال : لو أذن لهم في الكلام لقالوا : نعم ، وإن خير الزاد التقوى » . رواه الصدوق في الفقيه : 1 / 180 ، تصحيح الإعتقاد / 92 ، الصحيح من السيرة : 5 / 64 ، الطبري : 2 / 155 ، ابن هشام : 2 / 466 ، القرطبي : 7 / 377 وسمى منهم بضعة رجال .

7 . أبو جهل فرعون الفراعنة

كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدعو على أبي جهل ويعتبره فرعون الفراعنة ، ويوم بدر أحاطت بأبي جهل قبيلته « ولما كان يومئذٍ ورأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالوا : أبو الحكم لا يُخلص إليه ! فإن ابني ربيعة قد عجلا وبطرا ، ولم تُحام عليهما عشيرتهما ، فاجتمعت بنو مخزوم فأحدقوا به فجعلوه في مثل الحرْجة ، وأجمعوا أن يلبسوا لأمة أبي جهل رجلاً منهم فألبسوها عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة فصمد له علي ( عليه السلام ) فقتله وهو يراه أبا جهل ، ومضى عنه وهو يقول : خذها وأنا ابن عبد المطلب !

ثم ألبسوها أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة ، فصمد له حمزة وهو يراه أبا جهل فضربه فقتله وهو يقول : خذها وأنا ابن عبد المطلب !

ثم ألبسوها حرملة بن عمرو فصمد له علي ( عليه السلام ) فقتله ، وأبو جهل في أصحابه ! ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلم ، فأبى أن يلبسها » ! مغازي الواقدي / 47 .

أقول : كان أبو جهل في المعركة محاطاً ببني مخزوم وغيرهم من قريش و : « لما اصطفت الخيلان يوم بدر رفع أبو جهل يده وقال : اللهم إنه أقطعنا للرحم ، أتانا بما لا نعرفه فأجئه بالعذاب ، فأنزل الله : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع » . القمي : 2 / 385 .

أي جاء تفسيرها . ولما اشتدت المعركة انشغل بنو مخزوم بأنفسهم ، وانفرجوا عن زعيمهم أبي جهل ، فاشترك في قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ ابن عفراء ، وأجهز عليه ابن مسعود أضعف أصحاب النبي ، كما أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) الدرر / 110 .

ووقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) على مصارع عتاة قريش بعد المعركة وخاطبهم : « جزاكم الله من عصابة شراً ، لقد كذبتموني صادقاً ، وخونتموني أميناً ! ثم التفت إلى أبي جهل فقال : إن هذا أعتى على الله من فرعون ! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحَّدَ الله ، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى » أمالي الطوسي : 1 / 316 والزوائد : 6 / 91 .

8 . أبو حذيفة بن عتبة وابنه محمد

كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مسلماً مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان ابنه محمد شيعياً من أبطال فتح الشام ومصر . وفي الطبري : 2 / 156 : « لما أمر بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يُلْقَوْا في القليب ، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب ، فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما بلغني في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير ، فقال : يا أبا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شئ ، أو كما قال ؟ فقال : لا والله يا نبي الله ، ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام ، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له ، أحزنني ذلك . قال فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له بخير وقال له خيراً » .

9 . وخاطب علي ( ( ع ) ) طلحة في البصرة وقاضي القضاة

فعل علي ( عليه السلام ) بعد معركة الجمل في البصرة ، شبيهاً بما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر . قال المفيد في الإرشاد : 1 / 256 : « فمر بكعب بن سور فقال : هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنه ناصر أمه ، يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه ، ثم استفتح فخاب كل جبار عنيد ، أما إنه دعى الله أن يقتلني فقتله الله . أجلسوا كعب بن سور ، فأُجلس فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا كعب ، لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقاً ؟ ثم قال : أضجعوا كعباً .

ومرَّ على طلحة بن عبيد الله فقال : هذا الناكث بيعتي والمنشئ الفتنة في الأمة والمُجْلب عليَّ ، الداعي إلى قتلي وقتل عترتي ! أجلسوا طلحة فأُجلس ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا طلحة بن عبيد الله ، قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً ، فهل وجدتَ ما وعد ربك حقاً ! ؟ ثم قال : أضجعوا طلحة ، وسار . فقال له بعض من كان معه : يا أمير المؤمنين أتكلم كعباً وطلحة بعد قتلهما ؟ قال : أما والله إنهما لقد سمعا كلامي ، كما سمع أهل القليب كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم بدر » .

10 . أفطر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وخالفه بعضهم فسماهم العصاة

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر . إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة ، فلما انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر ، فشربه وأفطر ، ثم أفطر الناس معه ، وتمَّ ناسٌ على صومهم ، فسماهم العصاة ! وإنما يؤخذ بآخر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . الفصول المهمة : 1 / 691 .

وفي سنن النسائي : 4 / 177 : « فدعا بقدح من الماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون ، فأفطر بعض الناس وصام بعض ، فبلغه أن ناساً صاموا فقال : أولئك العصاة » ! لكن الشافعي برر للعصاة ووقف معهم فقال : « بلغه أن ناساً صاموا فقال : أولئك العصاة ، فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى ، فأما من رأى الفطر مباحاً وصام وقويَ على ذلك ، فهو أعجب إليَّ » . الترمذي : 2 / 107 .

كما كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يحرص على الإعتكاف في شهر رمضان ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « كانت بدر في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما كان من قابل اعتكف عشرين ، عشراً لعامه ، وعشراً قضاءً لما فاته » . الكافي : 4 / 175 .

5 . أضواء من سيرة علي ( ( ع ) ) في بدر

1 . أحس علي ( ( ع ) ) بالملائكة وسلموا عليه

بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) ليلة بدر ليستقي لهم ، فأحس بنزول مجموعات الملائكة ، ففي تفسير العياشي : 2 / 65 : « عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : لما عطش القوم يوم بدر ، انطلق علي ( عليه السلام ) بالقربة يستقي وهو على القليب ، إذ جاءت ريح شديدة ثم مضت ، فلبث ما بدا له ، ثم جاءت ريح أخرى ثم مضت ، ثم جاءت أخرى كادت أن تشغله وهو على القليب ، ثم جلس حتى مضت ، فلما رجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بذلك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أما الريح الأولى ففيها جبرئيل مع ألف من الملائكة ، والثانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثالثة فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة ، وقد سلموا عليك وهم مدد لنا ، وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه يمشي القهقرى حتى يقول : وَقَالَ إِنِّي بَرِيٌْ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاتَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ » .

وفي المناقب : 2 / 80 عن : « محمد بن ثابت بإسناده عن ابن مسعود ، والفلكي المفسر ، بإسناده عن محمد بن الحنفية قال : بعث رسول الله علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده . . . وفي رواية : ما أتوا إلا ليحفظوك ، وقد رواه عبد الرحمن بن صالح بإسناده عن الليث وكان يقول : كان لعلي في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب ، ثم يروي هذا الخبر ، قال الحميري :

وسلم جبريل وميكال ليلةً * عليه وإسرافيلُ حياه معربا

أحاطوا به في ردءة جاء يستقي * وكل على ألف بها قد تحزبا

ثلاثة آلافٍ ملائكَ سلموا * عليه فأدناهم وحِيّاً ومرحبا »

وفي أمالي الطوسي / 547 ، أنه ( عليه السلام ) قال حين ناشد المسلمين بعد قتل عثمان : « فهل فيكم من سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة ، وفيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ليلة القليب لما جئتُ بالماء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ ! قالوا : لا » .

2 . علمه الخضر « عليهما السلام » دعاء قبل بدر

ففي التوحيد للصدوق / 89 : « قال ( عليه السلام ) : رأيت الخضر ( عليه السلام ) في المنام قبل بدر بليلة فقلت له : علمني شيئاً أُنصرُ به على الأعداء ، فقال : قل : يا هوَ ، يا من لا هوَ إلا هو . فلما أصبحت قصصتها على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لي : يا علي عُلِّمْتَ الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر . وإن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قرأ : قُلْ هُوَ الله أحَد ، فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو ، اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين . وكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد ، فقال له عمار بن ياسر :

يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟ قال : اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله

لا إله إلا هو ، ثم قرأ : شَهِدَ الله أنَّهُ لا إلهَ إِلَّا هُو ، وآخر الحشر ، ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال . وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه ، والله هوالمستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات » .

وهذا يدل على أن سر الاسم الأعظم وتأثيره إنما هو في من يعلمه ومن يدعو به .

3 . بدر أول معركة خاضها علي ( ( ع ) )

كانت معركة بدر أول حرب يخوضها علي ( عليه السلام ) ، وكان عمره نحو أربع وعشرين سنة ، على الرواية المشهورة بأن عمره عند البعثة عشر سنين ، وعلى رواية الإثنتي عشرة سنة يكون عمره ( عليه السلام ) ستاً وعشرين ، وكانت بدر بعد أربع عشرة سنة ونصفاً من البعثة .

ولم يشترك ( عليه السلام ) قبلها في حرب لكن كان له تجربتان في القتال في مكة بعد هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حيث كمن له فارسٌ في الليل ليفاجأه ويقتله : « فصاح علي به صيحة خرَّ على وجهه وجلله بسيفه » « المناقب 1 / 335 » فكانت هذه أول صيحة له وأول ضربة سيف !

ثم في طريق هجرته ( عليه السلام ) لما أرسلت قريش بضعة فرسان ليردوه ، يقودهم فارس معروف بفتكه ، فأدركوه قريب ضجنان : « فأهوى له جَنَاح بسيفه فراغ علي ( عليه السلام ) عن ضربته ، وتختله علي ( عليه السلام ) فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيَاً فيه حتى مسَّ كاثبة فرسه » ! أمالي الطوسي / 470 .

فكانت هذه ثاني ضربة لعلي ( عليه السلام ) ! والكاثبة : مجتمع الكتف . أي شقت ضربته كتف الفارس وبدنه ، حتى وصلت إلى مرتفع ظهر فرسه !

وفي نسخة المناقب : 2 / 312 أن سعد بن أبي وقاص رأى علياً يوم بدر : « يحمحم فرسه » وقد كان راجلاً ولم يكن عنده فرس ، فهو تصحيف لما رواه الخوارزمي في مناقبه / 158 ، عن سعد : « قال معاوية : أتحب علياً ؟ قلت : وكيف لا أحبه وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، ولقد رأيته بارز يوم بدر وهو يُحمحم كما يحمحم الفرس ، ويقول :

ما تنقمُ الحرب العوان مني * بازلُ عامين حديثٌ سني

سنحْنَحْلُ الليل كأني جني * لمثل هذا ولدتني أمي !

فما رجع حتى خضب سيفه » . ومناقب ابن سُلَيْمان : 2 / 569 ، الصراط المستقيم : 2 / 4 ، الفايق : 1 / 95 ، ينابيع المودة : 1 / 158 ، النهاية لابن الأثير : 2 / 412 ، لسان العرب : 11 / 52 وفيه : يقول : أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة . وابن هشام : 2 / 463 ، روى أن أبا جهل تمثل بهذا الشعر ! .

4 . سطع نجم علي ( ( ع ) ) في بدر

وبرز بطلاً فاق عمه حمزة « رحمه الله » ، حيث قتل قرينه ، وساعد حمزة على قتل قرينه : « وحمل أمير المؤمنين على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون : يا علي أما ترى الكلب قد أبهر عمك ! فحمل علي ( عليه السلام ) ثم قال : يا عم طأطئ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على رأسه فطرح نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه » . المناقب : 1 / 311 .

