أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2016
4078
التاريخ: 2024-06-19
752
التاريخ: 25-12-2021
1953
التاريخ: 11-12-2021
2257
|
كل من في الكون يبحث عن العزة والبقاء بصورة تظهره بمظهر العزة، والعظمة. ولكن المشكلة الحقيقية هي عدم معرفة البعض الطريق الصحيح لكسب العزة التي يريدها. فيتخذ أسلوبا فبدل أن يقربه نحو العزة يجعله أقرب إلى الذلة. وذلك لأنه لا طريق للعزة حقيقة إلا عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله مناديا كل من يرغب في العزة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10].
والعزة في اللغة بمعنى المنعة. والمنعة بمعنى أن لا يثقل على الإنسان ما يصغر مقامه، وما يوجب له النقص والذلة فالعزة تقابل الذلة، والعزيز يقابل الذليل، فلا الذلة الظاهرية، ولا العزة الظاهرية هي التي ينشدها الإنسان في واقعه وإن طلب الوهم لا الحقيقة. فأنه يجد في نفسه استصغارا، واحتقاراً لذاته حينما يشعر بأي ضعف، أو نقص يعتريه، لذلك نجد في دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) في دعاء الجوشن: «يا من هو رب بلا وزير يا من هو عزيز بلا ذل يا من هو غني بلا فقر»(1)، فالغنى والعزة المطلقة لله تبارك وتعالى فقط. ويقول الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة: «يا من خص نفسه بالسمو والرفعة وأولياءه بعزه يعتزون يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقها فهم من سطواته خائفون»(2).
فالملوك والجبابرة يخافون من مكر الله تبارك وتعالى، والتغير الذي يطرأ على أحوالهم بحكمة الله تبارك وتعالى ترعبهم. فكم ملك فقد ملكه، وانقلب عليه وزرائه، وتغير عليه الحال وصار يبحث عن الملجأ والمخبأ بعد أن كان يتطاول عليه بأني ربكم الأعلى، أو لا أرى لكم إلا ما أرى، ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد.
وكثير من الناس يتوهم أن المناصب التي يحصل عليها هي العز الذي ينشده. فمتى استطال وتمكن من ظواهر الحياة أخذه الغرور والتكبر، فصار لا يعبأ بمن هو أدنى منه مرتبة في الظاهر. بل لو علم أن عليا أفضل منه مقاما، وأكبر منه شأناً، فأن ما فيه من الغرور يجعله لا يعترف لعلي بحقه، والله سبحانه وتعالى ضرب أمثلة رائعة في كتابه لمثل هذه الحالات كفرعون، وهامان، وقارون، وغيرهم من أجل أن يتعظ الناس، ولا يطلبون حالهم ولذلك قال تعالى حاكياً عن قارون: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 79، 80] ، إلى أن قال: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82].
فانظر بعين البصيرة كيف أن قارون لم ينفعه عزه الظاهري، ولم تنفعه أمواله، وسلطانه، وتمنى الناس أن يكونوا مثله ولكن خسف الله به وعقابه. وأن العزة الحقيقية لله سبحانه وتعالى، يعطي من يشاء ويذل من يشاء: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
بل أن بعضهم يتطاول على حق الله، ويعتقد أن من حقه أن يحيي ويميت، كما حدث مع النمرود في قصة النبي إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت} [البقرة: 258].
وهذه العنجهية والغرور والتكبر واعتقاد العزة لا يخلو زمن من الأزمان لا يوجد فيه أشخاص يدعونها لأنفسهم، ومن ذلك ما حدث في زمن السيد أبو الحسن الاصفهاني (رضوان الله عليه) حيث كان هو مرجع الشيعة في زمانه.
بعد ثورة العشرين كان الإسهام الأكبر في تحرير الدولة من الإنكليز بيد العلماء، هم الذين ثاروا وجعلوا العراق مستقلة؛ ولكن هناك ضعف في نواح متعددة مما جعل الإنكليز يحكمون من وراء الستار فنصبوا فيصلاً ملكاً على العراق، في أثناء ملك فيصل، زاره ملك الأردن عبد الله الأول، وكان من ضمن البروتكول أن يأتي هذا الملك الزائر ليسلم على كبير العلماء في النجف؛ لأن هؤلاء العلماء كان لهم صولة وجولة باعتبار أنهم هم الذين أوجدوا الاستقلال للعراق بالفعل، وكانت المرجعية العامة في ذلك الزمان للسيد أبي الحسن الأصفهاني، وكان حينذاك وزير التشريفات من الشيعة يسمونه باقر بلاط، وهو شخص متدين مؤمن، ففى أثناء ترتيب الزيارة رأى وزير التشريفات ان الملك عبد الله الذي جاء لزيارة الملك فيصل ملك العراق في حالة من الكبرياء وإظهار عظمة نفسه. فخاف وزير التشريفات أن تصدر من الملك بعض الكلمات أو بعض الأشياء التي لا تليق بالمرجعية، فقرر الذهاب مع الوفد الملكي إلى النجف حتى يهيأ الملك على كيفية مقابلة السيد أبو الحسن الأصفهاني. وفي الطريق شرع الوزير بتفهيم الملك مقام المرجعية الشيعية ودورها في العراق، واحترام الناس لها إلا أن الملك نهر الوزير بغطرسة بدعوى أنه شيعي، والشيعة يغالون في علمائهم ومراجعهم.
