أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015
1537
التاريخ: 27-04-2015
1617
التاريخ: 4-1-2016
2812
التاريخ: 18-11-2014
13675
|
قال تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } [البقرة : 106 ، 107] الآيتان في النسخ ومن المعلوم أن النسخ بالمعنى المعروف عند الفقهاء وهو الإبانة عن انتهاء أمد الحكم وانقضاء أجله اصطلاح متفرع على الآية مأخوذ منها ومن مصاديق ما يتحصل من الآية في معنى النسخ على ما هو ظاهر إطلاق الآية.
قوله تعالى : (ما ننسخ) ، النسخ هو الإزالة ، يقال : نسخت الشمس الظل إذا أزالته وذهبت به ، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ } [الحج : 52] ، ومنه أيضا قولهم : نسخت الكتاب إذا نقل من نسخة إلى أخرى فكأن الكتاب أذهب به وأبدل مكانه ولذلك بدل لفظ النسخ من التبديل في قوله تعالى : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل : 101] ، وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها بل الحكم حيث علق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى : (أ لم تعلم) ، إلخ أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية من حيث إنها آية ، أعني إذهاب كون الشيء آية وعلامة مع حفظ أصله فبالنسخ يزول أثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله وهذا هو المستفاد من اقتران قوله : (ننسها) بقوله : (ما ننسخ) ، والإنساء إفعال من النسيان وهو الإذهاب عن العلم كما أن النسخ هو الإذهاب عن العين فيكون المعنى ما نذهب بآية عن العين أو عن العلم نأت بخير منها أو مثلها.
ثم إن كون الشيء آية يختلف باختلاف الأشياء والحيثيات والجهات ، فالبعض من القرآن آية لله سبحانه باعتبار عجز البشر عن إتيان مثله ، والأحكام والتكاليف الإلهية آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه تعالى ، والموجودات العينية آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها وبخصوصيات وجودها عن خصوصيات صفاته وأسمائه سبحانه ، وأنبياء الله وأولياؤه تعالى آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه بالقول والفعل وهكذا ، ولذلك كانت الآية تقبل الشدة والضعف قال الله تعالى : (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) : النجم - 18.
ومن جهة أخرى الآية ربما كانت في أنها آية ذات جهة واحدة وربما كانت ذات جهات كثيرة ، ونسخها وإزالتها كما يتصور بجهته الواحدة كإهلاكها كذلك يتصور ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة ، كالآية من القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك.
وهذا الذي استظهرناه من عموم معنى النسخ هو الذي يفيده عموم التعليل المستفاد من قوله تعالى : {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 106] ، أ لم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ، وذلك أن الإنكار المتوهم في المقام أو الإنكار الواقع من اليهود على ما نقل في شأن نزول الآية بالنسبة إلى معنى النسخ يتعلق به من وجهين :
أحدهما : من جهة أن الآية إذا كانت من عند الله تعالى كانت حافظة لمصلحة من المصالح الحقيقية لا تحفظها شيء دونها ، فلو زالت الآية فاتت المصلحة ولن تقوم مقامها شيء تحفظ به تلك المصلحة ، ويستدرك به ما فات منها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد ، وليس شأنه تعالى كشأن عباده ولا علمه كعلمهم بحيث يتغير بتغير العوامل الخارجية فيتعلق يوما علمه بمصلحة فيحكم بحكم ثم يتغير علمه غدا ويتعلق بمصلحة أخرى فاتت عنه بالأمس ، فيتغير الحكم ، ويقضي ببطلان ما حكم سابقا ، وإتيان آخر لاحقا ، فيطلع كل يوم حكم ، ويظهر لون بعد لون ، كما هو شأن العباد غير المحيطين بجهات الصلاح في الأشياء ، فكانت أحكامهم وأوضاعهم تتغير بتغير العلوم بالمصالح والمفاسد زيادة ونقيصة وحدوثا وبقاء ، ومرجع هذا الوجه إلى نفي عموم القدرة وإطلاقها.