وفي الفصول المهمة لابن الصباغ : 1 / 315 ، أن المبارزة كانت بالترتيب : بارز عليٌّ ( عليه السلام ) الوليد ، ثم بارز حمزة عتبة ، ثم بارز عبيدة شيبة . « برز الوليد لعلي فقال : من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقتله » . الطبقات : 2 / 23 وابن كثير : 2 / 414 .

ولم يذكر رواة السلطة أنه ( عليه السلام ) قتل قرن حمزة وأجهز على قرن عبيدة ، قالوا : « أما علي فلم يمهل الوليد أن قتله » . « ابن هشام 2 / 456 » ومعناه أنه برز مع صاحبيه لقرنيهما !

وفي الدر النظيم / 152 : « ثم بارز أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه من سواه ، فلم يلبث إلا أن قتله . وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز بعده طعيمة بن عدي فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش . ولم يزل ( عليه السلام ) يقتل واحداً منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين قتيلاً . وتولى كافة من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين الشطر الآخر ، وكان قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للشطر بمعونة الله تعالى له وتوفيقه وتأييده ونصره ، وكان الفتح له بذلك » .

وفي الإرشاد : 1 / 74 : « فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واتقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين فأبانتها . فروي أنه كان يذكر بدراً وقتله الوليد فقال في حديثه : كأني أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ، ثم ضربته ضربة أخرى فصرعته وسلبته ، فرأيت به ردعاً من خَلوق « طيب » فعلمت أنه قريب عهد بعرس » .

وفي إعلام الورى : 1 / 170 : « قتل علي ( عليه السلام ) ببدر من المشركين : الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان شجاعا فاتكاً ، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية والد سعيد بن العاص ، وطعيمة بن عدي بن نوفل ، شجره بالرمح وقال : والله لاتخاصمنا في الله بعد اليوم أبداً ! ونوفل بن خويلد ، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة بحبل وعذبهما يوماً إلى الليل ، وهو عم الزبير بن العوام .

ولما أجلت الوقعة قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من له علم بنوفل ؟ فقال ( عليه السلام ) : أنا قتلته ، فكبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه .

وروى جابر عن الباقر عن أمير المؤمنين « عليهما السلام » قال : لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم ، وقد قتلت الوليد بن عتبة ، إذ أقبل إليَّ حنظلة بن أبي سفيان ، فلما دنا مني ضربته بالسيف فسالت عيناه ، ولزم الأرض قتيلاً » .

« قتل ( عليه السلام ) من المشركين في بدر نصف السبعين وشارك في قتل النصف الآخر ! وقد عدَّ الشيخ المفيد ستة وثلاثين بأسمائهم ممن قتلهم علي ( عليه السلام ) ، وقال ابن إسحاق : أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي » . الصحيح من السيرة : 5 / 59 .

وفي كشف الغمة : 1 / 181 : « قال الواقدي في كتاب المغازي : جميع من يحصى قتله من المشركين ببدر تسعة وأربعون رجلاً ، منهم من قتله علي وشرك في قتله اثنان وعشرون رجلاً ، شرك في أربعة وقتل بانفراده ثمانية عشر ، وقيل إنه قتل بانفراده تسعة بغير خلاف وهم : الوليد بن عتبة بن ربيعة خال معاوية قتله مبارزة ، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعامر بن عبد الله ، ونوفل بن خويلد بن أسد وكان من شياطين قريش ، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه ، وعبد الله ابن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، وحاجب بن السايب . وأما الذين شاركه في قتلهم غيره فهم : حنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية وعبيدة بن الحارث ، وزمعة وعقيل ابنا الأسود بن المطلب .

وأما الذين اختلف الناقلون في أنه قتلهم أو غيره فهم : طعيمة بن عدي ، وعمير بن عثمان بن عمرو ، وحرملة بن عمرو ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العباس بن قيس ، وأوس الجمحي ، وعقبة بن أبي معيط صبراً ، ومعاوية بن عامر . فهذه عدة من قيل إنه قتلهم في هذه الرواية ، غير النضر بن الحارث فإنه قتله صبراً بعد القفول من بدر . هذا من طرق الجمهور .

فأما المفيد فقد ذكر في كتابه الإرشاد . . أثبت رواة العامة والخاصة معاً أسماء الذين تولى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتلهم ببدر من المشركين ، على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح ، فكان ممن سموه . فذلك ستة وثلاثون رجلاً ، سوى من اختلف فيه ، أو شرك أمير المؤمنين فيه غيره ، وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدمناه . وعلى اختلاف المذهبين في تعيين عدة المقتولين ، فقد اتفقا على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتل النصف ممن قتل ببدر أو قريباً منه !

وقال المفيد « رحمه الله » : فمن مختصر الأخبار التي قد جاءت بشرح ما أثبتناه ، ما رواه شعبة عن أبي إسحاق عن حارث بن مضرب ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقد حضرنا بدراً وما فينا فارس إلا المقداد بن الأسود ، ولقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا من نام غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنه كان منتصباً في أصل شجرة يصلي ويدعو حتى الصباح » ! راجع في من قتلهم ( ( ع ) ) في بدر : شرح الأخبار : 1 / 263 ، أعيان الشيعة : 6 / 245 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي / 199 ، شرح النهج : 18 / 19 وغيرها .

5 . يقاتل ثم يعود ليطمئن على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يوجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قتاله فكان يقاتل شوطاً ثم يرجع إلى مركزه ويدعو . ويظهر أنه بعد أن ألقى كف الحصى على المشركين ، واصل الدعاء حتى وقعت الهزيمة ، قال علي ( عليه السلام ) : « لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال ، ثم جئت مسرعا لأنظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما فعل . فجئت فإذا هو ساجد يقول : يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم ، لا يزيد عليها . فرجعت إلى القتال ، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً . فذهبت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ، حتى فتح الله عليه » . الصحيح من السيرة : 5 / 68 .

وروت ذلك عامة مصادرهم ، وفي بعضها أنه ( ( ع ) ) رجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرتين ، كما في النسائي : 6 / 157 ، الطبقات : 2 / 26 ، الحاكم : 1 / 147 وصححه . وفي مجمع الزوائد : 10 / 147 ، أنها ثلاث مرات ، وكذا الثعالبي عن الترمذي ، وغيره .

وشارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في القتال ، وقال علي ( عليه السلام ) : « رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً » .

مكارم الأخلاق / 18 .

6 . مدحه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بدر ورفع بيده

وأكد للمسلمين أنه وزيره ووليهم من بعده ، ففي الإحتجاج : 1 / 209 : « قال ( عليه السلام ) في احتجاجه على أعضاء شورى عمر : نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيده يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول : ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه ، فإنه وليكم بعدي ، غيري ؟ قالوا لا » .

7 . وكان معه جبرئيل وميكائيل وعزرائيل ( ( عليهم السلام ) )

« وكان جبرئيل يقاتل عن يمين علي ( عليه السلام ) وميكائيل عن يساره ، وملك الموت قدامه » . « المناقب : 3 / 54 » . وسماه المشركون : الموت الأحمر . المناقب : 3 / 43 .

وسماه الطلقاء والمنافقون : قَتَّال العرب ، فعندما حمل الحسين ( عليه السلام ) على جيش عمر بن سعد الحسين في كربلاء وكانوا ثلاثين ألفاً ، قال لهم عمر بن سعد : « الويل لكم أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتَّال العرب فاحملوا عليه من كل جانب » . المناقب : 3 / 258 .

وسموه : قاتل الأحبة ، ففي جواهر الكلام : 21 / 331 ، أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما زار عائشة بعد معركة الجمل : « انتهى إلى دار عظيمة فاستفتح ففتح له ، فإذا هو بنساء يبكين بفناء الدار ، فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن : هذا قاتل الأحبة ، فلم يقل لهن شيئاً وسأل عن حجرة عائشة ففتح له بابها ، وسمع بينهما كلام شبيه بالمعاذير لا والله وبلى والله ، ثم خرج فنظر إلى امرأة أدماء طويلة ، فقال لها يا صفية فأتته مسرعة ، فقال ألا تبعدين هؤلاء الكلبات يزعمن أني قاتل الأحبة ! ولو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة ومن في هذه وأومأ إلى ثلاث حجر ! فذهبت إليهن وقالت لهن : فما بقيت في الدار صائحة إلا سكتت ولا قائمة إلا قعدت ! قال الأصبغ وكان في إحدى الحجر عائشة ومن معها من خاصتها ، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش ، وفي الأخرى عبد الله بن الزبير وأهله ! فقيل للأصبغ : فهلا بسطتم أيديكم على هؤلاء فقتلتموهم ، أليس هؤلاء كانوا أصحاب القرحة فلمَ استبقيتموهم ؟ ! قال : قد ضربنا والله بأيدينا إلى قوائم سيوفنا ، وأحددنا أبصارنا نحوه لكي يأمرنا فيهم بأمر فما فعل وأوسعهم عفواً » .

8 . كانت بدر ثالث امتحان لأمير المؤمنين ( ( ع ) )

تحدث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن بدر في مناسبات ، واعتبرها أحد امتحاناته الربانية السبعة التي وفقه الله للنجاح فيها ، فقال له حبر يهودي إن كتبنا تقول إن وصي هذا النبي يمتحن في حياته وبعد وفاته ، فأخبرني كم هذه الإمتحانات وما هي ؟ فأجابه ( عليه السلام ) : « وأما الثالثة يا أخا اليهود ، فإن ابني ربيعة وابن عتبة ، كانوا فرسان قريش ، دَعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش ، فأنهضني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع صاحبيَّ رضي الله عنهما وقد فعل ، وأنا أحدث أصحابي سناً وأقلهم للحرب تجربة ، فقتل الله عز وجل بيدي وليداً وشيبة ، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم ، وسوى من أسرت ، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي . واستشهد ابن عمي في ذلك « رحمه الله » » . الخصال / 367 .

وذكر ( عليه السلام ) بدراً ، رداً على قولهم إنهم بايعوا أبا بكر يوم السقيفة خوفاً على الإسلام فقال ( عليه السلام ) : « ما لنا ولقريش ؟ وما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيَّد الله فوق بنيانهم بنياننا ، وأعلى الله فوق رؤوسهم رؤوسنا ، واختارنا الله عليهم فنقموا عليه أن اختارنا عليهم ! وسخطوا ما رضي الله وأحبوا ما كره الله ! فلما اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا وعرفناهم الكتاب والسنة ، وعلمناهم الفرايض والسنن وحفظناهم الصدق واللين ، وديَّناهم الدين والإسلام ، فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا ، وأَلَتُونا أسباب أعمالنا !

اللهم فإني أستعديك على قريش فخُذ لي بحقي منها ، ولا تدع مظلمتي لها ، وطالبهم يا رب بحقي ، فإنك الحكم العدل .

يا معشر المهاجرين والأنصار : أين كانت سبقة تيمٍ وعديٍّ إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ؟ ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاتفت الصفوف وتكاثرت الحتوف وتقارعت السيوف ؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد وُدّ ، وقد نفح بسيفه وشمخ بأنفه وطمح بطرفه ! وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصَّعْداء ترتقي ، والجياد بالصناديد ترتدي ، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟

ثم عدَّد ( عليه السلام ) وقايع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقرَّعهما بأنهما في كل هذه المواقف كانا مع النظارة ! ثم قال : ما هذه الدهماء والدهياء التي وردت علينا من قريش ؟ أنا صاحب هذه المشاهد وأبو هذه المواقف ، وابن هذه الأفعال الحميدة . . . » . المناقب : 2 / 46 .

