أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-30
421
التاريخ: 2024-10-21
167
التاريخ: 23-09-2014
2411
التاريخ: 25-11-2014
2988
|
التوبة والاستغفار[1]
1- حقيقة التوبة:
إنّ توبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى، فإنّ العبد لا يستغني عن ربّه في حال من الأحوال، فرجوعه عن المعصية إليه يحتاج إلى توفيقه تعالى وإعانته ورحمته حتّى يتحقّق منه التوبة، ثمّ تمسّ الحاجة إلى قبوله تعالى وعنايته ورحمته، فتوبة العبد إذا قُبِلَت كانت بين توبتين من الله، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾[2].
والتوبة من العبد، حسنة تحتاج إلى قوّة، والحسنات من الله، والقوّة لله جميعاً، فمِنَ الله توفيق الأسباب، حتّى يتمكّن العبد من التوبة، ويتمشّى له الانصراف عن التوغّل في غمرات البعد والرجوع إلى ربّه، ثمّ إذا وُفِّق للتوبة والرجوع، احتاج في التطهّر من هذه الألواث وزوال هذه القذارات، والورود والاستقرار في ساحة القرب، إلى رجوع آخر من ربّه إليه، بالرحمة والحنان والعفو والمغفرة.
وهذان الرجوعان من الله سبحانه، هما: التوبتان الحافّتان لتوبة العبد ورجوعه، قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾[3]، وهذه هي التوبة الأولى، وقال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾[4]، وهذه هي التوبة الثانية، وبين التوبتين منه تعالى، توبة العبد.
2- التوبة منحة إلهيّة:
لمّا كان نجاح التوبة، إنّما هو لوعد وعده الله عباده، فأوجبها بحسبه على نفسه لهم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾[5]، فيجب عليه تعالى قبول التوبة لعباده، لكن لا على أنّ لغيره أن يُوجِب عليه شيئاً، أو يُكلّفه بتكليف، سواء سمّى ذلك الغير بالعقل، أم نفس الأمر، أم الواقع، أم الحقّ، أم شيئاً آخر، تعالى عن ذلك وتقدّس، بل على أنّه تعالى وعد عباده أن يقبل توبة التائب منهم، وهو لا يُخلف الميعاد، فهذا معنى وجوب قبول التوبة على الله، في ما يجب، وهو - أيضاً - معنى وجوب كلّ ما يجب على الله من الفعل.
3- عموم التوبة للمؤمن والكافر:
التوبة أعمّ ممّا إذا تاب العبد من الشرك والكفر، بالإيمان، أو تاب من المعصية إلى الطاعة بعد الإيمان، فإنّ القرآن يُسمّي الأمرين جميعاً، بالتوبة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾[6]، يريد للذين آمنوا بقرينة أوّل الكلام، فسمّى الإيمان توبة، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾[7]. والدليل على أنّ المراد هي التوبة، أعم من أن تكون من الشرك أو المعصية، التعميم الموجود في قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[8]، فإنّها تتعرّض لحال الكافر والمؤمن معاً.
وعلى هذا، فالمراد بقوله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوَءَ﴾، ما يعمّ حال المؤمن والكافر معاً، فالكافر، كالمؤمن الفاسق، ممّن يعمل السوء بجهالة، إمّا لأنّ الكفر من عمل القلب، والعمل أعمّ من عمل القلب والجوارح، وإمّا لأنّ الكفر لا يخلو من أعمال سيّئة من الجوارح، فالمراد من الذين يعملون السوء بجهالة، الكافر والفاسق، إذا لم يكونا معاندين في الكفر والمعصية.