وثانيهما : أن القدرة وإن كانت مطلقة إلا أن تحقق الإيجاد وفعلية الوجود يستحيل معه التغير ، فإن الشيء لا يتغير عما وقع عليه بالضرورة وهذا مثل الإنسان في فعله الاختياري فإن الفعل اختياري للإنسان ما لم يصدر عنه فإذا صدر كان ضروري الثبوت غير اختياري له ، ومرجع هذا الوجه إلى نفي إطلاق الملكية وعدم جواز بعض التصرفات بعد خروج الزمام ببعض آخر كما قالت اليهود : يد الله مغلولة : فأشار سبحانه إلى الجواب عن الأول بقوله : {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 106] أي فلا يعجز عن إقامة ما هو خير من الفائت أو إقامة ما هو مثل الفائت مقامه وأشار إلى الجواب عن الثاني بقوله : {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة : 107] ، أي أن ملك السموات والأرض لله سبحانه فله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس لغيره شيء من الملك حتى يوجب ذلك انسداد باب من أبواب تصرفه سبحانه ، أو يكون مانعا دون تصرف من تصرفاته ، فلا يملك شيء شيئا ، لا ابتداء ولا بتمليكه تعالى ، فإن التمليك الذي يملكه غيره ليس كتمليك بعضنا بعضا شيئا بنحو يبطل ملك الأول ويحصل ملك الثاني ، بل هو مالك في عين ما يملك غيره ما يملك ، فإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر كان الملك المطلق والتصرف المطلق له وحدة ، وإذا نظرنا إلى ما ملكنا بملكه من دون استقلال كان هو الولي لنا وإذا نظرنا إلى ما تفضل علينا من ظاهر الاستقلال - وهو في الحقيقة فقر في صورة الغنى ، وتبعية في صورة الاستقلال - لم يمكن لنا أيضا أن ندبر أمورنا من دون إعانته ونصره كان هو النصير لنا.
وهذا الذي ذكرناه هو الذي يقتضيه الحصر الظاهر من قوله تعالى : (إن الله له ملك السموات والأرض) فقوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة : 106 ، 107] ، مرتب على ترتيب ما يتوهم من الاعتراضين ، ومن الشاهد على كونهما اعتراضين اثنين الفصل بين الجملتين من غير وصل ، وقوله تعالى : {وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة : 107] ، مشتمل على أمرين هما كالمتممين للجواب أي وإن لم تنظروا إلى ملكه المطلق بل نظرتم إلى ما عندكم من الملك الموهوب فحيث كان ملكا موهوبا من غير انفصال واستقلال فهو وحده وليكم ، فله أن يتصرف فيكم وفي ما عندكم ما شاء من التصرف ، وإن لم تنظروا إلى عدم استقلالكم في الملك بل نظرتم إلى ظاهر ما عندكم من الملك والاستقلال وانجمدتم على ذلك فحسب ، فإنكم ترون أن ما عندكم من القدرة والملك والاستقلال لا تتم وحدها ، ولا تجعل مقاصدكم مطيعة لكم خاضعة لقصودكم وإرادتكم وحدها بل لا بد معها من إعانة الله ونصره فهو النصير لكم فله أن يتصرف من هذا الطريق فله سبحانه التصرف في أمركم من أي سبيل سلكتم هذا ، وقوله : (و ما لكم من دون الله) ، جيء فيه بالظاهر موضع المضمر نظرا إلى كون الجملة بمنزلة المستقل من الكلام لتمامية الجواب دونه.
فقد ظهر مما مر : أولا ، أن النسخ لا يختص بالأحكام الشرعية بل يعم التكوينيات أيضا.
وثانيا : أن النسخ لا يتحقق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ.
وثالثا : أن الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال أو مصلحة.