وذكر ( عليه السلام ) بدراً ، في رسالة إلى معاوية : « فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل . ومن أسلم من قريش خلوٌ مما نحن فيه ، بحلف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان آمن . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا احمر البأس وأحجم الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة ! فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة . وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ، ولكن آجالهم عُجلت ، ومنيته أُجلت .

فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها ، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ، ولا أظن الله يعرفه ،

والحمد لله على كل حال » . نهج البلاغة : 3 / 8 .

وفي رسالة له ( عليه السلام ) إلى معاوية : « وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانباً واخرج إليَّ واعف الفريقين من القتال ، ليعلم أينا المرين على قلبه والمغطى على بصره ! فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخاً يوم بدر ، وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوي ، ما استبدلت ديناً ولا استحدثت نبياً . وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ، ودخلتم فيه مكرهين » . نهج البلاغة : 11 / 8 .

وفي رسالة له ( عليه السلام ) إلى معاوية أيضاً : « فأنا ابن عبد المطلب صاحب ذلك السيف ، وإن قائمه لفي يدي ، وقد علمتَ من قتلتُ من صناديد بني عبد شمس ، وفراعنة بني سهم وجمح وبني مخزوم ، وأيتمت أبناءهم وأيَّمت نساءهم ، وأذكرك ما لست له ناسياً يوم قتلت أخاك حنظلة وجررت برجله إلى القليب ، وأسرت أخاك عمراً فجعلت عنقه بين ساقيه رباطاً ، وطلبتك ففررت ولك حصاص » « نهج السعادة : 4 / 213 » . والحصاص : ركض الشيطان إذا سمع الأذان ، وركض الكلب إذا اشتد عدوه وهو يمصع بذنبه - نهاية ابن الأثير : 1 / 396 .

9 . نزل جبرئيل بذي الفقار على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في بدر

1 . نزل به جبرئيل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

ففي الكافي : 1 / 234 و 8 / 267 ، وأمالي الصدوق / 364 « عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : « سألته عن ذي الفقار سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أين هو ؟ قال : هبط به جبرئيل من السماء ، وكانت حليته من فضة ، وهو عندي » .

وفي الاحتجاج : 1 / 200 أن علياً ( عليه السلام ) قال في احتجاجه على أعضاء شورى عمر : « نشدتكم بالله هل فيكم أحد نوديَ باسمه من السماء يوم بدر : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا عليٌّ ، غيري ؟ قالوا : لا » .

وفي الفقيه للصدوق : 4 / 178 : « كان له سيفان ، يقال لأحدهما ذو الفقار والأخرى : العون ، وكان له سيفان آخران يقال لأحدهما : المخذم ، والآخر الرسوم » .

وفي تاريخ اليعقوبي : 2 / 88 : « وكان رسم رايته العقاب ، وكانت سوداء على عمل الطيلسان ، وكان له سيف يقال له المخدام وسيف يقال له الرسوب ، وسيفه الذي يلزمه ذو الفقار ، وقد روي أن جبريل نزل به من السماء ، فكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبراً ، وفي وسطه كال وكانت عليه قبيعة فضة ونعل فضة ، وفيه حلقتان فضة ، ورمحه المثوي حربته العنزة ، وكان يمشي بها في الأعياد بين يديه ويقول : هكذا أخلاق السنن ، وقوسه الكتوم وكنانته الكافور ، ونبله المتصلة ، وترسه الزلوق ، ومغفره السبوع ، ودرعه ذات الفضول وفيها زردتان زائدتان ، وفرسه السكب ، وفرس آخر المرتجز ، وفرس آخر السجل ، وفرس آخر البحر » .

2 . سُمِّيَ ذو الفقار لفقراته ولأنه يفقر من ضرب به

في علل الشرائع : 1 / 160 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنما سمي سيف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ذا الفقار ، لأنه كان في وسطه خط في طوله ، فشبه بفقار الظهر ، فسميَ ذا الفقار بذلك ، وكان سيفاً نزل به جبرئيل ( عليه السلام ) من السماء ، وكانت حلقته فضة ، وهو الذي نادى به مناد من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي .

وروي أنه سمي ذا الفقار ، لأنه ما ضرب به أحدٌ إلا افتقر في الدنيا والآخرة ، وهو معنى منتزع من اسمه .

وفي المناقب : 3 / 81 : « عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إنما سمي سيف أمير المؤمنين ذو الفقار ، لأنه كان في وسطه خطة في طوله مشبهة بفقار الظهر . وزعم الأصمعي أنه كان فيه ثماني عشرة فقرة . تاريخ أبي يعقوب : كان طوله سبعة أشبار ، وعرضه شبر ، وفي وسطه كالفقار . قال ابن حماد :

فأنزل الله ذا الفقار له * مع جبرئيل الأمين منتجبا

وقيل إن النبي ناوله * جريدة رطبة لها اجتلبا

فانقلبت ذا الفقار في يده * كرامة من إلهه وحبا

سيف يكون الإله طابعه * فكيف ينبو وأن يقال نبا

وقال الزاهي :

من هزم الجيش يوم خيبره * وهز باب القموص واقتلعه

من هز سيف الإله بينكم * سيف من النور ذو العلى طبعه

أبو عبد الله ( عليه السلام ) : نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى جبرئيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي .

القاضي أبو بكر الجعاني بإسناده عن الصادق ( عليه السلام ) : نادى ملك من السماء يوم أحد يقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، ومثله في إرشاد المفيد ، وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع . وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة ، وابن بطة في الإبانة ، إلا انهما قالا : يوم بدر . قال أحمد بن علوية :

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا أبو حسن فتى الفتيان

قال النبي أما علمت بأنه * مني ومنه أنا وقد أبلاني

جبريل قال له واني منكما * فمضى بفضل خلاصة الخلان

وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي :

ومن مشى جبريل مع ميكاله * عن جانبيه في الحروب إذا مشى

ومن ينادي جبرئيل معلناً * والحرب قد قامت على ساق الردى

لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا * ولا فتى إلا علي في الورى

وقال الزاهي :

لا فتى في الحروب غير علي * لا ولا صارم سوى ذي الفقار

وقال العوني :

من صاح جبريل بالصوت العلي به * دون الخلائق عند الجحفل اللجب

فخرا ولا سيف إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي فتى في هفوة الكرب

وقال منصور الفقيه :

من قال جبرئيل والأرماح شارعة * والبيض لامعة والحرب تشتعل

لا سيف يذكر إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي إمام أيها الملل

وقال آخر :

جبريل نادى في الوغى * والنقع ليس بمنجل

والمسلمون بأسرهم * حول النبي المرسل

والخيل تعثر بالجما * جم والوشيح الذيل

هذا النداء لمن له * الزهراء ربة منزل

لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي

وقال غيره :

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي للطغاة طعون

ذاك الوصي فما له من مشبه * فضلاً ولا في العالمين قرين

ذاك الوصي وصي أحمد في الورى * عف الضماير للإله أمين

وقال آخر :

من كان يمدح ذا ندى لنواله * فالمدح مني للنبي وآلهِ

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي في أوان قتالهِ

نادى النبي له بأعلى صوته * يا رب من والى علياً والهِ » .

3 . أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى

في معاني الأخبار للصدوق / 119 : « إن أعرابياً أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخرج إليه في رداء ممشق فقال : يا محمد لقد خرجت إليَّ كأنك فتى . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم يا أعرابي أنا الفتى ، ابن الفتى ، أخو الفتى . فقال : يا محمد ، أما الفتى فنعم ، وكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ فقال : أما سمعت الله عز وجل يقول : قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ، فأنا ابن إبراهيم ، وأما أخو الفتى فإن منادياً نادى في السماء يوم أحد : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فعلي أخي وأنا أخوه » .

4 . ما ضربت به أحداً إلا ودخل النار !

كتب ( عليه السلام ) إلى حاكمٍ خان بيت المال : « فسبحان الله ، أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب ! كيف تسيغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً ؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين ، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد . فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك ، لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار » ! نهج البلاغة : 3 / 62 .

5 . قىل كان يَعْوَجُّ فيقيمه علي ( عليه السلام ) بركبته

وفي شرح النهج : 2 / 282 في حربه ( عليه السلام ) للخوارج : « التفت إلى أصحابه فقال لهم : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم . وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ، ثم يخرج فيسويه بركبتيه ، ثم يحمل به » .

6 . انكسر سيفه يوم أحد فأعطاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذا الفقار

في علل الشرائع : 1 / 7 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في أحُد : « وكان علي ( عليه السلام ) كلما حملت طائفة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات حتى انكسر سيفه . فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال يا رسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي ، فأعطاه سيفه ذا الفقار ، فما زال يدفع به عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى أثر وانكسر ، فنزل عليه جبرئيل ( عليه السلام ) وقال : يا محمد ، إن هذه لهي المواساة من علي لك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل وأنا منكما . وسمعوا دوياً من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي » .

الخرائج : 1 / 148 قال علي ( عليه السلام ) : « انقطع سيفي يوم أحد فرجعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : إن المرء يقاتل بسيفه ، وقد انقطع سيفي ، فنظر إلى جريدة نخل عتيقة يابسة مطروحة فأخذها بيده ، ثم هزها فصارت سيفه ذا الفقار فناولنيه ، فما ضربت به أحداً إلا وقده بنصفين » .

أقول : يظهر من ذلك أن سر ذي الفقار من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنه كان له وقد يعطيه لعلي ( عليه السلام ) في المعركة ، ولما انكسر في أحد عوض الله نبيه بأن أمره أن يهز جريدة النخل اليابسة ، فكانت ذا الفقار بنفس خصائصه . وروي أنه ( صلى الله عليه وآله ) أعطاه لعلي ( عليه السلام ) لما برز إلى عمرو بن ود ، بعد أحُد بستين .

وفي المناقب : 3 / 81 : « وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ للَّنَّاسِ ، ذو الفقار أنزل به من السماء على النبي فأعطاه علياً .

وسئل الرضا ( عليه السلام ) من أين هو ؟ فقال : هبط به جبرئيل من السماء ، وكان حلية من فضة وهو عندي . وقيل : أمر جبرئيل أن يتخذ من صنم حديد في اليمن فذهب علي وكسره واتخذ منه سيفين : مخذم ، وذا الفقار وطبعهما عمير الصيقل ، وقيل : صار إليه يوم بدر أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله ، وقيل : كان من هدايا بلقيس إلى سُلَيْمان ، وقيل : أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاة بني المصطلق بعد أن قتله ، وقيل : كان سعف نخل نفث فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصار سيفاً ، وقيل : صار إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم بدر فأعطاه علياً ( عليه السلام ) ، ثم كان مع الحسن ، ثم مع الحسين ، إلى أن بلغ المهدي ( عليه السلام ) » .

والذي أرجحه أن ذا الفقار نزل من السماء ، ولكنه كان قابلاً للكسركأي سيف ، فانكسر بيد علي ( عليه السلام ) مرات ، وعوضه الله بسعفة نخل صارت بيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذا الفقار .

وفي إحداها أمر نبيه بأن يصنعه من حديد هو قاعدة صنم في اليمن وأصل ذلك الحديد من سليمان ( عليه السلام ) ، فبعث علياً ( عليه السلام ) وأتى به وأعطاه للحداد فصنع منه ذا الفقار .