فلما سمعت جوابه احترت معه، كيف أعلمه فقلت له: كيف عرفت أنا نغالي في تقديسنا واحترامنا لهم؟
قال لي: أخبرني بعض المستشارين من الإنكليز، قالوا لي إن الشيعة عندهم غلو زائد في علمائهم بالخصوص هؤلاء الشخصيات الكبيرة التي على مستوى المرجعية وقد عرفت ذلك من الإنكليز.
لما رأيت ذلك شرعت في الطريق بالتوسل بأمير المؤمنين صلوات الله عليه لكل قلبي بأن لا يصدر من تبخرته وخيلائه ما يسيء إلى الموقف في أثناء اللقاء، ولا سيما أنه كاد أن يخرج من ثيابه بسب إحساسه بالعظمة والكبرياء والغرور الذي لا حد له، فبكيت وأنا أتوسل بأمير المؤمنين وعندما وصلنا إلى النجف كان البرتوكول أن يدخل الملك من باب والعالم من باب آخر، ويلتقيان في وسط الطريق. وفعلا دخلا فعانق كل واحد منهما الاخر ورحب بالثاني ترحيبا جميلا ورائعا يقول: فحمدت الله على أن الأمور جرت بخير.
فلما جلس التفت السيد أبي الحسن الأصفهاني إلى الملك عبد الله قال له: كيف تؤمنون الموارد المالية للدولة؟
قال: نحن دولة صغيرة والدول الصغيرة تعتمد على انجلترا. وهي تأمن لنا ما نحتاج، وهي دولة متحضرة، وشرع الملك في مدح الإنكليز. التفت له السيد أبي الحسن الأصفهاني فقال:
غير لائق بنا كمسلمين أن نعتمد على الدول وننسى الطاقات والقدرات التي نملكها، فما رأيك أيها الملك أن نتعاون أنا وأنت، أنت في ملكك وسلطانك وأنا بتوجيهي للناس لنحقق بذلك عظمة الأمة الإسلامية وزرع الثقة في الناس وأنهم قادرون على تحقيق أهدافهم، وأنا على استعداد لتقديم العون والمساعدة وبذل المال والنصيحة وتوجيه الناس لنعيد للإسلام والمسلمين العزة والكرامة.
فلما سمع الملك كلام السيد أخذ يستمع إليه بحكمة وروية. وانتهى اللقاء، وودع كل منهما الآخر. خرج السيد أبو الحسن الأصفهاني وخرج الملك، وفي طريق العودة التفت إلي الملك وقال يا سيد باقر؟
قلت له: نعم صاحب الجلالة.
قال: كل ما قلته في هذا السيد فهو قليل في حقه وهو أعظم من ذلك بمراتب.
ونحن حينما نتأمل لماذا يتصاغر الحكام والطواغيت أمام العلماء؟
فإن الجواب: هو أن العالم عزته من عزة الله ومستمدة منه ولهذا يتواضع كل عظيم لعظمته. فلذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من اعتز بغير الله أهلكه العز»(3).
العزيز بغير الله ذليل، صلوات الله وسلامه عليك يا أمير المؤمنين. ما هو العز؟ إذا أردت أن تكون عزيزا، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «العز أن تذل للحق إذا لزمك»(4).
ولذلك حتى أولياء الله الذين ينالون من عزه وعظمته، فأن الله يبتليهم ببلاء، حتى لا يراهم الآخرون في مقام ليس لهم، ولذلك لما جاء سائل إلى الحسين بن روح يسأله عن السر الذي جعل الله يبتلي أنبياءه ورسوله والمعصومين من غير ذنب أذنبوه، أو معصية اقترفوها؟
الطريق الى العزة الإلهية:
أولاً: طاعة الله سبحانه وتعالى وتحري رضاه.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله): «إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز»(5).
ثانيا: ترك المعصية.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من أراد عز بلا عشيرة، وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته)(6).
ثالثاً: أن ييأس الإنسان مما في أيدي الناس.
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (اليأس مما في أيدي الناس عز المؤمن في دينه)(7).
رابعاً: أن يعطي النصفة من نفسه للآخرين.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا أنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله تبارك وتعالى إلا عزا)(8).
خامساً: عدم الزهد في الحق.
يقول الإمام العسكري (عليه السلام): (ما ترك الحق عزيز إلا ذل ولا أخذ به ذليل إلا عز»(9).
_____________________________
(1) بحار الأنوار 91: 394.
(2) اقبال الأعمال 80:2.
(3) غرر الحكم: 8217.
(4) بحار الأنوار 75: 228.
(5) بحار الأنوار 68: 120.
(6) تحف العقول: 376.
(7) الكافي 149:2.
(8) الكافي 2: 144.
(9) مستدرك سفينة البحار 2: 345.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|