4- التوبة عن جهالة:
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ﴾[9]، الجهل يُقابل العلم، بحسب الذات، غير أنّ الناس لمّا شاهدوا من أنفسهم أنّهم يعملون كلّاً من أعمالهم الجارية عن علم وإرادة، وأنّ الإرادة، إنّما تكون عن حبّ ما وشوق ما، سواء أكان الفعل ممّا ينبغي أن يُفعل بحسب نظر العقلاء في المجتمع، أو ممّا لا ينبغي أن يُفعل، لكن مَنْ له عقل مميّز في المجتمع عندهم، لا يُقدِم على السيّئة المذمومة عند العقلاء، فأذعنوا بأنّ مَن اقترف هذه السيّئات المذمومة، لهوى نفسانيّ، وداعية شهويّة، أو غضبيّة، خفي عليه وجه العلم، وغاب عنه عقله المميّز الحاكم في الحسن والقبيح، والممدوح والمذموم، وظهر عليه الهوى، وعندئذ يُسمّى حاله في علمه وإرادته، جهالة في عرفهم، وإنْ كان بالنظر الدقيق نوعاً من العلم، لكن لمّا لم يؤثّر ما عنده من العلم، بوجه قبح الفعل وذمّه في ردعه عن الوقوع في القبح والشناعة، أُلحِقَ بالعدم، فكان هو جاهلاً عندهم، حتّى أنّهم يُسمّون الإنسان الشاب الحدث السن قليل التجربة جاهلاً، لغلبة الهوى، وظهور العواطف والإحساسات الدنيئة على نفسه، ولذلك -أيضاً- تراهم لا يُسمّون حال مقترف السيّئات إذا لم ينفعل في اقتراف السيّئة عن الهوى والعاطفة، جهالة، بل يُسمّونها عناداً وعمداً، وغير ذلك.
فتبيّن بذلك، أنّ الجهالة في باب الأعمال، إتيان العمل عن الهوى، وظهور الشهوة، والغضب، من غير عناد مع الحقّ.
ومن خواصّ هذا الفعل الصادر عن جهالة: أنّه إذا سكنت ثورة القوى، وخمد لهيب الشهوة أو الغضب، باقتراف للسيّئة، أو بحلول مانع، أو بمرور زمان، أو ضعف القوى، بشيب أو مزاج، عاد الإنسان إلى العلم، وزالت الجهالة، وبانت الندامة، بخلاف الفعل الصادر عن عناد وتعمّد ونحوهما، فإنّ سبب صدوره لمّا لم يكن طغيان شيء من القوى والعواطف والأميال النفسانيّة، بل أمراً يُسمّى عندهم بخبث الذات، ورداءة الفطرة، لا يزول بزوال طغيان القوى والأميال سريعاً أو بطيئاً، بل دام نوعاً بدوام الحياة، من غير أن يلحقه ندامة من قريب، إلا أن يشاء الله.
نعم ربّما يتّفق أن يرجع المعاند اللجوج عن عناده ولجاجه واستعلائه على الحقّ، فيتواضع للحقّ، ويدخل في ذلّ العبوديّة، فيكشف ذلك عندهم عن أنّ عناده كان عن جهالة، وفي الحقيقة كلّ معصية جهالة من الإنسان، وعلى هذا لا يبقى للمعاند مصداق، إلا مَنْ لا يرجع عن سوء عمله إلى آخر عهده بالحياة والعافية. ومن هنا يظهر معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾، أي إنّ عامل السوء بجهالة لا يُقيم عاكفاً على طريقته ملازماً لها مدى حياته، من غير رجاء في عدوله إلى التقوى والعمل الصالح، كما يدوم عليه المعاند اللجوج، بل يرجع عن عمله من قريب، فالمراد بالقريب: العهد القريب أو الزمان القريب، وهو قبل ظهور آيات الآخرة وقدوم الموت، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[10].
[1] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص133, ج4، ص244-251.
[2] سورة التوبة، الآية 118.
[3] سورة التوبة، الآية 118.
[4] سورة البقرة، الآية 160.
[5] سورة النساء، الآية 17.
[6] سورة غافر، الآية 7.
[7] سورة التوبة، الآية 118.
[8] سورة النساء، الآية 18.
[9] سورة النساء، الآية 17.
[10] سورة النساء، الآية 18.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يواصل إقامة دوراته القرآنية لطلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف
|
|
|