ففي بصائر الدرجات / 206 : « عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : جاء جبرئيل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال يا محمد ، إن باليمن صنماً من حجارة ، له مقعد من حديد ، فابعث إليه حتى يجاء به ، قال فبعثني النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن فجئت بالحديد ، فدفعته إلى عمر الصيقل ، فضرب عنه سيفين ذا الفقار ومُخَذَّماً ، فتقلد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مخذماً وقلدني ذا الفقار ، ثم إنه صار إليَّ بعدُ مخذم » .

أقول : ظاهر قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ للَّنَّاسِ ، أنه نازل من السماء ، وقيل إنه غبار من كواكب أخرى . وورد أن للمهدي ( عليه السلام ) أنصاراً من كواكب أخرى حديدهم ليس كحديدكم ، فيبدو أن حديد ذي الفقار يختلف عن الحديد العادي ، وقد روي أن ضربته تترك أثراً كالكي بالنار ، ولم أعثر عليها الآن ، وهي من روايات صفين .

7 . وقاتلَ الحسين ( عليه السلام ) بذي الفقار يوم عاشوراء

في أمالي الصدوق / 222 : « ثم وثب الحسين ( عليه السلام ) متوكئاً على سيفه ، فنادى بأعلى صوته ، فقال : أنشدكم الله ، هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه . . قال : فأنشدكم الله ، هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فأنشدكم الله ، هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم . . قال : فبم تستحلون دمي ، وأبي الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء ، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً ! فأخذ الحسين ( عليه السلام ) بطرف لحيته ، وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ، ثم قال : اشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم » .

8 . ذو الفقار في مواريث النبي ( صلى الله عليه وآله )

في الكافي : 1 / 236 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فقال للعباس : يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ فرد عليه فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح ، قال : فأطرق ( صلى الله عليه وآله ) هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه ؟ فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح . قال : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ، ثم قال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال : نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي . قال العباس : فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال : تختم بهذا في حياتي ، قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم . ثم صاح : يا بلال عليَّ بالمغفر ، والدرع ، والراية ، والقميص ، وذي الفقار ، والسحاب ، والبرد ، والأبرقة ، والقضيب . قال : فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك - يعني الأبرقة - فجييء بشقة كادت تخطف الأبصار ، فإذا هي من أبرق الجنة فقال : يا علي إن جبرئيل أتاني بها ، وقال : يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة . ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعاً ، أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف ، والقميصين القميص الذي أسري به فيه ، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد ، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر ، وقلنسوة العيدين والجمع ، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه . ثم قال : يا بلال علي بالبغلتين : الشهباء والدلدل ، والناقتين : العضباء والقصوى ، والفرسين : الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وحيزوم ، وهو الذي كان يقول أقدم حيزوم ، والحمار عفير ، فقال : أقبضها في حياتي . فذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إن أول شيء من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قطع خطامه ثم مر يركض ، حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها ، فكانت قبره » .

9 . ذو الفقار من علامات الإمام ( عليه السلام )

في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) « عليهم السلام » 1 / 192 قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : « للإمام علامات : يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس . . ويكون عنده سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيفه ذو الفقار » .

10 . طلبه المسور ابن مخرمة من الإمام زين العابدين ( عليه السلام )

ففي مسند أحمد : 4 / 226 والبخاري : 4 / 47 : « ابن شهاب أن علي بن حسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت له : لا ، فقال : فهل أنت معطي سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه . وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفس » .

وفي فتح الباري : 6 / 149 : « والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ، ورأى فيه الرؤيا يوم أحد » .

وذكر ابن حجر وغيره أن غرض المسور حفظ السيف له إكراماً لجدته فاطمة « عليها السلام » .

11 . وقالوا إنه كان سيف منبه بن الحجاج

قال البلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 14 : « وأما نبيه فقتله علي بن أبي طالب . وقتل أيضاً العاص بن منبه ، وكان صاحب ذي الفقار ، سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وذلك الثبت . وبعضهم يقول : إنه كان سيف منبه » .

وقال الواقدي في المغازي : 1 / 103 : « عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : تنفل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيفه ذا الفقار يومئذٍ ، وكان لمنبه بن الحجاج » .

وقال الطبري : 2 / 172 : « وفي غزوة بدر انتقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيفه ذا الفقار وكان لمنبه بن الحجاج . وفيها غنم جمل أبي جهل ، وكان مهرياً يغزو عليه » .

أقول : لعلهم وضعوا هذه الروايات ليسلبوا علياً فضيلة نزول ذي الفقار من السماء .

12 . وادعاه العباسيون والحسنيون

قال العيني في عمدة القاري : 15 / 33 : « ولم يزل ذو الفقار عنده ( صلى الله عليه وآله ) حتى وهبه لعلي رضي الله تعالى عنه قبل موته ثم انتقل إلى آله . وكانت له عشرة أسياف منها : ذو الفقار ، تنفله يوم بدر » .

وفي الطبري : 6 / 219 : « الأصمعي قال : رأيت الرشيد أمير المؤمنين بطوس متقلداً سيفاً فقال لي : يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار ؟ قلت بلى جعلني الله فداك ، قال : استل سيفي هذا ، فاستللته فرأيت فيه ثمان عشرة فقارة » .

وفي وفيات الأعيان : 6 / 330 : « كان سبب وصوله إلى هارون الرشيد فيما ذكره أبو جعفر الطبري بإسناد متصل إلى عمر بن المتوكل عن أمه وكانت أمه تخدم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالت : كان ذو الفقار مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم قتل في محاربته لجيش أبي جعفر المنصور العباسي والواقعة مشهورة ، فلما أحس محمد بالموت دفع ذا الفقار إلى رجل من التجار كان معه وكان له عليه أربع مائة دينار وقال له خذ هذا السيف ، فإنك لا تلقى أحداً من آل أبي طالب إلا أخذه منك وأعطاك حقك » .

وفي الكافي : 1 / 233 : قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) إن شخصين يزعمان أن عبد الله بن الحسن عنده سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : « والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه ، اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين ، فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضة ، وما أثر في موضع مضربه !

وإن عندي لسيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن عندي لراية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودرعه ولأمته ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

وإن عندي لراية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المغلبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصاه ، وإن عندي لخاتم سُلَيْمان بن داود ، وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب به القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة . وإن عندي لمِثْل التابوت الذي جاءت به الملائكة . ومَثَلُ السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخطت على الأرض خطيطاً ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله » .

وصححه المجلسي الأول في روضة المتقين : 12 / 243 وقال : « وفي البصائر في الموثق كالصحيح عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لبس أبي درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات الفضول فخطت ، ولبستها أنا ففضلت » .

إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة المتواترة فيما تقدم .

وفي بصائر الدرجات / 205 : « أتاني إسحاق بن جعفر فعظم عليّ بالحق والحرمة السيف الذي أخذه هو سيف رسول الله . فقلت : لا ، كيف يكون هذا وقد قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار

دار الأمر » .

10 . غُلُوُّ السُّلطة في الصَّحابة البدريين ، غَيْر علي

كانت معركة بدر معجزة ربانية ، وسر إعجازها النبي ( صلى الله عليه وآله ) والملائكة ، وبطولة علي ( عليه السلام ) وبني هاشم . وقد سرقت السلطة القرشية ذلك وأعطته لكل الصحابة وجعلتهم جميعاً كالملائكة : أبطالاً أخياراً أبراراً ، من أهل الجنة !

ويكفي جواباً على زعمهم : سورة الأنفال التي نزلت خصيصاً في بدر ، وكشفت سقوط صحابة بدريين خرجوا من المدينة على كره كأنهم يساقون إلى الموت !

ومنهم من أراد من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يرجع ولا يقاتل قريشاً ، بنص رواة « الخلافة » !

ومنهم من كان يلحُّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة أن يقاتل قريشاً فيقول لهم كفوا أيديكم واصبروا ، فلما كتب عليه القتال في بدر اعترضوا على ربهم لماذا كتب عليهم القتال ، ونكصوا عن مبارزة الفرسان ، وفروا إلى خلف الصفوف ، جبناً وحباً للحياة ! فوبخهم الله تعالى بقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً !

ومنهم : من اختلفوا على الغنائم ، واتهموا بعضهم البعض طمعاً بدراهم معدودات أو بفرس أو بعير ، أو ثوب قماش ، أو نصف كيس شعير !

ومنهم : من أعماه الطمع وأفقده دينه فاتهم نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سرق قطيفةً أو عباءة ! فكذبهم الله تعالى بقوله : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ !

ونورد في العناوين التالية بعض الحقائق عن مواقف بعض الصحابة في بدر :

6 . منافقون تحمسوا للقتال في مكة ونكصوا في بدر !

قال الله عزَّ وجل : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً .

فالآية تتحدث عن منافقين كانوا في مكة يطالبون النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتال المشركين فأمرهم بكف أيديهم ، ولم يأمر بكف اليد في المدينة ، فلما كتب الله عليهم القتال بعد الهجرة ، ظهر نفاقهم وأنهم جبناء يخافون الناس أكثر مما يخافون الله !

كما ظهرت وقاحتهم فاعترضوا على الله تعالى لماذا كتب عليهم القتال الآن ؟ ! وكشفت أسماء بعضهم رواية الواحدي في أسباب النزول / 111 وابن حجر : 2 / 918 ، قال : « نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهم عبد الرحمن بن عوف ، والمقداد بن الأسود ، وقدامة بن مظعون ، وسعد بن أبي وقاص ، كانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً ويقولون : يا رسول الله إئذن لنا في قتال هؤلاء ، فيقول لهم : كفوا أيديكم عنهم ، فإني لم أومر بقتالهم ، فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين ، كرهه بعضهم وشق عليهم فأنزل الله تعالى هذه الآية » !

وروى الحاكم : 2 / 66 و 307 ، أنها نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وأصحاب له ، وصححه على شرط بخاري ، قال : « أتوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة ؟ ! فقال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ، فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ! فأنزل الله تبارك وتعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » . والنسائي : 3 / 3 و 6 / 325 ، البيهقي : 9 / 11 ، والطبري في تفسيره : 5 / 234 .

وروى الطبري أيضاً أنها نزلت في : « أناس من أصحاب رسول الله . كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد . . فلما فرض عليهم القتال شقَّ عليهم » !

وقال الرازي في تفسيره : 10 / 184 : « والأولى حمل الآية على المنافقين ، لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، ولا شك أن من هذا كلام المنافقين . فالمعطوف في المنافقين وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضاً » .

وسمَّى الثعلبي : 3 / 345 منهم أربعة ورجح أنها : « نزلت في قوم كانوا مؤمنين ، فلما فرض عليهم الجهاد نافقوا عن الجهاد من الجبن وتخلفوا عن الجهاد . ويدل عليه أن الله لايتعبد الكافر والمنافق بالشرائع ، بل يتعبدهم أولاً بالإيمان ثم بالشرائع ، فلما نافقوا نبه الله على أحوالهم . وقد قال الله مخبراً عن المنافقين أنهم آمنوا ثم كفروا » . وقال البغوي : 1 / 453 : « يخشون الناس : يعني يخشون مشركي مكة » .

وفي برهان الزركشي : 1 / 422 : « فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ . هذه الإشارة للفريق الذين نافقوا من القوم : الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » .

وفي تنوير المقباس من تفسير ابن عباس / 74 : « إذا فريق منهم : طائفة ، منهم طلحة بن عبد الله . يخشون الناس : يخافون أهل مكة » .