ورابعا : أن الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته وإنما يرتفع التناقض بينهما من جهة اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة فإذا توفي نبي وبعث نبي آخر وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر كان ذلك جريانا على ما يقتضيه ناموس الطبيعة من الحياة والموت والرزق والأجل وما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحسب اختلاف الأعصار وتكامل الأفراد من الإنسان ، وإذا نسخ حكم ديني بحكم ديني كان الجميع مشتملا على مصلحة الدين وكل من الحكمين أطبق على مصلحة الوقت ، أصلح لحال المؤمنين كحكم العفو في أول الدعوة وليس للمسلمين بعد عدة ولا عدة.
وحكم الجهاد بعد ذلك حينما قوي الإسلام وأعد فيهم ما استطاعوا من قوة وركز الرعب في قلوب الكفار والمشركين.
والآيات المنسوخة مع ذلك لا تخلو من إيماء وتلويح إلى النسخ كما في قوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } [البقرة : 109] ، المنسوخ بآية القتال وقوله تعالى : {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء : 15] المنسوخ بآية الجلد فقوله : حتى يأتي الله بأمره وقوله : {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء : 15] لا يخلو عن إشعار بأن الحكم موقت مؤجل سيلحقه نسخ.
وخامسا : أن النسبة التي بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة التي بين العام والخاص وبين المطلق والمقيد وبين المجمل والمبين ، فإن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ بعد استقراره بينهما بحسب الظهور اللفظي هو الحكمة والمصلحة الموجودة بينهما ، بخلاف الرافع للتنافي بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين فإنه قوة الظهور اللفظي الموجود في الخاص والمقيد والمبين ، المفسر للعام بالتخصيص ، وللمطلق بالتقييد ، وللمجمل بالتبيين على ما بين في فن أصول الفقه ، وكذلك في المحكم والمتشابه على ما سيجيء في قوله : {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران : 7]
قوله تعالى : (أو ننسها) ، قرئ بضم النون وكسر السين من الإنساء بمعنى الإذهاب عن العلم والذكر وقد مر توضيحه ، وهو كلام مطلق أو عام غير مختص برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل غير شامل له أصلا لقوله تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى : 6 ، 7] ، وهي آية مكية وآية النسخ مدنية فلا يجوز عليه النسيان بعد قوله تعالى : (فلا تنسى) وأما اشتماله على الاستثناء بقوله : إلا ما شاء الله فهو على حد الاستثناء الواقع في قوله تعالى : {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود : 108] ، جيء بها لإثبات بقاء القدرة مع الفعل على تغيير الأمر ، ولو كان الاستثناء مسوقا لبيان الوقوع في الخارج لم يكن للامتنان بقوله : فلا تنسى معنى ، إذ كل ذي ذكر وحفظ من الإنسان وسائر الحيوان كذلك يذكر وينسى وذكره ونسيانه كلاهما منه تعالى وبمشيته ، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك قبل هذا الإقراء الامتناني الموعود بقوله : سنقرئك يذكر بمشية الله وينسى بمشية الله تعالى فليس معنى الاستثناء إلا إثبات إطلاق القدرة أي سنقرئك فلا تنسى أبدا والله مع ذلك قادر على إنسائك هذا.
وقرئ قوله : ننساها بفتح النون والهمزة من نسيء نسيئا إذا أخر تأخيرا فيكون المعنى على هذا : ما ننسخ من آية بإزالتها أو نؤخرها بتأخير إظهارها نأت بخير منها أو مثلها ولا يوجب التصرف الإلهي بالتقديم والتأخير في آياته فوت كمال أو مصلحة ، والدليل على أن المراد بيان أن التصرف الإلهي يكون دائما على الكمال والمصلحة هو قوله : بخير منها أو مثلها فإن الخيرية إنما يكون في كمال شيء موجود أو مصلحة حكم مجعول ففي ذلك يكون موجود مماثلا لآخر في الخيرية أو أزيد منه في ذلك فافهم .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|