أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-17
431
التاريخ: 2024-07-14
583
التاريخ: 2024-02-11
944
التاريخ: 2024-03-13
970
|
لم تكن الحالة في فلسطين تدعو قط إلى الارتياح والطمأنينة، بل كان الاضطراب ضاربًا أطنابه في نواحيها، كما كانت الحالة في إقليم نهر «الأرنت» وفي بلاد «فينقيا» تدعو كذلك إلى القلق لانتشار الثورات فيها؛ ومن أجل ذلك كانت الشكاوى تنهال على الفرعون مفعمة بالأنين من عسف بعض الأمراء، وقيام الثورات في بعض الأماكن، هذا فضلًا عن زحف قبائل «خبيري» في الولايات، ونهبهم بلادهم، وسلب متاعهم، وقد كان الخطر منهم على الممتلكات المصرية عظيمًا، ولذلك كان طلبهم المعونة من الفرعون لوقاية المدن لا ينفك عن الإلحاح في إرسال حملة وإمداد المدن بحاميات تتقي بها شر المغيرين، يُضاف إلى ذلك أن الشئون الخارجية الخاصة بإرسال الجزية وبخاصة العبيد والقيان، وبحماية القوافل التي كانت تسافر إلى «خانيجالبات» (بلاد متني) وإلى بلاد «بابل»؛ كان لا بد لتأمين طرقها والمحافظة على سلامتها، وتأمين حياة الموظفين القائمين على حراستها من قوة حربية لصد غارات اللصوص وقطاع الطرق. ولا أدل على سوء الحال من هذه الناحية من الشكوى التي أرسلها «بورنابورياش» ملك «بابل» إلى «أمنحتب الرابع» يذكر فيها ما حاق بقافلتين من قوافل التجارة والسلب والنهب على أيدي أمراء المدن غير ما أنزله أمير «ساتاتنا» أمير «عكا» وأحد الأمراء المجاورين له في مكان يُدعى «خيناتون» في إقليم «الجليلي» وتجار بلاد «بابل» من النهب والسلب والتقتيل (1). وليس ثمة شك في أن هؤلاء الأمراء أنفسهم كانوا يبعثون الرسائل المفعمة بالولاء والطاعة لسيدهم الفرعون. أما في شمالي «فلسطين» حيث كان «نامياوزا» يمثل مصالح الفرعون (2) كان مرجل البلاد يغلي، والثورات تكشر عن أنيابها في كل مكان، فقد حاول أمير «خاسور» وهي معقل جبلى أن يتحد مع قبائل «خبيري» ليمد رقعة إقليمه، ونذكر هنا من بين الأماكن المأهولة التي استولى عليها ثلاثة بلدان من إقليم «إياب»، وكان حاكمها يسيطر على بلدة «بلا» Pella الواقعة على مسافة بعيدة في الجنوب على الضفة الأخرى لنهر الأردن، ويظهر أنه استولى (3) على «إياب» ذاتها بنفس الطريقة، أما «لابايا» في الجهة الجنوبية فكان أشد وطأة وأعظم خطرًا؛ إذ أخذ يزحف بجيشه يعاضده «ميلكيل» و«تاجي» وهو والد زوجة الأخير فاستولى على ولايات «سهل يزرعيل» الواحدة تلو الأخرى مثل «شونم« Sunem و«بورقانا« Burquna و«جتريمون« Gitrimmon وغيرها. أما «شكيم« Sickim وإقليمها فقد أُعطي لقبائل «خبيرو»، وكذلك حاصر الأمير «بيريديا»، وفي الجنوب استولى على «غزة» الواقعة في سهل الشاطئ (4). ولما تفاقم الأمر إلى هذا الحد همَّ الفرعون بالتدخل في الأمر بجد ليضع الأمور في نصابها. ويُرجح أن هذا التدخل من جانب الفرعون كان في السنة الحادية عشرة من حكم «أمنحتب الرابع»، وكان القائد المصري