وفي العجاب لابن حجر : 2 / 918 : « من هذا الفريق طلحة بن عبيد الله ، كذا قال ، ولعله كان ممن قال ذلك أولاً ، وأما الفريق الذين قالوا : لم كتبت علينا القتال فاللائق أنهم ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه ، وطلحة كان من الراسخين » !

وتصدى علماء السلطة للدفاع عمن ذمهم الله ، فقالوا إن خوفهم طبيعي ! وقال بعضهم يستحيل أن يكون هؤلاء من الصحابة ، فردوا بذلك القرآن !

قال القرطبي : 5 / 281 : « معاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة ، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين » !

وهذه مكابرة منهم أو ردٌّ على الله تعالى ! لأن المذمومين صحابة منافقون كانوا في بدر ! وهم أكثر من خمسة ، وقد جبنوا في بدر وتخبؤوا خلف المقاتلين ، وطمعوا بالغنائم واتهموا البعض بالغل والسرقة ! واتهموا نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بأنه غلَّ قطيفة حمراء ! وتجد بقية صفاتهم في سورة الأنفال الفاضحة !

وقد خلطوا بهم شخصاً بريئاً هو المقداد « رحمه الله » ! ونسُوا أنهم رووا أن ، موقفه عكس ذلك تماماً ! ففي البخاري : 5 / 187 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استشار أصحابه فقال المقداد : « يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، ولكن إمض ونحن معك ! فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله » . ومعنى سُرِّيَ عنه : أنه ارتاح لكلامه بعد غضبه من أهل آية : كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ، الذين خوَّفوه من قريش ، وأنها ما ذلت منذ عزت ، وأن من قاتلها ذل !

7 . مرضى القلوب « مكيون بدريون » !

ذكر الله تعالى « الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » في اثنتي عشرة آية ، وجعلهم قسماً مقابل المؤمنين والمنافقين والمشركين . وحذر منهم من أوائل البعثة في سورة المدثر فقال : وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً . . وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً . « المدّثّر : 31 » ثم ذكرهم في معركة بدر فقال : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . الأنفال / 49 .

ثم ذكرهم في معركة الأحزاب : هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا . وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا . الأحزاب / 11 - 12 .

وقد دلس أتباع السلطة فجعلوهم قسماً من المنافقين مع أنهم قسم مقابلهم ! ثم جعلوا المنافقين كلهم من المدينة وقالوا ليس في القرشيين منافق ! لكنهم اصطدموا بآية كفوا أيديكم ، وهي في صحابة كبار وبالآية 31 من المدثر المكية ، ، فهم موجودون في مكة قبل الهجرة إذن ، لكن أتباع السلطة القرشية يكابرون !

قال في الكشاف : 4 / 184 : « فإن قلت : كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون ، والسورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ، وإنما نجم بالمدينة ؟ قلت : معناه : وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة » .

وهذه مكابرة أخرى لإبعاد النفاق عن القرشيين ! لأن الآية نزلت في مكة في منافقين موجودين ، وليس في أناس سيأتون بعد بضع عشرة سنة !

ومن مكابرتهم أيضاً حصرهم سبب النفاق بالخوف لإبعاده عن القرشيين ، مع أن سببه قد يكون الطمع بموقعٍ مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل هو أكثر إغراءً لشخص معدم من عشيرة معدمة ، يسمع بأن كنوز كسرى وقيصر ستقع في يد ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

ولهذا السبب نجد أن القرآن حذر من مرضى القلوب القرشيين في مكة ، ثم في بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وبقية حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعده !

وتدلك صفاتهم على أنهم طبقة سياسية منافقة ، لها طموح سياسي مفرط ، وأنهم حشريون يتدخلون في كل قضية ! بل يحددون لله تعالى ما يجب أن يفعله ، ويقولون إن جعله زبانية جهنم تسعة عشر اشتباه ! مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً ؟ !

وتراهم يسخرون من المؤمنين الذين أطاعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشجعوه على المضي إلى بدر لقتال قريش : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ !

وتراهم يعترضون على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويحملونه مسؤولية الهزيمة في أحُد ، لأنه لم يشركهم في القيادة ، ولم يأخذ برأيهم في الإدارة ! يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَئٍْ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَالايُبْدُونَ لَكَ . . يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئٌْ مَاقُتِلْنَا هَاهُنَا !

ولم يتراجع فضولهم ولا خفَّ جُبنهم ، فوصفهم الله تعالى في حرب الأحزاب : وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا . . وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاغُرُورًا . الأحزاب / 10 و 12 .

وكشف الله تعالى عدداً من صفاتهم ، ورسم فيها خوفهم : وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ . طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمر فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ . محمّد / 20 - 21 .

ثم أخبرهم الله تعالى بأنهم سيحكمون الأمة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويفسدون ! وأنهم استحقوا اللعن والطرد من رحمته ، لأنهم عرفوا الهدى جيداً ثم كفروا ، وأخفوا كفرهم ! وأخبرهم بأنهم عقدوا اتفاقية سرية مع اليهود على طاعتهم في إبعاد عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن خلافته ! فقال عز وجل : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ . أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا . إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَانَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . محمّد / 22 - 26 .

وقد أقسم الإمام الصادق ( عليه السلام ) على أن مرض قلوبهم هو عداوة أهل البيت « عليهم السلام » ، لأن هدفهم من إسلامهم سرقة دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والوصول إلى الحكم وإبعاد عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قال ( عليه السلام ) في حديث النداء السماوي : « ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض . والمرض والله عداوتنا » . غيبة النعماني / 267 .

فمرضى القلوب هم الطبقة السياسية من المنافقين ، الذين يعشيون ذواتهم فقط ويقيسون الأمور والأشياء بالنفع والضرر المادي الشخصي ، ويزيدون على المنافقين بأنهم يفسرون الأمور دائماً بالمعادلات السياسية ، ويتعاملون مع النبي ( صلى الله عليه وآله )

بهذه المعادلة ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً !

وقد يصير المنافق من مجموعة مرضى القلوب ، كما في قوله تعالى عن ولاء اليهود والنصارى : فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ . وهذا قول رئيس المنافقين ابن سلول « تفسير القمي 1 / 170 والطبري 6 / 376 » لكنه أيضاً من مرضى القلوب ، لطموحه ومنهجه السياسي المادي !

وهذا هو السبب في وصف الله تعالى لمرض القلب بأنهم رجس ، لأن أحدهم يجعل نفسه إلهاً مقابل الله تعالى ، وقيِّماً على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، بل على ربه عز وجل ! وهذا عمل شيطاني يستحق صاحبه عليه العقوبة ، قال تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ . التوبة : 125 .

وقد حاول رواة السلطة إبعاد الرجس عن القرشيين ، وجعلوه لأناس ارتدوا وحاربوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقتلوا في بدر ! قال ابن إسحاق : 3 / 290 : « كانوا أسلموا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هاجر إلى المدينة وحبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعاً ، فهم فتية مسلمون ! فمن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، ومن بني مخزوم أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة ، ومن بني جمح علي بن أمية بن خلف ، ومن بني سهم العاص بن منبه بن الحجاج » .

ونحوه تفسير الطبري : 10 / 29 ، عن مجاهد ، وفيه : « خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالوا : غر هؤلاء دينهم حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم » ! وتفسير الصنعاني : 2 / 261 ، مجمع الزوائد : 6 / 78 ، فتح الباري : 8 / 198 وشرح النهج : 14 / 156 .

وهذا التفسير مضحك ، لأن الذين قاتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع قريش مع المشركين ومن المشركين ، فلا يوصف بأنه من فئة المنافقين أو من فئة الذين في قلوبهم مرض ! ولايطمح أن يكون له شراكة في القيادة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليقول : هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَئ ؟ !

وقد أجاد صاحب تفسير الميزان : 9 / 109 فقال : « سياق الآية الظاهر في حضورهم ، وقولهم ذلك عند التقاء الفئتين يأبى ذلك . والذي ذكره لا ينطبق على الآية البتة فالقرآن لا يسمي المشركين منافقين ولا الذين في قلوبهم مرض » .

وقصده أنه القرآن يعبر عن الكفار بالمشركين ، ولا يسميهم مرضى القلوب ومنافقين .

8 . « صحابة » اتهموا النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأنه غلَّ

يأخذك العجب عندما تقرأ أن الصحابة البدريين « الأبرار الأخيار » بعد انتصارهم في بدر ، اختلفوا على الغنائم وتشاجروا وساءت أخلاقهم ، واتهم بعضهم بعضاً ، وبلغ بهم الأمر أن اتهموا نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سرق قطيفة ، فبرأه الله تعالى !

قال عبادة بن الصامت كما في تاريخ الذهبي : 2 / 64 : « نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، وجعله إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فقسمه بين المسلمين على السواء » .

ومن المؤكد أن هؤلاء المتشاجرين على الحطام ، ليسوا أبطال بدر ولا صنَّاع نصرها ، ولا أظن أن فيهم مقاتلاً حتى من الدرجة الثانية والثالثة ! بل هم من الذين يلتطون خلف الصفوف ! والذين اتهموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سرق قطيفة ، لا يمكن أن يكونوا مؤمنين به ! وأما الذي سرق قطيفة وطمرها بعيداً في التراب ، واتهم بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) فهو كأي بدوي سارق مُفْترٍ ، لامن الصحابة ولا المؤمنين !

وخلاصة ما حدث بعد المعركة : أن قريشاً انهزمت عند الظهر فانشغل بعض المسلمين بتعقب الفارين ، وكان همُّ بعضهم أن يأخذ أسيراً ليربح فِدْيته ، مع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهاهم عن الأسر حتى يثخنوا فيهم . وقسم آخر منهم سارع إلى أخذ الغنائم ، وكانت كلها : « مئة وخمسين من الإبل وعشرة أفراس . وعند ابن الأثير : ثلاثين فرساً ، ومتاعاً ، وسلاحاً ، وأنطاعاً ، وأدماً كثيراً » . الصحيح : 5 / 89 .

والمتاع : الوسائل . والأنطاع : ما يفرش . والأدم المواد الغذائية : كالجبن واللحم .

واشتكى بعضهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن فلاناً أخذ لنفسه شيئاً ، أو أخذ كثيراً ، فلم يترك له شيئاً ، فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يردوا جميع ما أخذوه حتى ينزل فيه أمر الله ، فردوه على مضض ، وفقدوا بعضه ، ومنه القطيفة التي اتهموه ( صلى الله عليه وآله ) بها .

وساق النبي ( صلى الله عليه وآله ) الأسرى والغنائم حتى وصل إلى الصفراء ، فنزلت سورة الأنفال ، وفيها أن الغنائم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) خاصة فوزعها عليهم بالسوية ، وقتل هناك أحد أشرار قريش ، وساق بقية الأسرى إلى المدينة . قال الطبري : 2 / 156 : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه » !

وقال علي بن إبراهيم القمي : 1 / 126 : « كان سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت ، فقال رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما لنا لا نرى القطيفة ، ما أظن إلا أن رسول الله أخذها ! فأنزل الله في ذلك : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ . الخ . فجاء رجل إلى رسول الله فقال : إن فلاناً غل قطيفة فأخبأها هنالك ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحفر ذلك الموضع ، فأخرج القطيفة » !

وفي شرح النهج : 14 / 168 ، أنهم طلبوا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يستغفر له فلم يفعل ! وفي الترمذي : 4 / 297 وأبي داود : 2 / 243 : « فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها » .

وفي عدد من رواياتهم بدون لعل ! كالطبراني الكبير : 11 / 288 ، وتفسير الطبري : 4 / 206 ، عن ابن عباس قال : « كانت قطيفة فقدت يوم بدر فقالوا : أخذها رسول الله » ! وفي تفسير الثعالبي : 2 / 134 : « وقد روي أن المفقود إنما كان سيفاً » .

وفي أسباب النزول / 84 ، والعجاب لابن حجر : 2 / 777 وغيرهما : « لكن المنافقين اتهموا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شي من الغنيمة ، فأنزل الله عز وجل : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ . . » .

فقد اعترف أتباع السلطة بأن البدريين كان فيهم منافقون ، فلماذا لا يكون فيهم مرضى القلوب وهم سادتهم ؟ ! وكيف يقال لهؤلاء : عدول ومن أهل الجنة ؟ !

وفي أمالي الصدوق / 164 : « قال علقمة : فقلت للصادق ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور ، وقد ضاقت بذلك صدورنا ! فقال ( عليه السلام ) : يا علقمة ، إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ! فكيف تَسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحججه « عليهم السلام » ؟ ! ألم ينسبوا يوسف ( عليه السلام ) إلى أنه هم بالزنا ؟ ألم ينسبوا أيوب ( عليه السلام ) إلى أنه ابتلي بذنوبه ؟ ألم ينسبوا داود ( عليه السلام ) إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها ؟ وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها ؟ ألم ينسبوا موسى ( عليه السلام ) إلى أنه عنين ، وآذوه حتى برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ؟ ألم ينسبوا جميع أنبياء الله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا ؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران « عليها السلام » إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف ؟ !

ألم ينسبوا نبينا محمداً ( صلى الله عليه وآله ) إلى أنه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه ؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره الله عز وجل على القطيفة وبرأ نبيه ( صلى الله عليه وآله ) من الخيانة ، وأنزل بذلك في كتابه : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ !

ألم ينسبوه إلى أنه ينطق عن الهوى في ابن عمه علي ( عليه السلام ) حتى كذبهم الله عز وجل فقال سبحانه : مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . . » . النجم : 3 ، 4

9 . سبب تعمد « الخلافة » الغلو في أهل بدر ؟

قال في الصحيح من السيرة : 5 / 134 ، تحت عنوان : أهل بدر مغفور لهم : « ويذكرون أنه حينما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتجهز لفتح مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يحذرهم ، وأعطاه امرأة لتوصله إليهم ، فأخبر جبرئيل النبي بالأمر فأرسل علياً ونفراً معه إلى روضة خاخ ، موضع بين مكة والمدينة ، ليأخذوا الكتاب منها ، فأدركوها في ذلك المكان وفتشوا متاعها فلم يجدوا شيئاً ، فهموا بالرجوع فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه وقال لها : أخرجي الكتاب وإلا لأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها ! فرجعوا بالكتاب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأرسل إلى حاطب فسأله عنه فاعترف به ، وادعى أنه إنما فعل ذلك لأنه خشيهم على أهله ، فأراد أن يتخذ عندهم يداً ، فصدقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعذره ، لكن عمر بن الخطاب رأى أن حاطباً خان الله ورسوله فطلب من النبي أن يضرب عنق حاطب فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أليس من أهل بدر ؟ لعل الله - أو إن الله - اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم » ! قال الحلبي : وهو يفيد أن ما يقع منهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه لأنه إذا وقع يقع مغفوراً ، وعبر فيه بالماضي مبالغة في تحققه . وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة لا بالنسبة لأحكام الدنيا ، ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمر في أيام عمر حُدَّ وكان بدرياً . وقال الحلبي أيضاً : وفي الخصائص الصغرى نقلاً عن شرح جمع الجوامع أن الصحابة كلهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم . ورووا عنه ( صلى الله عليه وآله ) قوله : لن يدخل النار أحد شهد بدراً .

ونقول : « إذا كان شرب البدري للخمر لا يضر ولا يحتاجون للتوبة من الكبائر ، فليكن الزنا حتى بالمحارم غير مضر لهم أيضاً ! وكذلك تركهم الصلاة وسائر الواجبات وغيرها ! وليكن أيضاً قتل النفوس كذلك ، ولقد قتلوا عشرات الألوف في وقعتي الجمل وصفين ، وقتلوا العشرات سراً وجهراً غيلة وصبراً ! فإن ذلك كله لا يضر ، ولا يوجب لهم فسقاً ولا عقاباً » ! انتهى .

أقول : أكد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على مكانة عترته الطاهرين « عليهم السلام » طوال حياته ، وجعلهم وصيته المؤكدة لأمته فقال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » فقامت قريش باضطهادهم ، ونصبت مقابلهم الصحابة وزعمت أنهم كلهم عدول ، بل ادعت لبعضهم العصمة وفضلته على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأساليب ملتوية !

فكل ما تراه من مبالغة في الصحابة وغلو فيهم ، وفضائل مكذوبة لهم ، إنما هو من أعمال السلطة لجعلهم وجوداً مقابل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته الطاهرين « عليهم السلام » .

ومن ذلك غلوهم في أهل بدر حيث جعلوهم كلهم صانعي تاريخ الإسلام مع أن قسماً منهم كانوا عالةً على المسلمين حتى إذا انتصروا ادعوا أنهم أبطال النصر !

راجع كتاب : نظرية عدالة الصحابة ، للمحامي الأردني ، خير من كتب في الموضوع .

10 . التعجب من أغلاط العامة في الصحابة !

قال أبو الفتح الكراجكي « رحمه الله » في كتابه : التعجب من أغلاط العامة / 83 : « الفصل الحادي عشر في أغلاطهم في الصحابة : ومن عجيب أمرهم غلوهم في تفخيم الصحابة وإفراطهم في تعظيمهم ، وقولهم لا يدخل الجنة مستنقص لأحد منهم ، وليس بمسلم من روى قبيحاً عنهم ! ويقولون إنا لا نعرف لأحد منهم بعد إسلامه عيباً ، وليس منهم من واقع ذنباً ، ويجعلون من خالفهم في هذا زنديقاً ، ومن ناظرهم فيه أو طلب الحجة منهم عليه ، مبتدعاً شريراً .

هذا ولهم في الرسل المصطفين والأنبياء المفضلين ، الذين احتج الله تعالى بهم على العالمين صلوات الله عليهم أجمعين ، أقوال تقشعر منها الجلود ، وترتعد لها القلوب ، ولا تثبت عند سماعها النفوس ، يتدينون بذكرها ، ويتحملون بنشرها ، ويغتاظون على من أنكرها ودحضها ، كغيظهم على من أضاف إلى أحد الصحابة بعضها ، فينسبون آدم وحواء إلى الشرك ، وإبراهيم الخليل إلى الإفك والشك ، ويوسف إلى ارتكاب المحظور والجلوس من زليخا مجلس الفجور ، وموسى إلى أنه قتل نفساً ظلماً ، وداود إلى أنه عشق امرأة أوريا وحمله عشقها إلى أن قتل زوجها وتزوجها ، ويونس إلى أنه غضب على الله تعالى .

ويقولون في سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) في تزويجه بامرأة زيد بن حارثة ، وفي غير ذلك من الأقوال القبيحة المفتعلة ما لا ينطلق لمؤمن بذكره لسان ، ولا يثبت لمسلم عند سماعه جنان ، ولا يطلقه عاقل ، ولا يجيزه منه إلا كافر جاهل ! فإذا قيل لهم إن جميع الأخبار الواردة في ذلك باطلة ، وسائر الآيات التي تظنون أنها تقتضيه متأولة ، وقد شهدت العقول بعصمة الأنبياء « عليهم السلام » ودل القرآن على فضلهم وتميزهم عن الأنام ، فوجب أن تتأول الأقوال بما يوافق مقتضى الإستدلال . قالوا إذا سمعوا هذا الكلام : هذا ضلال وترفض ، وهو فتح باب التزندق ! فياليت شعري كيف صار الهتف بالأنبياء « عليهم السلام » بالباطل إسلاماً وستراً ، والطعن على بعض الصحابة بالحق ضلالاً وكفراً ؟ ! وكيف صار القادح في الأفاضل المصطفين « عليهم السلام » ثبتاً صديقاً ومن قدح في أحد قوم غير معصومين رافضياً زنديقاً ؟ ! ألم يسمعوا قول الله تعالى في أنبيائه صلوات الله عليهم : وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ، وقوله سبحانه وتعالى لأصحاب نبيه : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ .

وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني ! فأي نسبة بين الطبقتين ، وأي تقارب بين القبيلتين ، لولا ما مع خصومنا من العصبية التي حرمتهم حسن التوفيق . وقد قال بعض المعتزلة لأحد الشيعة : إن أمركم معشر الشيعة لعجيب ، ورأيكم طريف غير مصيب ، لأنكم أقدمتم على وجوه الصحابة الأخيار ، وعيون الأتقياء الأبرار ، الذين سبقوا إلى الإسلام واختصوا بصحبة الرسول وشاهدوا المعجزات ، وقطعت أعذارهم الآيات ، وصدقوا بالوحي ، وانقادوا إلى الأمر والنهي ، وجاهدوا المشركين ، ونصروا رسول رب العالمين ، ووجب أن يحسن بهم الظنون ، ويعتقد فيهم الإعتقاد الجميل ، فزعمتم أنهم خالفوا الرسول ، وعاندوا أهله من بعده ، واجتمعوا على غصب حق الإمام وإقامة الفتنة في الأنام ، واستأثروا بالخلافة ، وسارعوا إلى الترأس على الكافة ، وهذا مما تنكره العقول وتشهد أنه مستحيل ، فالتعجب منكم طويل !

فأجابه : أما المؤمنون من الصحابة الأخيار ، والعيون من الأتقياء الأطهار ، فمن هذه الأمور مبرؤون ، ونحن عن ذمهم متنزهون ، وأما من سواهم ممن ظهر زللهم وخطؤهم ، فإن الذم متوجه إليهم ، وقبيح فعلهم طرق القول عليهم ، ولو تأملت حال هؤلاء الأصحاب لعلمت أنك نفيت عنهم خطأ قد فعلوا أمثاله ونزهتهم عن خلاف قد ارتكبوا أضعافه ، وتحققت أنك وضعت تعجبك في غير موضعه ، وأوقعت استطرافك في ضد موقعه ، فاحتشمت من خصمك ، ورددت التعجب إلى نفسك . وهؤلاء القوم الذين فضلتهم وعظمتهم ، وأحسنت ظنك بهم ونزهتهم ، هم الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة بين رجلي ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طلباً لقتله .

وهم الذين كانوا يضحكون خلفه إذا صلى بهم ، ويتركون الصلاة معه وينصرفون إلى تجاراتهم ولهوهم ، حتى نزل القرآن يهتف بهم .

وهم الذين جادلوا في خروجه إلى بدر ، وكرهوا رأيه في الجهاد ، واعتقدوا أنه فيما دبره على غير الصواب ، ونزل فيهم : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .

وهم الذين كانوا يلتمسون من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكة القتال وينازلونه في الجهاد منازلة ويرون أن الصواب خلاف ما تعبدوا به في تلك الحال من الكف والإمساك ، فلما حصلوا في المدينة وتكاثر معهم الناس ، ونزل عليهم فرض الجهاد وأمروا بالقتال كرهوا ذلك وطلبوا التأخير من زمان إلى زمان ، ونزل فيهم : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ .

وهم الذين أظهروا الأمانة والطاعة ، وأضمروا الخيانة والمعصية ، حتى نزل فيهم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الأنفال : 27 .

وهم الذين كفوا عن الإثخان في القتل يوم بدر وطمعوا في الغنائم ، حتى نزل فيهم : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

وهم الذين شكوا يوم الخندق في وعيد الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وخبثت نياتهم ، فظنوا أن الأمر بخلاف ما أخبرهم به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ نزل فيهم : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا . وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا .

وهم الذين نكثوا عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونقضوا ما عقده عليهم في بيعته تحت الشجرة ، وأنفذهم إلى قتال خيبر فولوا الدبر ونزل فيهم : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً .

وهم الذين انهزموا يوم حنين وأسلموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأعداء ، ولم يبق معه إلا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتسعة من بني هاشم ، ونزل فيهم : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . وأمثال ذلك مما يطول بشروحه الذكر !

وهم الذين قال الله تعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ . .

وهم الذين قال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لاتبعتموه ! قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن إذاً ؟

وهم الذين قال لهم : ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .

وهم الذين قال لهم : إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة ، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم !

وهم الذين قال لهم : بينما أنا على الحوض إذ مُرَّ بكم زمراً فتفرق بكم الطرق فأناديكم : ألا هلموا إلى الطريق ، فينادي مناد من ورائي : إنهم بدلوا بعدك ، فأقول : ألا سحقاً ألا سحقاً . وهم الذين قال لهم عند وفاته : جهزوا جيش أسامة ولعن من تخلف عنه ، فلم يفعلوا .

وهم الذين قال ( صلى الله عليه وآله ) لهم : إئتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي فلم يفعلوا وقال أحدهم : دعوه فإنه يهجر ! ولم ينكر الباقون عليه !

هذا مع إظهارهم الإسلام واختصاصهم بصحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورؤيتهم الآيات ، وقطع أعذارهم بالمعجزات ! فانظر الآن أينا أحق بأن يتعجب ، وأولانا بأن يتعجب منه : من أضاف إلى هؤلاء الأصحاب ما يليق بأفعالهم ، ومن جعلهم فوق منازل الأنبياء « عليهم السلام » ، وهذه أحوالهم » ؟ !

11 . ماذا قال الشيخان لما استشارهم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بشأن بدر ؟

وصف الله تعالى في لوحة خالدة إلى يوم الدين ، خوف بعض الصحابة وانهيارهم لما أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالخروج لاعتراض قافلة قريش ! فقال عز وجل : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . وأخبرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن الله وعده إحدى الطائفتين ، إما العير وإما النفير ! فأفلتت منهم القافلة وبلغهم أن قريشاً جاءت لحربهم ، فاستشارهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وطلبوا منه الرجوع وعدم قتال قريش !

قال مسلم في صحيحه : 5 / 170 : « شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه » . ولم يبين لماذا أعرض عنهما !

وفي الدر المنثور : 3 / 165 : « فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إنها قريش وعزها ! والله ما ذلت منذ عزت ، ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك ، فتأهب لذلك أهبته وأعدد له عدته » . وعيون الأثر : 1 / 327 والنهاية : 3 / 321 .

وهنا حذفوا الفقرة الحساسة وهي قوله للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ولم تخرج على هيئة الحرب » ! أي إرجع ولا تقاتل قريشاً لأنك لم تستعد ! أو حرفوها وجعلوها : والله لتقاتلنك فتأهب لذلك واعدد له عدته ! أو نسبوها إلى شخص مجهول !

لكن موقف الشيخين واضح ، وهو التحذير من مواجهة قريش وطلب الرجوع !

قال في الكشاف : 2 / 143 ، تخريج الأحاديث : 2 / 11 ، السيرة الحلبية : 2 / 385 وغيرها : « فاستشار النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه وقال : ما تقولون ؟ إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول ، فالعير أحب إليكم أم النفير ؟ قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدو ! فتغير وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ثم ردد عليهم فقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر ، وهذا أبو جهل قد أقبل ! فقالوا يا رسول الله ، عليك بالعير ودع العدو » !

فهؤلاء الذين أجابوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهذا الكلام المنافق ، هم الذين قال الله عنهم : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ؟ الأنفال / 6

وكمثال لتعصب علماء السلطة وتغطيتهم على فلان وفلان : أن ابن حزم الذي حكم بأن أصحاب هذه الآية فساق !

قال في الأحكام : 6 / 308 : « وكذلك من قلد في فتيا أو نحلة وقامت عليه الحجة ، فعندنا فهو فاسق مردود الشهادة . قال الله تعالى : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . فذم عز وجل من عاند بعد أن تبين له الحق » .

لكن مَن هم الفساق الذين جادلوا في الحق ! لقد ذابوا كالملح ، وذاب جواب أبي بكر وعمر ، وقال رواة قريش : إنهما قالا وأحسنا ، وكان الله يحب المحسنين !

فقد قالت روايتهم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعرض عنهما وتغير وجهه ، ثم فرح وأشرق وجهه بموقف المقداد « بخاري : 5 / 4 » .

لكن رواة الخلافة يصرون على قولهم : إنهما قالا فأحسنا ! فتح الباري : 7 / 223 .

وفي المناقب : 1 / 162 : « شاور النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه في لقائهم أو الرجوع ؟ فقال أبو بكر وعمر كلاماً فأجلسهما ! ثم قال المقداد وسعد بن معاذ كلاماً فدعا لهما وسُرَّ ، ونزل : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » . آل عمران / 151

وفي تفسير القمي : 1 / 158 وتفسير أبي حمزة / 180 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ملخصاً : « نزل جبرئيل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم تخرج على هيئة الحرب ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أجلس فجلس . ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أجلس فجلس . ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وقد آمنا بك وصدقنا ، وشهدنا أن ما جئت به حق ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ . ولكنا نقول : امض لأمر ربك فإنا معك مقاتلون ! فجزَّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خيراً على قوله ذاك .

ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : أشيروا عليَّ أيها الناس ، وإنما يريد الأنصار ، لأن أكثر الناس منهم ولأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ، ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا ونساءنا . فكان ( صلى الله عليه وآله ) يتخوف أن لا يكون الأنصار يرون أن عليهم نصرته ، إلا على من دهمه بالمدينة من عدو . فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا ؟ فقال : نعم . قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ، ولعل الله عز وجل أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ! ففرح بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : سيروا على بركة الله ، فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله وعده ، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وفلان وفلان ، وأمر رسول الله بالرحيل وخرج إلى بدر » .

12 . افتراؤهم على النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأنه أخطأ وأصاب عمر !

بحثنا في كتاب : ألف سؤال وإشكال : 2 / 355 قصة أسرى بدر التي زعم عمر أنه أصاب فيها وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ !

وخلاصتها : أن آيات الأنفال صريحة في أن عمله ( صلى الله عليه وآله ) كان بتوجيه ربه عز وجل ، لاحظ قوله تعالى : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ . الأنفال : 5 - 8 .

ولم يدَّع أحدٌ يومها ولا في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه أخطأ في الحرب ، أو في أخذ أسرى أو في إطلاقهم مقابل فدية ! لكن عمر ادعى في خلافته أنه نهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن أخذ الأسرى القرشيين المحترمين ، ونهاه عن أخذ الفدية منهم فلم يطعه ، فعاقبه الله في معركة أحد ، فانهزم جيشه وقتل منهم سبعون ، وأصيب هو ( صلى الله عليه وآله ) ! فنزلت آيات توبخه والمسلمين على ذنبهم في بدر ، وتؤيد رأي عمر !

قال في مجمع الزوائد : 6 / 115 : « عن عمر بن الخطاب قال : فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون ، وفرَّ أصحاب رسول الله عن النبي ، فكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، وأنزل الله عز وجل : أَوَلَمّآ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَمِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، بأخذكم الفداء » !

وهذا الحديث الصحيح عندهم ، ظالمٌ وباطلٌ : أولاً : لأن التوبيخ في الآية ليس للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بل للذين أرادوا غنيمة القافلة وخافوا من القتال ، ومنهم أبو بكر وعمر كما تقدم ! وللذين أخذوا الأسرى ولم يقتلوهم فيثخنوا في الأرض .

ثم إن روايتهم التي جعلوها فضيلة لعمر وطعناً بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، متهافتة !

ففي الدر المنثور : 3 / 163 : « فقال : ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا يا رسول الله لا والله مالنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير . إلى أن قال : فقتلنا وأسرنا ، فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون ، فقلنا معشر الأنصار : إنما يحمل عمر على ما قال حسده لنا ، فنام رسول الله ثم استيقظ ثم قال : ادعوا لي عمر فدعي له فقال له : إن الله قد أنزل عليَّ : ما كان لنبي أن تكون له أسرى . . » وحسَّنه في الزوائد : 6 / 73 .

وهو يدل على أن عمر وأبا بكر قالا : لا طاقة لنا بقتال قريش ، وأن عمر كان معارضاً لأخذ الأسرى تعصباً أن يأسرهم الأنصار فيربحوا فديتهم ! ثم زعموا بعد ذلك أن عمر كان أشد على المشركين ، وأن رأيه كان أن تضرب أعناقهم !

ثم إن عمر زعم أنه اعترض في بدر فنزلت الآية مؤيدة لرأيه ، لأن بدراً لم تكن إثخاناً كافياً يحلل أخذ الأسرى ! فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقرأها له وأقرَّ أن عمر أصاب وأنه ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ وبكى على ذنبه ! ومع ذلك خالف ( صلى الله عليه وآله ) أمر ربه وأخذ الأسرى وساقهم إلى المدينة ! ثم عصى ربه ثانية فأخذ منهم الفداء !

وقد روى ذلك أحمد : 1 / 30 ، برواية طويلة عن عمر يحكي فيها منقبته ، قال : « فأخذ منهم الفداء فلما أن كان من الغد قال عمر : غدوتُ إلى النبي فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان ! فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك . فقال النبي : الذي عرض عليَّ أصحابك من الفداء ! لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة ! وأنزل الله عز وجل : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض . فلما كان يوم أحُد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ! فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي عن النبي وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه ! وأنزل الله تعالى : أَوَلَمّآ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا . . . بأخذكم الفداء » ! ومسلم : 3 / 158 و 170 ، مجمع الزوائد : 6 / 113 و 115 و 118 ، أحمد : 1 / 32 وأبي داود : 1 / 608 .

فقد زعم عمر أن رأيه كان قتل الأسرى فوافقه الوحي ، لكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عصى ولم يقتلهم ! ثم وزعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخذ الفداء في اليوم الثاني فنزلت الآية توبخه فقعد هو وأبو بكر يبكيان على ذنبهما ! ومع ذلك عاد بالأسرى إلى المدينة وأخذ الفداء ! فمن يصدق أن الله تعالى ناقض نفسه فأحل لهم الغنائم والأسرى وعفا عنهم ، ثم عاقبهم في أحُد ! وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكى على ذنبه ، ثم أصر عليه ؟ !

13 . معنى : حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض

معنى الإثخان في الأرض : الإثخان في قتل المشركين ، وقد نهاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد هزيمة المشركين أن يأخذوا أسرى قبل أن يثخنوهم قتلاً ويدمروا قوتهم القتالية ، لكنهم أخذوا أسرى قبل ذلك طمعاً في فدائهم ! فالتوبيخ في الآية لهؤلاء وليس للنبي ( صلى الله عليه وآله ) كما تصوره عمر وتبعه رواة الخلافة !

قال أبو الفتح الكراجكي « رحمه الله » في : التعجب من أغلاط العامة / 88 : « وهم الذين كفوا عن الإثخان في القتل يوم بدر وطمعوا في الغنائم حتى نزل فيهم : مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا . . » .

واختاره السيد الخوئي كما سيأتي . فلم يبق مكان لكثير مما رووه وقالوه !

14 . أكذوبة : لو نزل العذاب ما نجى منه إلا ابن الخطاب !

أرادوا مدح عمر بن الخطاب فوضعوا على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « لو نزل العذاب لما نجا منه إلا ابن الخطاب » ! ومعناه أن الجميع بمن فيهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا في معرض العذاب الإلهي لأخذهم أسرى بدر وفدائهم ، إلا عمر !

ومع أنهم اعترفوا بأنه حديث مكذوب ، إلا أن علماءهم كانوا وما زالوا يستشهدون به ويصححونه عملياً ! فهو كحديث : « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » ينصون على أنه موضوع مكذوب ، لكنهم يستشهدون به ، في الفضائل ، والعقائد ، والفقه ، والتفسير ، وخطب المساجد !

قال السيوطي في الدر المنثور : 3 / 202 : « عن ابن عمر قال . . . فأخذ رسول الله بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله ، فأنزل الله : لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فقال رسول الله : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر » .

وقال السرخسي في المبسوط : 10 / 139 : « قال ( صلى الله عليه وآله ) : لو نزل العذاب ما نجا منه إلا عمر ، فإنه كان أشار بقتلهم » ! وقال الغزالي في المستصفى / 170 : « حيث نزلت الآية على وفق رأي عمر : لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر » .

وفي تفسير ابن الجوزي : 3 / 258 : « فلقي النبي عمر فقال : كاد يصيبنا في خلافك بلاء » .

وقال الكاشاني في بدائع الصنائع : 7 / 119 : « وأشار سيدنا عمر إلى القتل ، فقال رسول الله : لو جاءت من السماء نار ما نجا إلا عمر » !

وقد تناقض الجصاص فقال في أحكام القرآن : 3 / 94 : « يستحيل أن يكون الوعيد في قول قاله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنه : مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . ومن الناس من يجيز ذلك على النبي ( صلى الله عليه وآله ) من طريق اجتهاد الرأي ! ويجوز أيضاً أن يكون النبي أباح لهم أخذ الفداء ، وكان ذلك معصية صغيرة ! فعاتبه الله والمسلمين عليها » !

وحاول القرطبي في تفسيره : 8 / 45 ، إبعاد التوبيخ عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعله على الذين أمروه به ، ثم جعله على الذين باشروا الحرب ! ثم جعله على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! واعتذر عنه بأنه انشغل عن الإثخان بالحرب وعن قتل الأسرى !

فانظر إلى هذا التناقض والتخبط والإصرار على تفضيل عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

وسر القضية في أسرى بدر : تعصب عمر ضد الأنصار ، لأنهم أخذوا زعماء قريش أسرى في بدر ، ثم أطلقوهم بفدية وكانوا يَمُنُّون بذلك عليهم ! فاضطغن ذلك القرشيون عليهم وتبعهم عمر ، وحملوا مسؤوليته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) !

ولم أجد من وافقنا من علمائهم في تبرئة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا قلة كالفخر الرازي حيث قال في المحصول : 6 / 15 : « إذا جوزنا له ( صلى الله عليه وآله ) الاجتهاد فالحق عندنا أنه لا يجوز أن يخطئ ، وقال قوم : يجوز بشرط أن لا يقر عليه . لنا : أنا مأمورون باتباعه في الحكم لقوله تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ . فلو جاز عليه الخطأ لكنا مأمورين بالخطأ ، وذلك ينافي كونه خطأ .

واحتج المخالف بقوله تعالى : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ . وقال تعالى : في أسارى بدر : لَوْلاكِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فقال عليه الصلاة والسلام : لو نزل عذاب من الله لما نجا إلا ابن الخطاب ، وهذا يدل على أنه أخطأ في أخذ الفداء .

والجواب عن هذه الوجوه : في الكتاب الذي صنفناه في عصمة الأنبياء « عليهم السلام » » .

ثم ، إن عمر زعم أن العذاب نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين في أحُد لأخذهم الفداء من قريش في بدر فهل نجا منه هو ، وقد وصف نفسه فقال : « لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى « عنزة جبلية » والناس يقولون قتل محمد » ! ألا يكفيه من نزول العذاب الذي جعله على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين ، أنه شمله قول الله تعالى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . الأنفال 16 .

ثم رأينا المشركين قرروا عدم قتله في أحد ، فما هو السبب ؟ !

ففي سيرة ابن هشام : 2 / 282 والدر المنثور : 2 / 88 : « وكان ضرار بن الخطاب لحق عمر بن الخطاب « وليس أخاه » يوم أحُد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : أنج يا ابن الخطاب . لا أقتلك » !

فهل كان عفوهم عنه في أحد يا ترى ، بسبب تعصبه لهم ضد الأنصار !

15 . أكذوبة مشاورة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لأبي بكر في العريش

اخترع أتباع أبي بكر وعمر دوراً لهما في العريش ، أي في الخيمة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استبقى أبا بكر ليستشيره في إدارة المعركة !

قال ابن هشام : 2 / 457 : « ثم عدَّل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق ، ليس معه فيه غيره » .

يقصد بذلك أن أبا بكر لم يقاتل ، لأنه كان يحرس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكنهم رووا أن الأنصار كانوا يحرسونه ( صلى الله عليه وآله ) . ففي سيرة ابن هشام : 2 / 458 : « وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متوشحٌ السيف ، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخافون عليه كرة العدو » .

ثم إنه من الثابت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاتل في بدر قتالاً شديداً ولم يكن معه أبو بكر ولا عمر ، فأين كانا وقت القتال ؟ قال علي ( عليه السلام ) : « لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً » !

« مكارم الأخلاق للطبرسي / 18 » . ورواه مجمع الزوائد : 9 / 12 ، بطرق وحسنه ، وابن أبي شيبة : 7 / 578 ، تاريخ دمشق : 4 / 14 ، كنز العمال : 10 / 397 وقال إن الطبري صححه .

إذن لا بد من القول إن أبا بكر كان مثل عمر يحفظ نفسه بالفرار إلى الصفوف الخلفية ، فقد حدَّثَ عمرعن نفسه بأنه كان في أطراف المعركة فرأى العاص بن أبي أحيحة فهابه وهرب منه ! قال لابنه سعيد بن العاص : « مالي أراك معرضاً كأني قتلت أباك ؟ إني لم أقتله ولكن قتله أبو حسن ! رأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ فهبته وزغت عنه ! فقال : إلى أين يا ابن الخطاب ! وصمد له علي فتناوله ، فما رمت من مكاني حتى قتله !

فقال له علي : اللهم غفراً ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما تقدم ، فما لك تهيِّج الناس عليَّ ؟ فكفَّ عمر . وقال سعيد : أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب » . ابن هشام 2 / 464 وكشف الغمة 1 / 186 .

فقد برأ عمر نفسه من قتل العاص ، واعترف أنه هرب منه ، فآيات الفرار إلى الصفوف الخلفية تشمله !

ومع ذلك ادعوا أنه وأبا بكر كانا في العريش ! وغرضهم تفضيلهما على علي ( عليه السلام ) الذي تحمل نصف أعباء المعركة ، وجندل بسيفه نصف قتلى بدر من طغاة قريش !

وقد أجابهم علماؤنا على ذلك ، فقال الشريف المرتضى « رحمه الله » في الفصول المختارة / 34 : « إن المعتزلة والحشوية يدعون أن جلوس أبي بكر وعمر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في العريش أفضل من جهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالسيف لأنهما كانا مع النبي في مستقره يدبران الأمر معه ، ولولا أنهما أفضل الخلق عنده لما اختصهما بالجلوس معه . . إلى أن قال : فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما ، فقد ثبت أنه كان كاملاً وأنهما كانا ناقصين عن كماله ، وكان معصوماً وكانا غير معصومين ، وكان مؤيداً بالملائكة وكانا غير مؤيدين ، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك ، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما » !

وقال المفيد في الإفصاح / 198 : « ثم يقال لهم : خبرونا عن حبس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر وعمر عن القتال في يوم بدر لحاجة إلى مشورتهما عليه ، وتدبيرهما الأمر معه أقلتم ذلك ظناً أو حدساً ، أم قلتموه واعتمدتم فيه على اليقين ؟ فإن زعموا أنهم قالوا ذلك بالظن والحدس والترجيم ، فكفاهم بذلك خزياً في مقالهم وشناعةً وقبحاً ، وإن ادعوا العلم به والحجة فيه طولبوا بوجه البرهان عليه ، وهل ذلك من وجه العقل أدركوه أم وجوه السمع والتوقيف ؟ ! فلا يجدون شيئاً يتعلقون به من الوجهين جميعاً . ثم يقال لهم » .

وقد واصل المتأخرون الافتخار بما اخترعه أسلافهم وزادوا عليه ! فجعل ابن تيمية أبا بكر وعمر أشجع من علي ( عليه السلام ) ! وأغمض عن فرارهما في بدر وأحد وخيبر وحنين وغيرها ! قال في منهاجه : 8 / 86 و 78 : « فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة . . وأبو بكر وعمر مقدمان في أنواع الجهاد غير قتال البدن ! قال أبو محمد بن حزم : وجدناهم يحتجون بأن علياً كان أكثر الصحابة جهاداً وطعناً في الكفار وضرباً ، والجهاد أفضل الأعمال . قال : وهذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساماً ثلاثة : أحدها الدعاء إلى الله تعالى باللسان ، والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير ، والجهاد باليد في الطعن والضرب أقل مراتب الجهاد ! ثم قال ابن تيمية : « وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة بشجاعة القلب ، فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير ، وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم ، فإن أبا بكر باشر الأهوال التي كان يباشرها النبي من أول الإسلام إلى آخره ، ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل ، وكان يقدم على المخاوف يقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله ، وهو في ذلك كله مقدم !

وكان يوم بدر مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العريش مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله ، وهو ثابت القلب ربيط الجأش يظاهر النبي ويعاونه . ولما قام النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدعو ربه ويستغيث ويقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذا العصابة لا تعبداللهم اللهم . . جعل أبو بكر يقول له : يا رسول الله هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك ! وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته » ! وكرره في مجموع فتاواه : 28 / 257 .

وقد رد علماء الشيعة المعاصرون على هذر ابن تيمية وابن حزم ! راجع الغدير : 7 / 200 ، محاضرات في الإعتقادات للسيد الميلاني : 1 / 324 ، دراسات في منهاج السنة / 214 ، الصحيح من السيرة : 5 / 41 وقد شكك في أصل وجود العريش في بدر .

آيتان في الفرار إلى الصفوف الخلفية

لم ينقلوا فرار أحد من المسلمين في بدر ، لكن نزلت آيتان في سورة الأنفال وهي سورة بدر ، تنهيان عن الفرار من الزحف ، فلا بد أنها تقصدان من فروا من الصفوف الأمامية إلى الخلفية . كما أنها تحذير من الفرار في المستقبل !

قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ . وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلامُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 15 - 16 .

وسيأتي بسند صحيح عندهم ، أن أحد عشر صحابياً فيهم أبو بكر وعمر ، شربوا الخمر بعد بدر ، وتغنوا بالنوح على قتلى المشركين في بدر ! فلا حول ولا قوة إلا بالله .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.