في هذه الأصقاع آنئذٍ هو «يانخام»، أما في «سوريا» فقد أرسل الفرعون «حاني «(5) بن «مري رع»، وكان يحمل لقب «ابن الملك» (نائب الملك) في أرض «كنعان»، وأمره بأن يأتي برؤوس أعداء الفرعون. وعلى إثر وصوله لم يُبْدِ أي أمير مقاومة ما أو عنادًا بعد إعلان أوامر سيده التي كانت تشد من أزرها جيوشه، (6) بل لقد كان كل أمير يتسابق لإظهار سروره، وتقديم فروض الطاعة، ويعلن انضمامه للفرعون، ولم يستثنِ من ذلك ملك «خاسور» ولا الأمراء «لابايا» و«تاجي» و«ميلكيل»؛ فقد أتوا إليه طائعين، وقَبِل الفرعون خضوع «ميلكيل» و«تاجي»، أما «لابايا» فلم يغفر له خطيئته، ولم يقبل له شفاعة على الرغم من تضرعاته وتوسلاته للفرعون وأخذه المواثيق على نفسه أن يكون عبدًا خاضعًا لسيده، وأنه مستعد لتقديم زوجه أو طعن نفسه (7) بخنجر إن أمره الفرعون بذلك، غير أن كل هذه التضحيات لم تحرِّك نفس الفرعون، بل ظلَّ حانقًا عليه يتوق فؤاده أن يُساق إليه هذا الغادر إلى مصر، وقد وكل هذه المهمة إلى أمير «عكا»، غير أن الرشوة لعبت دورها فأخلى سبيله خلسة وولى الأدبار، ولكنه اغتِيل في أثناء هربه، وكذلك هرب «إياب» أمير «بلا« (8) من قائد الملك. هذا واستولى «بيريديا» أمير «مجدو» على إقليم «سونم»، وكان مشتركًا في مطاردة «لابايا» بغيرة وحمية، وكذلك استولى على مدن أمراء آخرين، وهؤلاء كانوا يفخرون بأنهم كانوا يستعبدون فلاحي البلاد المجاورة في أعمال السخرة (9). وقد عادت الحملة المصرية التي أحرزت هذه الانتصارات لمصر في يناير من السنة الثانية عشرة (10) من حكم «أمنحتب الرابع»، وأحضر قائدها معه الأسرى من الساميين، وليس بينهم أسير واحد من «خيتا»، وكذلك جاء في ركابه سفراء من «سوريا» يحملون الجزية التي قدَّموها إلى الفرعون، وتدل الرسوم التي عُثر عليها في تل العمارنة على أن الغنائم لم تكن عظيمة بالنسبة لغنائم الملوك السابقين، هذا فضلًا عن أن هذه الحملة التأديبية لم يدم أثرها زمنًا طويلًا؛ إذ ما كادت تنتهي حتى أخذ البريد يمطر الفرعون وابلًا من الشكاوى أكثر من ذي قبل، فكان ولدا «لابايا» يتميزان غيظًا لقتل والدهما ويتحفزان للأخذ له بالثأر، ومن أجل ذلك أخذا يحرضان القبائل التي كانت تدين لوالدهما بالطاعة، وساعدهما في ذلك «ميليكل» و«تاجي» على الرغم مما كانا يبعثان به للفرعون من الرسائل معربين فيها عن ولائهما وخضوعهما (11) له، وذلك في حين كانت قبائل «خبيري» يتوغلون في البلاد بقضهم وقضيضهم ناهبين الأماكن المأهولة، وفارضين الضرائب الفادحة على مدن الساحل أمثال «غزة» و«إيالون» و«صرعا» و«لاكش» وحتى «عسقلان« (12) لم تفلت من أيديهم ففرضوا عليها الجزية، وكان الحاكم المصري في هذه البقاع عاجزًا عن تقديم مساعدة تُذكر، حتى إنه اضطر أن يسحب جنود بعض المعاقل لحماية «غزة« (13) الواقعة عند الحدود المصرية. وهكذا ترك المدن وولاتها يدافعون عن كيانهم؛ ففي «أورشليم» جاهد «عبدي خيبا» أن يصد هجوم قبائل «الخبيري» و«ميلكيل» وأولاد «لابايا» على الإقليم الساحلي التابع «لشواردانا» أمير «كلنا» «قعلا» غرب «أورشليم»، وكان يؤازره في ذلك «سوراتا» أمير «عكا» و«أنداروتا» أمير «أكشاب»، وقد سار المتحالفون (14) في بادئ الأمر بروح الوئام، ولكن عندما ثارت بلدة «قعلا» على أميرها أسرع «عبدي خيبا» ومعه «شوارداتا» ليخلص المدينة من الوقوع في يد «ميلكيل«، (15) غير أنه سرعان ما دبَّ بينهما دبيب الطمع والأثرة، وبدأ كل منهما يعمل لحسابه، فلما تمكن «شوارداتا» من الاستيلاء على المدينة أراد أن يستخلصها لنفسه على كره من «عبدي خيبا»؛ ولذلك أعلن الأخير أنه «لابايا» ثانٍ انضم في الحال إلى «ميلكيل»، ولكن النصر حالف «شوارداتا»؛ إذ أخذت المدن تخضع لسلطانه الواحدة تلو الأخرى، حتى بلغ ما استولى عليه ثلاثين مكانًا، وكان «ميلكيل» في الوقت نفسه يحرض قبائل «خبيري» عليه مما اضطرَّه إلى طلب النجدة من الفرعون، وانتهى الأمر أن ساءت حالة «عبدي خيبا« (16) ، فأصبح محصورًا في «أورشليم»، ولذلك كتب إلى الفرعون يرجوه إذا لم يكن في استطاعته إرسال جيش لإنقاذه أن يرسل في طلبه هو وأسرته حتى يموت بجوار سيده الفرعون (17). وقد عملت يد القتل في الأمراء (18)، بدرجة عظيمة؛ حتى صارت مدن الولايات الفرعونية لا ولاة لها. يُضاف إلى هذا أن إقليم الجنوب الأقصى من فلسطين قد اكتظ بقبائل «خبيري «(19) وأصبحت كل مدن الداخل معادية للحكم المصري؛ أمثال «أودومو» (دوما) (راجع يوشع 15 سطر 52)، و«أرارو»، و«خنيانابي» (يوشع 11، 21 15، 50) «مجدالم» وغيرها؛ وبذلك أصبحت كل المدن التي على منحدرات جبال يهودا جنوبي «حبرون» معادية لمصر، (20) ولذلك كان «عبدي خيبا» يكرر في رسائله للفرعون قوله: «إذا توانى الفرعون في إرسال نجدة فإن كل ممتلكاته ستقع فريسة في يد قبائل خبيري «(21). وقد كانت نتيجة هذا التهديد المتكرر أن أرسل الفرعون القائد «ينخام «(22) الذي كان يثق به القوم إلى فلسطين. غير أنه عجز عن القيام بعمل حاسم في هذا الجوِّ المضطرب. هذا فضلًا عن أنه في السنين الختامية لحكم «إخناتون» كانت السيادة المصرية قد تفككت عراها وانحلت أواصرها في خارج البلاد وداخلها.
....................................................
1- راجع الخطاب رقم 7 سطر 73 … إلخ؛ إذ يقول: «أما من جهة «سالمو» رسولي الذي أرسلته إليك فإن قافلته قد نُهبت مرتين، فنُهب قافلة «برياماز»، والقافلة الأخرى (نهبها) «باماخو» حاكم بلادك التابعة، فالمرجو من أخي أن يفصل في هذا الشجار أو عندما يأتي رسولي إلى حضرة أخي فليأمر بإحضار «سالمو» أمام أخي، واجعلهم يردُّون إليه فديته ويعملون على ردِّ ما خسره.»
2- ففي الخطاب رقم 129 سطر 82 والخطاب 250 سطر 24 … إلخ، نجد أن الأوَّل من «ريبأدي» للملك والثاني من «أدر أورساج» للملك أيضًا. ومما جاء في الخطابين نفهم أنه هو الذي كان يقوم على مصالح الفرعون في هذه الأصقاع.
3- إذ في الخطاب رقم 148 سطر 41 … إلخ، نقرأ أن ملك «خازورا» قد ترك بلده واتحد مع قوم «ساجاز»، وليعرف الملك أنهم معادون للمشاة، وأن بلاد الفرعون قد أصبحت في قبضة قوم «ساجاز» (العبرانيون) … إلخ.
4- ففي الخطاب رقم 237 نجد أن كتابه للفرعون «بيادي «Bajadi يشكو أن مدن الفرعون قد اغتُصبت ومغتصبها هو «لابايا»، وفي الخطاب رقم 244 يكتب «بيريديا» أمير «مجدو» إلى الفرعون طالبًا النجدة ليخلص «مجدو» من عدوان «لابايا». وفي الخطاب 249 نشاهد أن «أدو-أورساج» يكتب للفرعون يشكو من «ميلكيل» «وتاجي» وتحريضهما السكان على العصيان، أما الخطاب 250 فقد كتبه كذلك «أدو-أورساج» للفرعون، وفيه يقول: «إن ابني «لابايا» قد عزما على تخريب أرض الفرعون، وأن «ميلكيل» مشترك معهما ويطلب المعونة من الفرعون ويظهر ولاءه له.» (راجع كذلك 289، سطر 22 و253، 254).
5- راجع الخطاب رقم 301؛ حيث يقول «شوباندو» في خطابه للفرعون: «إن الملك سيدي الشمس في السماء قد أرسل «خاني» إليَّ، وتأمل! لقد أصغيت إلى كلمة الملك سيدي بانتباه، وتأمل! لقد قدمت 500 ثور و20 جارية.» … إلخ.
6- وقد ظهر من بين أسماء القُوَّاد الذين أُرسلوا في هذه الفترة «مايا» (راجع الخطابات 216–218؛ 292، سطر 33؛ 300 سطر 26).
7- راجع الخطابات رقم 245، 250، سطر 27؛ 280 سطر 30، وكذلك 252–254.
8- راجع الخطاب رقم 256.
9- راجع: “Revue d’Assyriologie”, XIX, p. 97.
10- راجع: Meyer, “Gesch” II, 1. p. 339.
11- راجع الخطابات 255 … إلخ؛ 250 سطر 32؛ 287 سطر 29؛ 289 سطر 5 … إلخ 25.
12- راجع الخطابات 287 سطر 14 … إلخ؛ 273، سطر 20، (أما عن حالة «غزة» المحزنة) راجع كذلك 292 سطر 42 … إلخ. (أقرن كذلك 294، سطر 16 … إلخ)؛ 297، سطر 16؛ 298 سطر 20 … إلخ، 299 سطر 14.
13- راجع الخطابات رقم 287 سطر45 … إلخ، 289 سطر 30 … إلخ. اقرن كذلك 286 سطر 25.
14- راجع: “Revue d’Assyriologie”, XIX, p. 98.
15- راجع 280، 289 سطر 25 … إلخ؛ 299 سطر 10.
16- راجع الخطابات 271 سطر 9، و281–283.
17- راجع الخطاب 288 سطر 57 … إلخ.
18- راجع الخطابات 288 سطر 40 … إلخ (= 335).
19- راجع الخطابات: 305 سطر 20، 307، 313، 318. وقد ذكر مع الخبيري كذلك قبايل البدو (سوتي) (297 سطر 16 و318 سطر 13).
20- راجع 256 سطر 22 … إلخ، ولم يكن محميًّا إلا قلعتي «غزة» و«يافا» (راجع 296 سطر 32، اقرن كذلك 294 سطر 20).
21- راجع 272، 273، 274، 286، سطر 49 … إلخ، 287 سطر 20 … إلخ.
22- راجع الخطاب 270، سطر 11؛ حيث نجد «ينخام» يطلب من «ميلكيلي» 2000 شكلًا من الفضة، وكذلك طلب إليه أن يعطيه زوجه وأولاده أو يقتله.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|